بين السطور | خلاف بنكهة “الفتنة”
الدولة يحكمها أمير المؤمنين، و”المغاربة ليسوا فقط متمسكين بالإسلام كدين، بل إن هذا التوجه هو جزء لا يتجزأ من كيان الدولة المغربية، التي يحكمها أمير المؤمنين”.. هكذا تفاعل السي عبد الإله بن كيران مع “تصريحات” منسوبة لوزير الأوقاف أحمد التوفيق يؤكد فيها “علمانية الدولة”.
إذا استرسل وقتها السيد بن كيران في الدفاع عن “إسلام المغاربة” أمام سكان جماعة توجد في نواحي تارودانت، حيث شغل المواطنين الوحيد هناك هو “الخبز والتنمية” وليس النقاش الأكاديمي، فالتوفيق، الذي استنكر هجوم بن كيران عليه، ورفع شكواه إلى الله، حتى وإن كان يتحدث بصفته الوزارية أو الشخصية، فهو محسوب على الزاوية البودشيشية، التي تعد أكبر زاوية دينية في المغرب، والتي انضم إليها كثير من الأمريكيين(…) لدعم الدعوة إلى دستور 2011، بالمقابل ينهل بن كيران من فكر حركة “التوحيد والإصلاح”، التي يمكن اعتبارها من أكبر “الجماعات الدينية” في المغرب، وهذه المعطيات وحدها كفيلة بأن تعطي فكرة عن حجم هذا “الاصطدام الفكري” وتداعياته الخطيرة، لا قدر الله.. ولا شك أن بن كيران انتبه إلى خطورة الأمر في آخر اللحظات، حيث بادر إلى “الاعتذار من أحمد التوفيق”، وهو ما يعني محاولة طي هذه الصفحة، التي كادت أن تتحول إلى “فتنة”..
هل كان من الضروري رفع النقاش بين المواطنين البسطاء إلى هذا الحد؟ وهل كان محتّما “استعمال الدين في السياسة”، سواء تعلق الأمر بأحمد التوفيق أو بن كيران؟ ألم يكن على وزير الأوقاف، الذي كان يريد في حقيقة الأمر توجيه رسائل إلى الخارج(…)، أن يترك هذا الأمر لوزارة الخارجية والتعاون؟ ألم يكن على السي عبد الإله التريث بدل التصعيد ثم الاعتذار(…) ؟
إن ما حدث بين الرجلين هو خلاف خطير من نوعه، وتكمن خطورته في إمكانية استغلاله من “الأطراف السياسية” لغاية في نفس يعقوب، كما يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية في الخارج، وبدل “الترويج” لمناخ التسامح الديني في ظل إمارة المؤمنين، قد يتم الترويج لأفكار أخرى لا تخدم بأي حال من الأحوال المشاريع المغربية المستقبلية، ومنها رهان تنظيم كأس العالم 2030 الذي تم ربطه بخطة تنموية كبرى يجب تجسيدها على أرض الواقع ..
سبق أن قال أحد المصلحين المسلمين: “بدلا من أن نصلح أحوالنا ونحيي آمالنا ونجدد مسيرتنا، حاولنا أن نصلح ونجدد ونحيي الإسلام، والإسلام لا يمرض ليُصلح، ولا يموت ليحيا، ولا يقدم ليجدد.. إن نهر الإسلام نهر عظيم سددنا مجراه بخلافاتنا وتصوراتنا، ولوثناه بحظوظ أنفسنا، وأضعفناه بمشاكلنا، فدعونا أسألكم بالله في هذا القرن، نجعل النهر يجري من جديد”.. فهل مبادرة السيد وزير الأوقاف هي عودة بنا إلى ذلك الزمن الذي ارتقى فيه مستشارو السلاطين من العلماء لدرجة فرضوا فيها أنفسهم على الملوك، أم جرأة، أم صراحة، أم سبق للأحداث ؟ يمارسها “الشيخ التوفيق”، وراء نظاراته الثقيلة، تذكرنا لذعته السوسية بمسقط رأسه بويركان، جماعة أعطت من قبله في زمان السعديين، فقيها مثله(…)، ولعله من أجداده(…)، يسمى الشيخ الحاحي، الذي طرد بعلمه السلطان زيدان، ابن المنصور الذهبي..