تحليل إخباري | هل تمهد حروب “داحس والغبراء” في الرباط لسقوط أخنوش ؟
ما بعد استدعاء المحكمة لرئيس الحكومة

إعداد: سعيد الريحاني
لم تكن حرب “داحس والغبراء” قدرا محتوما في تاريخ الجاهلية عند العرب، رغم أن السبب المعلن في هذه الحرب، التي دامت 40 سنة بين قبيلة عبس وقبيلة ذبيان، هو سباق للخيول جمع بين فرسين هما داحس، وهو حصان قيس ابن زهير، والغبراء وهي فرس حذيفة ابن بدر الذبياني، هذا الأخير دفع أتباعه لعرقلة الحصان داحس، ولما اكتشف الأمر، قامت الحرب.. فقد كان بالإمكان تجنب المسار الدموي لهذه الحرب الأهلية(..) لولا أن إحدى النساء (أم ندبة) أنشدت تلك القصيدة الشعرية التي حالت دون تسامح “أولاد العم” بعد أن قتل أحدهما الآخر، وتم الاتفاق على الدية، حقا للدماء(..)، وكانت القصيدة تقول:
حذيفة لا سلمتَ من العداةِ ولا وُقّيتَ شرّ النائباتِ
أَيَقتلُ ندبةً قيسٌ وترضى بأنعامٍ ونوقٍ سارحاتِ
أما تخشى إذا قال الأعادي حذيفة قلبهُ قلبُ البناتِ
فخُذْ ثأري بأطراف العوالي وبالبيض الحدادِ المرهفاتِ
وإلا خلِّني أبكي نهاري وليلي بالدموع الساجماتِ
أحبّ إليّ من بَعل جبان تكون حياته شرّ الحياة
تُرى طير الأراك ينوح مثلي على أعلى الغصون المائلات ؟
وهل تجد الحمائم مثل وجدي إذا رُميت بسهم من شتات ؟
فيا أسفي على المقتول ظلما وقد أمسى قتيلا بالفلاة
ويا خيل السباق سُقيتِ سُمّاً مذابا بالمياه الجاريات
لأنّ سباقك ألقى علينا هموما لا تُزال إلى الممات
كان هذا في زمن الجاهلية، عندما كانت القبائل تحل محل الأحزاب، أما اليوم، فإن ما يحدث في العاصمة الرباط من حيث العداوة والانتقام بين السياسيين، يكاد يشبه هذه الحرب، بعد أن تفرق “الأتباع” بين الأحزاب، وصاروا يهدرون “دم” بعضهم البعض أمام المحاكم في حربهم السياسية حول المناصب، في صراع تختلط فيه حسابات الرجال والنساء(..)، وقد كان أحد عناوين هذه الحرب هو ما حدث منتصف هذا الأسبوع تحت عنوان “إقالة إدريس الرازي”، وهو رئيس مقاطعة حسان، وتعد إحدى أهم المقاطعات في العاصمة الرباط، وقد صوت 32 مستشارا (الأغلبية) بالمقاطعة المذكورة خلال الاجتماع الثاني للدورة العادية لشهر يناير 2025، لصالح إقالة رئيس المقاطعة المنتمي إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، وكان لافتا للانتباه تصويت أعضاء حزب “الحمامة” ضد زميلهم في هذا الحزب الذي يعرف صراعات تنظيمية خطيرة، أشهرت فيها جميع الأسلحة، بما فيها الملفات الأخلاقية(..).

وكان الزمان قد دار دورته، لتنتقم العمدة السابقة لمدينة الرباط، أسماء أغلالو، من خصمها السياسي داخل نفس الحزب، بحيث حرصت على الحضور، والتصويت على إقالة الرازي، كما صوت هو في السابق على إقالتها، بل إن الرازي كان واحدا من أعضاء الحلف الذي أسقط العمدة، وقد اشتهر وقت الصراع بكتابة مراسلة إدارية إلى العمدة، باللغة “الجاهلية” الدارجة(..)، انتشرت على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال فيها، بتاريخ 25 أبريل 2023: ((وا السيدة الرئيسة المحترمة، الله يرضي عليك راه المادة 254 من القانون التنظيمي 113.14 واضحة وباينة للعمى.. راه مجلس الجماعة اللي تا يقرر في التحويلات اللي جاية من مجالس المقاطعات ماشي الرئيس، وهذوك أعضاء المكتب اللي معاك!! ماكاينش فيهم شي واحد ينصحك لله في لله فاش تاتعرضي عليهم جدول أعمال الدورة ويقول ليك راكي خرقتي القانون؟؟ وإلا واقيلا ماتايشوفوش جدول الأعمال أو ماعندهومش رأي أو دور… نتمنى أن الرسالة تكون وصلات للفهم ديالكم الديكتاتوري، وتراجعي مجموعة من القرارات اللي كلفات ساكنة الرباط الرجوع خطوات للوراء)).
بغض النظر عن سياق الرسالة الذي يخفي وراءه جدلا حول صفقة ضخمة لكراء السيارات، وتكتلا مضادا للعمدة السابقة أغلالو، التي لم يدعمها رئيس الحزب عزيز أخنوش بعد أن اشتد عليها الخناق(..)، فإن تجدد الصراع ليس سوى عنوانا لاستمرار “تنازع المصالح” داخل العاصمة الرباط، باعتراف أعضاء في هذا المجلس.. فـ((ما حدث لا يمكن اعتباره ممارسة سليمة للفعل الديمقراطي كما نص عليه القانون التنظيمي للجماعات الترابية، بل هو انعكاس لتعثر الديمقراطية المحلية وبداية لصراعات سياسية جديدة في جماعة الرباط، يسودها انعدام الأخلاق السياسية وصراع النخب الفاشلة التي تتحكم في عاصمة الأنوار)) (المصدر: تدوينة المستشار فاروق المهداوي).
من جهته، اعتبر إدريس الرازي أن قرار إقالته “قرار مخدوم” في الخفاء، وأوضح في تصريحات خص بها جريدة “الأسبوع”، أن ما حدث قرار انتقامي، نتيجة معركته مع العمدة السابقة أغلالو، والمنسق الجهوي للحزب سعد بنمبارك، الذي كان موضوع مطالب بافتحاص فترة تسييره لشركة “الرباط باركينغ”، كما اعترف الرازي بعدم دعمه لمرشح حزب الأحرار بنمبارك خلال الانتخابات الجزئية الأخيرة، علما أن هذا الأخير متهم بإفلاس شركة “الرباط باركينغ”(..).
أطراف القضية إذن، جلهم أعضاء في حزب الأحرار، ولا تربطهم العلاقة الحزبية فقط، بل علاقات عائلية أيضا، فأسماء أغلالو العمدة السابقة، هي زوجة سعد بنمبارك، المنسق الجهوي لحزب الأحرار، وبينما فقدت هي العمودية باسم الأحرار، نجح هو خلال الانتخابات الجزئية الأخيرة، في كسب صفة برلماني بعد حصوله على دعم عزيز أخنوش، رغم الاتهامات التي تلاحقه(..).
وليس هذا فحسب، فحروب حزب التجمع الوطني للأحرار بالعاصمة، والتي ارتبط بعضها بصراع النفوذ والمال في وقت من الأوقات(..)، كانت سببا في حصول واقعة غير مسبوقة، تردد صداها في الإعلام العربي، وهي استدعاء رئيس الحكومة عزيز أخنوش من طرف القضاء.. فقد ((وجهت المحكمة الابتدائية في العاصمة الرباط استدعاء إلى رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، بصفته رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار، وذلك على خلفية الدعوى القضائية التي رفعها المستشار الجماعي في بلدية الرباط، سعيد التونارتي، ضد زميلته في الحزب الذي يقود التحالف الحكومي، البرلمانية ياسمين لمغور.. وكان موعد الجلسة يوم الثلاثاء الماضي، إلا أن غياب البرلمانية المشتكى بها، ياسمين لمغور، ورئيس الحزب عزيز أخنوش بصفته ممثلا قانونيا له، جعل هيئة الحكم تقرر التأجيل إلى غاية 11 فبراير المقبل.

ويتهم رئيس فريق مستشاري حزب التجمع الوطني للأحرار في بلدية الرباط، سعيد التونارتي، زميلته في الحزب، وهي برلمانية وقيادية في شبيبة الهيئة السياسية، بـ”السب والقذف، ونشر ادعاءات كاذبة والتحريض”، ومنحتها المحكمة بعد تغيبها عن جلسة الثلاثاء، بحجة الامتحانات الجامعية، مهلة إلى حين الجلسة المقبلة في شهر فبراير، وقد استند المستشار في بلدية الرباط في دعواه ضد البرلمانية عن حزبه، التي يتهمها بالسب والقذف ونشر ادعاءات كاذبة والتحريض، على تصريحات مسجلة في مقطع فيديو، اتهمته فيها بـ”النصب” كما وصفته بـ”الفيروس” أو “السرطان”.. وتعد هذه هي المرة الأولى التي تستدعي فيها المحكمة عزيز أخنوش بصفته رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يبدو أنه يعيش في بلدية العاصمة الرباط أوضاعا غير مريحة، بسبب الخلافات التي تعصف بفريق مستشاريه، والتي دفعت صاحب الدعوى القضائية ضد البرلمانية إلى تقديم استقالته من رئاسة فريق منتخبي حزب “الحمامة” في بلدية العاصمة..
والجدير بالذكر، أن صاحب الشكاية، المستشار في بلدية الرباط، سعيد التونارتي، اختار للنيابة القانونية عنه المحامي إسحاق شارية، الأمين العام للحزب المغربي الحر)) (المصدر: القدس العربي/ 8 يناير 2025).
ولا يوجد تفسير منطقي لحروب “داحس والغبراء” الانتخابية في الرباط إلا الحسابات السياسية وتنازع المصالح كما هو الشأن بالنسبة لحكومة أخنوش نفسها.
وتفاعلا مع تصويت أغلبية ومعارضة مجلس مقاطعة حسان، يوم الأربعاء 8 يناير الجاري، على ملتمس إقالة رئيس مقاطعة حسان، إدريس الرازي، المنتمي لحزب “الحمامة”، قالت سعاد زخنيني، نائبة رئيس فريق العدالة والتنمية بمقاطعة حسان: ((إن دورة مجلس المقاطعة لشهر يناير تضمنت نقطة مهمة، تتعلق بإقالة الرئيس إدريس الرازي.. يبدو أن الذين معه لم ترقهم طريقة تدبير الرئيس، قبل أن تضيف أن الذي دفعهم بالأساس هو التنازع على المصالح وتصفية الحسابات السياسية)).
وقالت زخنيني في تصريح لموقع pjd.ma: ((بالنسبة لفريق العدالة والتنمية، سواء كان هذا السبب أم أسباب أخرى، كمعارضة نرى أن هناك تشتتا وتشرذما للأغلبية، التي انهارت منذ ثلاث سنوات قبل أن تنهي ولايتها، والسبب في ذلك هو تنازع المصالح، لكن النتيجة هو تضرر خدمة المواطن، واتجهوا نحو خدمة مصالحهم والتنازع عليها.
ويتجلى هذا التشتت – حسب المتحدثة ذاتها – في مجموعة من الدورات التي لم يكتمل نصابها القانوني، والخلافات بين الرئيس ونوابه وأعضاء مكتبه، والتسيير الانفرادي للرئيس وعدم تمكين الأعضاء من الوثائق المتعلقة بالنفقات.
وشددت زخنيني على أن حزب التجمع الوطني للأحرار لم يكن في الموعد مع المواطنين، الذين وعدهم بتقديم الأحسن، حيث لم يحقق شيئا في الواقع، بل إن الأمور تمضي إلى الأسوأ على عكس الولاية السابقة مع حزب العدالة والتنمية، حيث تم رفع نسبة الوعي والمواطن أصبح شريكا على مستوى تدبير الجماعة، تؤكد سعاد زخنيني، التي تابعت تعليقها على ما جرى بالقول: كان على الذين يسيرون اليوم المقاطعة، أن يحافظوا على المستوى الذي كان أو الرفع منه، لكن ما من شيء تم، بل رجعنا خطوات إلى الوراء والمواطن أصبح يعاني ولم يبق أي داعي لوجود مثل هذه “النخبة” التي أفرزتها انتخابات 8 شتنبر في الجماعات والمقاطعات، وأكدت أن سوء تدبير هذه النخب معمم على كافة المجالس التي تترأسها “نخبة” 8 شتنبر، مضيفة أن الأغلبية المشكلة لمجالس جهات الرباط تعيش تصدعا كبيرا والنتيجة هو ضياع مصالح المواطنين)) (المصدر: موقع حزب العدالة والتنمية).