تحليلات أسبوعية
تحليل إخباري| هل يحاكم محمد السادس الوزراء اللصوص والمرتشين كما فعل أبوه الحسن الثاني في رمضان؟
سعيد الريحاني
((بلغ البعد بين الشعب ووزرائه، حدا جعل الوزراء لا يمشون على الأرض.. وزراء كانوا يلعبون البوكير حتى الرابعة صباحا، ويذهبون لمراقبة أعمال الفيلا، ثم يعرجون على الفيرما لتفقد أحوال الدجاج والبقر، وفي المساء يتحلقون مرة أخرى حول طاولة البوكير)).. هكذا تحدثت جريدة “الكواليس”، وهي تصف “حالة المغرب” سنة 1971، أي في نفس السنة التي شهد فيها المغرب انقلاب الصخيرات(..).
“فساد الوزراء” الذي شهده المغرب بالأمس، ويشهده اليوم بغطاء مختلف(..)، هو الذي دفع الوزير الأول آنذاك، أحمد العراقي، إلى الذهاب عند الحسن الثاني ليشكو من “عصابة الوزراء المرتشين”، غير أنه لم يكن يملك دليلا على كلامه(..)، لولا أن الجنرال المذبوح (قائد الانقلاب)، كان قد سافر إلى أمريكا تحت غطاء التحضير لزيارة ملكية لواشنطن نهاية شهر أبريل سنة 1971، في حين أن مهمته تلخصت في البحث والتقصي عن أسباب الغضبة الأمريكية المفاجئة على المغرب وقتها.
الفساد، وحالة الاستثناء، وعزوف المواطنين عن السياسة.. كلها ظروف دفعت الحسن الثاني، إلى التفكير في تعيين الفاسي الثري أحمد العراقي، وزيرا أول على رأس الحكومة، ((حكومة ذلك الزمان، كانت بالتأكيد أكثر جدية من الحكومة الحالية.. لأنها لم تكن حكومة حزبية يتمرس فيها المخطئون أو المقصرون من وزرائها خلف تدخل الأمين العام للحزب، لستر الوزير أو التغاضي عن أخطائه، ففي ذلك الزمان، لم يكن للملك صديق، بل إنه كان هو المسير للحكومة، المتتبع لحركاتها وسكناتها، لأنه كان يعرف أن عرشه مرتبط بنجاح حكومته)) ( المصدر: جريدة “الأسبوع”)، ولعل هذا هو السبب الذي جعل الحسن الثاني يقبل بضغوطات أحمد العراقي، الذي اشترط إلغاء حالة الاستثناء قبل أن يتقلد مسؤولية الوزير الأول، قبل أن يظهر أن الحكومة التي ترأسها، من 7 يونيو 1965 إلى 4 غشت 1974، كانت مجرد “حكومة منحوسة” عابرة في تاريخ المغرب، اشتهرت بفضيحة وزرائها المرتشين أكثر من أي شيء آخر.
لم يقض أحمد العراقي الوزير الثري (ما أشبه الأمس بالسيناريو الذي تم التحضير له قبل مفاجأة المقاطعة) فترة طويلة في منصبه كوزير أول، ليتأكد أن مجموعة من وزرائه، كانوا مجرد “عصابة” من المرتشين، فذهب عند الحسن الثاني ليبلغه بالحقيقة المرة التي توصل إليها، غير أنه لم يجد ما يقدمه للحسن الثاني عندما سأله هذا الأخير، ما دليلك؟
لم ينجح أحمد العراقي في تقديم الدليل للملك حول تورط وزرائه في قضايا ارتشاء، لكن الدليل القاطع، سيأتي به الجنرال المذبوح الذي سافر إلى أمريكا تحت غطاء التحضير لزيارة ملكية لواشنطن نهاية شهر أبريل سنة 1971، في حين أن مهمته، تلخصت في البحث والتقصي عن أسباب الغضبة الأمريكية المفاجئة على المغرب وقتها.
توصل المذبوح إذن، إلى رأس الخيط، وهو رجل الأعمال المعروف، عمر بنمسعود، هذا الأخير سيفضح كل شيء عندما سيتأكد من تخلي أصحابه عنه في محنته، وقد ظل العراقي يخفي ما دار بينه وبين الملك طيلة مدة التحقيق مع بنمسعود، بل إنه كان يجيب الوزراء “اللي فيهم الفز”، بأن المذبوح، تابع للملك وليس للحكومة، ومن ثم، لا يمكنه أن يتدخل في التحقيق.
التحقيق مع بنمسعود في ظروف أحيطت بتعتيم كبير، أسفر عن جرد للائحة الوزراء المتورطين في ملف الرشوة، هؤلاء الوزراء كانوا هم الأكثر قربا من الوزير الأول العراقي، وهو الأمر الذي دفعه إلى أن يطلب إعفاءه من الوزارة الأولى، بدعوى أنه لم يعد يستطيع النظر في وجوههم، علما أن العراقي، هو نفسه الذي حكى للصحفيين، أن الحسن الثاني استقبل الوزراء المشتبه بهم على هامش ختان ولي العهد سيدي محمد، في القصر الملكي بإفران، وخاطبهم قائلا: ((لقد خيبتم أملي فيكم، لكني أسامحكم للخدمات التي قدمتموها لبلدكم)).
تبعا لهذا السيناريو الذي تؤكده شهادة أحمد العراقي سنة 2008 قبل وفاته، فالحسن الثاني اختار العفو عن المرتشين(..)، غير أن مضمون هذه الشهادة لا يتطابق مع مضمون البلاغ المفاجئ الصادر عن وزارة الأنباء المغربية في فاتح نونبر 1991، وهو التاريخ الذي يتزامن مع منتصف الأسبوع الثاني من شهر رمضان، حيث أشار البلاغ إلى كون السلطات الأمنية، اعتقلت بعض الموظفين السامين والوزراء.
كان بالإمكان طي الصفحة، وعدم محاكمة أي واحد من الوزراء، غير أن رائحة فساد وزراء في الحكومة، سرت بين الناس، فاضطر الحسن الثاني إلى تعديل الحكومة أولا، قبل أن تسمح الظروف باستئناف التحقيق في إحدى أكبر القضايا في تاريخ المغرب الحديث، خاصة وأن المذبوح، الرجل الذي توصل إلى دليل الإدانة، سيقود انقلابا عسكريا فاشلا يوم 10 يوليوز بالصخيرات، أي بعد شهرين ونصف من إعفاء الوزراء سالفي الذكر من مهامهم، وهنا لابد من التذكير بشهادة الشيخ السياسي محمد الحبابي، الذي أكد أن المذبوح قاد انقلابا ضد الحسن الثاني، لأنه لم يكن راضيا عن حكمه(..).
اكتفى البلاغ الأول الصادر عن وزارة الأنباء الصادر في فاتح نونبر، بتأكيد خبر اعتقال مجموعة من الوزراء والموظفين السامين، غير أن البلاغ الأكثر تفصيلا، سيصدر بعد أربعة أيام في الخامس من الشهر المشار إليه، ليؤكد أن الإدارة العامة للأمن الوطني، شرعت منذ شهر مارس 1971، في إجراء بحث حول بعض قضايا الرشوة واستغلال النفوذ، عندها عرف المواطنون، أن الأمر يتعلق بكل من وزير المالية المامون الطاهري، سابقا وعبد الكريم الأزرق وزير المالية لاحقا، ومحمد الجعايدي وزير التجارة والصناعة، وعبد الحميد كريم وزير السياحة، ومحمد العيماني وزير الأشغال العمومية، وسيناصر بلعربي مدير مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية، وعبد العزيز بن شقرون مدير المعادن، وإدريس بلبشير مدير مكتب الأبحاث، ويحيى الشفشاوني مدير الأبحاث المعدنية، ورجال الأعمال: محمد البلغمي، ودافيد عمار، وهنري أوحنا، وبيرنار ليفي.. (“الأسبوع” عدد 24 أبريل 2009).
هكذا إذن، سيتابع المغاربة فصول مسلسل رمضاني شيق عبر الجرائد، تحت عنوان: “من أين لك هذا؟”، حيث ساهم تسارع الأحداث، في حصول وقائع جديدة لم تكن في الحسبان، ذلك أن أحد كبار الموظفين الموقوفين بالدار البيضاء، طرق عليه رجال الشرطة الباب “ليتذاكروا” معه، فانفلت إلى بيته وتناول قرص سم ومات على الفور (جريدة “الكواليس” عدد 27 و28 نونبر 1971).
لم يكن عموم الشعب يعرفون شيئا عن الأبناك السويسرية، لكنهم قرؤوا في جريدة “الكواليس” الصادرة وقتها، خبرا غير مسبوق عن 45 مليارا من الفرنكات، تمت استعادتها من الأبناك السويسرية على متن الطائرة، كان قد هربها مجموعة من المتهمين ووضعوا لها حسابات خاصة، تحت أرقام سرية مختلفة.
لعله الحكم الوحيد في تاريخ المحاكمات الكبيرة الذي لم يفكر أصحابه في استئنافه، بل إنهم قرروا الاختفاء بشكل كامل عن الأنظار منذ ذلك التاريخ، حتى نسيهم الجميع، وكانت محكمة العدل الخاصة، التي تم إلغاؤها، قد أصدرت أحكامها بالسجن في حق المتهمين في قضية “بانام” على الشكل التالي: المامون الطاهري (10 سنوات)، يحيى الشفشاوني (12 سنة)، محمد الجعايدي (8 سنوات)، عبد الحميد كريم (4 سنوات)، عمر بنمسعود (8 سنوات)، أما محمد العيماني، فقد أسقطت الدعوى عنه، فيما تمت تبرئة عبد الكريم الأزرق.
سبحان مبدل الأحوال، وكما يحدث في الأفلام الهندية، الوزراء الأكثر أناقة وتكبرا في حكومة العراقي، هم أنفسهم الذين انتقلوا من حياة البذخ إلى حياة السجن حيث كانوا يفترشون إسفلت زنازين سجن لعلو بالرباط قرب المراحيض التي كانت تتقاسم معهم نفس غرفة الاعتقال.
وكانت نساء الوزراء المعتقلين، قد تكتلن في مجموعة موحدة وقصدن الديوان الملكي، واستقبلهن أحمد عصمان عندما كان مديرا للديوان الملكي، وقد ظهر أن حالتهن جد متدهورة، وقالت مصادر عليمة وقتها، أن حالتهن كانت تدعو للشفقة(..).
بعض هؤلاء السجناء “الهاي كلاص”، لم يتقبلوا ظروف السجن فدخلوا في إضراب عن الطعام، لأن السجن في نظرهم كان يحتاج إلى إصلاحات، حتى يصبح “الجناح الأوروبي” الذي وضعوا فيه، يليق بمستوى الشخصيات السامية، بل إن أحد المعتقلين وهو رجل الأعمال عمر بنمسعود، استدعى مدير السجن وخاطبه قائلا: ((إذا لم تكن لديكم الإمكانيات اللازمة للقيام بهذه الإصلاحات، فنحن على استعداد للقيام بها على نفقتنا وحتى لشراء هذا السجن بأكمله إذا أردتم)).
ولاشك أن السؤال الذي طرح سنة 1971 في زمن كانت فيه هيبة الوزراء تفوق التصور، هو كيف سيعيشون داخل رحاب السجن؟ جريدة “الكواليس” الصادرة بتاريخ 2 دجنبر 1971، انفردت بوصف حالة الوزراء، وقالت ((إن الوزير السابق في المالية مامون الطاهري، كان يعيش حالة نفسية جد صعبة، وكان يتناول الطعام الذي يأتيه من منزله بدون شهية، كئيب جدا، يقوم في الصباح الباكر، يتوضأ ويصلي ويتجه للقبلة ويشرع في تلاوة القرآن، الطاهري بهذه الطريقة، كان السجين الوحيد الذي لا يقلق راحة حراس السجن.
بالنسبة لمحمد العيماني، وزير الأشغال العمومية، فقد وجد في السجن فرصة من أجل العودة إلى الدراسة الجامعية، قبل أن يتم إسقاط الدعوى عنه، حتى أن البعض أطلقوا عليه اسم “جامعة الحبس”، وقالوا عنه وقتها، إنه أصبح “بيان أنفورم”، وأن سلة طعامه ترجع ممسوحة، عندما يستيقظ العيماني من النوم، يقوم بتمرينات رياضية ثم يتناول تيرموس القهوة، ويستلقي على ظهره ويشعل سيجارته ويبقى حوالي ساعة وهو يتأمل في السقف”،
أما محمد الجعايدي وزير التجارة والصناعة، فكان بخلاف الآخرين، يحاول أن يظهر أرستقراطية مصطنعة، فلا يأكل إلا عندما يضع منديلا على رجليه، يستيقظ في الصباح، ويدخن ويشرب القهوة ويغني في بعض الأحيان وكأنه غير مسجون، ويقول بعض الذين رأوه في السجن، بأنه يحاول أن يكون ضحوكا مع الجميع، فيأتي ضحكه مفتعلا لا حياة فيه)).
كلھم لصوص حتى الاسرة العلوية الحاكمة التي تتغذى بجبين عرق الشعب الامازيغي المسلوب حقھ لابد من يوم ءات بغضب الملائكة المقربين ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلھم ايمة ونجعلھم الوارثين لابد للشعوب المقھورة والتي يحاولون بكل ما أوتوا من قوة سلب ھويتھا وسلب حقھا في الوجود وحتى سلب ثرواتھا لابد للحق ان ينتصر والا فلا معبود ھناك بحق .