تحليلات أسبوعية

بين السطور | عندما تمسك الطبيعة بزمام الأمور

بقلم: الطيب العلوي

بعد أن دخلت “كورونا” للمغرب في الثاني من مارس 2020، والتي يمكن تصنيفها من بين الكوارث الطبيعية – إن لم تكن فعلا من صنع البشر- وأدت إلى خسائر فادحة، بشرية ومادية، تكون من ناحية أخرى، قد عرت على كل عيب يسكن المنظومة الصحية(…)، وعلى كل نقص يخلّ بموازين الأنظمة الأخرى للبلاد، كما أبانت، ومن زاوية أخرى، عن مكامن القوة، كالاقتصاد الوطني مثلا، الذي بدأ في استعادة مكانته المعهودة شيئا فشيئا.

ومرت الأيام حتى سمعنا هذا الأسبوع، وبعد سنة تقريبا من قدوم فيروس “كورونا”، بكارثة “طبيعية” أخرى، تجلت هذه المرة، وبكل بساطة، في تسرب الأمطار إلى معمل لصناعة النسيج في طنجة، كائن بمرآب تحت أرضي لفيلا “سكنية”، مما أدى إلى مصرع 28 عاملة وعاملا منهم كانوا “منغمسين” في عملهم.. حتى الموت، مما أثار غضب الجميع، إلى درجة أن أول قرار للسلطات في هذا الشأن، كان هو دفن الضحايا ليلا وسط الظلام الداكن للمقبرة، تفاديا بلا شك للموكب الجنائزي الذي كان سيسفر عن موجات فوضى “نهارية” قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه(…)، هذا الظلام الذي يدفع الواحد إلى التساؤل بعد أي صلاة تمت الصلاة على الضحايا، ربما الشفع والوتر.. ليبقى هؤلاء العمال قد خضعوا للظلم أحياءً، وأمواتا..

وكما قال بعض الزملاء الصحفيين، كيف يمكن لمصنع بهذا الحجم، يعرف يوميا حركة دؤوبة وتنقلات مئات العمال وعشرات الشاحنات التي تأتي لإفراغ المواد الأولية وجمع السلع من قلب حي سكني نشيط الحركة وفي إحدى كبريات المدن، (كيف له) أن يسمّى بالسري، في بلد ينصح فيه جهازه الأمني الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا مثلا، ويحذرهم من أي شخص ينوي القيام بعملية إرهابية، عن بعد.. في بلدهم.

وإن كان هذا المصنع فعلا سريّا(…)، فهذه الفاجعة لم تكن قد كشفت عن المصنع الطنجاوي السري وحده، وإنما عن مغرب سري بأكمله، يعيش بالموازاة مع المغرب العلني الذي تراه الأعين، مغرب ثان بدأ ينال ثقة المغاربة أكثر من “المغرب العلني”، حيث بدأ المغربي يشرع لنفسه كل ما هو سري، من الهجرة السرية إلى الصفقات السرية، مرورا بالبناء العشوائي… أي السري.

لا يخفى على أحد أنه عندما يغيب الإنسان، تأخذ الطبيعة مكانه، وما جرى بطنجة خير دليل على ذلك، إذ حتمت الظروف وغياب التدخلات البشرية(…)، على الطبيعة، كشف المعمل “السري”، الذي ليس هو الوحيد طبعا، مما يجعل الإنسان يخشى من هذه الطبيعة التي بدأت، على ما يبدو، تأخذ بزمام الأمور بعد فقدانها للأمل في البشر..

فكما كشفت الأمطار عن مرآب طنجة، وكما عرّت “كورونا” على عدة عيوب أخرى، أخشى على هذا الوطن من هذه الوتيرة المتسارعة لتدخل الطبيعة، من اليوم الذي قد تُخرج فيه هزة أرضية الناس حفاة عراة من دور بيع الهوى “السرية”، أو اليوم الذي ستُخرج فيه عواصف الرياح القوية، الملفات والوثائق السرية المدفونة تحت بعض الإدارات منذ مدة(…)، أو تُخرج الأوراق النقدية المنهوبة عقب مختلف القضايا الكبرى(…) والمدفونة هي الأخرى في شتى المغارات، كما هي الخشية من اليوم الذي سيكشف فيه حريق قد يشب “طبيعيا”، عن حقول زراعة الحشيش، التي لا يعلم عنها أحد(…).

((فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)) (سورة الأنعام: الآية 43).

تعليق واحد

  1. “فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” – التغابن 16 –

    هي في الحقيقة الطبيعة ولازالت وستبقى دائما ماسكة بزمام الأمور، فالجوع والطمع والجشع وحب الخير و و و، كلها طبيعة تحرك الانسان وتدفعه نحو البناء او الهدم، – مفهوم مغاير لما اراده المقال من كلمة الطبيعة -،

    فدوافع الانسان الطبيعية ان كانت هي المحرك ففي تضاربها أحيانا ما يكفل ضبطها وتنظيمها وحتى ايقافها ومنعها ان اقتضى الأمر بما يكفل دفع المفسدة،

    ودائما في سياق “فاجعة” المعمل “السري” في طنجة وعلاقة مسبباتها بالطبيعة بتجلياتها المتعددة – رحم الله الأموات -، وبغض النظر على كون المعمل سري أو غير سري وبعيدا عن الجدل حول المقصود بالسري وكيف يمكن ان نتكلم على وحدة صناعية بما تحمله الكلمة من أجهزة ومعدات و و و، وإذا أردنا المزايدات فيما هو سري او غير سري وما هو قانوني وغير قانوني …،

    فالأمثلة كثيرة، ويمكن كما قال احدهم كلنا “متهمون الى أن يثبت العكس”، للاستئناس ومن باب الدعابة فحتى من يشتري زجاجة خمر من لابيلفي أو كارفور أو أي محل بقالة تبيعه – بل حتى المطاعم – بشكل سري، فيخبؤونه في كيس أسود أو يلفه بجريدة، وكذلك من باعه فهو يبيعه بسرية …

    بعيدا عن كل هذا، ألا يجدر بنا والمناسبة من عند الله وفي خضم تبعات ونتائج كورونا – من عند الله – ان يتم “محاولة” جعل الإقتصاد الوطني وآلياته يقف على واقعه كما هو حقيقة والقطع مع النشرات والاساليب الاعلامية المبالغة في “التفاؤل” و”تزويق” الواقع …، مما يشكله من خطر على المواطن كونه يعيش في وهم الى ان يصطدم بالواقع، وكذلك المستثمر معتقدا في كفاءات عاملة “جلها” غير ذات مؤهلات مهنية أو أخلاقية حتى … مع الأسف

    بعيدا عن التشاؤم، فالمراكز الاقتصادية، مهنية كانت او تجارية والادارية والسياسية كذلك الخ، كلها يجب اعادة عجنها من جديد، الا من رحم ربي فالأغلب يتظاهر بالعمل والآخر يتظاهر بأداء المقابل اللازم أو الكافي، وفي الواقع لا أحد منهم “يعول” على الآخر ويحسب بعضهم البعض في الخفاء أعداء

    المثير بعد الواقعة أن الصحف الإيليكترونية ومواقع التواصل تبادلت اخبار “سرية” المعمل بشكل يوحي ان الأمر ناذر وغريب عن المغرب ! (حتى دول أوروبية فيها مثل هذه الوحدات)، على كل حال ما يهم هو أن المواقع تلك لم تتناول الموضوع من جهة اجتماعية كذلك بل “طاحت” (تداولت) على القضية بما يشبه “الشتيف” (الرفس …)،

    سؤال يطرح نفسه اليست اغلب الاحياء بطنجة، الدار البيضاء – حدث ولا حرج -، فاس، الرباط … تعج بمثل هذه الوحدات ؟، الا تساهم هذه الاخيرة في امتصاص البطالة، وفتح بيوت بكرامة ؟،

    وكيف يمكن القول ان السلطات لا تعلم بوجوده ؟، الا يقلل ذلك من قيمتها ؟، اتركونا من المثالية المزيفة، فالمسؤول بين مطرقة لزوم توفير فرص الشغل وسندات اعمال القوانين بمواصفات لا يتحملها المستثمر، اكراهات المعيشة من سكن وتطبيق و …، و… ، وسندان اختيار مصدر رزق حلال كريم يكفي او لا يكفي …

    كان الأجدر كما “أغمضت” الأعين من أجل ترقيع الوضع الاقتصادي للمشتغلين – على حد العلم لم يكونوا عبيدا، يشتغلون غصبا -، ان يتم بنفس “الروح” العمل على تتبع ومعالجة الملف قانونيا وحقوقيا واقتصاديا بحكمة، كون رأس المال جبان كما يقال، وأسهل ما يكون أن يجمع الجميع حقائبه ويترك جحافل العاطلين يتواجهون مع الدولة وهي في أضعف وضع بسبب كورونا

    نعم يمكن تكييف القضية وتفاصيلها وايجاد اخراج وفق الضوابط التي كانت ستعمل بها الوحدة لو كانت الامور “قانونية” من تعويضات وغيرها في حالات القوة القاهرة، نعم كانت هناك قوة قاهرة تسببت في موت الناس وهذا هو الموضوع وليس الوحدة الصناعية ولا المكري والمكتري، وإلا أين البنية التحتية ؟، أين الشركة المشرفة على التطهير ؟ …

    الواقعية الإجابية تقتضي في كل الحالات التعامل مع مثل هذه الأمور بدءا بحسن نية، ووفق مقاربة تضامنية كفيلة بتثمين وتتميم ما تم انشاؤه وبدأه من سبقونا ووضعه رهن المصلحة العامة للبلاد والعباد، بدل الجلد والهدم، فقط للركوب على موجة نزوة عابرة تسمم احشاء مجتمع تواق الى حياة كريمة وأمل في مستقبله ومستقبل مؤسساته، ما لن يتأتى إلا بتضافر الجهود ولو بحد ادنى من التوازنات، تحافظ على الاستمرار باضطراد، بغية التطور والمساهمة في تماسك الاقتصاد الجماعي والوطني عامة والمجتمع المغربي بمشاربه ومنابعه المختلفة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى