وزير المالية السابق عبد القادر بنسليمان وإلغاء مكتب الصرف
شخصيات مغربية عرفتها – بقلم. رمزي صوفيا
مهما مرت السنين، فلا يمكنني نسيان أول سياسي قابلته في الفترة التي تلت استقراري في المغرب وإجرائي لحواراتي الصحفية مع كبار شخصيات المغرب، إنه وزير مالية المغرب آنذاك الذي عرفني عليه سفير دولة الكويت في المغرب.
وبعد تعارفنا مباشرة، جعلني أشعر وكأننا أصدقاء منذ سنوات طويلة، فقد بدأ يعرفني على أصدقائه الوزراء ويبرم لي المواعيد الصحفية معهم. لقد كان رجلا لطيف المعشر ومهذب الأخلاق، وكان أنيقا جدا. وفي أول لقاء لنا أذكر العبارة التي بادرته بها، حيث قلت له: “لقد أسعدني الحظ بالتعرف عليك، لأنك تمتاز بمزايا حميدة قل نظيرها”، فقال لي: “إن هذه المزايا موجودة في جل المغاربة بالفطرة. وستتعرف على كل هذا بنفسك خلال سنوات قليلة بعد استقرارك في المغرب”. فسألته سؤالا مختلفا: “معالي الوزير، لقد لاحظت وجود قيود على إخراج العملة وإدخالها من وإلى من المغرب رغم أن سعر الدرهم جيد، فالدولار يساوي أربعة دراهم ونصف تقريبا”. فأجابني: “لا تنس أننا دولة خرجت من مرحلة الاستعمار من فترة غير بعيدة، ولدينا قضية الصحراء، كما لا يجب نسيان حركات ومحاولات الأعداء الذين يحاولون تحطيم اقتصادنا، وعلى رأسهم الجزائر التي تقدم الدعم لمرتزقة البوليساريو، إضافة إلى القذافي الذي يمدّهم بالمال والسلاح ضد المغرب. لكل هذه الأسباب خلقنا مكتب الصرف حتى نضبط بواسطته عمليات تحويل العملات الصعبة للخارج حسب القوانين المعمول بها. وبطبيعة الحال، فمع مرور الوقت وعندما سيتحسن وضع اقتصادنا وتتوقف الجزائر وليبيا عن دعم البوليساريو ويتم الحسم في ملف الصحراء المغربية بشكل نهائي سنلغي مكتب الصرف”. فسألته: “لقد شاركت في المسيرة الخضراء والتقيت شخصيا بالصحراويين فوجدت لديهم تعلقا هائلا بالمغرب ووفاءً كبيرا لجلالة الملك الحسن الثاني. لقد تحدثت مع عدد كبير من الناس هناك فقالوا لي بإجماع: “نحن مغاربة وسنبقى مغاربة ونحمد الله على ذهاب الاستعمار الإسباني من منطقتنا المغربية والتحاقنا بإخوتنا في أقاليمنا الأخرى”. فقلت له: “إن هناك الكثير من المغاربة الذين أغواهم البوليساريو يعودون اليوم إلى الوطن المغربي بعد التصريح الكريم لجلالة الملك: “إن الوطن غفور رحيم” “وقبل أن أكمل سؤالي قال لي: “إن الكثير من أعضاء هذا الكيان الارتزاقي هم مغاربة أغواهم المال والتغرير، وزعيمهم عبد العزيز المراكشي بنفسه هو مغربي ووالده يعيش في المغرب ويطالبه بالعودة إلى أحضان وطنه الذي أنجبه. ولكن الوعود الجزائرية والليبية الكاذبة لكل أعضاء البوليساريو بأنهم سيصبحون أغنياء ويحكمون دولة مستقلة هي التي خلقت هذا الكيان بنفسه. وهيهات أن يتحقق لهم ذاك الهراء الذي وعدهم به المغررون، والدليل هو ما تراه اليوم من عودة متواصلة للمغرر بهم نحو وطنهم الأب المغرب. وللأسف الشديد فالجزائر تقف جاهدة وراء كل هذه الخزعبلات وهذا التلاعب بحقائق تاريخية ثابتة وهي مغربية الصحراء وقد نسيت وقوف المغرب إلى جانبها بالمال والسلاح والطعام والدواء خلال فترة استعمارها، ولولا المغاربة لبقيت مستعمرة لحد اليوم”. فسألته: “هل الوقوف ضد مصالح المغرب هو من الحكام الجزائريين لوحدهم أم من طرف الشعب الجزائري أيضا؟” فقال لي بصوت جازم: “الحكام الجزائريون هم الذين يكيدون الدسائس والمكائد للمغرب أما الشعب الجزائري فهو بريء من كل هذا لأن كل الجزائريين يحبون المغاربة والمغرب مثلما يحبهم المغاربة، فقلوبنا نحن المغاربة مليئة بالحب والصفاء ولا مكان للكراهية وللبغضاء عندنا لأننا نرفل في الرخاء والتطور تحت القيادة العظيمة لملكنا الحسن الثاني، وكما قلت لك فقد خرجنا منذ زمن قريب من الاستعمار ولا شك أن المخطط التنموي الذي وضعه جلالة الملك سيسير بالمغرب بعيدا في درب التطور، وكل المغاربة يدعون الله أن يبارك في أعمال جلالته ويحفظ لنا ولي العهد سمو الأمير سيدي محمد الذي ولا شك سيواصل العمل في درب النماء عندما سيتولى عرش أسلافه البررة”.
ومرت السنوات ونحن على اتصال أنا والسيد عبد القادر بنسليمان الذي كان من كبار أغنياء منطقة زعير بضواحي مدينة الرباط، وكان يتميز بكرمه الحاتمي حيث اشتهر بحسن وفادته لكل الضيوف الكبار الذين كانوا يحلون بالمغرب.
وخلال مساره المهني تنقل السيد بنسليمان بعدد هام من المناصب التي كان يكلفه الراحل العظيم الحسن الثاني بها، حيث كان وزيرا للسياحة ثم سفيرا للمغرب بألمانيا. وكان الراحل الحسن الثاني يعتبره رجل الأزمات الاقتصادية منذ الفترة التي نجح فيها نجاحا باهرا في إدارة وتدبير البنك الوطني للإنماء الاقتصادي.
وقد تميز مسار السيد عبد القادر بنسليمان أيضا بالنضال الحزبي حيث كان قياديا لامعا في الحزب الوطني الديمقراطي، وكان قوي الحضور مسموع الكلمة بفضل حكمته واتساع أفقه إضافة إلى مزاجه الهادئ والقادر على تدبير أصعب الحوارات.
ولن أنسى لقائي الأخير به عندما جئنا جميعا إلى بيت الصديق الراحل العلامة أحمد بنسودة، حيث جلسنا جميعا نستحضر شخصيته وطيبوبته ووطنيته الخالصة لله. وكانت تلك آخر مرة التقيت فيها السيد بنسليمان قبل أن يلتحق هو الآخر بالرفيق الأعلى بعد مدة.