تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | المجاهد والصحافي.. الراحل عبد الكريم الخطابي والراحل مصطفى العلوي

الصحافة دليل براءة "أمير الجهاد" من تهمة الانفصال

حكى قطب الصحافة المغربية، الراحل مصطفى العلوي، ذات يوم عن ظروف لقائه بالمجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي كان لاجئا سياسيا في مصر(..)، قائلا: ((وجدت نفسي أمام رجل يقرأ كل يوم جميع الصحف الصادرة بالمغرب، ويقرأ بالإضافة إليها، جريدة “لوموند” بصفة يومية، إذ كان يناقش جميع المواضيع، كما كانت لا تفوته أي نشرة خبرية على أمواج الأثير.. وقد حمل في نفسه غضبا تجاه بعض الجرائد حينها التي لم تنشر أحاديثه التي بعث بها إليهم، ومن بينها جريدة “العلم”، وجريدة “المغرب العربي”، فيما نشرت جريدة “التحرير” جميع ما كان يرسله)).

إعداد: سعيد الريحاني

    هذا اللقاء بين المجاهد والصحافي، والصحافة بمثابة جهاد من أجل الوطن(..)، لم يكن الأول من نوعه، بل إن الرجلين كانت تجمعهما علاقة قوية، تبدأ من “النشر”، إلى التقارب العائلي(..)، فـ”مولاي موحند” كان يجد في صحافة مصطفى العلوي منصة لنشر أفكاره في المغرب، بكل حرية، بل إن جريدة “أخبار الدنيا”، الصادرة في ستينات القرن الماضي، كانت حافلة بمقالات الخطابي، ومصطفى العلوي نفسه كان يخصص جزء كبيرا من منشوراته لقضية الريف(..)، وليس الخطابي وحده، بل إن كثيرا من أقطاب الريف كانوا يجدون مكانا مميزا لمقالاتهم عند العلوي، وقد كانت جريدة “أخبار الدنيا” الوحيدة التي تطرقت لمأساة قبيلة “بقيوة”، التي عرفت بالقرصنة البحرية، وأهم ما كتب عن هذه القبيلة، كتبه الحاج عبد الكريم اللوه، في مذكراته، وكانت أكبر غلطة في تاريخ بقيوة هي مساندتهم لـ”بوحمارة”..

تتمة المقال تحت الإعلان

وكتب عبد الكريم اللوه ذات يوم: ((قد يوجد هنا وهناك من يعلم شيئا قليلا عن فجيعة بقيوة، ولا تتعدى معرفة الناس كونهم سمعوا بتشريد القبيلة من طرف السلطان المولى عبد العزيز، قدس الله روحه، ولكن لا يوجد من يخبرنا بالتدقيق عن الأسباب الحقيقية الأولى التي دفعت بأناس من قبيلة بقيوة لأن يخوضوا البحار ويصبحوا قراصنة.. فقد كانت عادة سكان الريف الحصول على السلاح من إسبانيا بواسطة ثلاثة أو أربعة تجار، يحضرونه من مدينة مالكة، وينقلونه عبر البر إلى ساحل بقيوة، وفي إحدى المرات، ذهبت الرسل لاشتراء السلاح، كالعادة، واتفقوا مع بعض التجار الإسبان في شأن ذلك ودفعوا المال المطلوب دون أن يتوصلوا بالسلع رغم احتجاجهم لدى حاكم مالكة، وتكررت العملية، وكان أن سبقتها قضية اغتيال جدي السيد محمادي، الذي وجدت جثته ملقاة في البحر، واتضح أن اغتياله كان بمساعدة أحد الرهبان الكاثوليكيين وأحد السكان الإسبان بجزيرة النكور.. وكان لا بد لسكان بقيوة من الانتقام، وقرروا قطع السبيل على المراكب الأجنبية التي تمر بشاطئ بقيوة وشاطئ إسبانيا المقابل.. وذات مرة، وبينما كان القراصنة راجعين إلى الشاطئ، اعترضت سبيلهم باخرة إسبانية اسمها “تيريسة”، وألقت القبض على ثلاثة وثلاثين منهم وفر الباقون، وكانت هذه العملية تحويلا للقضية من عمل قرصنة إلى نزاع سياسي يتعلق بأسرى سياسيين.. وأصبح القراصنة الريفيين لا يشحنون زوارقهم بالأمتعة والمؤن فقط، بل وبالأسرى أيضا، وكان الأسرى يوضعون في بيوت ريفية حتى بلغ عددهم الأربعين، فكان فيهم الفرنسي، والإيطالي، والإنجليزي، والبرتغالي والهولندي.. وكانوا يعاملون معاملة الضيوف، فقامت أوروبا ولم تقعد بعد هذه الأعمال، وبعثت قناصلتها من طنجة إلى فاس حيث مقر السلطان مولاي الحسن وبعده المولى عبد العزيز قدس الله روحيهما، وقدم القناصلة الاحتجاجات المتوالية وهددوا إذا لم يطلق سراح أسراهم، ولكن الريفيين كانوا يطالبون بفدية مقابل الأسرى..)).

الصورة التي أهداها الخطابي للقيدوم مصطفى العلوي مع الإهداء بخط يده

الحديث عن بقيوة الريفية، من خلال صحافة مصطفى العلوي على لسان “ريافة” أنفسهم، هو حديث ذو شجون.. فقد كانت فكرة تأديب بقيوة حفاظا على سمعة المغرب، هي التي جعلت المؤامرات داخليا وخارجيا ضد الريف والسلطان تتجسد في بعض الأشخاص الذين لعبوا دورا في “تشريد” هذه القبيلة، وإذا كان الفرنسيون قد جندوا بعض الشباب ونقلوهم إلى الجزائر.. فإن واحدا من وزراء السلطان، هو أحمد بن موسى، هو الذي هيأ الجيش لتأديب بقيوة على يد بوشتى البغدادي، هذا الأخير هو الذي جمع القبيلة كاملة وأعطى إشارة خفية للتنكيل بأجساد جميع الحاضرين، فلم يبق أمام بعض الناجين سوى الهرب(..)، ولكن دوام الحال من المحال.. فقد تم تشريد وتشتيت قبيلة بقيوة، والسلطان مولاي عبد العزيز نفسه فقد عرشه.. ودار الزمان دورته، والتقى هذا السلطان، وهو في طريقه إلى المسجد بطنجة، بعد أن تخلى عن العرش لأخيه، فالتقى بأربع نساء نازلات من الجبل، وعلى ظهورهن أحمال من الحطب وهن متعبات يتصببن عرقا من جبينهن، فسألهن من أي ناحية أنتن؟ فأجابت واحدة قائلة: سامح الله السلطان مولاي عبد العزيز، فقد شردنا وأبعدنا عن أرضنا، وأصبحنا مضطرات لأن نحمل كسبا لخبز أولادنا، فنحن من قبيلة بقيوة التي شتتها بوشتى البغدادي، وشاهدت النساء الأربع دموعا تسيل من عيون محدثهن الذي لم يعرفنه.. وذهلن عندما قال لهن: أنا السلطان عبد العزيز.. ولست مسؤولا أبدا عن أعمال البغدادي، ولم يسبق أن أعطيته تعليمات لتشريد رعيتي.. وخجلت البدويات وطلبن المسامحة من السلطان المتنازل، فأعطاهن هدية، وبقيت هذه المقابلة حديث الناس في طنجة..

في الريف أيضا، وفي جريدة “أخبار الدنيا”، كان يكتب عبد الكريم الخطابي، بل إن مساعديه أيضا كانوا يكتبون في هذه الجريدة، وهو ما يضرب في الصميم أي ادعاء بعدم انتماء الرجل إلى المغرب، أو صراعه مع النظام، بل كان رجلا وطنيا مقاوما للاستعمار، وقد كتب عنه مساعده في “الثورة ضد الاستعمار”، السيد اليزيد بن صالح، في جريدة “أخبار الدنيا”، عند مصطفى العلوي ما يلي:

تتمة المقال تحت الإعلان

((الأمير عبد الكريم الخطابي رجل مخلص مجاهد، وأول مرة تعرفت به كانت عقب حملة كبرى في غمارة، حين نزل بحديني زيات، وكان معه ثلاثة آلاف من الريفيين، حيث كان هجوم كبير على الإسبان بقاع أسراس، وقاده الأمير عبد الكريم بنفسه، وقد رأيته لأول مرة عندما وصل على متن مركب تجاري.

وليس من شك في أن روح المجاهد محمد عبد الكريم الخطابي، وأخيه المجاهد محمد بن عبد الكريم، وعمه المرحوم السيد عبد السلام، كانوا يشكلون جماعة قيادية في منتهى الحزم والثبات.

وقد كثرت حول شخصه كثير من الدعايات المغرضة، فمنهم من قال إنه أعلن ملكية، ومنهم من قال أنه أعلن جمهورية، وكلها مجرد دعايات كاذبة، وحتى وإن وردت في مؤلفات أو مؤرخات، فإن حقيقة الأمير الخطابي هي أنه مجاهد في سبيل الله.

تتمة المقال تحت الإعلان

كان يسلم العلم ومائة مجاهد لكل قائد، ويقول له: “موتوا من أجل هذا الرمز”.

وفي روحه الديمقراطية عدم تصرفه المطلق في شؤونه العسكرية، وأذكر مرة دعانا إلى اجتماع عام ببيته في أجدير، وكانت تسمى أزغا، وجمع حوله جميع رؤساء الجيوش، من ناحية غمارة، وجبالة، وتطوان، وصنهاجة، وبني ورياغل، والناظور، وكنت أنا من ناحية غمارة، وكان معه جميع ضباطه، وكان كاتب التقارير، عمه المرحوم السيد عبد السلام الخطابي.

وشرع الأمير بن عبد الكريم في استفسارنا واحدا واحدا، وكانت الاستشارة حول إمكانية الشروع في الحرب ضد فرنسا.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأذكر أنه قال: سواء أعلنا الحرب على فرنسا أو لا، فإنها ستحاربنا، حيث أنه تحالفت إسبانيا مع فرنسا وإيطاليا وإنجلترا علينا، فيجب أن نعلن الحرب على فرنسا، ولا أمل في القضاء على إسبانيا وحدها كما كانت خطتنا من قبل، وقد أعطى كل واحد رأيه في الموضوع، وأخيرا تمت الموافقة، وكان يقول: “لست إلا واحدا منكم، لا يفرقني عنكم فارق”.

الجزائر تحتضن لقاء مخصصا للإساءة لتاريخ الخطابي والدعاية لمشروع انفصالي وهمي في الريف(..)

وفي يوم 15 رمضان 1343، شرعنا في الحملة على فرنسا، حيث دخلت ستة فرق على الشكل الآتي:

1) من بني مستارة قرب وزان؛

تتمة المقال تحت الإعلان

2) من بني زروان قرب دار السيد الدرقاوي، حيث احترقت داره ولم يبق لها أثر، ولازال أحد أبنائه حيا في مدينة فاس؛

3) من بني زروال قرب بني مجرو، في الطريق المؤدية إلى دار علي بن عبد السلام؛

4) من العين الباردة قرب الحياينة وقبيلة ابجاية؛

تتمة المقال تحت الإعلان

5) من متيوة الوطى والحياينة؛

6) قادها السيد امحمد بن عبد الكريم في بني بربر قرب مرنيسة.

وكان الهجوم منظما على جميع الثكنات الفرنسية بهذه المناطق، وكان الأمير بن عبد الكريم يقود العمليات من ترجيست، وكانت العمليات الحربية تتمشى بواسطة الاتصالات التلفونية مع بني بربر، وكانت الجيوش الريفية تتوفر على المدافع من حجم 75، والبطاريات.

تتمة المقال تحت الإعلان

أما الثكنات التي هوجمت ولم يبق لها أثر بعد هذه الحملة، فهي الثكنات الآتية: زبير مشيط، ثكنتان؛ تورغة في سلاس؛ المراحلة؛ وثكنة البيبان، حيث قتل 150 من السنغاليين وغنمت عدة مدافع؛ باب السطح؛ علايين، بن بني زروال؛ قريين بوشارب؛ بني مزكلدة، 2 ثكنات؛ بني مستارة.

وطالت هذه الحملة ثمان عشرة شهرا بدون توقف شاركت فيها من كل ناحية ثلاثة آلاف جندي، مع كل قائد فرقة.

وأذكر بهذه المناسبة اختطاف أحد المهندسين ومساعديه وسيارته بفشتالة بناحية الدفيلات، وحصل أن رفضوا المشي مع المجاهدين، فتعصبوا وقتلوا.

ولا يمكن أن يقدر عدد الأسرى الفرنسيين والسنغاليين بكل دقة، إلا أنه يقدر بـ 10 آلاف أسير، ومئات البنادق.

وهكذا يتضح أن الأمير الخطابي لم يكن يتوفر على الوقت الذي يتحدث فيه عن الحكم أو نوع الحكم، فلقد كان كل وقته منهمكا في التنظيمات العسكرية، والحرص على سلامة المجاهدين ومؤنهم.

كما أن عددا كبيرا من ممثلي الدول الأجنبية بواسطة سفرائهم وضباطهم، يحرصون على الاتصال بالأمير الخطابي، مثل ابن القنصل الإيطالي المسمى مرموزي، والضابط الإنجليزي من درجة كومندان، وكان يسمى تيسيي.

هذه بعض الحقائق عن شخص المجاهد ابن عبد الكريم وعن خطته في الكفاح، أردت أن أوردها إبعادا لكل خلط أو لبس، وتثبيتا للرسالة التي قام بتأديتها على أكمل وجه في سبيل الله والوطن)).

إن الحديث عن عبد الكريم الخطابي في صحافة مصطفى العلوي، قبل سنين من بدء المتاجرة في “أمير الجهاد” والدعاية إلى مشروع انفصالي وهمي انطلاقا من الجزائر، يؤكد أن الرجل يعد جزء من هذا التراب وجزء من صحافة هذا الوطن، وما دون ذلك فهو مجرد ادعاءات باطلة، ومحاولة يائسة لتشتيت “ريافة”، وهي مؤامرة قديمة، كانت تنطلق دائما من الجزائر، مدعومة بأفكار استعمارية(..).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى