تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | هل تتدخل إدارة ترامب الجديدة لصالح المغرب ؟

بالموازاة مع التحديث الذي قام به مكتب الاستخبارات المركزية الأمريكية قبل يوم واحد من تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، الذي ذكر بأن أمريكا اعترفت بسيادة المغرب على كامل الصحراء عام 2020، هناك مياه تجري في المنطقة، حيث يدور حديث عن زيارة للرئيس الإماراتي إلى موريتانيا وخلالها سيتم الإعلان عن مشاريع مغربية إماراتية موريتانية عملاقة، في مقابل إعلان وزير الخارجية الجزائري عن انعقاد اجتماع ثلاثي يجمع بلاده وتونس وليبيا من أجل التنسيق في قضايا إقليمية، ومعنى هذا أن المنطقة تشهد اشتداد الصراع بين الجزائر والمغرب، وأن الدولة المركزية في ذلك هي موريتانية.. فهل يمكن أن ينتظر المغرب من أمريكا أن تلعب دورا في جلب موريتانيا إلى صف المغرب والاعتراف بمغربية الصحراء ؟

أعد الملف: سعد الحمري

ضعف الحضور الأمريكي في المنطقة فتح الباب أمام الجزائر في موريتانيا

تتمة المقال تحت الإعلان

    في حديث صحفي للملك الحسن الثاني في نهاية السبعينات من القرن الماضي، عندما كان المغرب يبحث عن حل لقضية الصحراء عن طريق وسيط قوي قادر على فرض الأمر الواقع في المنطقة، تم سؤاله من طرف أحد الصحفيين حول هل من الممكن أن تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الملف؟ فكان جواب الملك الراحل: “يا ريت”، واعتبر الملك يومها أن أمريكا تعتبر القوة العظمى رقم واحد في العالم، ولا تعرف تفاصيل هذا الصراع، يومها كانت بلاد العم سام تنهج سياسة الحياد، بل إنها امتنعت عن تزويد المغرب بالأسلحة، في إشارة منها لالتزامها بالحياد.

وقد كان من نتائج ذلك، إضعاف المغرب، مقابل تفوق جزائري امتد إلى التدخل في الشؤون الداخلية لموريتانيا، أحد أهم أقطاب هذا الملف عن طريق دعم عدة انقلابات عسكرية دخلت فيها البلاد، لم تنته إلا سنة 1984، عندما تم الإعلان عن الاعتراف بجبهة البوليساريو من طرف نواكشوط.

وتعود أهمية موريتانيا في هذا الملف، إلى كون معظم مقاتلي الجبهة ينتمون إليها، وقد أكدنا ذلك في عدة ملفات تم نشرها في هذا الركن.

تتمة المقال تحت الإعلان

في الحقيقة، ما زال الحال كما هو عليه منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى اليوم، حيث لم تتمكن المملكة من تغيير الموقف الموريتاني الذي ظل عصيا على الحل، نظرا لتجذر جبهة البوليساريو في المشهد السياسي هناك، وتدخل المخابرات الجزائرية بقوة، إضافة إلى رغبة حكام موريتانيا تارة في إبقاء الصراع قائما لأن من شأن ذلك أن يجد مشروعية لنظام الحكم هناك، وهو ما كشفت عنه وثيقة مصدرها الخارجية الأمريكية، حيث أكدت أن الرئيس السابق معاوية ولد أحمد الطايع كان يرغب في استمرار هذا النزاع وعدم إنهائه.

أما الآن، فما زال الوضع على ما هو عليه، ولكن هناك تغييرات كبيرة، لعل أهمها الموقف الأمريكي لسنة 2020 بخصوص ملف الصحراء، حيث اعترفت بلاد العم سام بسيادة المغرب على كافة الصحراء، ولو أن الموقف الأمريكي ظل ثابتا خلال مرحلة حكم الديمقراطي جو بايدن، حيث ظل الاعتراف قائما دون أي تقدم ملحوظ في هذا الملف، واليوم، وقبل يوم واحد فقط من عودة دونالد ترامب لولاية ثانية، قام مكتب المخابرات الخارجية الأمريكية بتحديث على موقعه الرسمي ذكر من خلاله باعتراف أمريكا بمغربية الصحراء عام 2020، وهو ما حمل إشارة قوية إلى كل الأطراف المهتمة، بأن أمريكا ما زالت متشبثة بقرارها، وبالتالي، وضع حد لبعض التكهنات التي كانت تقول بأنه من المستحيل التنبؤ بتصرفات الرئيس الجديد/القديم دونالد ترامب، في إشارة إلى إمكانية عدم الوفاء بالتزاماته تجاه قضية الصحراء، وهو ما تم وضع حد بخصوصه مع هذه الإشارة القوية.

في مقابل ذلك، تشهد موريتانيا تحولا جوهريا قويا، حيث ترغب في أخذ مكانة لها داخل القارة الإفريقية، وهو ما تم لمسه مؤخرا، حيث تحولت العلاقات بينها وبين السنغال من العداء إلى التعاون، ودخل البلدان في مشاريع كبرى، لعل أبرزها التعاون في استغلال الغاز المكتشف في الحدود بينهما، ومن جانب آخر، بدأ الخناق يشتد على الجارة الجنوبية شمالا.. فقد أصبحت مخيرة بين حلين أحلاهما مر، إما المغرب أو الجزائر، ومنذ سنوات خلت، بدأ هذا الملف يشهد تطورات مثيرة، حيث بدأ الحديث عن تقارب حقيقي بين المغرب وموريتانيا على حساب الجزائر، ويبدو أن الجزائر مقابل تخوفها من انقلاب موريتانيا كليا عليها، عادت إلى لعبتها القديمة من خلال محاولة التدخل في الشؤون الداخلية لموريتانيا، وتهديد رئيسها بالانقلاب عليه كما حدث خلال ثمانينيات القرن الماضي، حيث عندما كان الرئيس الموريتاني في زيارة إلى الجزائر في شهر فبراير 2024، من أجل إعطاء إشارة انطلاق المعبر البري الذي يربط موريتانيا والجزائر،  أفادت تقارير إعلامية موريتانية أن أحد الحراس الشخصيين للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ ولد الغزواني، لقي حتفه إثر حادث سير في مدينة تندوف وجرح آخر، وحسب ذات المصادر، فإن الأمر يتعلق بمساعد من الجيش الوطني يدعى محمد ولد الشيبان، موضحة أن “الحادث وقع أثناء عودة الوفد من تندوف، حيث كان الرئيس الموريتاني يعطي إشارة انطلاق المعبر البري الذي يربط موريتانيا والجزائر”، ثم حاول السفير الجزائري التدخل أكثر في السياسة الداخلية الموريتانية، عندما طالب السلطات هناك بمعاقبة موقع “أنباء أنفو”، نظرا لأن خطه التحريري معادي للجزائر، إضافة إلى استباحة الجارة الشرقية لحدود موريتانيا عدة مرات خلال الأيام الأخيرة.

تتمة المقال تحت الإعلان
الرئيس الموريتاني ولد الغزواني خلال زيارته للإمارات

مخاض مغاربي.. هل تتدخل أمريكا لإنهائه لصالح المغرب ؟

    وإلى جانب هذا، ثمة تحولات تشهدها الساحة المغاربية تتطلب تدخلا فاعلا من حجم الولايات المتحدة الأمريكية، لضبط سرعة التحولات هناك، ذلك أن هذه المنطقة دائمة التحول ولعل أهم ما وقع خلال السنة الأخيرة، سعي الجزائر إلى إقامة تكتل مغاربي تستثني منه المغرب، ويبدو أن ليبيا وتونس استجابتا للطلب الجزائري، حيث أصبح قائدا البلدين لا يجدان حرجا في الجلوس جنبا إلى جنب مع زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، في حين يبدو أن المغرب قد “غسل يديه” من إمكانية إقامة هذا التكتل وأصبح لا يعيره كبير الأهمية، نظرا لاستحالة تنفيذه عمليا، لعدة أسباب، أبرزها تباعد وجهات النظر بين قطبي التكتل: المغرب والجزائر، وعوض الرهان عليه، أصبحت للمغرب مشاريع كبرى أهمها المشروع الملكي الذي أعلن عنه في خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2023، وهو مشروع تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، على أن تلعب فيه دولة موريتانيا دورا حيويا وتشكل إلى جانب المغرب محورا جديدا.

ومنذ ذلك الحين، انبعث صراع بين المغرب والجزائر اتخذ عدة أشكال، حول من سيتمكن من استقطاب موريتانيا إلى جانبه، وقد شهدت نهاية السنة الماضية حركية كبيرة وزيارات متبادلة بين المسؤولين الجزائريين والموريتانيين في محاولة لإقناع بلاد شنقيط بالتخلي عن الدخول في المشروع المغربي المبادرة الأطلسية، مقابل الالتحاق بالمبادرة الجزائرية، وخلال منتصف أكتوبر المنصرم، قام الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، بزيارة إلى نواكشوط، استمرت ثلاثة أيام مشحونة بالاجتماعات، ولم يعلن، كما هو العادة في مثل هذه الزيارات ذات الطابع العسكري، عن تفاصيل ما اتفق عليه الجنرال شنقريحة ونظيره الموريتاني الجنرال المختار شعبان، غير أن الجانبين الجزائري والموريتاني أعلنا عن توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين أمن الجيش الوطني الشعبي الجزائري وفرقة الاستخبارات والأمن العسكري للأركان العامة للجيوش في موريتانيا، في مجال تبادل المعلومات.

تتمة المقال تحت الإعلان

ويبدو أن هذه الزيارة لم تأت أكلها، حيث قام الرئيس عبد المجيد تبون خلال شهر دجنبر بزيارة قصيرة إلى موريتانيا، من أجل الضغط على الرئيس الموريتاني ولد الغزواني وإقناعه بالانضمام إلى مشروع التكتل المغاربي الذي أطلقته الجزائر ويقصي المغرب، وكذا إقناعه بالانسحاب من المبادرة الأطلسية التي أطلقها المغرب لفائدة دول الساحل، غير أن جواب الرئيس الموريتاني لم يكن في حينه، بل كان من المغرب، عندما قام ولد الغزواني بزيارة غير رسمية إلى المغرب من أجل عيادة زوجته التي كانت تتلقى العلاج في مصحة خاصة بالرباط، وعند حلوله، استقبله الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالدار البيضاء، وهنا طرحت علامة استفهام حول ما جرى خلال اللقاء وما تم الاتفاق عليه.. فقد فضل المكتب الإعلامي للرئاسة الموريتانية أسلوب التعميم في بيانه الخاص باللقاء الذي جرى بين الرئيس ولد الغزواني والملك محمد السادس، حيث أكد أنه “تناول العلاقات الأخوية بين الشعبين والبلدين الشقيقين وقائديهما، وأنه كان فرصة لاستعراض سبل تعزيز هذه العلاقات من خلال مشاريع جديدة تعزز التبادل والتكامل بين البلدين”، كما اتجه بيان الديوان الملكي للتفصيل، حيث ذكر أن “الملك محمد السادس والرئيس ولد الغزواني أكدا حرصهما على تطوير مشاريع استراتيجية للربط بين البلدين الجارين، وكذا تنسيق مساهمتهما في إطار المبادرات الملكية بإفريقيا، خاصة أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي”.

الرئيس الجزائري تبون خلال زيارته لموريتانيا

بين بلاغ الديوان الملكي والمكتب الإعلامي للرئاسة الموريتانية، فرق كبير.. إلا أنه تم تفضيل الصمت المطبق بعد ذلك، ومن تم ظهرت إشارات توحي بأن موريتانيا ماضية نحو الارتماء في أحضان المغرب، وظهر ذلك من خلال عدة إشارات، لعل أبرزها قيام زعيمي البلدين بزيارة متزامنة غير رسمية إلى الإمارات العربية المتحدة، ليخرج بعدها بأيام موقع “أنباء أنفو” الموريتاني، الذي طالب السفير الجزائري ببلاد شنقيط بتوقيفه، ليسرد خبرا مفاده أن الرئيس الإماراتي سيقوم بزيارة قريبة إلى نواكشوط من أجل إنجاز مشاريع عملاقة هناك، ستكون استراتيجية وستجمع المغرب وموريتانيا والإمارات العربية المتحدة.

ثاني الإشارات، أعلن عنها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في مؤتمر صحفي يوم 30 دجنبر 2024، خصص لعرض حصاد نشاط الدبلوماسية الجزائرية خلال سنة 2024، ويتعلق الأمر بالتنسيق مع ليبيا وتونس للتحضير لقمة ثلاثية بالعاصمة طرابلس خلال هذا الشهر، وأُعلن أن القمة ستكون لـ”مناقشة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها هذه البلدان المغاربية”. وأورد موقع “الحرة” الأمريكي، أن “التحضير لقمة ثلاثية بين تونس والجزائر وليبيا يأتي في ظرف تتصاعد فيه المخاوف من عودة المسلحين من سوريا وتسلل المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء عبر الحدود المشتركة بين البلدان الثلاثة، وفي خضم ذلك، تطرح هذه القمة تساؤلات بشأن أبعادها ورهاناتها في ظل أوضاع إقليمية ودولية متقلبة”..

تتمة المقال تحت الإعلان

ومعنى هذا، أن إعلان الجزائر عن هذا الاجتماع الثلاثي يعني بما لا يدع مجالا للشك أن الجارة الشرقية فشلت في استقطاب موريتانيا إلى صفها، وفشلت في جرها إلى محور مغرب عربي من دون المملكة المغربية، كما توحي هذه التحولات الأخيرة إلى أن الموقف الموريتاني أصبح أقرب إلى المغرب أكثر من أي وقت مضى، وهو ما جعل الكثير من المحللين يتكهنون بأن نواكشوط تستعد بقوة لإعلان موقف تاريخي من قضية الصحراء وإدارة بوصلتها تجاه المغرب، حيث هناك مصالحها أكثر، لأن موريتانيا مرتبطة بالمغرب وإفريقيا أكثر من الجزائر وتونس وليبيا.

ويأتي هذا في وقت تتحدث فيه تقارير من داخل البيت الأبيض، أن أمريكا تريد أن تولي أهمية كبرى لإفريقيا، وخصوصا المغرب. إذن، فالمطلوب هنا من الإدارة الأمريكية هو مساعدة المغرب على تقديم ضمانات لموريتانيا من أجل الاعتراف بمغربية الصحراء، والضمانات هنا تكون قوية، وهي حماية الجارة الجنوبية من أي محاولة انقلابية قد تنفذها الجزائر وبكل الوسائل الممكنة، لأن أمريكا لديها كل الإمكانيات، ولا نرى أن حكام موريتانيا يخافون من شيء أكثر من إمكانية حدوث محاولة انقلابية تدعمها الجزائر، لذا على المغرب استغلال الفرصة ومطالبة أمريكا بالدعم الصريح في هذا الملف، لأنه، وبكل صراحة، يمكن اعتبار الاعتراف الموريتاني بمغربية الصحراء – إذا حصل – فإنه أهم من الاعتراف الإسباني، لأن موريتانيا هي التي لديها حدودا جنوبية وجنوبية شرقية مع المغرب، وانطلاقا من هذه الحدود تسللت البوليساريو وهاجمت مدينة السمارة، ومن شأن الاعتراف أن يغلق الحدود ويساعد المغرب على إنهاء العمل بالجدار العازل، وبالتالي التنسيق مع موريتانيا من أجل ضبط مشاكل الحدود. فهل نرى الدبلوماسية المغربية تسير في هذا الاتجاه وتطلب من الولايات المتحدة الأمريكية دعم موريتانيا من أجل هذه الخطوة؟ وهل تلعب الإمارات العربية المتحدة، القوة الدولية المؤثرة، دورا في إقناع أمريكا بهذا المشروع، أم ما زالت المفاجآت أمامنا ؟

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى