لماذا لا يأخذ المغاربة الدرس من الفيتنام؟

بقلم. وحيد خوجة الكاتب العام لمجلس المستشارين
المشهد الأول: السطوح
فوق سطوح كل البيوت سخانات المياه تعمل بالطاقة الشمسية ولا وجود إطلاقا لأي لاقط هوائي.. إنه الاختيار الواضح والصريح بين المسلسلات والاقتصاد.
المشهد الثاني: الهاتف
رمقت وأنا في بهو الفندق لدى طبيب وضعته السلطات الفيتنامية رهن إشارتنا هاتفا بغلاف جميل، سألته عن محل بيعه، أجابني بفرنسية المبتدئين أن الغلاف لا يباع ولكنه يصنع عند الطلب، ومدني بعنوان المحل. صباح اليوم الموالي، أخذت سيارة أجرة، أخذتني على بعد عشرة كيلومترات وسط زحام منظم، أنزلتني في ما يمكن أن أشبهه بـ”درب غلف” “هو تشي منه”، مكان عريض فسيح ومحلات تجارية ضيقة جدا. هنا يباع كل شيء، أخذ مني سائق الطاكسي ثمن الرحلة، أديت مقابلها 10 دراهم، ودعني بلطف بفاتورة الأداء. بحثت عن المحل التجاري ووجدته بعد هياط ومياط.. كان المحل صغيرا جدا وفي زقاق ضيق.. أثار انتباهي وجود أحذية في باب المحل، فهمت أن الدخول إليه مشروط بنزع الأحدية (قدسية المقاولة)، كلمت شابا في مقبل العشرينيات، وأخرجت هاتفي، وسألت عن غلافه.. قال لي بلطف شديد: لا أبيعه بل أصنعه. قلت كم يكفيك من الوقت لذلك؟ قال ساعة كاملة. نبهته إلى أنني مغادر إلى الفيتنام مساء اليوم. قال عند إذن بعد نصف ساعة. فتح الكومبيوتر، وفي ثوان شرع في تصميم الغلاف، وكنت أشاهد على الشاشة الغلاف في أبعاده الثلاث، اخترت اللون.. وانصرفت أقتل الوقت في هذا السوق الكبير العريض المزدحم. لم ينتبه لوجودي أي أحد.. لم يعرض علي أحد سلعته.. ولم يسألنِ أحد عن اسمي أو سر مقدمي.. رجل غريب عن المكان يطوف شوارع مدينة “هانوي”. دون أن أخاف من أي شيء أو أي أحد. لم يعترضنِ متسول ولم يقدم لي خدمة بائع متجول. شوارع جد نظيفة وأزقة نقية نقاء معابدهم. بعد انتهاء نصف ساعة عدت إلى المحل التجاري لأخذ غلاف الهاتف، أديت الثمن (بدون شطارة) وانصرفت في هدوء أبحث عن وسيلة نقل تعيدني إلى الفندق. في السيارة لم يسألنِ السائق لا عن أصلي وفصلي ولا عن سر وجودي.. يسوق السيارة بهدوء متحاشيا آلاف الدراجات النارية، عند وصولي إلى الفندق، سألته عن الثمن، فكانت المفاجأة أنه أقل من تذكرة الرحلة الأولى، سألته عن السبب وأخرجت الفاتورة، ابتسم في وجهي وقال لي بمكر: إن هذه السيارة إيكولوجية، وتستهلك بنزينا أقل، وأثار انتباهي إلى بطء سيرها في الشوارع، مما يقلل من استهلاك الوقود، فتنبهت آنذاك إلى أن لون السيارة كان أخضرا، وأن لون رابطة العنق كان أخضرا كذلك.
المشهد الثالث: الزحام
تجوب الشوارع عشرات آلاف من الدراجات النارية. وللتغلب على الأمر وضعت السلطات في خدمة كل وفد شرطيا دراجا وراءه شرطي يستعين بعصا لإبعاد السيارات والدراجات عن الطريق.
المشهد الرابع: المكافأة
وفر المنظمون لنا سيارة تنقلنا الى المطار.. في الطريق اقترح علي رفيقي أن نتخلص مما بقي في جيوبنا من عملة محلية بإعطائها للسائق. وبمجرد اكتشافه لنوايانا، أنزلنا وأقفل راجعا أو قل هاربا.
داخل المطار طلبة متطوعون في خدمة الوفود.. مررنا كالسهم على كل الإجراءات.. ذكرني رفيقي بما تبقى في حوزتنا من العملة الوطنية.. تناقشنا مع الطلبة في كل المواضيع (عطالة الشباب، قلة فرص الشغل…) وفي لحظة ما اقترحت على أكبرهم أن يأخذ مني هدية عبارة عما تبقى عندنا من “دنغات”، رفض بلياقة، اعتقدنا معها أن الأمر لا يعدو أن يكون ممانعة. قال بلطف: كم بقي عندكم؟ قلنا مأتى ألف دنغ (100 درهم)، اصفر وجهه وقال: لا هذا كثير، يمكنكم أن تأخذوا بها هدايا من المطار.. ودعونا بلطف كبير، وقال أكبرهم: هل يمكن أن نطلب هدية؟ أجبنا بالإيجاب، قال هل يمكن أن نأخذ معكم صورة تذكارية. وقفنا.. ابتسمنا.. وتحسسنا “الدنغات” في جيوبنا.