تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | الحوار الذي دار بين الأمير مولاي الحسن والرئيس شي جين بينغ

ماذا قال الصينيون عن ولي العهد ؟ 

((“إن التفاعل المتناغم بين ولي العهد الشاب والزعيم الكبير هو شهادة على دفء العلاقات المغربية الصينية”، “الصين والمغاربة صداقة دائمة إلى الأبد”، “ولي العهد ذكي جدا.. ويظهر ذلك بمجرد النظر إلى خط تسريحة شعره”، “ولي العهد وسيم جدا وذكي”، “الأمير نشيط للغاية”)).. هذه فقط بعض التعليقات التي تنقل مدى تفاعل الصينيين مع الظهور اللافت لولي العهد الأمير مولاي الحسن في مراسيم استقبال الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي حل بالمغرب في زيارة سريعة(..)، وبغض النظر عن التعليقات التحليلية التي تصب في اتجاه الحديث عن التعاون بين البلدين وصداقة الشعبين، فإن جل الصينيين الذين “غردوا” على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عرضت وسائل الإعلام الصينية فيديوهات للرئيس وولي العهد المغربي، استحسنوا وأبدوا إعجابهم بشخصية مولاي الحسن.

 

إعداد: سعيد الريحاني (من عاصمة الصين بكين)

تتمة المقال تحت الإعلان

 

    في المغرب، نجح الأمير مولاي الحسن في الظهور بشكل مشرف لكل المغاربة، خلال مراسيم استقباله للرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يعد رئيس ثاني قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، والذي حطت طائرته بشكل “غير متوقع” في مدينة الدار البيضاء يوم الخميس الماضي، لتقول قصاصات الأخبار المفاجئة: ((إن تعليمات ملكية سامية صادرة عن الملك محمد السادس، وجهت للأمير مولاي الحسن باستقبال الرئيس الصيني شي جين بينغ)).

الزيارة وإن كانت قصيرة وسريعة، إلا أنها كانت كفيلة بخلق استنفار كبير على مستوى سلطات الدار البيضاء (كازا بلانكا)، وبالمناسبة، فكثير من الصينيين يعرفون “المغرب” باسم “كازا بلانكا”، وهو الأمر الذي جسده وقوف الوالي محمد امهيدية، وهو والي من الولاة الثلاثة الذين تفوق سلطتهم سلطة بعض الوزراء في الحكومة، بالإضافة إلى حضور عبد اللطيف معزوز رئيس مجلس الجهة، وجلال بنحيون عامل إقليم النواصر، ومحمد السالماني رئيس المجلس الإقليمي للنواصر، وعبد العزيز الراضي رئيس جماعة النواصر، وحضور المنتخبين عن الجهة له رمزية كبيرة في هذا الاستقبال(..)، ولم تكن حالة الاستنفار لتقف عند مسؤولي الجهة، بل إن رئيس الحكومة عزيز أخنوش “تم نقله” إلى الدار البيضاء ليكون حاضرا في الموعد.. إلى جانب ولي العهد الأمير مولاي الحسن، الذي يرافقه طاقمه الخاص(..).

تتمة المقال تحت الإعلان

الجانب الصيني كان ينقسم إلى صنفين من المسؤولين: النوع الأول هم المسؤولون الصينيون الذين كانوا يرافقون الرئيس الصيني شي جين بينغ على متن طائرته الخاصة الضخمة الصينية الصنع، ومن بينهم العدد الضخم للحراس الشخصيين الذين كان حضور بعضهم لافتا بقوتهم البدنية، وبغض النظر عن المهام التقنية(..)، فقد كان إلى جانب الرئيس الصيني كل من كاي تشي، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي والمدير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ووانغ يي، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومدير مكتب اللجنة المركزية للشؤون الخارجية، وهوا تشونينغ، نائبة وزير الشؤون الخارجية.. والحقيقة أن الصحافة المغربية وإن كانت قد قدمت المسؤولين سالفي الذكر بالصفات المذكورة، إلا أن الكثيرين لم يعرفوا أن الرجل الذي توارى إلى الخلف، والذي تم تقديمه بصفته السياسية، وانغ يي، ما هو في الحقيقة إلا وزير الخارجية الصيني القوي، الذي يمكن وصفه بأنه أقوى وزير خارجية في تاريخ الصين الحديثة، وأقوى وزير خارجية على مستوى العالم في الوقت الراهن، حيث أنه جاب بحكم طول مدته في المسؤولية (بشكل متقطع)، العالم شرقا وغربا، وله كتابات كثيرة يشرح فيها الرهانات الاستراتيجية للصين.. أما هوا تشونينغ، فهي ليست سوى تلك السيدة النشيطة في كل المؤتمرات الصحفية، وتعرفها وسائل الإعلام بصفتها كمتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية..

أما الصنف الثاني من المسؤولين الصينيين، فهم جنود الخفاء الذين وفروا كل ما هو مطلوب على الأرض، ويتعلق الأمر بطاقم السفارة الصينية، وقد تقدموا أيضا للسلام على ولي العهد مولاي الحسن، وعلى رأسهم السفير “النشيط” لي شانغ لين، سفير الصين بالرباط، هذا الأخير وإن كان يظهر بطابع التواضع في طريقة الجلوس وطريقة تناول الملفات، إلا أنه مثقف كبير، وملم بالجانب الثقافي للمغرب، ويرجع له الفضل في ترجمة بعض المؤلفات حول قضية الصحراء إلى اللغة الصينية، بالإضافة إلى بعض مؤلفاته الأخرى(..)، وقد حضر إلى جانبه زهو زهيشانغ، الوزير المستشار بالسفارة، وشيا كيلين، الملحق العسكري بنفس السفارة، وزهينغ واي، المستشار الاقتصادي والتجاري.. وعموما هناك جنود خفاء كثيرين بين الرجال والنساء يعملون كل من جهته لإنجاح الحضور الصيني في المغرب.. 

تتمة المقال تحت الإعلان

طيلة مدة الاستقبال، ظهرالأمير مولاي الحسن متمكنا من التفاصيل الصغيرة والكبيرة للبروتوكول، وتكليفه من طرف والده الملك محمد السادس باستقبال أكبر قائد عالمي في الوقت الراهن، ليس مهمة سهلة(..)، انظروا إلى طريقة الاستقبال ووقوف مولاي الحسن أمام سلم الطائرة في انتظار الرئيس.. وتابعوا كل الحركات فوق البساط الأحمر، وكيف تمت تأدية التحية العسكرية بنجاح، وهي مهمة تبدو بسيطة، لكن رؤساء دول كبرى ما زالوا يخطؤون إلى اليوم في أداء التحية العسكرية، ودعكم من التصرفات العسكرية الصارمة، وبالمناسبة، فالرئيس شي جين بينغ قائد عسكري أيضا(..)، وانظروا إلى لقطة الاستقبال بالتمر، وكيف بادر الأمير مولاي الحسن إلى تناول تمرة في الحين بعد أن لاحظ “تردد” الرئيس الصيني، في البداية، في التعامل مع هذه الطريقة المغربية “الإمبراطورية” في الاستقبال، عند بوابة القاعة الشرفية بمطار محمد الخامس حيث تم تنظيم استقبال خاص.

طريقة جلوس الأمير مولاي الحسن، وهو ملك المستقبل، إلى جانب الرئيس الصيني شي جين بينغ، وطريقة كلامه، وإصراره على توضيح أفكاره، من خلال الحث على الترجمة(..)، أثارت الإعجاب، وهو ما جعل الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي يعبرون عن “فخرهم” بالأمير الشاب، ابن الملك الكبير محمد السادس.

ويبقى السؤال مطروحا: ما الذي جعل الرئيس الصيني يحط الرحال بالمغرب، في هذه الزيارة التي وصفت من لدن المغاربة بـ”الزيارة القصيرة”؟ والجواب – حسب مصادر صينية – يقول بأن الأمر يتعلق بـ”توقف تقني”(..)، ولكن توقف رئيس كبير مثل الرئيس شي جين بينغ، في أي بلد بغض النظر عن كون نوع التوقف يعد حدثا ذا وزن كبير، لا سيما وأن الرئيس اختار النزول في المغرب بالذات، وهو ما يعكس حجم ثقته في المملكة، وقد كانت طائرته في طريق عودتها إلى الصين انطلاقا من البرازيل، التي كانت قد احتضنت “قمة العشرين” (G20)، وهي منتدى حكومي دولي يهتم في المقام الأول بالقضايا الاقتصادية، ويضم أكبر عشرين اقتصادا على مستوى العالم، ويضم في عضويته 19 دولة، بالإضافة إلى “دولة الاتحاد الأوروبي”.. والدول الأعضاء هي: الصين، البرازيل، كوريا الجنوبية، المكسيك، روسيا، تركيا، الأرجنتين، أستراليا، كندا، فرنسا، ألمانيا، الهند، أندونيسيا، إيطاليا، اليابان، السعودية، جنوب إفريقيا، والمملكة المتحدة، ثم الولايات المتحدة الأمريكية.

تتمة المقال تحت الإعلان
صورة من اللقاء التاريخي سنة 2016 بين الملك محمد السادس والرئيس الصيني شي جين بينغ

إذن، فالرئيس الصيني كان عائدا لتوه من قمة البرازيل، التي حضرها جل رؤساء الدول الكبرى، وهي القمة التي تميزت في اجتماعها الأخير بإطلاق “تحالف عالمي ضد الجوع والفقر”، كما تميزت بالاستقبالات الكبيرة التي خصصها الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا للرئيس شي جين بينغ، ورغم بعد المسافة بين البلدين، والبحار والمحيطات، إلا أنهما دولتان تحترمان بعضهما البعض باعتبارهما أكبر اقتصادين ناميين في العالم بين الشرق والغرب(..).

ومن المصادفات التاريخية، أن البرازيل قامت بنشر خريطة المغرب كاملة خلال اجتماع “مجموعة العشرين”، ما يعني تغيرا كبيرا في مواقفها، وقد شكلت قضية الصحراء جزء من حوار الأمير مولاي الحسن مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهو ما تؤكده الإشارات الإيجابية من لدن الرئيس الصيني.

في ذلك الاجتماع مع ولي العهد مولاي الحسن، عبر الرئيس الصيني عن ((استعداد الصين لمواصلة العمل مع المغرب لدعم بعضهما البعض بقوة في القضايا المتعلقة بمصالحهما الأساسية، والدفع نحو تنمية أكبر للشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب))، كما طلب نقل تحياته الودية للملك محمد السادس، دون أن تفوته الإشارة إلى الزيارة الملكية إلى الصين سنة 2016، وبلغة دبلوماسية، ((أعرب شي جينغ بينغ عن استعداد الصين للعمل مع المغرب لتنفيذ نتائج قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني-الإفريقي، والمؤتمر الوزاري الـ 10 لمنتدى التعاون الصيني-العربي، والعمل على تحقيق المزيد من النتائج في التعاون العملي عبر مختلف المجالات في إطار تعاون “الحزام والطريق”.. وأضاف أن الصين تدعم جهود المغرب في الحفاظ على أمنه واستقراره على الصعيد الوطني، داعيا البلدين إلى توسيع التبادلات الثقافية والشعبية لتعزيز الدعم الشعبي للصداقة بين البلدين)).

تتمة المقال تحت الإعلان

اللغة الدبلوماسية لا تفترض قول الأشياء بمسمياتها دائما، لكن رسالة الرئيس الصيني واضحة ومفهومة(..)، وبدوره ((نقل الأمير مولاي الحسن التحيات الصادقة والترحيب الحار من الملك محمد السادس إلى شي جينغ بينغ، مشيرا إلى أن العلاقات الثنائية حافظت على زخم تنموي سليم.. وأعرب عن شكر المغرب للدعم القيّم الذي قدمته الصين خلال جائحة “كوفيد-19″، وهو ما لن ينساه الشعب المغربي أبدا)).. هكذا تحدث ولي العهد قبل أن يؤكد أن ((العائلة الملكية المغربية والحكومة المغربية ملتزمتان بشدة بتطوير العلاقات الثنائية بشكل أكبر، ومستعدتان للحفاظ على تبادلات رفيعة المستوى مع الصين، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات.. وأشار الأمير مولاي الحسن إلى أن اللغة الصينية والثقافة الصينية تحظيان بشعبية كبيرة لدى الشعب المغربي، معربا عن أمله في تعزيز التبادلات الشعبية بين البلدين، وأضاف أن البلدين يتبنيان مواقف متشابهة بشأن العديد من القضايا، وأن الجانب المغربي مستعد للعمل مع الصين لدعم بعضهما البعض بحزم في الحفاظ على السيادة الوطنية والأمن والاستقرار..)) حسب مصادر صينية.

يذكر أن إمكانية تعاون الصين مع المغرب تظل كبيرة، بسبب اهتمام الرئيس الصيني شخصيا بالتعاون مع الدول الإفريقية، وبوقوفه شخصيا على نجاح المبادرات الموجهة نحو الجنوب العالمي، بالإضافة إلى افكاره الكبرى مثل “بناء مجتمع مشترك للبشرية”، ومشروعه العملاق “الحزام والطريق”، الذي يعد أكبر مشروع من نوعه في العالم، وحتما يوجد نصيب من هذا الطريق للمغرب في ظل وجود علاقات تاريخية قديمة بين البلدين، وثقة كبيرة ذات أصول إمبراطورية(..)، فالإمبراطوريات لها لغة مختلفة، وشئنا أم أبينا، فالتصرفات الإمبراطورية ما زالت حاضرة في الوجدان المغربي، والرئيس الصيني هو رئيس إمبراطوري منتخب، بل إن قوة الصين الخفية هي حفاظها على الروح الإمبراطورية في الصين الجديدة، رغم الانتخابات، ورغم الأحزاب، التي يقودها بلا منازع الحزب الشيوعي الصيني (120 مليون منخرط).

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى