تحليل إخباري | عصابات حقوق الإنسان تتطاول على الوحدة الترابية
الفهم الخاطئ لتقرير المصير
إعداد: سعيد الريحاني
لا يمكن القول بأن “الشيوعية” والاشتراكية فشلت في العالم، ولكن هذا التوجه الفكري في نسخته المغربية، لا زال يطرح أكثر من علامة استفهام في ظل عدم قدرته على تحقيق الانتشار الجماهيري، ما يجعله أقرب إلى خلايا فكرية منها إلى أحزاب سياسية.. ورغم أن العالم تغير، والشيوعيون أنفسهم طوروا إمكانياتهم للتعايش مع الرأسمالية(..)، إلا أنك إذا أردت أن ترى بلدا مثل المغرب بالأبيض والأسود، ما عليك سوى قراءة بلاغات أحد هذه “الأحزاب الصغيرة” (تعتبر نفسها كبيرة ومحاصرة)، في هذا الإطار، يمكن قراءة ما يلي:
((• وقف المكتب السياسي للحزب على نتائج الإحصاء الوطني الرسمي الأخير، وعلى الخصوص الشق المتعلق بالرقم المهول للبطالة في صفوف المغاربة والمغربيات، وخاصة الشباب منهم، مما يكشف عن زيف شعارات النظام حول “الدولة الاجتماعية” و”التنمية الاقتصادية”… وعلى تصاعد موجة الغلاء وعلى الجفاف الحاد الذي يضرب معظم مناطق المغرب والطبقات الأكثر هشاشة.. في المقابل، تلجأ الدولة المخزنية، دولة الرأسمال المتوحش الموغل في الريع والفساد والمعمرين الجدد، إلى إغراق البلاد في الديون عبر المزيد من الاقتراض من الصناديق الإمبريالية الدولية، وفي نفس الوقت، يواجه الاحتجاجات الشعبية بالقمع والحصار والمنع والاعتقالات والمحاكمات الصورية، ويصر على تمرير مشاريعه الطبقية، ومنها مشروعي قانوني الإضراب والتقاعد.
• يسجل المكتب السياسي السلوك الأرعن والطائش الذي يتجلى في الافتراس الرأسمالي في أبشع صوره..
• ندين بشدة التدخلات الأجنبية في سوريا وعدوان الكيان الصهيوني على قدراتها العسكرية والعلمية واحتلاله لأراضيها، ونؤكد، من جديد، تضامننا مع الشعب السوري ومع نضاله من أجل تقرير المصير بعيدا عن التدخلات الأجنبية، من أجل وحدة سوريا وتحرير كامل أراضيها المحتلة وسحب القواعد العسكرية منها وبناء نظام وطني ديمقراطي وشعبي.
• نشيد بمساندة الشعب اليمني المستمرة للشعب الفلسطيني حتى إيقاف الحرب على غزة.
• يسجل المكتب السياسي احتداد الأزمة التي ما فتئت ترخي بظلالها على المنظومة الإمبريالية بقيادة الإدارة الأمريكية، وفقدانها الهيمنة المطلقة على إمكانيات ومقدرات الشعوب ولجوئها إلى مختلف أشكال العدوان ضد الشعوب التي تواجه هيمنتها (العقوبات الاقتصادية والحصار وسرقة الأموال وتوظيف المرتزقة وتجنيد العملاء لنشر الفوضى مرورا بالانقلابات العسكرية وصولا إلى الحروب المباشرة بواسطة حلف الشمال الأطلسي، وغيره من الأحلاف العسكرية، أو الحروب الغير مباشرة بواسطة أنظمة عميلة))).
كل ما سبق، هو مقتطفات من بلاغ أحد الأحزاب المغربية المحسوبة على الصف “الراديكالي”، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع الأفكار سالفة الذكر، إلا أنها يمكن أن تعطي فكرة عن طريقة تفكير هذه المجموعات، التي لا ترى في كل ما يحدث سوى امتدادا لـ”اللون الأسود”(..)، علما أنه من الصعب تنظيم عمليات استقطاب سياسي واسعة النطاق بأفكار من هذا النوع، لصعوبة شرحها في الأوساط الوطنية، ناهيك عن إضافات أخرى للخلطة ومنها إعادة تدوير أفكار “البوليساريو” داخل الساحة الوطنية(..)، حيث يحرص الحزب المذكور على تكرار حق الشعوب في تقرير مصيرها داخل جل بياناته، علما أن تقرير المصير له أشكال متعددة، ولا ينحصر فقط في إعطاء الكلمة لمجموعة موجهة تمت صناعتها لخدمة أغراض استعمارية(..).
فمشروع البوليساريو هو نفسه ينبني على أساس استعماري، ونهل من محبرة الاستعمار في محاولة المس بالوحدة الترابية المغربية، ولكن احتكار بعض المصطلحات من طرف بعض التيارات، يساهم في انتشار استعمالها بشكل خاطئ.. أليس التصويت في الانتخابات بالأقاليم الجنوبية، والاحتكام للإدارة الوطنية، والعمل في بيئة مغربية، والتعامل بالعملة الوطنية.. تقريرا لمصير سكان الأقاليم الجنوبية؟ ما معنى تلك المشاركة المكثفة في الانتخابات؟ ما معنى تلك التمثيلية في المؤسسات المنتخبة؟ أليس ذلك تقريرا وإقرارا بالانتماء ؟
((عموما، يعتبر حق تقرير المصير حقا جماعيا وليس فرديا، بمعنى أن هذا الحق لا يمكن أن يمارس فقط من خلال فرد واحد أو مجموعة أفراد، بل إنه خاص بعدد كبير من الناس توجد بينهم روابط مشتركة، مثل اللغة، التاريخ، الثقافة، وقد قيد القانون الدولي هذا الحق بعدة قيود حتى لا يؤدي إلى تفتيت الدول وزعزعة سيادتها، فلو أن كل الأقليات في الدول ستقول بأن لها لغة وتاريخا
مشتركا كأقلية، وبالتالي، تطالب بالانفصال عن الدولة الأم، فإن هذا يعني تفتيت الدول، وعليه، يمكن القول أن الحق في تقرير المصير محصور في حالتين: الأولى هي حالة الشعوب الخاضعة للاستعمار أو الاحتلال، حيث أنه بموجب هذا الحق، يكون لها الحق في التخلص من الاحتلال الأجنبي أو التمييز العنصري، وأن تحكم نفسها بنفسها. والثانية هي حالة الأقليات التي تتعرض إلى الاضطهاد أو التمييز العنصري الممنهج من قبل الدولة)) (المصدر: عدة وكالات).
كل ما سبق لا ينطبق على حالة البوليساريو، حيث توجد جماعة مسلحة فوق التراب الجزائري لتهدد الاستقرار المغربي، مستفيدة من أموال الدولة الحاضنة، التي تعرف أنها بدعمها لهذه الأطروحة الزائفة إنما تخفي الحقيقة، وهي احتلالها للصحراء الشرقية المغربية دون وجه حق، بل إن تندوف المحسوبة على الجزائر، هي نفسها أراض مغربية(..).
يمكن للمنتسبين لجبهة البوليساريو أن يطلقوا الادعاءات على عواهنها كما يشاؤون، لكن أن يأتي شخص يدعي ترؤس جمعية تدعي أنها مغربية، وحاصلة على المنفعة العامة، ليدعم البوليساريو في واضحة النهار، بأفكار ملغومة في وقت حسم فيه المغرب رأيه العام، قيادة وشعبا، من القضية الوطنية، فهذا الأمر لا يمكن أن يمر بسلام إلا في بلد مثل المغرب، ومثل هذا الرأي الانفصالي لا يمكن الجهر به في الدول الاشتراكية، كما لا يمكن الجهر به في أكثر الدول ديمقراطية، دون أن تترتب عنه أثار قانونية تجاه المعنيين بالأمر(..).
إن محاولة الاختباء وراء ملفات حقوق الإنسان، هي نفسها باتت فكرة مفضوحة في عالم اليوم، حيث بات الجميع يعرف آليات اشتغال ما بات يسمى بـ”عصابات حقوق الإنسان”، بسبب الانتقائية المفضوحة في اختيار الملفات، وإهمال ما لا يدخل في الأجندات الخارجية(..).
وعموما، فقد سبق لـ”الأسبوع” أن ناقشت هذا التماهي من قبل أعضاء الحزب المذكور، وطرحت عليه السؤال، فكان جوابه على الأسئلة كالتالي:
((♦ ما هو الفرق بينكم وبين الانفصاليين في جبهة البوليساريو طالما أنكم تطالبون بنفس مطالبهم ؟
» ليست لنا أي علاقة بالبوليساريو، نحن لنا موقف مبدئي ولا ندخل للشوفينية الضيقة(..).
♦ أنتم ضد المشاركة في الانتخابات، وقاطعتم التصويت على الدستور، وضد “النظام المخزني” وشيوعيون.. هل تعتقدون أن حزبا من هذا النوع سينجح في المغرب ؟
» سينجح والتاريخ هو الذي سيثبت هذا الأمر.. سينجح بالعمل وبالارتباط بالكادحين، سينجح بالنضال المستميت دفاعا عن المصالح الآنية والبعيدة للجماهير الكادحة، لأن الفئات الموجودة في الأحزاب تنتمي للبورجوازية الصغرى، والتي غالبا ما تحلم بالتسلق اجتماعيا، وسرعان ما ينتقل بعضها للطرف الآخر إن سمحت الظروف بذلك، في حين نحن نعمل على بناء تنظيم سياسي للطبقة العاملة والكادحين في الأحياء الشعبية ومواقع الشغل، بمشاركة الماركسيين الآخرين، سنلعب دورا في بناء جبهة واسعة ضد المخزن ومن أجل الديمقراطية تفعيلا لشعارنا الذي أقره مؤتمرنا الثالث “جبهة موحدة للنضال الشعبي ضد المخزن ولبناء نظام ديمقراطي”(…))) (المصدر: حوار سابق).
إن الإشكالية في التصريحات الانفصالية هي مشكل قانوني بالأساس، إذ لا يمكن لجمعية وطنية أن تمارس مهاما انفصالية.. فحسب القانون “كل جمعية تؤسس لغاية أو لهدف غير مشروع يتنافى مع القوانين أو الآداب العامة أو قد تهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي أو تدعو إلى كافة أشكال التمييز، تكون باطلة”.
إن فكرة حقوق الإنسان نفسها أصبحت محط نقاش عالمي، ومحط شك، ويمكن نقاشها منذ انتشار عصابات حقوق الإنسان في أوروبا(..)، حيث ((تبتدئ نزعة الشك إزاء حقوق الإنسان في صور كثيرة، ويعتقد بعض الفلاسفة أنها جزء من فكرة ينبغي أن تتوافر له آلية ما من أجل إنقاذه ووضعه موضع التطبيق، بيد أن ممارسة حقوق الإنسان الدولية تفتقر بشكل فاضح إلى قدرة دائمة على تنفيذ وفرض كثير من حقوق الإنسان في أغلبية المعاهدات الكبرى.. كذلك، فإنه حتى في حالة توافر القدرة التنفيذية، فإن تطبيقها يجري انتقائيا، بل في الأغلب يتم بشكل فيه إكراه لتلك الدول المستخدمة ضدها، ويزيد الطين بلة عدم وضوح كيفية تصورنا لمعنى الإكراه في التنفيذ، بالنسبة لبعض الشروط التي يتطلبها مبدأ حقوق الإنسان، مثال ذلك: ما معنى “الإنفاذ القسري” لحق في مستوى معيشي ملائم؟ إذ يمكن بطبيعة الحال تصور الإجراءات السياسية التي تكفل الوفاء بهذا الحق، وليس واضحا أبدا أن التمتع بالحق يمكن فرضه قسرا بشكل مقبول بالطريقة نفسها التي يتحقق بها الاستمتاع بحقوق مألوفة أكثر.. وإذا ظن امرؤ أن الحقوق الأصلية يتعين أن تكون قابلة للتطبيق قسرا وبشكل فعال، فإنه بذلك يجد ما يحثه على الاعتقاد أسوة بما قاله رايموند غوس، بأن “فكرة حق إنساني هي بطبيعتها مفهوم فارغ من المعنى”)) (المصدر: كتاب “فكرة حقوق الإنسان”).