تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | هل كان الحسن الثاني وراء فكرة التقارب العربي الإسرائيلي ؟

بين الحسن الثاني وأنور السادات

ظل الحديث عن علاقة المغرب بإسرائيل شائكا على اعتبار العدد المهم لليهود المغاربة بإسرائيل، أو الذين لايزالون بالمغرب، ومنذ بداية توطين اليهود المغاربة بإسرائيل والشائعات قائمة حول هذه العلاقة، غير أن أقوى الجدالات كانت على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، الذي دائما ما لاحقته تهمة العلاقات المشبوهة بينه وبين إسرائيل، حتى أنه استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز سنة 1986 بالقصر الملكي بإفران، ثم فتح مكتب اتصال إسرائيلي بالرباط سنة 1994، إلا أن القضية التي أسالت الكثير من المداد، وشغلت الرأي العام العربي لمدة خمس سنوات، هي تلك المتعلقة بلعب الحسن الثاني دورا سريا في التمهيد لزيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات لإسرائيل سنة 1977، وكذلك اتهامه بكونه هو من أوحى باتفاقيات كامب ديفيد.. فهل فعلا لعب الحسن الثاني دورا في زيارة أنور السادات لإسرائيل؟

 

أعد الملف: سعد الحمري

 

هكذا دعم الحسن الثاني زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى إسرائيل علنا

    لم يكن يوم 9 نونبر من عام 1977 عاديا أو عابرا، بل كان حدثا تاريخيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد كانت المناسبة هي افتتاح دورة مجلس الشعب المصري الذي يفتتحه الرئيس المصري كما جرت العادة، وخلال إلقاء كلمته الافتتاحية، فاجأ الرئيس المصري محمد أنور السادات المصريين والعالم في ذلك اليوم، بالإعلان عن استعداده للذهاب إلى القدس، بل وإلى الكنيست الإسرائيلي، حيث قال خلال كلمته ((ستدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته، ومناقشتهم)).

لم تكد تمر حتى عشرة أيام على ذلك التصريح، وبينما كان الكل ما زال لم يستوعب الأمر، حتى نفذ الرئيس المصري محمد أنور السادات ما أعلن أنه مستعد للقيام به، فقد حطت طائرته الخاصة يوم 20 نونبر 1977 بإسرائيل، وهو التاريخ الذي وافق يوم عيد الأضحى، وصلى صلاة العيد بالقدس الشريف، ثم ألقى خطابا بالكنيست الإسرائيلي، أوضح من خلاله أن فكرة السلام بينه وبين إسرائيل ليست جديدة، وأنه سوف يستهدف السلام الشامل، ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن، لزيارة مصر، من أجل عقد مؤتمر قمة في مدينة الإسماعيلية.

نزل الخبر كالصاعقة على كل بقاع العالم بصفة عامة، والقادة العرب بصفة خاصة، الذين عبروا بصريح العبارة عن رفضهم لهذه الفكرة، غير أنه كان هناك زعيم عربي واحد، هو الذي أيد مساعي الرئيس المصري علانية، وهو الحسن الثاني ملك المغرب، فبعد أيام قليلة من خطاب الرئيس المصري أمام مجلس الشعب المصري، استقبل المغرب اجتماعا لوزراء العدل العرب، ألقى الحسن الثاني كلمة افتتاحية للمؤتمر، وعبر عن تأييده ودعمه لمبادرة الرئيس المصري، وبذلك كان الزعيم العربي الوحيد الذي أيد هذه المبادرة علانية.

وفي اليوم الذي حل فيه الرئيس المصري بإسرائيل وألقى كلمته بالكنيست، خص العاهل المغربي مندوب جريدة “الأهرام”، علي الشمان، باستجواب وصف بالهام، وكان أول سؤال وجهه الصحفي إلى الملك، يتعلق بخطابه أمام وزراء العدل العرب وتأييده للمبادرة المصرية، فأجاب الملك أن ((كل قائد عربي عليه الاختيار بين أن يكون سياسيا أو رجل دولة))، وأكد الحسن الثاني أنه ((اختار أن يكون رجل دولة، وبذلك عبر بصراحة عن دعمه لمبادرة الرئيس أنور السادات))، وتابع حديثه بالتشديد على أنه حين أرسل برقية التأييد للرئيس السادات، لم يكن عاطفيا أو تحت تأثير المبادرة التي قام بها، ثم أضاف أنه ((بعد تفكير عميق في الموضوع، وجدت أن زيارة أنور السادات من شأنها أن تشكل منعطفا تاريخيا خطيرا على إسرائيل، لأن سفر الرئيس المصري إلى إسرائيل جعلها مجبرة على الرد على مبادرته، فإن كان الرد إيجابيا، فذلك جيد، وإن كان سلبيا، حكم التاريخ على إسرائيل نهائيا)) حسب تصريحه.

وبالموازاة مع دعمه لمبادرة الرئيس المصري، أوفد الملك مبعوثين للرؤساء العرب، وكان ذلك موضوع السؤال التالي الذي سأله الصحفي، والمتعلق بالسبب الذي جعل الملك يقدم على هذه الخطوة، وعن الرسالة التي كلف مبعوثيه بإيصالها إلى أشقائه، فأجابه الحسن الثاني: ((إن المبادرة أساسها أنني أطلب من العرب الصمت والصبر لا التأييد ولا النقد، أطلب منهم الصمت والصبر ريثما ينهي الرئيس السادات المأمورية التي أرتئي أن يقوم بها باسمه وباسم العرب. السكوت، لنترك الرجل يعمل ويتخذ المواقف بينما يعرض علينا النتائج التي توصل إليها، هذه هي الروح التي سادت الرسائل التي أرسلتها إلى أصدقائي الملوك والرؤساء)).

لم يقف دعم الحسن الثاني لأنور السادات عند هذا الحد، بل إنه تصدى لكل المبادرات العربية الساعية إلى فرض عقوبات على مصر، فقد بعث الزعيم الليبي معمر القذافي برقية إلى العاهل المغربي، دعاه من خلالها إلى ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة وعاجلة في حق الجمهورية المصرية من أجل ردع أنور السادات عن مبادرته، واقترح الزعيم الليبي القيام بثلاث إجراءات عاجلة، وهي: أولا، نقل مقر الجامعة العربية من العاصمة المصرية إلى عاصمة أخرى، ثانيا، طرد مصر من الجامعة العربية، وثالثا، تطبيق قوانين المقاطعة العربية على مصر، لكن جواب الملك على رسالة القذافي، يوم 22 نونبر 1977 موافق يوم 10 ذي الحجة 1397 وهو يوم عيد الأضحى، كان عبارة عن دعوة للتريث وعدم إصدار حكم مسبق على مبادرة الرئيس أنور السادات، وبعد ذلك، رفض الحضور إلى مؤتمر القمة العربية الذي كان سينظم بالعاصمة الليبية طرابلس من أجل فرض عقوبات عربية على مصر.

واستمرارا لدعمه لمبادرة الرئيس المصري، أرسل الملك الحسن الثاني، يوم 20 يناير 1978، برقية إلى الرئيس المصري، بمناسبة زيارته إلى القدس الشريف، ثمن من خلالها مبادرة أنور السادات، وتأسف عن توقف المفاوضات بين الطرفين، المصري والإسرائيلي، وجدد الملك دعمه للسادات، على اعتبار أنه المفاوض المؤهل للدفاع عن قضية الأمة العربية في مجموعها.

شمعون بيريز خلال زيارته للمغرب سنة 1986

 

نفي الملك تمهيد المغرب سرا لزيارة أنور السادات إلى إسرائيل

    ابتداء من ذلك التاريخ، بدأت المنابر الإعلامية العربية تتحدث عن دور سري للمغرب، بقيادة الحسن الثاني، في التمهيد لمبادرة الرئيس المصري أنور السادات المتمثلة في زيارة إسرائيل، وهي القضية التي مازالت شائكة إلى اليوم بين طرف يؤكد دور الحسن الثاني في القضية، وآخر ينفي، ومن بين من يؤكد ذلك، الكاتب والصحفي المصري، محمد حسنين هيكل، الذي كان على مقربة من صنع القرار السياسي بمصر في ذلك الوقت، وقد تحدث عن هذا الموضوع في كتابه “مدافع آية الله قصة إيران والثورة”، حيث ذكر أن الجنرال المغربي أحمد الدليمي هو من قام بتسليم أول رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن إلى الرئيس المصري محمد أنور السادات، واقترح عليه فيها عقد اجتماع مشترك بينهما. وتابع الكاتب المصري الحديث عن هذا الموضوع في كتابه، قائلا أن ((الملك الحسن الثاني كان هو الذي رتب في قصره أول لقاء مصري إسرائيلي مباشر))، وهناك طرف آخر يؤكد ما صرح به الكاتب المصري، وهو المسئول السابق في جهاز المخابرات الإسرائيلية، يوسي ألفر، الذي قال في كتابه “بحث إسرائيل عن حلفاء في الشرق الأوسط”: ((إن المغرب لعب دورا كبيرا في ترتيب زيارة أنور السادات إلى إسرائيل))، وتابع أن ((الأمر بدأ بلقاء بين الملك الحسن الثاني ومدير الموساد، إسحاق حوفي، أفضى إلى لقاء ملكي آخر مع الوزير الأول الإسرائيلي إسحاق رابين، الذي حل بالمغرب بشكل سري مرتديا باروكة شعر أشقر))، كما أشار نفس الكاتب إلى أن ((المملكة المغربية بعدما احتضنت هذه اللقاءات السرية بين الملك الحسن الثاني والمسؤولين الإسرائيليين، استضافت لقاءات سرية بين مسؤولين إسرائيليين وآخرين مصريين))، وهكذا أعد الحسن الثاني، دائما حسب نفس الرواية، لأول لقاء مصري إسرائيلي في المملكة، حيث التقى موشي ديان وزير الخارجية الإسرائيلي، وحسن التهامي نائب رئيس الوزراء برئاسة الجمهورية المصرية.

كان على الملك الحسن الثاني أن يواجه هذه الشائعات، خاصة وأنها خطيرة، غير أنه التجأ لوسيلته المفضلة كالعادة، وهي الحديث للصحافة، حيث خص يوم 20 يناير 1978 مبعوث جريدة “النهار”، جلال كشك، بحديث صحفي، فكان أول سؤال وجهه هذا الأخير للملك يتعلق بالقضية التي شغلت الرأي العام العربي والدولي، وهي ما تردد من شائعات بشأن دور المغرب في التمهيد لمبادرة الرئيس السادات، لكن الملك نفى ذلك، وأكد أنه تفاجأ فعلا، وأوضح أن ((الرئيس السادات لم يستشره حتى حول عزمه على زيارة القدس، وعلل ذلك بأن الرئيس السادات لم يشأ أن يحرج أحدا من العرب، حتى يتحمل هو وحده مسؤولية القرار، على اعتبار أن مبادرته إذا حققت النجاح، فهو نجاح للجميع، وإذا حصلت أمور أخرى، فإنه يتحمل وحده مسؤوليتها))، ثم طرح عليه المراسل سؤالا حول حقيقة مقابلته لعدد من الشخصيات اليهودية، وما تردد من أنه مهد بذلك لمبادرة الرئيس السادات، نفى الملك ذلك وشدد على أمر واحد، وهو أنه فعلا استقبل شخصيات يهودية، غير أنه أكد أن هذه الشخصيات تركت العمل السياسي منذ زمن بعيد، وأصبحت تتحرك بصفتها الشخصية، وأضاف أنه خلال لقاءاته معهم، تمت مناقشة المشكل العربي الإسرائيلي، لكن كمجرد نقاش فكري فلسفي أو مناقشة نظرية، ثم ختم إجابته أنه لا يمكن أن تعتبر تلك اللقاءات تمهيدا للعمل الذي قام به الرئيس السادات.

ورغم نفي الملك بنفسه دور المغرب في التمهيد لمبادرة السادات، إلا أن الإعلام العربي استمر في الحديث عن الموضوع، وصدرت بيانات مغربية رسمية تنفي ذلك، واستمر نفس السؤال يطرح على العاهل المغربي خلال مقابلاته الصحفية، فخلال استقباله يوم 16 يونيو 1978 مدير جريدة “السياسة الكويتية”، أحمد الجار الله، إلى جانب أحد محرريها، وهو الصحفي الراحل، رمزي صوفيا، طرح عليه مدير الجريدة نفس السؤال الذي أصبحت تتحدث عنه الصحافة العربية، وهو: “تحدثت الصحافة العربية كثيرا عن لقاءات سرية مغربية إسرائيلية يهودية، وكثيرا ما صدرت بيانات مغربية تنفي ذلك أو تصححه، إنما مازال الحديث يدور في مشرقنا عن مثل هذه اللقاءات، فهل من إيضاحات يا صاحب الجلالة في هذا الموضوع؟”، فكان جواب الملك عن هذا السؤال الذي أصبح يحرجه كثيرا، قاطعا، وقدم توضيحات أكثر هذه المرة، حيث قال في هذا الشأن: ((مما لا شك فيه أنه كانت هناك اتصالات بيننا وبين شخصيات يهودية، ولا نقول صهيونية أو إسرائيلية (ذكر أسماءهم هذه المرة)، وعلى سبيل المثال، هناك غولدمان الذي نعرفه من قديم، وشوراكي، وهو من العلماء الذين يكنون لنا الود والتقدير، مع العلم أنه يوجد بين الجالية اليهودية المغربية أشخاص أصبح لهم وزن في الخارج ولا أقول في إسرائيل، ولكن في الخارج، أي كندا وفرنسا مثلا، وكانت اتصالات مع السيد دوبري، الذي هو أكبر الحزانين في باريس ونعرفه وهو صديقنا))، ونفى الملك خلال هذه المقابلة الصحفية نفيا باتا أن تكون هذه اللقاءات قد مهدت لزيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس، حيث أضاف: ((فالاتصالات التي جرت، كانت على هذا المستوى، أي مستوى رجال الثقافة والمال والاستثمارات، ولم تتجاوز هذا الحد، ولم تكن أبدا في مستوى السياسيين الإسرائيليين ولا الصهيونيين))، وختم الحسن الثاني حديثه عن هذه القضية بـ((وأريد أن توضع نقطة نهائية لهذا الموضوع)).

 

خيبة الحسن الثاني من الاتفاق المصري الإسرائيلي

    استأنفت المفاوضات المصرية الإسرائيلية بعد توقف خلال النصف الأول من سنة 1978، وعقد اجتماع رفيع المستوى بمدينة الإسماعيلية المصرية خلال نفس السنة، وبعد ذلك بشهر واحد، اجتمعت اللجنة السياسية المكونة من وزراء خارجية مصر وإسرائيل والولايات المتحدة في مدينة القدس، وبدأ التحضير لاتفاقيات كامب ديفيد، وفي يوم 5 شتنبر من السنة ذاتها، وصل الوفدان المصري والإسرائيلي إلى كامب ديفيد، وبعد 12 يوما من المفاوضات، وقع الجانبان على اتفاقية كامب ديفيد.

واستمرت العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد ذلك، ثم انتهت بتوقيع اتفاقية من الجانبين على معاهدة سلام مصرية إسرائيلية، وكانت المحاور الرئيسية للمعاهدة تتعلق بـ”إنهاء حالة الحرب” و”إقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل”، و”انسحاب إسرائيل من سيناء” التي احتلتها سنة 1967.

بعد هذه التطورات، وجد الحسن الثاني نفسه في مأزق حقيقي، فقد ظهر أن أنور السادات كان يسعى فقط للتفاوض من أجل مصر لا عن القضية العربية، وهو خلاف ما كان يدافع عنه الحسن الثاني، ومما زاد الوضع تأزما، أن أنور السادات لما كان عائدا من كامب ديفيد، نزل في المغرب واستقبله الملك، وبعد ذلك، أظهر الملك شبه تبنيه لاتفاقيات كامب ديفيد، غير أنه بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، انضم المغرب إلى الدول العربية التي قطعت علاقاتها مع مصر، وكانت آخر دولة عربية أقدمت على هذه الخطوة.

وهكذا أصبح على الملك أن يفسر أسباب تدبدب الموقف المغربي من تبني اتفاقيات كامب ديفيد إلى مقاطعة مصر، فاستغل العاهل المغربي لقاء صحفيا عقده مع إحدى أهم المجلات في أوروبا وهي “دير شبيغل” الألمانية، يوم 10 يناير 1981، ليفسر هذا الأمر، فسأل صحفي عن الجريدة العاهل المغربي حول “السبب وراء التحول الذي عرفه الموقف المغربي من الرئيس المصري أنور السادات”، حيث أن الموقف المغربي تحول من شبه تبني لاتفاقيات كامب ديفيد التي وقعتها مصر وإسرائيل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، كما تساءل الصحفي هل جاء القرار المغربي لترضية الأطراف العربية المعادية لاتفاقيات كامب ديفيد؟ فكان جواب الملك عن هذا السؤال مستفيضا، فقد ((أكد الحسن الثاني في البداية، أن المغرب لم يتبن يوما اتفاقات كامب ديفيد، بأي شكل من الأشكال، وأنه عندما سافر أنور السادات إلى القدس، لم يكن على علم بذلك مسبقا))، وهو خلاف ما كانت تتحدث عنه الكثير من التقارير بأن الملك كان قد مهد لهذا اللقاء، وفي المقابل، اعترف مجددا أنه الزعيم العربي الوحيد الذي هنأ الرئيس السادات على زيارته للقدس، وأضاف أنه رأى أن ((مبادرة السادات كانت جريئة، على اعتبار أن الدخول في مفاوضات مع إسرائيل من أجل السلام، هو مبادرة تستحق الدعم، حيث أنه إذا نجح الملف، فإن الأمر جيد للمغرب، وإذا حصل العكس، فستتوقف المفاوضات إلى ما هو عليه))، وشدد على أنه ((إذا كان الإسرائيليون يريدون السلم، فإن المغرب سيكون أول المبادرين له، ومستعد لتحمل كل الانتقادات والمخاطر)).

أما بخصوص ما وقع بينه وبين الرئيس السادات، فقد كشف الملك الحسن الثاني عما دار بينهما، وأكد أن ((الرئيس السادات عندما كان عائدا من كامب ديفيد، طلب التوقف في المغرب، وقدم عرضا موجزا للملك بحضور ممثلي أهم الاتجاهات السياسية الممثلة في الحكومة المغربية، ومن خلال ذلك وصف أنور السادات كامب ديفيد بأنها الإطار الذي ينبغي أن تسوى داخله المشكلة الثنائية المعلقة بين مصر وإسرائيل، أو أن تبدأ تسويتها فيه، وخلال العرض، أوضح الرئيس السادات أن مثل هذه التسوية لا تتنافى مطلقا مع التسوية العادلة لقضايا الجولان والقدس والشعب الفلسطيني)).

واستمر الملك في سرد ما جرى خلال توقف الرئيس المصري في المغرب، فقد ذكر أن هذا الأخير طلب عقد ندوة صحفية بالمغرب للحديث عن اتفاقات كامب ديفيد، وأضاف الحسن الثاني أنه قال له ((السيد الرئيس، إذا كنتم تنوون أن تقولوا في هاته الندوة ما قلتم لي الآن، فأنا مستعد لتنظيمها، وبقيت الأمور مع الرئيس السادات عند هذا الحد)).

وسرد بعد ذلك، ما اكتشفه في اتفاق كامب ديفيد، حيث اتضح أنه يحتمل تأويلين، الأول من قبل الجانب المصري، والثاني من الطرف الإسرائيلي، وبذلك برزت شبهات وغموض في اتفاقيات كامب ديفيد حتى أصبح كل واحد من الطرفين يعتبر أن الحق معه.

وعلق الملك على ما اتضح له لاحقا بالقول: ((شعرت أنه إما أن الرئيس السادات غالطني، وإما أنهم غالطوه، وكيفما كان الحال، لم يعد وقتها في إمكاني أن أبقى موافقا، وكيفما كان الحال، لم أعد موافقا على ما حدث، كل هذا بعيد عن اعتبار أننا ساندنا كامب ديفيد أو اتخذنا موقفا يشبه التبني))، وختم الحسن الثاني إجابته عن هذا السؤال، بالتأكيد على براءته من التهمة التي ظلت تلاحقه، وهي أنه من أوحى باتفاق كامب ديفيد، موضحا: ((إنني أستطيع أن أؤكد لكم، أنه لو كنت أوحيت بكامب ديفيد، لكان الاتفاق الناتج أحسن صيغة، ولكن ليس هذا ما حصل للأسف)).

وبالموازاة مع ذلك، كانت الصحافة المصرية والإسرائيلية قد نشرت تقارير تتحدث عن الدور المغربي في الاجتماعات الإسرائيلية المصرية التي جرت فوق الأراضي المغربية تمهيدا لاتفاق كامب ديفيد، حتى أن صدام حسين الرئيس العراقي، سأل الملك عن صحة هذه الأخبار عندما قام الحسن الثاني بزيارة إلى بغداد، وخلال المقابلة الصحفية التي قام بها الملك مع مجلة “دير شبيغل”، طرح عليه السؤال التالي: “كانت هناك تقارير وشائعات كثيرة مفادها أن موشي ديان، وحسن التهامي ممثل الرئيس السادات، التقيا في المغرب، وهناك إشاعة تقول إن رابين كان هنا بدعوة منكم، ولهذا قيل إنكم تبنيتم كامب ديفيد؟”، فأجاب الملك بأنه طرح عليه نفس السؤال من طرف الرئيس العراقي صدام حسين، وأوضح له التالي: ((إما أنهما كانا متفقين على أن يجتمعا، فلم لا والحالة هذه أنهما يقدمان إلى بلد عربي ولم يتوجها إلى البهاماس أو ناسو مثلا، وإما أنه كان يلزم جمعهما بالقوة، وفي هاته الحالة نتساءل: ما هي القوة التي يتوفر عليها المغرب لحملهما على الالتقاء؟ وهذا غير منطقي، ثانيا: إنني أعلم أن كثيرا من المسؤولين الإسرائيليين عبروا عن رغبتهم في الحلول بالمغرب وقد أشعروني بتلك الرغبة، فأجبت بأننا نرحب بهم، لكن على أساس أنه محظور علي وعليهم السياحة، إن كنتم تريدون النزول عندنا بمخطط جدي واقتراحات فمرحبا، أما إذا كنتم تبتغون سياحة، فاعلموا أنه لا يمكنني أن أزوركم سائحا كما أنه لا يمكنكم أن تزورونا سائحين، وإذا كانت عندكم أمور جدية، فطيب تفضلوا)).

وهكذا تبقى الحقيقة معلقة حول هل فعلا كان للحسن الثاني دورا في التمهيد لاتفاقات كامب ديفيد؟ إلى حين، ومهما يكن، فقد استقبل الملك في سنة 1986 شمعون بيريز بالقصر الملكي بإفران، وهو ما زاد الأمر غموضا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى