حديث العاصمة | الصناعة التقليدية ثقافة رباطية وليست فرجة للسياح
اجتمعت في عاصمة المملكة صفات تفرقت في غيرها، فهي متجذرة في التراث الإنساني، رائدة في الثقافة، بارزة في منظمة المدن ذات الجذور التاريخية… إلخ.
ونكتفي بهذه الصفات، لارتباطها بموضوع هذا الحديث الخاص بصناعتنا التقليدية المحلية، الموكول استمرارها إلى صناع مبدعين أكثرهم ورثوها وتعلموها بالفطرة من “مْعَلمي” زمانهم، وتطورت في الآونة الأخيرة بفضل إنشاء معاهد لتكوين جيل جديد من هؤلاء “المْعَلْمين” في مجالات محدودة على أساس التشبث بروح التقليد وثقافة المنتوج، وهذا ما نتمناه، لنقرأ فيه تاريخ أصالة هذه الرباط.
وحتى تكون هذه القراءة سليمة وبدون تحريف ولا أخطاء، تكلفت بذلك وزارة بمديريات مركزية، ومندوبيات محلية وإقليمية وجهوية، وإدارة حافظت على تركيبتها التقليدية، هي “دار الصانع”، وللمزيد من تأطير هذا الصانع ليفجر مواهبه، أنشئت مجالس ينتخبها لتنظيمه وتدبير شؤون ورعاية حاجياته، وأكثر من ذلك، للحفاظ على خصوصية الصناعة التقليدية حتى لا تندثر أو تشوه، ولم يتوقف الأمر عند هذا التنظيم، بل فتح للصناع باب البرلمان من خلال غرفته الثانية، للتواصل المباشر مع الحكومة بانتداب من ينتخبون لتمثيلهم والدفاع عن حقوقهم.
إلى هنا نعترف بنقلنا فقط ما يخوله القانون للحرفيين، ولكن كيف هو وضعهم الواقعي؟ فبهذه الترسانة من الإدارات المنتشرة في كل ربوع المغرب، وبالإمكانيات المرصودة لهذه الطواقم البشرية ومن جيوب الشعب لدعم ذاكرة أجداده وثقافتهم ورسائلهم إلى أحفادهم وزوار العاصمة الثقافية لاستلهام أمجادهم وتخليد تطورهم بوسائل يدوية صرفة في زمن الإبداع لتعميرها منذ حوالي القرن 12م، وروعة تصميم وهندسة وبناء صومعة حسان شاهدة على هذه العبقرية، والثقافة صناعها مؤتمنون على صيانتها وإبراز عظمتها دون المس بجوهر غايتها.
وأمام هذه الوسائل التي تكلف مئات الملايير من السنتيمات سنويا، ما نصيب الرباط وهي “فكر الثقافة الوطنية” منها؟ وما مردودية الإدارات والغرف عليها، وعلى الصناع المعذبين المقهورين ضحايا الأمراض الفتاكة ابتداء من 50 سنة في العيون والربو والسكري والأعصاب والمفاصل… إلخ؟ هل ممثلوهم في المؤسسات الدستورية صناع ممارسون، أم فقط “أصحاب الشكارة” يمولون ويدبرون محلات تجارية، وينوبون عن الممارسين في المنتديات الخاصة بالصناع ؟
مع الأسف، حتى سياسة الحكومة تربط الصناعة التقليدية بالسياحة، وبالتالي، أصبحت كفرجة للناظرين، وهذا خطأ، لأن الصناعة التقليدية ثقافة شعب وتاريخ، لذلك كان الأولى بوزارة الثقافة وضع هيكلة واختصاصات مدروسة، تفوض منها للجماعة والجهة شؤونها المحلية.
ونختم بما يكفي استيعابه للبحث عن أنواع الصناعة التقليدية الرائجة في العاصمة الثقافية، فالزربية الرباطية تحتضر ومعها الطرز الرباطي والبلغة الرباطية وهندسة المنازل الفريدة بالمدينة العتيقة، وباختصار، ماتت هذه الصناعة ولا تذكرنا بها سوى مؤسساتها المستفيدة من ميزانيات ضخمة ربما ترحما على روحها.