تحليلات أسبوعية

بين السطور | حتى محامي المغاربة في باريس مشغول

بقلم: الطيب العلوي

  كان من البديهي أن يطبق المغرب مقولة “حرفة بوك لا يغلبوك”، ويتخذ فرنسا نموذجا له، خلال تعلمه للمشي وحده والتحليق بأجنحته دون عون، أي غداة حصوله على الاستقلال، كونها هي التي خطت أولى الطرق السيارة بالبلاد وثبتت أولى القناطر والسكك، وربطت أولى الأسلاك الكهربائية، كما رتبت أولى دفاتر التسيير الإداري، ورسمت جزءً هاماً من ملامح الاقتصاد الوطني، ووضعت أسس المغرب الحديث، لكن مع مرور الوقت، وبعد أن صور لنفسه خريطة طريق نالت احترام الجميع، عوض أن يزيد المغرب، ذاك العصفور الفتي، من استقلاليته وحريته في الفعل والقرار(…)، بات هذا التقليد حاضرا، بل أكثر من ذلك، تقوى واشتد ونما وامتد إلى كل القطاعات، وخير دليل على ذلك، تجربة حالة الطوارئ الصحية الأخيرة، حيث كان من السهل، وبإمكان كل واحد، تخمين ما ستسقط من تعليمات وتدابير في المغرب ثلاثة أسابيع من قبل، بإلقاء نظرة فقط على ما اتُخِذ من قرارات في بلاد ماكرون.

أما الآن، وبصرف النظر عن البعد التاريخي، تبقى فرنسا بالتأكيد مثالا في الدردشة عن دولة حقوق الإنسان والمواطنة والحداثة والمؤسسات، ليس فقط بالنسبة إلينا، وإنما لكل بلد تتفوق عليه في الترتيب(…)، لكن.. لا ننسى أن الأمور تغيرت وستتغير، فمغرب الستينات ليس كمغرب اليوم، ومغاربة الأمس خريجو الجامعات الفرنسية ومتحدثو لغة موليير بكل سلاسة، غيروا وجهاتهم في السنوات الأخيرة، للتأهل في مختلف معاهد العالم، ومعظم هذه النخب أصبحت تفضل التحدث بلغة شيكسبير بعد عودتهم للمغرب قصد تحمل المسؤوليات في القطاعات الأساسية والحساسة(…)، مما يؤدي إلى تباعد مستمر في الأفكار والرؤى والمصالح بين المغرب وفرنسا.

نسبح حاليا في بحر العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، حيث أصبحت الأمور “رياضية” وتقنية، ولا وجود لأي تشابه، لا في الأرقام ولا في النِسب ولا في المعدلات بين المغرب وفرنسا، فالاستنساخ الكامل للأفكار لم يعد صائبا ولا صالحا، بل سيعتبر تقليدا أعمى كما قال السلف، لأن هموم المغربي فيما يخص التعليم مثلا، ليست نفسها هموم الفرنسي، ومعاناة المغربي فيما يخص قطاع الصحة، ليست نفسها معاناة الفرنسي، وكذا سياسيا، وإداريا، واجتماعيا… نقط ضعف الرباط ومصالحه ليست نفسها بباريس، بالإضافة إلى كون فرنسا أصبحت تفقد يوما بعد يوم مكونات تلك الأمة التي تغذي أحلام الشعوب، بجغرافيتها اللغوية، وسلاحها الثقافي، واقتصادها الواسع، ونخبها…

على المغرب إذن، أن ينفصل شيئا ما، ويدبر شؤونه بنفسه، وأن يستنسخ نماذجه من دول تتفوق عليه، كل قطاع على حدة (التعليم، الصحة، النقل…)، أما إذا استمر في اعتماده على فرنسا “فالشّادّة والفاذّة”، فحلمنا سوف يبقى ممتدا في الزمن فقط، وسنظل مجرد صدى لسياستها واقتصادها وفكرها، الذي يشهد غموضا وتراجعا في كل المستويات، ولن نعيش معها مستقبلا إلا طرائف كتلك التي جرت الشهر الماضي، حيث تبين من خلال تغريدة سفيرتها في بلادنا، أننا ما زلنا نستشير ونعري على الخطط(…)، أو كما حدث هذا الأسبوع، حيث شاهدنا جميعا تعيين محامي كبار الوجوه المغاربة(…) وزيرا للعدل في فرنسا، والذي سيصبح هاتفه بالتأكيد مقفلا في وجه الجميع(…)، لضيق الوقت !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى