تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | الدم الذي يجمع الملكة إليزابيث والملك محمد السادس..

بعد الاعتراف بالنسب العلوي في سلالة التاج البريطاني..

إعداد: عبد الحميد العوني

انقلبت لعبة الدم في بريطانيا، فبعد أن قتلت أميرة (ديانا) لأنها يمكن أن تحمل في أحشائها ابنا مسلما من عائلة الفايد المصرية في دراما يعرفها الجميع، تسامح التاج البريطاني بالحديث عن الملكة إليزابيث بقوله إنها الحفيدة 43 من نسل الرسول محمد (ص) بعد ضم هذا الفخر إلى سجل الأنساب (بوركيزبيريج) المكتوب في 1826.

وحسب هارولد بروكس باكر، فإن العائلة المالكة في بريطانيا، تتصل بالنبي محمد (ص) من ملوك إشبيلية الذين حكموا من داخل إمبراطورية إسلامية هي الخامسة في التاريخ (29 في المائة من ساكنة الأرض حينها، وحوالي 62 مليون نسمة)، وجرى دم الرسول في سلسلة الملوك الأوروبيين، وعبر إدوارد التاسع ليصل إلى الملكة إليزابيث، وبالضبط في القرن الخامس عشر لتكون السلسلة الرسمية للملكة، وبموافقة منها مؤخرا، على الشكل التالي: “إليزابيث الثانية، ابنة جورج السادس ابن جورج الخامس ابن إدوارد السابع بن فكتوريا ابنة إدوارد بن جورج الثالث بن فريديريك بن جورج الثاني بن جورج الأول بن صوفيا ابنة إليزابيث ابنة جيمس الأول بن ماري ابنة جيمس الخامس بن مرجريت تودور ابنة إليزابيث ابنة إدوارد الرابع ملك إنجلترا بن ريتشارد كامبريدج ابن إيزابيلا بيريز ابنة ماريا سانشا رودريغيز دي لارا ابنة رودريغو دي لارا بن سانشا ألفونيزا ابن زايدة ابنة المعتمد بن عباد بن عباد الثاني، ابن القاسم محمد بن إسماعيل بن فارس بن عمر بن أسلان بن نعيم اللخمي بن الزهراء بنت الحسين بن الحسن بن فاطمة بنت النبي محمد (ص)، وهو ما يجعل دم الرسول يجري رسميا في عروق الملوك الذين حكموا المغرب والأندلس والملوك الأوروبيين.

 الملكة البريطانية والملوك العلويون، حسنيون من سلالة الإمام الحسن بن علي

نسفت السلسلة الرسمية تنصير هاشمي وجعله جد الملكة كما في كتب عديدة، كما تجاوزت ما سمي الأنساب المنحولة في المرحلة العبيدية، لاتصالها ببن نعيم اللخمي بن الزهراء بنت الحسين بن الحسن، وأولاده علي بن الحسين، وهو أخو فاطمة بنت الحسين بن الحسن وعلي بن الحسن، ومحمد من زوجته، عبدة بنت علي ابن الحسين بن علي، وانقرض نسل الحسين الأثرم، كما كان يكنى إلا من بناته أم سلمة وأم كلثوم ابنة الحسين بن الحسن بن علي.

وهذا النسب معروف، لأن الحسن تزوج من أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي، ومن أبنائهما الحسين بن الحسن المعروف بالحسين الأثرم لتمييزه عن الإمام الحسين، وله إخوة أشقاء، تتقدمهم فاطمة بنت الحسين وطلحة بن الحسين، وفاطمة تابعية من رواة الحديث روت عن جدتها فاطمة الزهراء، فيما قال صاحب كتاب “عمد الطالب في نسب أبي طالب” الصفحة 339 لابن عنبة، بأن فاطمة ليست أخت الحسين الأثرم من أمه ونسبها إلى الأم ” شهربارنو” بنت يزد جرد الثالث، آخر الأكاسرة الساسانيين، لأن ولدها عبد الله المحض، توفي زمن المنصور العباسي وعمره 92 سنة (“أنساب الأشراف” للبلاذري. الجزء 3. الصفحة 316) وقيل المائة (“الرياض النضرة في مناقب العشرة” ص 267)، ولا يجوز في نظره أن يكون بمثل هذا السن إلا من الأم الفارسية، وقد أبطل النسابون السنة نسل الحسين الأثرم لأنه من البنات، وهو ما لم يأخذ به النسابون الإنجليز، لأن النسب تحمله الأنثى أيضا.

ويرفع النسابون الشيعة مكانة الحسين الأثرم، لأن من بناته فاطمة زوجة الإمام الصادق، ولم ينقطع نسبه لإنجابه الحسين ومحمد ولهما عقب، لهجرتهما غربا وباتجاه الأندلس، وقال عنه الشيخ المفيد في الإرشاد “كان له فضل”.

واختار النسابون البريطانيون في نقلهم الرسمي، التأكيد على النسب الحسيني العلوي في المغرب، وأبعدوا بعد تدقيقهم، ما نقل عن الفخر الرازي خطئا، لأن المطبوع من الشجرة المباركة غير ما يوجد في الأصل، لأن محققها ألغى الكثير من الأنساب، فيما قال البعض بـ “شعوبيته”، وقال الطبري في “تاريخه في الصفحة الرقمية 2059”: “إن دولة الإسماعيلية من نسل فاطمة بنت الحسين الأثرم، وأولهم جعفر وعبد الله إسماعيل الذي أسس هذه الدولة في إيران، فحكم نسل الحسين الأثرم من بناته الغرب إلى بريطانيا وشرقا إلى حدود الصين”.

وقاسى العلويون من نسل الحسن في الأندلس والمغرب، ويذكر الجميع ما فعل بن تاشفين بالمعتمد بن عباد، فعزز من الأصول الأمازيغية لحكم الأندلس، وقبل باعتراف العباسيين بإمارته لإبعاده العلويين عن حكم الأندلس، وكان له ما أراد لسحقهم ثورة عبد الله المحض شرقا، وولاية بن عباد غربا، ومات الاثنان في السجن.

ووسع المعتمد ابن أبي عمر المعتضد (عباد الثاني بتعبير النسابة البريطانيين) حكمه على “بلنسية” و”مرسيلية” و”قرطبة” وقد ولد له 173 ولدا.

واستعان ألفونسو السادس، ملك قشتالة، بحاكم المرابطين يوسف بن تاشفين، وثار جدل بين المؤرخين في الخلفية التي حكمت محاصرة إشبيلية وأسر المعتمد ليموت في أغمات قرب مراكش، وانتقدت مجلة “دعوة الحق” الرسمية، الصادرة عن وزارة الأوقاف المغربية، في عدديها 60 و61، ما وقع للمعتمد، وانقسم النسابة حول نسبه، لانتصار فقهاء السنة لما فعله المرابطون، بل نسب الذهبي، المعتمد بن عباد إلى النعمان بن المنذر، حاكم الحيرة، ليقولوا بدين أجداده العرب المسيحيين قبل النبوة، فيما دافع أبو القاسم محمد بن عباد اللخمي بإشبيلية، وهو الفقيه القاضي، عن النسب المعتمد أخيرا من النسابة البريطانيين.

ووجود حساسية بين جبال البربر والأندلس، أمر ثابت عندما قالوا بملوك الطوائف للعرب، في مقابل إمارة المسلمين للأمازيغ، لوحدة الأرض والدين.

واتفق الأندلسيون على عدم استدعاء الزيريين (بنو زيري)، وهم صنهاجة البربر من منطقة المغرب الأوسط (الجزائر حاليا)، وكان كبيرهم زيري بن مناذ، من أتباع الفاطميين، وقد دخلوا فاس، عاصمة الأدارسة، وقضوا على حكمهم، وفضل القاضي عبد الله بن محمد بن أدهم المرابطين، خوفا من أن تكون الأندلس على خراب فاس قائلا: “أخاف أن يخربوا الأندلس كما فعلوا بأفريقية، ويتركوا الإفرنج ويبدأوا بكم”، فيما رفض البعض الآخر استدعاء يوسف بن تاشفين قائلين له: “الملك عقيم والسيفان لا يجتمعان في غمد واحد”، فرد عليهم المعتمد بجملته الشهيرة: “تالله إني لأوثر رعي الجمال لسلطان مراكش على أن أغدو تابعا لملك النصارى أو أؤدي له الجزية، لأن رعي الجمال خير من رعي الخنازير”.

وكان ما توقعه مستشارو المعتمد، وغدر به بن تاشفين إلى أن مات سجينا في أغمات، فتشتت ولده وبناته ومنهم زايدة(1)، التي وإن سلم أهلها لجيش ابن الحاج في قرطبة ولم يقاتلوا، فقد طلب منهم الرحيل إلى الإفرنجة، ونفذ الطلب، جرور اللمتوني، وبقي يوسف بن تاشفين في سبتة للتدخل إن اضطر لذلك، وقد أمر سير بن أبي بكر بالرحيل بعد قتل أربع إخوة لزايدة.

وتتفق المصادر الغربية والعربية على طول كعب المعتمد في الأدب والوفاء والشعر في مقابل المعاملة المزرية التي شهدها قبل أن يموت على 56 سنة، حين قال عنه الفتح بن خاقان في كتاب “القلائد”: “ولم تزل كبده تتوقد بالزفرات وجلده يتردد بالنكبات والعثرات، ونفسه ينقسم بالأشجان والحسرات إلى أن شفته منيته وجاءته أمنيته” (علي أدهم. المعتمد بن عباد. مصر 2000، ص 329).

وقد يكون ما حدث للمعتمد بن عباد، ضربة أخلاقية زعزعت الثقة في يوسف بن تاشفين، ومن بعد في دولته، وقربت المغاربة لنقل الحكم إلى العلويين، وللتاريخ: لولا محنة بن عباد الذي اشتهر شرقا وغربا بنسبه إلى الرسول، لما وصل العلويون إلى الحكم في المغرب.

الأميرة الخادمة التي أصبحت زوجة الملك ألفونسو السادس، وجرت دماء العلويين في العروق الزرقاء

اشتهرت ابنة المعتمد بن عباد، وطريدة بن تاشفين، بالخادمة، قبل أن يستقر قلبها في “زايدو” إشبيلية، وقد أنصفها التاج البريطاني، إذ عدها أميرة من سلالة الملوك، فيما لم يراجع أحد التاريخ المغربي وينتقد جرائم الحرب التي قام بها بن تاشفين، بتعبير البريطانيين، وقد انتصرت له حركة الأمازيغ الحديثة في المغرب، حسب المراقبين الذين تابعوا اعتراف العرش البريطاني بهذا النسب، رافضا المصادر العبرية والإسلامية بأن زايدة، متبناة من المعتمد وليست ابنته، ولأن ابنه أبو الفتح المعتمد أمير قرطبة (المتوفى في 1091) تزوجها، لكن هذه الرواية ضعيفة، رغم انتشارها لضرب اختلاط نسب الرسول محمد (ص) بالأسر الملكية الغربية(2)، وقد قال رواتها أن زايدة في هذه الحالة، وصل عمرها 130 سنة، وبينها وبين من تزوجها 39 سنة، وهو ما رفضه التاج البريطاني أخيرا عندما اعترف:

أ ـ بحق اللجوء للأميرة زايدة في مملكة ألفونسو، فهي لاجئة ـ في هذه القراءة الرسمية -وليست خادمة.

ب ـ بشرعية الزواج بين ألفونسو والأميرة زايدة، لأنها لم تفقد لقبها، حسب السلسة  الجينيالوجية لملوك أوروبا.

وتجاوز التاج البريطاني الروايات الإسبانية، وهو تقدم كبير لملكية لندن ولتفتح الأنجليكانية مقابل الكاثوليكية، لأن الخلاف عميق بينهما، ويعود إلى الفجوة بين المصادر العبرية المنافحة عن المرابطين، والنظرة الأمازيغية والإسبانية للتاريخ الوسيط، لكن الوقائع لم تسعف هذا التأويل في مقابل المصادر المسيحية التي قالت بأن زايدة، ابنة المعتمد، وأن ما فعله المرابطون من مجازر، هي جرائم حرب لممارستهم حرب مدن شديدة القسوة على المدنيين، دفعت البعض إلى اعتناق المسيحية، حيث “تعمدت” زايدة، وأخذت اسم “إيزابيلا” وولدت الولد الوحيد للملك ألفونسو (الأمير سانشو) الذي تولى العرش، فاتصل النسب قطعا بين دم الرسول محمد (ص) والملوك الأوروبيين، وأنجبت زايدة أختا لسانشو، اسمها إلفيرا.

وسعى المؤرخ ريلي جاهدا، إلى فصل زايدة عن إيزابيلا، على أنهما زوجتين لألفونسو، لكن رأيه بقي بدون دليل يدعمه(2)، فيما تأثر المغاربة بعنف المرابطين من خلال نقض يوسف بن تاشفين للعهد والميثاق الذي قطعه مع المعتمد بن عباد، وأيضا دفعت الشدة والغلظة في الحرب على المسلمين، إلى خروجهم عن الملة.

زايدة، الابنة التي ذكرها المعتمد في رحلته إلى أغمات بمراكش في نفيه الأخير، أصبحت رمزا لبلدة إلى الآن في الطريق بين مكناس والراشيدية، وقد حسم ساكنتها الحرب لصالح مولاي الرشيد في بناء الدولة العلوية

كانت ضربة ألفونسو قاتلة للمرابطين، حين استضاف اللاجئين من الحرب على الأندلس، وكانت بلدة زايدة شاهدة على رفض المغاربة لهذا السلوك، بدءا من نقض العهد وحرب الإخوان، وتشتت العائلات، فانتصر المغرب ضد الظلم، كما فعل مع إدريس الأول، وانتهى المطاف بنصرة العلويين ووصولهم إلى الحكم.

وقد تعامل بن عباد بخلق عال في منفاه، خصوصا وأن نسبه علوي كما قال الغربيون، وإن نفاه المرابطون بعد تحالفهم مع العباسيين المحاربين لابني علي: الحسن والحسين.

وبقيت حربا سجالا، إذ قتل المرابطون بقيادة تميم بن يوسف ابن زايدة بن عباد (سانشو)، ودفعوا كل جيشهم ليبعدوا شبح زايدة بقتل ابنها بدم بارد، لإنهاء هذه الدراما، ويذكر الجميع ما حصل في 19 ماي 1108.

لقد أسر جيش المرابطين سانشو ثم قتلوه، كما أجمعت المراجع من الطرفين على هذه الحالة، وسيطرت نظرة المؤرخ برودينثيودي ساندوفال(4) على المعركة في الغرب إلى عام 1949، وبتعبير دقيق، فإن الحرب، بهذه الخلفية النفسية، هي حرب أرستقراطيات(5)، حين سقط تحالف أراده المعتمد بن عباد مع الأرستقراطية الأمازيغية، فتحول جزء منها إلى بناء أرستقراطية إسبانية قاتلت بإجماع، وخلق مشكلا طويلا في الدين المسيحي والمذهب الكاثوليكي، فاعتبره بعض القساوسة غير شرعي، لكن ولاية عهده، جرت في ماي 1107، وشكلت القطيعة التي لم يفهمها البعض، فدعموا قتل سانشو لينتقل المُلك إلى أخته غير الشقيقة أوراكا وزوجها ألفونسو باتلر، لكن نسل سانشو عبر ابنه رودريغو رودريغيز دي لارا، هو من أعطى السلسلة التي تصل إلى الملكة إليزابيث.

والنسب متصل تماما، لأن زايدة ابنة المعتمد، لجأت إلى ألفونسو في 1091، ودخلت البلاط قبل أن تخلف الملكة “قسطانطيس” المريضة للغاية، ومن لطف الأميرة زايدة، أنها خدمت الملكة إلى أن ماتت في خريف 1093، نظرا لقراءتها الطب، والملكة هي من أوحت على ألفونسو بالزواج من زايدة، وأطلقت اسما ملكيا عليها (إيزابيلا)، ورغم ذلك، لم يتم الزواج إلا في 3 يناير 1095، بعد التأكد من نسبها الأميري أيضا، وقتلت في 12 شتنبر من نفس السنة عند وضعها لابنها، خوفا من تأثيرها العربي أو الإسلامي على ابنها الأمير، وهذه القراءة الكنسية، لا تثبت ارتداد زايدة عن الإسلام، أو إنجابها ابنة، أختا لسانشو، وأنعش ميلاد ابن غير شرعي، أحلام الكونت رايموند، حاكم غاليسيا(7)، ويوجد في الميثاق الكنيسي بليون في 17 يناير 1095، اسم الشاب سانشو، أي بعد 5 سنوات من ميلاده، كشاهد، ولم يعتمد الرواة هذه الوثيقة، وزورت أخرى مؤرخة في 12 يناير 1102، ونقل مؤرخون آخرون ورقة موقعة بالرقم 1110، لإثبات روايات أقصاها التاج البريطاني كاملة، لأنها خارج السياق.

إذن، فكنسيا، لم تكن زايدة زانية، وفي 1102، وفي تسع سنوات من عمر سانشو، أصبح اسمه “ابن الإمبراطور”، وجاء كل ذلك انطلاقا من النظرة المنفتحة للفقيه القانوني، بيدرو أنسوريس(8)، وكان أعلم شخص في بلد الوليد ويتقن اللغات ويعرف الإسلام، وأنكر على المرابطين، واصفا الوجه المضيء، والتنويري للأندلس، حكمها المسلمون أو المسيحيون، ولم يجد مانعا من إنجاب أمير من نسل مسلم ومسيحي ليحكم الأندلس، كما يفعل المسلمون بنسلهم من المسيحيات، وأسست نظرته بداية الانفتاح الغربي.

ورفض هنري، كونت البرتغال، هذه النظرة المنفتحة، ولم يأمر بقتل زايدة فقط، بل نفى أيضا هذا القانوني الكبير (بيدرو أنسوريس)، بتعبير الوثائق البريطانية.

وفي يناير 1103، دخل ولي العهد، من دم رسول الإسلام، الكنيسة، وانتهى المطاف في الساعة الثالثة بولاية العهد لأول أمير مختلط الدم بين النبلاء والرسول العربي، وتوجد وثيقتان لهذه الحادثة، وقع عليها “الأب” في 25 يناير 1103 لتوثيق الولاية(9)، وقد راجع الكنسيون توقيعاته الملكية، لأنه من دم مختلط، إذ وقع على 16 مرسوما في حكمه إلى موته، وروجعت مرتين.

وحسمت الكنيسة في القول أن سانشا وأليفيرا، ليستا من نسل زايدة، بل من نسل الفرنسية إيزابيلا، التي ما إن قتلت زايدة، حتى أخذوا اسمها المعروف في القصر وتسمت به الفرنسية، للتشويش دائما على هذا الاختراق الذي اعتبره كونت البرتغال، غير مقبول، وفي 5 يناير 1105، أسقط القانونيون ولاية العهد لابن منتسب في دمه للنبي محمد (ص).

وانطلاقا من 23 أبريل 1107، ظهرت الوثائق متطابقة، لتأكيد أن سانشو، ابنا شرعيا، لكن الموت جاء لطي هذه الصفحة إلى أن انبعثت باستناد التاج البريطاني، إلى “الابن سانشو”، ليتواصل هذا الخط اللاهوتي، وينتقل عن الكاثوليكية إلى الكنيسة الأنجليكانية.

ففي بداية ماي 1107، قبلت الكنيسة سانشو، الملك المنتخب من أبيه(10)، قبل أن تعزز بوثيقة أخرى تقول “سانشو الابن الموثق للملك”(11)، وكأن الأمر متعلق بتوثيق الملك على نفسه بأنه ابنه وليس باقي الشعب، واحتفظ بها الناسخ، كلوديو سانشيز ألبورنوس، قبل أن يعدلها بيشكو.

وللتدقيق، فإن موت الملكة قسطانطيس وميلاد سانشو وزواج ألفونسو، فور موت العربية زايدة، بشكل سريع من الأميرة الإيطالية بيرتا، خلط الأوراق في 1093، حين اعتبر الأميران، رايمون وهنري، ولاية العهد لسانشو، غير شرعية، ومن الجانب الآخر، واصل العباسيون والمرابطون نزع النسب العلوي عن بن عباد، ودعوا إلى قتل المرتدة، وبعد قتلها طلبوا بقتل ابنها، وهو ما اتفق حوله المرابطون وحاكم البرتغال.

وفي 27 ماي 1107، مات رايمون، وبقي الأمر معلقا، فتدخل القضاء في دجنبر 1107، وصدر حكمه بتخلي الجيش عن سانشو ليتركوه للمرابطين، رغم ذلك تمكن حرسه من محاولة تهريبه، وعلى بعد عشرين كيلومترا، أطلق المرابطون أنه “ابن المرتدة” فهاجموه بالحجارة، قبل أن يقتله المرابطون بدم بارد، فيما نازعهم حارسه، رودريغيز خيمنيس، فأمروا بقطع جسمه نصفين من أعلى إلى أسفل.

المأساة التي قادها المرابطون، أدخلت دم الرسول في نسل الملوك الأوروبيين، لأن عداءهم للعلويين ساوى بينهم وبين العباسيين، قبل أن ينقل المغاربة الحكم إلى سبط الحسن بن علي في تافيلالت

لم تكن الأندلس، انقساما بين الطوائف، بل بين العرب والبربر والشيعة والسنة قبل تأسيس دولة بني حمود (الشيعية) في بداية القرن الخامس الهجري.

ويجلي كتاب محمد إبراهيم أيتي بالفارسية “أندلس تاريخ حكومت مسلمين در أوروبا، تهران، دانشكا، تهران 1376 س 8” في الصفحة 31، دور بني هاشم والعلويين، لكن الكل رفض تشيع العلويين، منذ ثورة “حواريين” من بلدة جيان التي قادها عبد الله بن محمد (الشقنا بن عبد الواحد) في 151 للهجرة، وقد قبلوا بالمذهب المالكي.

وفي نقل ابن الأثير، فإن ثورة “الحواريين”، من البرابرة المكانسة، انتصروا لآل البيت ضد صنهاجة، إلى أن قتل قائدهم غدرا سنة 161 من إثنين من أتباعه.

ورفض صنهاجة النموذج الأندلسي، لأنه يعارض طبعهم البدوي تماما كما يحدث حاليا مع الوهابية المدافعة عن النزوع البدوي لشبه الجزيرة العربية، والبشتون في أفغانستان، وقبائل ليبيا والساحل الإفريقي، سيرا على ما سار عليه أهل الشرق، بل عد فلاسفة شيعة، كما في حالة محمد بن عبد الله بن مسرة القرطبي (المتوفى في 317 للجهرة)، مرتدا، وهرب من الأندلس وسكن في شمال إفريقيا.

ولأن إشبيلية تقدمها الشاعر الشيعي، أبو القاسم محمد هانئ الأزدي المهلبي (المتوفى في 361)، فإن الأندلس في نظر التيار الفقهي المتشدد الذي تبناه الأمازيغ، ناهض الشعر والفلسفة، وهو الخلاف الفكري الذي انعكس على السياسة، منذ رفض البعض ولاية أمير الأدارسة، حسن بن كنون (قنون)، وكنون، لقب للقاسم بن محمد بن القاسم بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، بدعم من عبد الناصر الأموي في الأندلس، قبل أن يصطلحا رياء في 306 للجهرة، ومن هناك بدأ العداء مذهبيا في الأندلس والمغرب.

وقد جرب المغاربة حكمين للدول المنسوبة للعلويين، دون نسب مع دولة بني حمود (407 ـ 449 هـ) ودولة الموحدين، ولذلك اختاروا في الأندلس قبل المغرب، الاعتماد على النسب والتسنن، وقد سبق بن عباد إليهما، وصالح بين الشعر والفلسفة والنسب الشريف والعمران، رغم رفض بعض النسابة العرب للحسين الأثرم.

ويعرف الجميع أن المعتمد، لم يختلف عن مصير محمد بن أبي بكر القضاعي المعروف بـ “ابن الأبار” والمتوفى سنة 658 هـ، صاحب كتاب “معدن اللجين في مراثي الحسين” و”الحلة السيراء” و”در السمط في أخبار السبط” في لجوئه إلى تونس، فأحرق على الملإ، وأحرقت جميع كتبه.

ولم يستقر حال العلويين في البطش بهم ولو حكموا، ولا يزال الإسبان أعداء، في سردهم للتاريخ، لكل ما هو منسوب إلى نسل الرسول العربي، ورغم مراجعة التاج البريطاني أخيرا، للتاريخ من أجل الإنصاف، فإن قراءة التاريخ، كما يبدأ في لندن، تعيد بعض البديهيات والملاحظات إلى الواجهة، لأن سباق الأمويين والعلويين على العمران، لم يعد واجهة أندلسية، بل امتد على طول تاريخ شمال إفريقيا إلى بناء الأزهر نفسه، من الفاطميين.

العلويون في المغرب اختاروا عدم تكرار نكبتهم في الأندلس

اختار من يصلون نسبهم بمحمد النفس الزكية، طريقا سالكا بين أمرين، فقالوا بفقه جدهم في المدينة المنورة، وأخذوا على عاتقهم الدفاع عن المذهب المالكي، عوض اللجوء إلى سائر الفنون وإن أبدعوا فيها قبلا، كما رفض علماؤهم “التأويل” وركزوا على المذهب، كي لا يكون الأمر عصيا على من يرغب في التلقي.

وهذه التوليفة، بدأت من ابن الحسن بن محمد بن علي الشريف، العالم المعروف بعبد الواحد بن أحمد بن محمد الحسن، مفتي الحضرة المراكشية أيام السلطان أحمد المنصور السعدي، وله ترجمة في الجدوة ونشر المثاني.

وهذا الفقيه، قرب أهل صنهاجة ومراكش مما يطرحه العلويون الفيلاليون من التمسك بمدرسة الفقه المالكي، كي لا يصطدم أحد مع تقاليد صنهاجة تحديدا، ولا يذهب إلى ما ذهب إليه من سبقهم في التأويل الفلسفي أو الصوفي، أو طلب الحكم صراحة، بالانتصار لطرف أو حصر حكم المسلمين في نسل الرسول.

وإن حدث نوع من تصحيح تأسيس الدول في المغرب العربي والأندلس على أساس مذهبي واجهه الأمازيغ بالأساس الفقهي لقراءة واقعهم ومآلاته، فقد تشبت بلاط ألفونسو قديما، ومن خلال قانونييه، بالحكمة وفلسفة ابن رشد، لمواصلة المجتمع المفتوح في الأندلس بقيادة مسيحية بعد أن كانت إسلامية، فالحضارة واحدة في نظر القانوني الأول في بلاط ألفونسو.

والواقع أن العلويين في الأندلس، اختلفوا عن غيرهم، فتوجههم عارض “حرفية النص”، وتسامحوا في التأويل، فيما العلويون في المغرب، بنوا دولا مؤيدة للنسب الشريف دون أن يكونوا منه، كي يتميزوا على الشرق، لا أقل ولا أكثر.

وبعد تراجع “النموذج الحداثي” للمعتمد بن عباد والفلسفي في الأندلس، والنموذج السياسي بعد سقوط دولة الأدارسة (دولة النسب)، وظهور دولة الانتساب (يتقدمهم الفاطميون والموحدون)، عاد الوضع إلى النسب مجددا، ليجمع التوجه الأرثوذوكسي للمرابطين، وقد برع علماؤهم في المالكية، وقرروا أن تكون مذهب العامة والخاصة، ومذهب العرب والأمازيغ وآل البيت ومن غيرهم سواسية دون هدف أو مدلول سياسي ظاهر، بعد أن فشلت الزوايا في الجمع بين الفقه والنسب والزهد، فانتهى المطاف إلى تافيلالت، كما أرادها المعتمد بن عباد، لكن الخوف من الثورة، ألزمه أغمات، خارج مراكش نفسها، وهو ما لاحظه في مكناسة التي ناصرت وهندست ثورة العلويين الأولى، وحملت قبلهم النسب الشريف، واستقبلت المعتمد بحفاوة، قبل أن يقرر المرابطون نقله إلى أرضهم، لتخوفهم منه، لأن ابنته في بلاط ألفونسو، وأربعة واجهوا بن تاشفين حتى الموت، وصمد واحد منهم لفترة، قبل أن يتشتتوا بين المغرب والأندلس، ولما وقع لأبيهم، عادوا وتمسكوا بأرض الأندلس، لأن الشرق يقتل العلويين، والغرب في أغمات يسجنهم حتى الموت.

التاج البريطاني يعترف بالتاريخ الكنسي وتوقيع الأمراء دون حرج في اختلاطه بالنسب العلوي

ما قاله النسابون البريطانيون حديثا، انتصار لنقل النسب عبر الأنثى، كما فعل الإسلام مع فاطمة، والمسيحية مع دم ملوكهم نقلا عن مريم العذراء التي وهبت المسيح ملكا ومسرة على الأرض، وخلاصا لساكنيها.

وهذه المصالحة مع النبي محمد (ص)، تأتي لدعم قراءة تتجاوز “داعش”، ولا تجدد قناعتها بين الشباب المسلم الذي لاحظ كيف قتلت أميرة بريطانية، لاحتمال ولادة طفل غير شقيق لملك بريطانيا المحتمل، ويؤكد التاج في لندن، من اعترافه بنسبه لزايدة، على قدرة في بناء تواصل أكبر مع بني الإسلام من خلال نسله تحديدا.

وتحويل النبي محمد إلى “ملك”، هو التحول الجديد في قراءة، تؤكد أن النبي ونسله، طلب الحكم والسلطة، والتطبيع مع هذه النظرية، يحاصر التشيع الذي يبني السلطة على أساس الولاء للإمام الحسين، لرغبته في الخلافة، فيما السنة يقاتلون من أجل السلطة، فالمسألة لا تتعلق بالدين، بل بالسياسة، والاعتراف المتبادل كما تطرحه الملكة إليزابيث، والمنظور الجديد لتموقع السلطة في العالم العربي والإسلامي، جزء رئيسي في قدرة لندن على إعادة انتشار مصالحها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

الرفع من النسب العلوي، للحد من الانتساب العلوي والبناء السياسي عليه

تؤطر السياسة البريطانية المرحلة القادمة في العالم الإسلامي، بعد نزيف مدروس لبنياته وخططه للمستقبل، وبالتالي، فإن الوصول إلى إضعاف إيران، يكون بـ:

1ـ فصل طهران ونظامها عن أسرة الرسول، فيما يمكن لبريطانيا التصالح مع التاريخ لبناء تصور آخر.

2ـ فصل العلويين في شمال إفريقيا وغرب المتوسط، عن المد الشيعي، لسهولة غزو المغرب العربي بعد سقوط خلافة “داعش”.

3ـ بناء رابطة تاريخية مع العلويين في المغرب، لتبرير ذاكرة قوية تحمي سيادة بريطانيا في جبل طارق، فشجرة الأنساب التي وافق عليها النسابون البريطانيون رسميا، هي لصالح ملكتهم، وقد أثبتوا للندن خلفية تاريخية ليس في جبل طارق، بل في مناطق إسبانية أخرى، ولا يمكن لفيليبي السادس، أن ينازع حاليا شرعية الملكة إليزابيث البريطانية في جبل طارق، فأصولها أقرب من أصول الملك الإسباني، لأن المشكلة سابقا، لم تكن أكثر من العداء لنسب الرسول العربي، واستفادت مدريد من هذا العداء بطريقة دفعت الملكة إليزابيث، إلى قبول التاريخ كما هو، لأنه يسمح لبلدها، بربح رمزي وسيادي كبير في جبل طارق، وفي غرب المتوسط، وفعلا، وصلت إلى أهدافها بمنتهى الإتقان، في انتظار هندسة رد الفعل من باقي ملكيات أوروبا.

هوامش:

  • Zaida (alias isabella) – akaisabella.
  • Canal sanchezpagin, jose maria, jimenamunoz. amiga de alfonsoVI, anuario de estudiosmedievales n° 21, 1999 p: 11-40.
– evaristeleviprovençal, la morazaida«femme d’alfonse VI de castile et leurs fils, l’infant d. sancho, hesperis, 1934, 18: 1-8. 200-1.
– albertomontanerfrutos, la morazaida, entre historia y leyenda (con unareflexion sobre la tecnicahistoriografica narrative: in mimory of rogerm.walkher) p: 272.
  • Bernard f.reilly, the kingdom of leoncastilla under king afonso VI (1065-1109) princeton university press.
  • Prudencio de Sandoval, historia de loscincoreyes (pampelune, 1615 – 1109) Princeton university press.
  • Simon barton, the aristocracy in twelfth – centryleon and castile, Cambridge university press (1997).
  • Sancho alfonsez (a de fonsez).
  • Enrique florez (chroniconexhistoriaecompostellanaecodice nunc primumedition, espanasagrada XX (1765) p: 608-613.
  • Pedro asurez in torressevilla – quinones de leo, margarita, linajesnobiliarios de leon y castilla: siglos IX-XIII, salamancajunta de castilla y leon, consejeria de education y culutura, 1999 p: 142.
  • Sanctiusinfans quod pater fecitconfirmo.
  • Regnumelectus patrifactum.
  • Sanciusfiluis regisconf.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى