تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | لقاءات “الرجا فالله”.. بين بنزكري والهمة

أسرار تكشف لأول مرة من مطبخ "الإنصاف والمصالحة"

في خضم التحركات الأولى لفؤاد عالي الهمة من أجل رسم معالم العهد الجديد الذي يقوده الملك محمد السادس، اعتذر عبد الرحمان اليوسفي، لدواعي صحية عن قيادة تجربة المصالحة(..)، ما فتح المجال لبروز شخصيات أخرى من عالم اليساريين، ومن يدور في فلك اليسار.. علما أن تجربة “الإنصاف والمصالحة” هي التي ستشكل بشكل عام أحد ملامح بداية حكم الملك محمد السادس، الذي كان لا بد أن يقطع من كتاب الحكم الصفحات المتعلقة بمحور “سنوات الجمر والرصاص” البائدة(..).

إعداد: سعيد الريحاني (الجزء الثاني)

    تحكي مصادر “الأسبوع”: ((بموازاة ذلك (بعد اعتذار اليوسفي)، كان صديق الملك قد فتح نوافذ عديدة لاختيار من يقود تجربة الانتقال الحقوقي، والرأس التي تقودها))، نفس المصادر تصف تلك المرحلة بدقة وهي تقول: ((كان فؤاد عالي الهمة رجل دولة منفتح على الصحافيين المؤثرين في بداية الألفية الثالثة، وكان بينهم حسب مصادر كانت تحضر هذه اللقاءات المتكررة في إقامة فؤاد عالي الهمة السابقة بالهرهورة، وبالضبط قرب سيدي العابد الذي ليس للصدفة أنه ضم في مطعم شهير به اللقاء التأسيسي لـ”جمعية لكل الديمقراطيين”(..)، صحافيون وازنون أمثال: علي أنوزلا، الذي كان يومها مسؤولا عن مكتب “الشرق الأوسط” بالرباط بعد طلحة جبريل، عبد العزيز كوكاس، رئيس تحرير “الصحيفة” الأسبوعية المؤثرة حينذاك، علي بوزردة، مدير مكتب “رويترز” بالمغرب، وهناك صحافيين كانوا يحضرون لقاء أو اثنين ثم يذوبون في الزحام… ثم هناك بطبيعة الحال كان إلياس العماري، وعبد القادر الشاوي، وأحمد حرزني، وفي وقت لاحق امبارك بودرقة، الشهير باسم عباس.. وكان الرجل الثاني الذي ينسق في هذه العملية هو أحمد لحليمي، الذي كان يستضيف في فيلاه بشارع محمد السادس، زمرة من المثقفين والسياسيين والإعلاميين الذين لا يخرجون عن الأسماء المذكورة..)).

تتمة المقال تحت الإعلان

تقول مصادر “الأسبوع”: ((كان من بين الأسماء المرشحة التي دافع عنها الكاتب عبد القادر الشاوي، عبد اللطيف اللعبي، أحد الفاعلين الكبار في تجربة “إلى الأمام”، نزاهة، فكرا، إبداعا ومصداقية.. كان الشاوي يطمح لتحويل قضية الانتقال الحقوقي إلى لحظة تاريخية فيها انخراط جماعي للمصالحة مع الذاكرة، لذلك أجرى معه حوارا في جريدته “الأخبار المغربية” التي كان يوجد مقرها بحي أكدال بالرباط، والذي سيتحول إلى مقر لجمعية “أريد” التي أسسها إلياس العماري..)).

الإشارات الواردة في تصريحات مصادر “الأسبوع” غنية عن التعليق، ويمكن لأي متتبع أن يتوقع التباسات تلك المرحلة(..)، لكن فؤاد عالي الهمة ((كان أميل إلى شخصية يسارية نزيهة لكن فاعلة في المجال الحقوقي وتقبل بالتوافقات وعليها.. كان بنزكري يومها رئيسا لمنتدى “الحقيقة والإنصاف”، حركي ووراءه مئات أسر الضحايا من مختلف الأجيال المعنية بملف “الإنصاف والمصالحة”، فكيف تم اللقاء؟ وأين كان ؟)).

أول لقاء بين الهمة وبنزكري في دوار “الرجاء في الله”

تتمة المقال تحت الإعلان

    يجيب مصدر “الأسبوع”، المطلع والمنخرط: ((اللقاء الأول مع فؤاد عالي الهمة كان بمنزل إلياس العماري في دوار “الرجاء في الله” بالرباط، حيث كان يشتغل بالوساطة في الطبع وبيع الورق، ونسج علاقات واسعة مع ما يسمى “تيار اليساريين المستقلين”، ويمول طبع جريدة “تليلا” التي كان يصدرها المعلمي الذي يشتغل بمديرية التخطيط والمعتقل السابق، إضافة إلى رموز مثل سمير أبو القاسم وأحمد أرحموش، مؤسس الشبكة الأمازيغية “أزيطا”، وآخرين)).

عن تلك الأيام تحكي نفس المصادر: ((ذات يوم شتائي بارد، التقى زوالا كل من إلياس العماري وعلي بوزردة وإدريس بنزكري بمطعم مقابل لمطعم “لاماما” الشهير، وطلب إلياس العماري من رئيس المطبخ إعداد وجبة عشاء لعشرة أشخاص (سلطات متنوعة، فراخ حمام ومملحات متنوعة)، وعلى الساعة الثامنة، التقى بالمطعم الألماني “غوته” سابقا قرب وزارة التجارة حاليا بقرب باب الرواح، كل من إدريس بنزكري وعلي بوزردة وعبد القادر الشاوي وعبد العزيز كوكاس، قبل أن ينتقل الجمع عبر سيارتين: سيارة الشاوي الػرونة مرسيديس 190 وسيارة الغولف سبور البنية، لعبد العزيز كوكاس، إلى دوار “الرجاء في الله”، هناك التأم الجمع، وحوالي الساعة العاشرة من مساء ذلك اليوم، دخل أحمد لحليمي رفقة فؤاد عالي الهمة الذي كان يرتدي جلبابا خزيا، منزل إلياس العماري بدوار “الرجاء في الله” بيعقوب المنصور بالرباط، وكان ذلك أول لقاء بين إدريس بنزكري وفؤاد عالي الهمة)).

تتمة المقال تحت الإعلان

إلى هنا يطرح سؤال “ما الذي دار في هذا اللقاء الأولي والذي كان بداية ترصيف الطريق نحو قيادة إدريس بنزكري لهيئة الإنصاف والمصالحة؟”.

تجيب مصادر “الأسبوع”: ((كان هناك نقاش حول الإعلام بين عبد العزيز كوكاس وفؤاد عالي الهمة وأحمد حرزني وعلي بوزردة، ثم تقييم البعد الحقوقي وأفقه بين الهمة وبنزكري وحرزني، ثم مربط الفرس، كيفية طي المملكة لملف شائك مرتبط بسنوات الجمر والرصاص، وهنا تدخل الهمة ليؤكد أن الملك محمد السادس عازم على تأسيس تجربة انتقالية متميزة، وأكد بنزكري على بعد معرفة تفاصيل الماضي الجريح، وأكد الشاوي أن تجربة المصالحة يجب أن ينخرط فيها كل المجتمع المغربي وأن تشمل الجامعات ومؤسسات البحث والمجتمع المدني… كان الهمة لا يتدخل كثيرا، كان مراقبا ذكيا للنقاش، وحين تفرق الجمع قدم إلياس العماري زوجته إلى فؤاد عالي الهمة، والتي كانت تشتغل بوزارة الداخلية)).. هكذا تحدثت مصادر “الأسبوع”.

لماذا نجح الهمة ؟

تتمة المقال تحت الإعلان

    بغض النظر عن كل شيء(..)، يحسب لفؤاد عالي الهمة تدبيره لمرحلة انتقالية صعبة بنجاح.. فقد ((توالت اللقاءات مثنى وثلاثا ورباعا، بين فؤاد عالي الهمة وبنزكري))، ويذكر الصحافي عبد العزيز كوكاس في بورتريه رسمه للراحل بنزكري، الواقعة التالية بخط يده: ((في فيلا فؤاد عالي الهمة، الذي أشرف على تدبير مرحلة المصالحة بذكاء، التقيت إدريس بنزكري بتمارة، أحسست يومها أن الرجل أكبر من أن نختزله في جملة مفيدة، كان واضحا في شروطه التي تختصر وجع مرحلة، وأحترم اليوم في فؤاد إنصاته لما أسماه “إرغامات إدريس بنزكري”.. يومها خاطب الرجل الأكثر نفوذا في القصر، بنزكري بدهاء، رجل دولة: ((إن المغرب يشاء اليوم عبرك الاعتماد على إمكانياته الخاصة وعلى عبقرية أبنائه لإنقاذه من ثقل ماضيه لمواجهة أسئلة حاضره وتحديات مستقبله)).

في الطريق إلى منزله بالرباط، التمس بنزكري أن أُنزله بشاطئ الهرهورة، بدعوى أنه يريد أن يتمشى على شاطئ البحر، وكنا قد تجاوزنا منتصف الليل، فرفضت ومازحته قائلا: “أنت الآن في ذمتي كرجل دولة وأي شيء سيحدث لك سيعرض مصيري للخطر”، وذكرته بزمن الوجع حين كان معتقلا بالسجن المركزي بالقنيطرة، وهمزت إلى النعيم الذي ينتظره وأنه سيدخل التاريخ من بابه الواسع.. ذكّره الشاطئ بواقعة حدثت بشاطئ سلا، بتنسيق وتواطؤ من الحراس، حيث جاء معتقلون سياسيون إلى المستشفى المعروف بـ”البويبة” في الرباط، وذكر بينهم اسم الصديق عبد القادر الشاوي، حيث كاد رفيق مراكشي لا يتقن السباحة أن يغرق في الشاطئ عند مصب النهر، وضحكنا على ذلك اليوم الحزين المؤلم وعلى تحجّجه بأنه يريد البقاء على الشاطئ في آخر الليل)) (المصدر: شهادة الصحافي عبد العزيز كوكاس).

تجدر الإشارة إلى كون تجربة “الإنصاف والمصالحة” في المغرب تعتبر تجربة فريدة من نوعها، بحكم “التصالح” في أجواء سلمية، وبعيدة عن أي صراع، فضلا عن كونها اختيارا ملكيا، خلال بداية العهد الجديد، حيث كان الملك محمد السادس حريصا على القطع مع أساليب الماضي في بداية عهده، كما حرص على طي صفحة “سنوات الرصاص”، وكان منسق تلك العملية هو فؤاد عالي الهمة، انطلاقا من حي شعبي اسمه “الرجا فالله”.. فكان نجاحه في تدبير هذا الملف بداية لنجاح أكبر(..).

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى