بين السطور | عام “الله أعلم”
مضى رأس السنة، وهذه المرة لم تتكاثر فيها توقعات “الشوافة” بأحداث العام الجديد، الشيء الذي يضخم لدى البعض(…) التشاؤم من السنة الداخلة، إلا إذا كان العمق في تخوف “الشوافة” نفسهم من الإدلاء بتنبؤاتهم لما سيجري في السنة الجديدة، وتفادي الحديث عن أحداثها، ورغبتهم في ألا يحرموا الكثيرين من النوم، لتبقى العودة لليقين في الله، والإيمان الشديد في عنايته بهذا الوطن، الذي لن يؤاخذنا فيه العلي القدير بذنوب مائة أو مائتين من المذنبين.. أكيد إذن، أن ريحا جديدة ستهب على المغرب في العام الجديد، وهي أمنية تشترك فيها الطموحات المغربية لتزول إلى الأبد أسباب التذمر الوطني، سنة يزول فيها البوليساريو الذي يشكل آخر دفعة من المتذمرين، ولتتحقق آمال المغاربة جميعا.
والغريب واقعيا، عند الحوار مع مختلفي المراتب وسؤالهم عند الخيوط الأولى من صباح العام الجديد، نرى الجباه مقطبة والقلوب مكلومة، بعد نهاية العام الزائل، عند ذوي الأموال أكثر مما هي متأثرة عند المحتاجين الذين لا ديون عليهم ولا مشاريع ولا هم يحزنون، والواقع كذلك أننا جميعا، ولو نستصغرها مجاملة ومحاباة.. يأتينا هذا العام ليطالبنا جميعا، أغنياء وفقراء، بأداء فواتير أخطائنا، ورزايانا عن ديون تضخمت وتراكمت عبر السنين الطوال، وأصبحت في حجمها كالجبال، لتبقى أمامنا في حجم الفيل، ولتذكرنا بما شابت له لحي من سبقونا من معاناة أعوام سوداء مظلمة جافة مليئة بالأوهام والوعود، فسموها بعام الفيل، هذا الفيل الذي ظل مرتبطا بخيال أجدادنا الذين حاولوا قتله بالرصاص فما استطاعوا فاضطروا للتعايش معه، مثلما هو مطلوب منا اليوم أن نتعايش مع الأزمة.
والأزمة قد تزيد من حدتها مع انطلاق سنة 2025 على الجيب أكثر مما هو على الخزينة، حيث ستدخل حيز التنفيذ تعديلات ضريبية هامة بموجب قانون مالية 2025، مستهدفة العديد من القطاعات الاقتصادية والمواطنين المغاربة، ستشمل الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة، والإجراءات الجمركية، حيث تم رفع بعض رسوم الاستيراد من 10 % إلى 17 %، دون الحديث عن فرض الضرائب الجديدة المتعلقة بأرباح القمار والمداخيل الناتجة عن صناعة المحتوى.. أمور في الوقت الذي سمعها بعض المواطنين قرروا الفرار قبل قدوم العام الجديد، وأحدث مثال ما حصل الأسبوع الماضي بالدار البيضاء، لما أوقفت مصالح الجمارك بمطار محمد الخامس مسافرا ضبطت بحوزته مبالغ بالعملة الصعبة بلغت قيمتها ما يعادل مليارين، وهو على وشك تسلق الطائرة المتوجهة نحو إسطنبول بتركيا، حيث تم توقيفه هو وحقيبته متوسطة الحجم(…) دقائق قليلة قبل الشروع في الولوج عبر الممر المؤدي إلى الطائرة، واقعة طرحت استفهامات حول وجهات “الكاش”، وجاءت قبل يومين فقط من انتهاء أجل تسوية وضعية مكتنزي الأموال بمنازلهم، إلا أن ما راج في الموضوع أكثر من شيء آخر، وهو الإشاعة حول الشخص المسن الذي قيل عنه أنه قد أداع مبلغ 14 مليار سنتيم في بنك بأكادير قصد تسوية وضعيتها، وأن أصحاب البنك كلفتهم هذه السومة يومين كاملين لعدّها.. خبر زائف حصد عدد المشاهدات أكثر مما حصدت الدولة من دراهم جراء مبادرتها في عملية تسوية الأربعمائة مليار درهم التي يختزنها المغاربة في بيوتهم بدل البنوك.
يمكن القول إن سنة 2025 هي سنة “الله أعلم” فيما يخص الأحداث الكبرى، لكنها سنة أخرى من الجمع بين الثروة والسياسة بالنسبة لرئيس الحكومة، الذي بات يفوز بصفقات كبرى بـ”العلالي”، وفي إطار ما يسميه القانون، وقد كان حريا به الحفاظ على شروط المنافسة العادلة بدل تفصيل “ملابس” اقتصادية على مقاسه الخاص، أما “التورط” في سنة 2025، فيفرض أيضا الانتباه بالضرورة إلى المتغيرات الدولية، التي باتت تتميز بهندسة خريطة جديدة للعالم، مع ما يرافق ذلك من صراعات خفية ومعلنة بين الكبار، حيث يمكن أن تكون إفريقيا مسرحا لأحداث كبرى على غرار ما حدث في الشرق الأوسط(…)، وقد وصلت حدة الاستقطابات إلى أوجها، في انتظار منتصر جديد، لكن من سينتصر في النهاية؟ الله أعلم..