تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | الدولة تفكر في الانتخابات والسياسيون يفكرون في زراعة الحشيش

رائحة القنب الهندي تسبق الاقتراع

عرفت بداية سنة 2013 أحداثا مؤسفة في منطقة بني جميل قرب الحسيمة، بعد اصطدام بعض المواطنين مع القوات العمومية التي كانت تقوم بمحاربة زراعة القنب الهندي، ورغم أن الوقت كان مبكرا للحديث عن أي “تقنين لهذه الزراعة”، إلا أن النائب البرلماني المعروف في هذه المنطقة، وهو رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، لم يخف دعوته إلى “ضرورة تقنين زراعة القنب الهندي”، وأدلى بتصريحات خاصة لجريدة “الأسبوع”، شكلت مصدر إلهام وتداول لعدة مواقع في الصحافة الوطنية، خاصة عندما قال: ((الكيف أو القنب الهندي عبارة عن منتوج فلاحي مثله مثل الشعير والعنب والكرموص، يمكن أن تستخرج منه المخدرات ويمكن أن تصنع منه الأدوية والمواد العطرية والصناعية.. الكرموص مثلا ليس حراما ولكن إذا صنعت منه الماحيا يصبح حراما)) (المصدر: الأسبوع / عدد 31 يناير 2013).

إعداد : سعيد الريحاني

    بالنسبة لنائب مثل نور الدين مضيان، اعتاد على الفوز الانتخابي في منطقة الريف، فإن الدعوة إلى تقنين زراعة القنب الهندي تشكل في حد ذاتها حملة انتخابية صالحة لكل زمان ومكان، لذلك لا غرابة أن يكرر نفس المواقف اليوم بعد مرور أكثر من ثماني سنوات ونحن على أبواب انتخابات تشريعية جديدة.

نور الدين مضيان، نائب استقلالي، وقد حل ضيفا على أمينه العام لحزب الاستقلال، نزار البركة، في إطار رئاسة هذا الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ليطالب بـ”ضرورة تحرير المزارعين (يقصد مزارعي القنب الهندي) من الخوف والرعب الذي يلازمهم كل وقت وحين، وكذا برفع الصفة الجرمية عن زراعة عشبة الكيف، تماشيا مع قرار الأمم المتحدة، ولم يفوت مضيان الفرصة دون الدعوة إلى تقنين زراعة عشبة الكيف على غرار باقي الزراعات الأخرى، وضرورة إيجاد البدائل والحلول الكفيلة بضمان العيش الكريم للمزارعين، وتعزيز استقرارهم الاجتماعي..

ولأن موضوع تقنين زراعة القنب الهندي لا يخلو من مزايدات سياسية، فقد كان من الطبيعي أن يكون هناك تناقض بين ما يقوله مضيان في ضيافة نزار البركة، وبين إعلام الحزب، بسبب عدم التنسيق أو ربما عدم الاتفاق، حيث سبق لجريدة “العلم” أن نبهت إلى الاستغلال السياسي لزراعة القنب الهندي من طرف الحزب المنافس، الأصالة والمعاصرة، على هامش توقيع اتفاقية “مدسوسة” بين مجموعة من الاتفاقيات عقدها مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة مع جامعة محمد الخامس بالرباط (المعهد العلمي)، حيث دخلت جريدة حزب الاستقلال على الخط لتوضح بأن ((رئاسة مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة تضع الحصان قبل العربة))، وجاء في عنوان صادر على صدر الصفحة الأولى لجريدة “العلم” (لسان حزب الاستقلال): “توقيع اتفاقية خاصة بالقنب الهندي قبل التسوية القانونية لهذه المادة الممنوعة قانونا”.

وفي تعليقهم على خطوة رئيسة جهة طنجة، فاطمة الحساني، التي تولت المنصب خلفا لرئيسها السابق، إلياس العماري، قال الاستقلاليون بأن ((مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، من خلال هذه الاتفاقية، يحاول أن يفرض سياسة الأمر الواقع في خطوة استباقية قد تكون غير محسوبة، لأن إخضاع هذه النبتة للدراسة العلمية لتمهيد الطريق أمام استعمالاتها الطبية، كان ولايزال يفرض تنسيقا معمقا مع الجهات الرسمية المختصة، لأنه في جميع الحالات، فإن الإقدام على أي خطوة في هذا الصدد، يجب أن يسبقه تعديل للقانون الذي يجرم أي استعمال لهذه النبتة)).. ولم يقف تعليق “العلم” عند هذا الحد، بل إن الجريدة ربطت الأمر بالانتخابات وهي تقول: ((الخوف كل الخوف أن يكون الاشتغال على نبتة الكيف يتم حاليا بخلفيات انتخابية صرفة، ذلك أن هذه المادة تعتبر عملة صعبة يمكن توظيفها في الزمن الانتخابي في منطقة تعرف نشاطا ورواجا لهذه المادة، خصوصا وأن الجهة السياسية التي تنتمي إليها رئيسة الجهة، كانت ولا تزال تسوق بوازع انتخابي، لضرورة التسوية القانونية لهذه النبتة، وإذا كان الحال كذلك، فإن السلطات المختصة مطالبة بالتدخل لتصحيح الوضع، خصوصا وأننا في سنة انتخابية بامتياز، وما يرجح هذه الفرضية، هو أن رئاسة جهة طنجة تطوان الحسيمة تركت كل الملفات الهامة المرتبطة بتحقيق التنمية في هذه الجهة جانبا، وتفرغت للاهتمام بنبتة الذهب الأخضر))، تقول جريدة “العلم”.

بين تهديدات العربي المحارشي وزراعة “الكرموص” عند نور الدين مضيان

حسب هذا المنطق السياسي، فاستغلال زراعة القنب الهندي كورقة انتخابية حلال بالنسبة لحزب الاستقلال وحرام على حزب الأصالة والمعاصرة، هذا الأخير كان من الأحزاب التي طالما جاهرت بالدعوة إلى تقنين زراعة الحشيش، ويعتبر بعض منتسبيه، أن هذا الملف مسجل باسم الحزب، لذلك لا غرابة أن تجد القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، العربي المحارشي، يقول خلال الأسبوع المنصرم: ((إن البام، مباشرة بعد تأسيسه في 8 غشت 2008، تطرق إلى تقنين زراعة الكيف بالمناطق الشمالية للمملكة.. أريد أن أقول إننا ألفنا مجموعة من الأبواق تخرج كلما سعينا إلى فتح نقاش جاد ومسؤول، يصب في مصلحة منطقة ما، وتحاول أن تبقي الأوضاع على ما هي عليه، حتى تستمر في استغلال المزارعين الفقراء، كل حسب موقعه وحسب طريقته..)) (المصدر: تدوينة فيسبوكية للعربي المحارشي).

ولمن لا يعرف العربي المحارشي، فهو أحد أقطاب حزب الأصالة والمعاصرة الذين طالما أثاروا الجدل كلما تعلق الأمر بالدعوة إلى تقنين زراعة الحشيش، فقد سبق له أن كشف سنة 2015، في عز الحمى الانتخابية وسط حشد جماهيري على أطراف مدينة وزان، التي يمثلها في البرلمان، امتلاكه لأشرطة “مسجلة” لرجال سلطة ورجال الدرك الملكي وشيوخ و”مقدمين” يتلقون الرشوة مقابل السكوت عن زراعة الحشيش، حيث قال وسط حشد هائل كان يقاطعه بالتصفيقات، بالحرف: ((عندي فيديوهات ديال التهديد.. الدولة كاملة عارفة كاين الكيف هنا (يقصد وزان والنواحي)، واش الدولة قادرة على تحمل مسؤوليتها؟ واش عندنا الطريق بحال الرباط والدار البيضاء باش منديروش الكيف، واش ولادنا خدامين، واش عندنا السبيطار باش منديروش الكيف، واش عندنا الما، واش عندنا الأسواق، أشنو بغيتو تديرو لا مدرتوش الكيف؟))، كلام المحارشي، ورغم التخريجات اللغوية، كان يحمل دعوة صريحة لزراعة الكيف ويشجع بشكل صريح على زراعة القنب الهندي، لكن لا أحد تحرك ليحاسبه أو يسائله، لاسيما وأنه انتقل في إحدى اللحظات وهو يعزف على وتر التهييج إلى التهديد بالتصعيد، قائلا: ((معمرني كنت باغي ندير مشكل وطني (هنا المقصود وزان) ولكن أنا مستاعد نديرو على حسابكم.. هكذا تحدث المحارشي، لكن ما يدعو للاستغراب، هو أنه هو نفسه كان مصرا على توثيق هذا الكلام بشريط فيديو، بل إنه استقدم صحفيين من الرباط، ليوثقوا هذا الكلام الخطير ويذيعوه)) (المصدر: الأسبوع/ 15 يونيو 2015).

بالنسبة للسياسيين، فالدعوة إلى تقنين زراعة القنب الهندي، رغم الخلط والتلاعب بالمصطلحات والمفاهيم، ليست جديدة، لكن المسألة اليوم تحولت إلى حديث داخل المؤسسات الرسمية للدولية، وليس المجلس الاقتصادي والاجتماعي وحده، بل إن المجلس الحكومي الذي يفترض أن ينعقد اليوم الخميس، ينتظر أن يناقش “تقنين زراعة الكيف”، ((فبعد مصادقة المغرب على قبول استخدام نبتة القنب الهندي، أو ما يعرف بالكيف، في المجال الطبي، خلال اجتماع لجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة، يرتقب أن تصادق حكومة العثماني على مشروع قانون يتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي.. ويأتي طرح الحكومة لمشروع قانون تقنين الكيف في المغرب، تزامنا مع النقاش الواسع الذي يقوده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول هذا الموضوع، إذ يرتقب أن يصدر المجلس تقريرا هو الأول من نوعه حول تقنين نبتة الكيف، لاستعمالات طبية وعلمية، وكان المغرب قد صوت خلال اجتماع لجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة، مؤخرا، بقبول استعمال نبتة القنب الهندي في الاستخدام الطبي، وهو القرار الذي وافقت عليه 27 دولة مقابل رفض 25 دولة)) (المصدر: هسبريس/ الثلاثاء 23 فبراير 2021).

الأرجح، أن المغرب سيساير التصنيف الأممي الجديد لنبتة الكيف، فقد أعاد التصويت الأخير للجنة المخدرات بالأمم المتحدة على إعادة تصنيف نبتة القنب الهندي من فئة “الأكثر خطورة” إلى الفئة “الأقل خطورة”، وفتح باب استعمالها الطبي، (أعاد) جدل تقنين زراعة هذه النبتة في المغرب إلى الواجهة، حسب ما تؤكده الصحافة الدولية، التي تتداول أيضا بعض الأرقام مثل القول بأن: ((زراعة القنب الهندي تعد المصدر الرئيسي لعيش أزيد من 90 ألف أسرة في ريف شمال المملكة، كما أن المغرب يعد المصدر الأول للحشيش المستخرج من النبتة نحو أوروبا)).

تناقضات وخلفيات سياسية بين “البام” والاستقلال في موضوع تقنين زراعة القنب الهندي

إلى هنا، يطرح سؤال: لماذا صوت المغرب داخل الأمم المتحدة على تقنين الاستعمال الطبي لزراعة القنب الهندي؟ الجواب على لسان جلال التوفيق، عضو اللجنة الدولية للمخدرات بالأمم المتحدة، والذي قال: ((إن تصويت المغرب إلى جانب 26 دولة، لصالح إعادة تصنيف القنب الهندي، جاء تأسيسا على توصيات منظمة الصحة العالمية، التي ارتأت أن عددا من الأمور التي تتضمنها الاتفاقية الدولية للمخدرات لسنة 1961، أصبحت متجاوزة))، وأوضح التوفيق أن ((القرار الجديد للجنة المخدرات بالأمم المتحدة، جاء لتصحيح خطأ الاتفاقية الدولية للمخدرات لسنة 1961، إذ لم يكن معروفا لدى الباحثين أن القنب الهندي يمكن استعماله في الميدان الطبي والعلاجي، لكن الآن اتضح أن مشتقاته لها مزايا علاجية على الرغم من محدوديتها، وهو ما استدعى نقله من فئة المخدرات التي يضمها الجدول الرابع (الأكثر خطورة) إلى الجدول الأول (الأقل خطورة)))، وأشار المتحدث إلى أن ((إعادة تصنيف القنب الهندي لا تعني انتفاء خطورته، بل فقط الاعتراف بالمزايا العلاجية له، فبعض مشتقات القنب الهندي يمكن أن تستعمل في علاج مرض الصرع لدى الأطفال والألم المزمن))، مضيفا أن ((الجدل القائم على المستوى الدولي بشأن القنب الهندي، سببه مادة “الكانابيديول”، وهي مادة غير محظورة ولا تسبب الإدمان))، مشيرا إلى أن ((عددا من الشركات العالمية ترغب في الاستثمار في هذه المادة، لكن حينما يتم استخلاصها من هذه النبتة، يجب أن تكون خالية من “التتراهيدروكانابينول”، وفي حالة تحقق هذا الشرط، يمكن أن تستعمل هذه المادة سواء في الميدان الطبي كما يمكن استهلاكها دون مشاكل)) (المصدر: موقع عربي بوست).

وانظروا للفرق بين التأويلات الطبية لزراعة القنب الهندي، والتأويلات السياسية، التي تنحصر في العفو عن مزارعي الكيف، وهنا يطرح تساؤل: كيف يمكن التمييز بين مزارع وبين تاجر؟ وكيف يمكن التمييز بين من ألقي عليه القبض في إطار الترويج، ومن تم القبض عليه في إطار الزراعة؟ الأكيد أن حسابات السياسيين ليست هي حسابات العلماء، والأكيد أكثر أن فترة الانتخابات تعطي لهذا الموضوع قابلية أكبر للاستغلال السياسي، لأن الاستعمال الطبي للكيف يجعل المساحات المزروعة محددة وليس فتح الباب على مصراعيه لزراعة آلاف الهكتارات من حقول القنب الهندي.

ثم إن هذا الموضوع ليس جديدا في المغرب، وربما لا يعرف كثير من المواطنين أن زعيما وطنيا مثل عبد الكريم الخطابي، رغم انتمائه لمنطقة الريف التي يحاول البعض تقديمها كأرض لا تصلح فيها إلا هذه الزراعة، لم يكن موافقا أبدا على نشاط زراعي من هذا النوع، أما بالنسبة للأحزاب التي تحاول اليوم الركوب على هذه الموجة، فإنها بالتأكيد لا تأخذ بعين الاعتبار رأي شريحة كبيرة من المواطنين، فالسعي لتقنين زراعة الكيف حسب الباحث محمد بولوز: ((هو في واقع الأمر سعي للتطبيع مع آفة عششت في المنطقة الشمالية، وخصوصا في كتامة، يوصلها بعض المؤرخين إلى ما يقارب أربعة قرون، وبقيت زراعة الكيف تقاوم من طرف العلماء ورجال السلطة منذ زمن غير يسير، ومما يذكر في هذا الجانب، محاولة السلطان مولاي الحسن الأول، رحمه الله، القضاء على الكيف، فأصدر أوامره بإحراق مزارعه، كما أصدر السلطان مولاي سليمان رحمه الله سنة 1814 مرسوما يأمر فيه بقطع طابا والكيف وإحراقهما، ولم تطرح مسألة التقنين إلا مع المحتل الغاشم.. فهذه الدعوات الآن هي عودة إلى الفترة الاستعمارية، وإحياء لمنهج المحتل مع هذه الآفة التي عرفت انتعاشا وتأطيرا في بلادنا خلال الحماية الفرنسية والإسبانية، حيث اشترطت الدول الكبرى آنذاك في اتفاق الجزيرة الخضراء (7 أبريل 1906 في الفصل 72)، أن تكون زراعة الكيف محتكرة من طرف الدولة، وفي سنة 1910، تم إيجاد شركة دولية تدعى “الشركة الدولية ذات المصالح المشتركة” Regi co-intersses المستفيدة من امتياز الاحتكار، وامتد نشاطها سنة 1912 إلى منطقة الاحتلال الإسباني، وكذا المنطقة الدولية بطنجة، فانتعشت هذه الزراعة حتى وصلت إلى 500 طن سنة 1920، فكان من تقنين زراعة الكيف، أن يتقدم الفلاح الراغب في زراعته بطلب رخصة من إدارة “سكا تبغ” التي تقوم بتوجيه لائحة بأسماء هؤلاء إلى السلطات المعنية)) (المصدر: حوار مع الباحث محمد بولوز/ أرشيف الأسبوع).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى