اقتصاد

المنبر الحر | مفاهيم الاقتصاد الجديدة ما بعد “كورونا”

بقلم: نجمة الرفاعي

    “كورونا” لازال بجعبته الكثير، مادة دسمة للعديد من المجالات، رغم المآسي التي جاء بها، إلا أننا استخلصنا من العبر ما يكفي لإعادة النظر في وجودنا، وترتيب أولوياتنا.

صحيح أننا في قلب الأزمة، إلا أنه في انتظارنا كوارث لا مفر منها، وحبذا لو وضعناها نصب أعيننا، لأن “معرفة الداء نصف الدواء”.

ستواجه كل دول العالم أزمات اقتصادية لا محالة، والمغرب كذلك، فهل يمكننا تخطيها؟ وهل باستطاعتنا حجز مقعد متقدم بين دول العالم؟

برزت في تاريخ الاقتصاد المغربي ثلاث حقبات مهمة، بداية من الاستقلال إلى الآن، حيث شهدت تحديث المخططات الخماسية التي استهدفت الاستقلال الاقتصادي والتخلص من التبعية الخارجية، وتحديث المجالات الفلاحية، الصناعية والسياحية، مرورا بسياسة التقويم الهيكلي، وخوصصة الأسواق، وصولا إلى اتفاقيات التبادل الحر…

ويرتكز الاقتصاد المغربي حاليا على ثلاث قطاعات: الزراعة بشتى فروعها، الصناعة، والخدمات، فهل يمكننا الاعتماد عليها للخروج من الأزمة؟

رغم التطور الذي يعرفه العالم حاليا، وتوفير كل وسائل الرفاهية، إلا أننا سمعنا أصواتا تتعالى من كل أرجائه تشتكي الجوع، وهاته المرة لا يقترن الجوع بالفقر.. فكلنا نتذكر نداءات طلبة ووهان، التي تشتكي عدم توفر الأغذية رغم وجود الإمكانيات، والأمثلة عديدة..

صور تجعلنا نتذكر التحدي العالمي لأزمة الغذاء 2050، حيث صرحت الدكتورة “دانا كورديل”، وهي باحثة في النظم الغذائية، أن “توفير الفوسفور المستخرج من الفوسفاط، يعد أحد أهم الحلول لمشكل النقص الغذائي”، تصريح يبعث في نفوسنا كمغاربة، الشعور بالأمان.

وهناك دراسات ترجح أن مكانة الفوسفاط سترتفع بالنسبة للبترول، فمن يدري، ربما تنقلب مفاهيم العالم الاقتصادية، فأمريكا والصين تعتبران أقوى الدول اقتصاديا، لكنهما تتوفران على نسب 2 % و5 % من هاته العملة الجديدة، بينما يتوفر المغرب على 75 % من الاحتياطي العالمي.

جميل، لكننا نحتل الرتبة 22 في قائمة الدول الأشد نقصا في المياه، بسبب التساقطات الغير منتظمة، معضلة لم يتركها ملوك الدولة العلوية للقدر، فمنذ سنة 1967، تم تفعيل سياسة السدود من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، والتي استطعنا حصد نتائجها، وأكد سعيد قروق وهو أستاذ علم المناخ بالدار البيضاء، أن العالم يشهد تحولا مناخيا من شأنه إعادة المياه إلى الأرض، لنشهد حركة استباقية أخرى للملك محمد السادس، الذي ترأس في بداية السنة جلسة عمل خصصت للبرنامج الأولي الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي، بتكلفة 115 مليار درهم، برنامج على مدى سبع سنوات لتنمية وتدبير هذه المادة الحيوية.

إلى الآن، نجمع بين عاملين كفيلين بزرع الطمأنينة في قلوبنا.. لكن لازال هناك ركن مهم لتتم العملية بنجاح، وهنا سنتحدث عن البذور، وهي بالذات مربط الفرس، ولا أعني البذور التي زرعناها في القطن أيام صبانا، بل أعني البذور المهجنة التي تغزو جل أسواق العالم، وهي ناتجة عن تزويج أو تلقيح نباتين من نفس النوع لنحصل على محصول أفضل وأقوى من ناحية حجم الإنتاج ومقاومة الأمراض، إلا أنه محصول عقيم لا يمكننا إعادة زرعه، بل يتوجب على الفلاحين إعادة شراء البذور عند كل موسم زراعي، ولا تكمن المشكلة في عقمه، وإنما في الاحتكار الذي تمارسه شركات المجال، التي لا يتعدى عددها 5 شركات، اثنتان منها بالولايات المتحدة الأمريكية، بينما الأخرى متواجدة في كل من فرنسا وألمانيا وسويسرا.

لهذا، فلا يجب غض النظر عن موضوع كهذا، حتى لا نكون في يوم من الأيام أمام إكراهات مثل “الفوسفاط مقابل البذور.

وقبل التفكير في سبل لخلق منافسة لهاته الشركات، توجب علينا خلق “مصرف للبذور”، الشيء الذي يمكننا من تحقيق استقلالية القطاع ويحمينا من الاستغلال.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، وجب علينا كمغاربة، أن نهجر، ونهائيا، خانة الرعايا لنتوجه إلى خانة المواطنين، ونتحلى بكل الصفات التي تمكن وطننا من تخطي الأزمات الاقتصادية، كجعل الأولوية للمنتوجات المغربية، وكذا تحسين جودتها وجعلها ترقى إلى ما يتطلبه المستهلك المغربي.

شهدنا خلال الأزمة اختراعات مغربية تثلج الصدر، كاستنساخ آلات التنفس الاصطناعي وغرف التعقيم، وصدور أوامر ملكية بتصنيع كمامات مغربية، بينما تشتكي أقوى دول العالم من نقص في معدات الوقاية.. كلها صور تجعلنا نتنبأ بأمان اقتصادي.

كما شهدنا متطوعين يعرضون خدمات مجانية ويحثون كبار السن على المكوث في منازلهم.. مبادرة يمكنها أن تشمل سجناء المغرب في توفير اليد العاملة المجانية للقطاعات الأساسية كنوع من الانخراط الوطني، وحين أقول السجناء، فأنا أستثني السجناء المتورطين في قضايا تمس أمن البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى