تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | المواجهة بين المغرب والاتحاد الأوروبي تبلغ منعطف الحسم

عادت الأسطوانة الجديدة القديمة للدوران من جديد، والمكونة من المغرب والاتحاد الأوروبي وبينهم الاتفاقية الزراعية ومعادلة المنتجات القادمة من الصحراء، وذلك منذ انتهاء مدة سريان الاتفاقية السابقة في يونيو من السنة الماضية، ولم يتم تجديدها إلى اليوم، في ظل تعقيد جديد، وهو إصدار محكمة العدل الأوروبية حكما قضائيا يقضي ببطلان الاتفاقية السابقة، نظرا لتضمنها منتجات قادمة من الصحراء، وقد مهدت هذه التطورات لبداية الحركات التسخينية بين المغرب من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية، لأجل الدخول في صراع جديد من أجل توقيع اتفاقية فلاحية جديدة، وكل طرف يسعى إلى الخروج بأكبر المكاسب..

وقد ظهر ذلك، عندما استقبل وزير الخارجية ناصر بوريطة، أوليفر فارهيلي، المفوض الأوروبي المكلف بالجوار والتوسع، مؤخرا، حيث خاطب الطرف المغربي الاتحاد الأوروبي خلال المؤتمر الصحفي بنبرة حادة، ومن جملة ما أكد عليه “ضرورة خروج الاتحاد الأوروبي بموقف واضح يتماشى مع مد دوله الداعمة لمغربية الصحراء”، وشدد ناصر بوريطة على أن “الكرة الآن في ملعب الاتحاد الأوروبي لتقديم الإجابات وإرسال الإشارات وإيجاد الحلول”، وتحدث عن “وجود ابتزاز وتحرشات قانونية واقتصادية تمس العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي”.. ويحاول هذا الملف التطرق لأهم الصراعات بين المغرب والاتحاد الأوروبي خلال العشرين سنة الماضية حول تجديد اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري، وما دار خلال ذلك من سجال بين الطرفين.. فهل ينتهي هذا المخاض الحاصل اليوم بموقف صريح من الاتحاد الأوروبي من مغربية الصحراء ؟

أعد الملف: سعد الحمري

تتمة المقال تحت الإعلان

ربع قرن من تعثر الاتفاقيات بسبب المنتجات القادمة من الصحراء

    إن المتأمل في كل المفاوضات المغربية التي جرت خلال العشرين سنة الماضية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، يلاحظ ملاحظتين أساسيتين على الأقل، وهما أولا: طول المفاوضات بين المغرب وهذا التكتل القاري، من أجل توقيع اتفاقية جديدة، وتدخل ما هو سياسي في سير المفاوضات، وثانيا: إسبانيا هي المتضرر الأول من تعثر المفاوضات، علما أن أول أزمة وقع فيها المغرب مع الاتحاد الأوروبي كانت سنة 1999، عندما انتهت الاتفاقية الموقعة بين البلدين سنة 1995.

وقد انطلقت فصول الأزمة، عندما أعلن المغرب سنة 1999 أنه لن يوقع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي وستكون هذه هي الأخيرة، وهو الأمر الذي جعل الإسبان يضغطون على التكتل القاري من أجل إقناع المغرب بضرورة التجديد لأربع سنوات أخرى، ورغم بداية عهد الملك محمد السادس، الذي عولت عليه إسبانيا كثيرا من أجل تجديد الاتفاقية، إلا أنه ذهب في نفس الاتجاه، ورفض التجديد، الأمر الذي أدخل العلاقات بين البلدين في أزمة ثم انجر الاتحاد الأوروبي كذلك، لتندلع أزمة سياسية بسبب تعثر المفاوضات حول هذا الملف، كادت أن تتحول إلى أزمة عسكرية بين المغرب وإسبانيا، وهي ما يعرف بأزمة جزيرة ليلى.

تتمة المقال تحت الإعلان

وبسبب هذه التطورات، ظل أمر تجديد اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي معلقا لمدة ناهزت ست سنوات كاملة، وجدير بالذكر أن الاتفاقية الجديدة دخلت حيز التنفيذ في 28 فبراير 2007، لفترة تمتد على مدى أربع سنوات، وذلك إلى غاية 28 فبراير 2011، وتم التوصل إلى اتفاق جديد خلال شهر فبراير من السنة نفسها، لتمديد سريان هذا البروتوكول لسنة إضافية بالشروط نفسها، واستمر العمل به إلى غاية دجنبر 2011.

وانطلاقا من هذا التاريخ، بدأت المشاكل تطفو على السطح، إذ رفض البرلمان الأوروبي المصادقة على البروتوكول، حيث علل موقفه لأول مرة بأن هناك منتجات مغربية تأتي من الصحراء، وردت السلطات المغربية، ممثلة في وزارة الفلاحة والصيد البحري، على هذا القرار، بمطالبة الأسطول الأوروبي بمغادرة المياه المغربية، ولذلك وجد الإسبان أنفسهم مضطرين من جديد للضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل اتفاقية أخرى مع المغرب، ومن هنا بدأ مسلسل الشد والجذب بين المغرب والاتحاد الأوروبي حول مسألة المنتجات المغربية القادمة من الصحراء.. فقد عبر المسؤولون المغاربة لنظرائهم الإسبان، على لسان وزير الخارجية المغربي خلال تلك المرحلة، سعد الدين العثماني، بما يلي: ((المغرب مبدئيا غير رافض لاستئناف المفاوضات بشأن الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، لكننا قلنا للإسبان أنه من غير المعقول أن نتفاوض ويأتي البرلمان الأوروبي في النهاية للتصويت ضد الاتفاقية المتوصل إليها، وطالبناهم بأن يقوموا بالمفاوضات داخل الاتحاد الأوروبي، ويعملوا على تصفية خلافاتهم الأوروبية الداخلية، لأننا نتفاوض مع الاتحاد الأوروبي وليس مع دولة داخل الاتحاد الأوروبي، علاوة على أن الترويج بأن رفض بروتوكول تجديد اتفاقية الصيد البحري في أواخر عام 2011، كان بسبب الصحراء، هو أمر غير صحيح، فرغم وجود برلمانيين أوروبيين يدافعون عن هذه النقطة، لكن هؤلاء وحدهم ليس بإمكانهم إسقاط الاتفاقية، بل كانت هناك دول أخرى داخل الاتحاد الأوروبي لا تستفيد من اتفاقية الصيد البحري التي يمولها الاتحاد، وهي خلافات داخلية، مثلما أن هناك أطرافا أخرى تحس بأن مصالحها تتضرر من هذه الاتفاقية وتلجأ إلى إثارة قضايا البيئة، بمعنى أن التصويت ضد البروتوكول لم يكن بسبب الصحراء وحدها)).

بوريطة في استقبال فارهيلي، المفوض الأوروبي المكلف بالجوار والتوسع

ثم دخل المغرب والاتحاد الأوروبي في مسلسل طويل امتد لسنتين كاملتين من المفاوضات، إلى أن تم التوقيع على اتفاقية جديدة في يوليوز 2013، صادق عليها البرلمان الأوروبي بالإيجاب، في جلسة عامة، يوم 10 دجنبر 2013، بستراسبورغ، واعتبر المغرب الاتفاق انتصارا كبيرا له وهزيمة لأنصار جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر وخصومه الذين حاولوا استثناء المياه المقابلة للصحراء من الاتفاقية، رغم حرص الأوروبيين على التنصيص، بالاتفاقية، على تخصيص جزء من عائدات الصيد لهذه المناطق وربطها بحقوق الإنسان، وحصل الاتفاق على أصوات 310 من أعضاء البرلمان الأوروبي ورفضه 204 برلمانيا وامتنع عن التصويت 49، لينهي بذلك أشواطا صعبة من المفاوضات دامت سنتين على ست جولات من النقاش، ورغم التصويت على بروتوكول اتفاقية الصيد البحري من طرف البرلمان الأوروبي، إلا أن مصادقة البرلمان المغربي على الاتفاقية عرفت تأخرا لعدة أشهر، وكان ذلك لأسباب سياسية، حتى لا يرمي بهذه الورقة من يديه نهائيا، وانتظر المغرب زيارة الملك الإسباني الجديد فيليبي السادس وعقيلته للمغرب، يوم 14 يوليوز 2014، ليوقع الملك محمد السادس على اتفاقية الصيد البحري، لتدخل حيز التنفيذ ويعلن عن كونها هدية للعاهل الإسباني بمناسبة أول زيارة يقوم بها للمغرب كأول بلد من خارج المنظومة الأوروبية.

تتمة المقال تحت الإعلان

وانطلاقا من شهر فبراير 2016، بدأت مشاكل من نوع جديد، حيث لجأت جبهة البوليساريو إلى محاولات تعطيل الاتفاقية عن طريق اللجوء إلى المحكمة الأوروبية، وقتها رد المغرب عليه في فبراير 2016، بإعلان تعليق علاقاته مع الاتحاد، مما أدى إلى إرجاء العديد من الاجتماعات التقنية وإلى تباطؤ وتيرة المفاوضات بشأن اتفاق التبادل الحر الشامل، وفي 16 يوليوز 2018، اعتمد مجلس وزراء الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، تعديلات على البروتوكولات المتعلقة بالمنتجات الزراعية والملحقة باتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، وقد هدفت التعديلات إلى توسيع نطاق تطبيق هذا الاتفاق ليشمل الصحراء المغربية، وبعد ذلك بأربعة أيام، سيعاد التوقيع على الاتفاقية بين الطرفين، ثم بدأ فصل جديد عندما حكمت المحكمة الأوروبية ابتدائيا سنة 2021، ببطلان الاتفاقية، وقد لاحظ العارفون بهذا المجال، أن القرار الجديد للمحكمة الأوروبية خالف ما قضت به محكمة العدل الأوروبية سنة 2018، حين رفضت طعن البوليساريو، لكونها جهة تفتقد الصفة القانونية.

وفي الخطاب الملكي بمناسبة المسيرة الخضراء لسنة 2021، أرسل الملك محمد السادس إشارات واضحة إلى الاتحاد الأوروبي، عندما دعاه إلى تبني مواقف جريئة وواضحة بخصوص قضية الوحدة الترابية للمغرب، وسمى الصنف الثاني بـ”أصحاب المواقف الغامضة والمزدوجة”، وأعلن بشكل صارم أن المغرب لن يقوم معهم بأي خطوة اقتصادية أو تجارية لا تشمل الصحراء المغربية، ثم أكد الوزير ناصر بوريطة، أمام لجنة العلاقات الخارجية للبرلمان المغربي، ما يلي: ((علينا التحرر من ابتزاز الاتحاد الأوروبي، وأن أي اتفاق في المستقبل مع الاتحاد الأوروبي يجب أن يحترم السيادة المغربية على الصحراء)).. فهل معنى هذا أن توجه المغرب هو عدم القيام بأي خطوة مستقبلية مع الاتحاد الاوروبي إلا بعد اعترافه بمغربية الصحراء ؟

تتمة المقال تحت الإعلان

هل تؤدي المفاوضات الحالية بالاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بمغربية الصحراء ؟

    عمليا، انتهت اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي الموقعة بين الطرفين في 16 يوليوز 2023، وفي شهر أكتوبر الماضي، قضت محكمة العدل الأوروبية بأن “المفوضية الأوروبية انتهكت حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير، بإبرامها اتفاقات تجارية مع المغرب”.. يومها خرج الاتحاد الأوروبي ليؤكد على عمق شراكته الاستراتيجية مع المغرب، حيث عقب على حكم المحكمة بالتزامه بشراكته الاستراتيجية مع المغرب باعتبارها “طويلة الأمد وواسعة وعميقة”، بينما تسعى المفوضية الأوروبية خلال المهلة المحددة في 12 شهرا قبل تنفيذ الحكم، إلى التوصل لحل يحفظ موقعها كشريك مميز مع المغرب، لتجنب التداعيات السلبية على القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالصيد البحري.

وكان الرد المغربي عبر وزير الخارجية خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع المفوض الأوروبي المكلف بالجوار والتوسع، حيث خاطب الأول الثاني بنبرة حادة بعض الشيء وقال له: “إن الكرة اليوم في ملعب الاتحاد الأوروبي لإرسال الإشارات وإيجاد الحلول”، لما اعتبرها تحديات تواجهها الشراكة مع أوروبا. والملاحظ، أن المغرب تحرك قبل ابتزاز الاتحاد الأوروبي له، حيث أنه قبل أسبوعين من يوم 16 يوليوز 2023، تاريخ انتهاء الاتفاقية البحرية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وقع المغرب يوم الرابع من نفس الشهر “مذكرة تفاهم وتعاون” بين وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات‎ ووزارة الزراعة والشؤون الريفية في جمهورية الصين الشعبية.. فهل هو رد من المغرب على الاتحاد الأوروبي بلعب ورقة الصين، أم أن المغرب يتجه فعليا إلى تنويع شركائه ؟

تتمة المقال تحت الإعلان

والواقع، أن المغرب بدأ منذ فترة في تنويع شركائه، ولكن ليس على حساب الاتحاد الأوروبي، وكما هو معلوم، فإن الاتحاد الأوروبي يعد شريكا أساسيا بالنسبة للمغرب، وهو أساسي بالنسبة للمغرب نظرا لكونه يضم 27 دولة إلى جانب دول صديقة تربطها بالمغرب علاقات تاريخية، ويتعلق الأمر بكل من فرنسا وإسبانيا، كما أن معظم الدول المكونة لهذا التكتل القاري تعتبر أن مخطط الحكم الذاتي مقترحا ذا مصداقية، ومن ضمن الدول التي ردت على حكم محكمة العدل الأوروبية، هنغاريا، التي اعتبرت قبل أيام أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تشكل بدون نقاش الأساس الأكثر مصداقية للنزاع الإقليمي حول الصحراء، وإلى جانب ذلك، الاعتراف الفرنسي الأخير بسيادة المغرب على كامل ترابه، وكما هو معلوم، فإن فرنسا هي من تقود السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.

وهناك نقطة أخرى مهمة متعلقة بالمغرب، فقد راكمت البلاد خلال السنوات الأخيرة تجربة مهمة أفضت إلى اعتراف عدة دول بمغربية الصحراء، وقوام هذه التجربة الصبر والتأني والنفس الطويل في المفاوضات، ومن الممكن أن تستمر المفاوضات حول هذا الملف لسنوات، ويبدو المغرب عازما على موقف واضح وصريح من هذا التكتل القاري.. فهل سيكون الاتحاد الأوروبي ثاني تكتل يعلن عن دعمه للمغرب بخصوص وحدته الترابية على غرار مجلس التعاون الخليجي، أم أن الأمر ما زال مبكرا على هذه الخطوة ؟

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى