تاريخ

تاريخ | أسرار لقاء عبد الكريم الخطابي مع محمد الخامس

هكذا تكلم الخطابي عن الملكية والأحزاب السياسية والريف والصحافة

إعداد: طارق ضرار

   ((بالنسبة لنا، فالمغاربة كلهم إخوان لنا بدون ميز، ولا فرق عندنا بين هذا أو ذاك إلا ما تفرق فيه الحق والباطل، فلسنا من أنصار الباطل أبدا، لكننا دائما من أنصار الحق ولا حزب لنا ولا مذهب إلا الحق)).. هكذا تحدث محمد بن عبد الكريم الخطابي في حوار نادر مع مصطفى العلوي بجريدة “أخبار الدنيا” سنة 1962، حديث يحيلنا إلى فكر الخطابي عن وحدة المغاربة، ونستحضر من خلاله رؤيته لعدد من القضايا وتحليله لمجموعة من الأحداث، ومواقفه التي لازال صدى طرقاتها ونواقيسها يدق إلى اليوم، وإذا كان التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، لكن في باطنه، بعد نظر وتحقيق كما حدثنا ابن خلدون، فإن من طبيعة فهم التاريخ، دراسة بعض وثائقه لإظهار واستجلاء الكثير من الغموض عن بعض المواقف التي ارتبطت بالشخص، ونفض الغبار عن الكثير من الحيثيات التي حملها لنا التاريخ، والتي عانت في بعضها من التبديل والتحريف والتحوير لخدمة رغبات أو تحقيق مصالح ضيقة، أو إذكاء نار الفتن، وإشعال فتيل النزاعات الواهية، التي تباعد كل البعد بين الرؤية الحقيقية لرمز المقاومة بالريف عبد الكريم الخطابي، وبين ما يحمله اليوم بعض من شباب الريف من أفكار الانفصال والجمهورية، التي لم يكن يوما يتحدث بها المقاوم محمد بن عبد الكريم الخطابي، وفي ذلك، نستحضر حواره التاريخي، ومن خلاله نستحضر رؤيته وفكره الموثق بعضا منه في حواره النادر بجريدة “أخبار الدنيا”، ورسائله التي كان ينشرها بالجريدة.

الخطابي والملكية

    كشفت الوثيقة التاريخية من حوار الخطابي بجريدة “أخبار الدنيا” سنة 1962، عن أسرار لقاء الخطابي بالملك محمد الخامس بالقاهرة، وكيف أن الخطابي كان مواعدا الملك محمد الخامس بالرجوع إلى المغرب، إذ أخبر الخطابي مصطفى العلوي خلال حواره بالقاهرة سنة 1962 بالقول: ((لقد كانت المواعدة من الطرفين، فعندما حدثنا جلالته رحمه الله عن الرجوع، لم نخف عليه اشتياقنا لرؤية بلادنا.. لكننا أشرنا إلى قضية الجيوش الأجنبية المرابضة بتراب المغرب، فأجابنا رحمه الله بأن هذه السنة، وكانت سنة 1960، هي سنة الجلاء، وتواعدنا على الجلاء، وعلى أن رجوعي سيكون بإذن الله وحدث أن توفي المرحوم محمد الخامس وبقيت الأمور كما كانت عليه من قبل)).. وأخبرتنا الوثائق التاريخية، أن ((وعد الخطابي بالرجوع إلى وطنه، كان يحمله الحسن الثاني في ذهنه دوما ولم يبرح فكره، ولم يغرب عن ذاكرته، فقد ظل يتعهدها، ولما رحل إلى القاهرة كانت مسألة عودة البطل المغربي في طليعة أعماله هناك)) (الحلقة 23 من حلقات أسرار الثورة الريفية ورجالها جريدة “أخبار الدنيار” 1962 ).

الخطابي والأحزاب السياسية

   وإذا كان للتاريخ وصل، فذلك ما قد نلمسه من خلال رؤية محمد بن عبد الكريم الخطابي حول الأحزاب المغربية وموقفه منها، إذ كان المجاهد عبد الكريم الخطابي، يحمل تحليلا عميقا نحو المكونات السياسية في المغرب حينها، وربما لازال ذات الوضع إلى اليوم مما يعيشه المغاربة مع الأحزاب وقياداتها السياسية، حيث كان عبد الكريم الخطابي يعتبر أن ((الحزبية غير مرغوب فيها، إذ أنه ليس من مصلحة المغرب الاختلاف والشقاق والنزاع، وقد كان على هذه الأحزاب السياسية، أن تقوم بأعمال بناءة في خدمة الأمة، فمعلوم أن تعدد الأحزاب من الميزات التي تساعد على إظهار المصلحة العامة، الشيء الذي هو مفقود عندنا في المغرب، وإننا نرى أن الخلاف لازال مستحكما في بلادنا وأن هذا الخلاف ليس إلا من أجل المناصب والكراسي، لا على أساس إمكانيات طرد العدو أو إصلاح الفساد، فبعد اتفاقية “إيكس ليبان” المشؤومة، لم نر من الأحزاب السياسية  إلا خلافات من أجل الكراسي، فكانت المسألة مسألة كراسي ورئاسة، وفي خضم هذا الصراع، ضاعت مصلحة البلاد، وإلى الآن، لم نر أي تعديل أو تغيير في اتجاهات الأحزاب)).

   ومن مواقف الدعوة إلى توحيد شمال إفريقيا، كانت رسائله وترتيباته التنظيمية من خلال الكشف عن دور “مكتب تحرير المغرب العربي وأهدافه ومبادئه”، مؤكدا في ذات الحوار، أن ((المكتب يتكون من عناصر حزبية في بلدان المغرب الثلاثة، الذين كونوا لجنة تحرير المغرب العربي وترأس اللجنة حينها، حيث قرر جمع جميع الأحزاب المغربية والجزائرية والتونسية وجمعية العلماء، والتي امتنع فيها حزب الاستقلال عن الانضمام إلى المكتب، وكانت مبادئ المكتب، إدماج الأقطار الثلاثة للتحرير، سواء بالوسائل السلمية أو بالكفاح المسلح إذا امتنعت فرنسا عن الاستجابة)) (حوار محمد عبد الكريم الخطابي بجريدة “أخبار الدنيا” 1962).

الخطابي الكاتب

   ومن أبرز ما كشفته وثيقة “أخبار الدنيا”، ما كان ينشره عبد الكريم الخطابي من رسائل يرسلها إلى القادة السياسيين، وبعض كتاباته عن الأوضاع في الجزائر والمؤامرات الاستعمارية لإجهاض محاولات الاستقلال، وتحذيره للجزائريين من اتفاقيات مشابهة لاتفاقية “إيكس ليبان”.. ((الاتفاقية بمثابة فتيل أعد لإشعال نار الفتنة في الجزائر وفي الأقطار الثلاثة كلها بشمال إفريقيا، بقصد إبقائها تحت نفوذ الهيئات الفرنسية المستغلة)).. (محمد بن الكريم الخطابي “أخبار الدنيا” 1962)، حيث يظهر في جل رسائل الخطابي أنه لم يدع يوما إلى التفرقة أو الاختلاف، أو كان عرابا لنظريات الانفصال، إذ جاء في رسالة بعثها إلى جميع رؤساء البعثات السياسية للدول الإسلامية وانفردت بنشرها جريدة “أخبار الدنيا” سنة 1962، ((تعلمون يا إخواننا، أن الدين هو أقوى الروابط وأمتن علائق المؤاخاة، والأخ لا بد أن يرحم أخاه ويشفق عليه ويؤازره في الشدائد)) (الرسالة التي وجهها محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى الدول الإسلامية: جريدة “أخبار الدنيا” 1962).

الخطابي والصحافة

    وحملت الوثيقة الحوارية، بعضا من أسرار حياة محمد بن عبد الكريم الخطابي في منفاه بالقاهرة، حيث وصف مصطفى العلوي في ديباجة حواره مع البطل الريفي بالقاهرة: ((وجدت نفسي أمام رجل يقرأ كل يوم جميع الصحف الصادرة بالمغرب، ويقرأ بالإضافة إليها، جريدة “لوموند” بصفة يومية، إذ كان يناقش جميع المواضيع كما كانت لا تفوته أي نشرة خبرية على أمواج الأثير.. وقد حمل في نفسه غضبا تجاه بعض الجرائد حينها التي لم تنشر أحاديثه التي بعث بها إليهم، ومن بينها جريدة “العلم”، وجريدة “المغرب العربي”، فيما نشرت جريدة “التحرير” جميع ما كان يرسله، كاشفا في ذات الحوار مع جريدة “أخبار الدنيا”، عن مساندته للاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي اليوم) في ما يقولون من الحق، وأنه لا يساندهم إذا خرجوا عن الحق، مؤكدا أنه من أنصار حرية الصحافة وضد الصحافة الداعية إلى الخيانة أو السكوت على المؤامرات التي تحاك ضد المغرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى