تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | مؤشرات مخطط جزائري للدخول في صراع مسلح مع المغرب

ردة فعل غير محسوبة العواقب

منذ تسلم عبد المجيد تبون منصب رئاسة الجزائر يوم 19 دجنبر 2019، لا تمر فترة قصيرة إلا ويروج الحديث بقوة عن إمكانية نشوب حرب إقليمية بين المغرب والجزائر، سواء تعلق الأمر بحرب مباشرة بين البلدين أو بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من طرف الجزائر، في مسعى من هذه الأخيرة إلى استئناف الحرب المتوقفة منذ سنة 1991، على اعتبارها السبيل الوحيد لوقف الانتصارات المغربية الدبلوماسية الأخيرة، ويحاول هذا الملف استعراض مؤشرات جديدة تدل على أن الحرب قد اقتربت من العودة الآن أكثر من أي وقت مضى، سواء تعلق الأمر بإمكانية حرب عصابات تقودها جبهة البوليساريو، أو حرب إقليمية مباشرة بين المغرب والجزائر.

أعد الملف: سعد الحمري

بين طلب الوساطة والتلويح بالحرب.. ماذا تريد الجزائر ؟

تتمة المقال تحت الإعلان

    تلاحقت الأحداث بشكل سريع لم تترك لنا الفرصة لنلتقط أنفاسنا لفهم ما يجري.. فعلى الأقل هذه التحولات المتسارعة بدأت مع إحاطة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء، ستيفان دي مستورا، التي ورد فيها مقترح تقسيم الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو، مرورا بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، وصولا لتجديد مهمة بعثة “المينورسو” لسنة إضافية في الصحراء.. ففي هذه اللحظة كشف معهد الآفاق الجيوسياسية (IGH) عن وجود وساطة رفيعة المستوى تجري بين المغرب والجزائر، تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الجارين المغاربيين، وحسب مصادر المعهد، فإن الوساطة جاءت بطلب من الحكومة الجزائرية، التي تقدمت بمقترح لتحقيق المصالحة يتضمن تنازلات جوهرية لصالح المغرب، ولم نفهم طبيعة التنازلات المقدمة من الجانب الذي طلب الوساطة ولا حجمها، ويبدو أن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، حمل إجابة عن المقترح الجزائري وبطريقة مباشرة، حيث أكد الملك محمد السادس خلال خطابه أن الجزائر تطالب بمنفذ نحو المحيط الأطلسي، وصرح بأن المغرب لا يرفض ذلك، لكن في إطار المبادرة الأطلسية التي تقدم بها المغرب.

يمكن القول أنه ثمة مقترحين جزائريين متناقضين طرحتهما الجارة الشرقية على الأقل إلى حدود نهاية شهر أكتوبر: الأول يتعلق بـ”اقتراح تقسيم الصحراء”، الذي رفضه المغرب علنا، والثاني “طلب للوساطة” تقدمت به الجزائر يقتضي تنازلات جوهرية، غير أنه وفي هذه الفترة، هناك حدث آخر، لم تتم إعارته ما يكفي من الأهمية.. ففي 28 أكتوبر المنصرم، زار نائب وزير القوات المسلحة الثورية الكوبية الجزائر واستقبله قائد الجيش سعيد شنقريحة، وقد صدر بيان لوزارة الدفاع الجزائرية جاء فيه: ((إن الفريق أول السعيد شنقريحة أكد أن العلاقات بين الجزائر وجمهورية كوبا متجذرة وتاريخية وقائمة على قيم مشتركة ومبادئ راسخة أسست لتعاون بيني نموذجي، وعلى التضامن ومساندة الشعوب المستضعفة، ودعم القضايا العادلة في العالم على رأسها القضيتان الصحراوية والفلسطينية))، وقال نفس البيان: ((إن مواقف البلدين – في إطار حركة عدم الانحياز – اتسمت بالتطابق والتوافق، وذلك انطلاقا من الوعي المشترك بضرورة التأسيس لحركة عالمية تدافع عن مصالح الدول النامية، وترفض الاستقطاب، حيث كان لمساهمات الجزائر وكوبا أثرا بالغا وملموسا في نشاط هذه الحركة، التي لا تزال دواعي إحداثها وتعزيز مساعيها قائمة في ظل التحولات العالمية الراهنة))، وأشاد نائب وزير القوات المسلحة الثورية الكوبية، من جهته، بما لمسه من ((إرادة صادقة لدى الفريق أول رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي في تعزيز العلاقات العسكرية الثنائية، بما يتوافق وطموحات قائدي البلدين الصديقين لإرساء أسس تعاون مثمر))، وفق تعبيره.

وبعد ذلك بأيام، أي يوم 2 نونبر الحالي، استقبل إبراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو، الجنرال خواكين كينتاس سولا، نائب وزير القوات المسلحة الثورية الكوبية، وذلك خلال مشاركته في الاحتفالات المخلدة للذكرى السبعين لاندلاع الثورة الجزائرية، وجاء في قصاصة لما يسمى بوكالة الأنباء الصحراوية ما يلي: ((تناول اللقاء آخر تطورات القضية الوطنية والعلاقات الثنائية الكوبية الصحراوية والقضايا ذات الاهتمام المشترك))، وعلق الإعلامي الجزائري المعارض وليد كبير، على هذا الأمر قائلا: ((هل تعلمون لماذا وجّهوا له دعوة لزيارة الجزائر؟ ‏لبحث إمكانية إرسال مرتزقة كوبيين إلى مخيمات تندوف لدعم ميليشيات البوليساريو في إطار خطة جديدة غايتها توسيع العمليات العسكرية، أو بالأحرى الهجمات الإرهابية ضد القوات المسلحة الملكية المغربية المرابطة بالجدار الدفاعي)).

تتمة المقال تحت الإعلان

وتذكرنا هذه الخطوة – إن صحت – بأن الجارة الشرقية تبحث عن إعادة استنساخ سيناريو مرحلة السبعينات من القرن الماضي، عندما استعانت بمرتزقة من كوبا من أجل تدريب ودعم وقيادة حرب العصابات بين جبهة البوليساريو والمغرب خلال تلك المرحلة، وهو ما أعطى زخما كبيرا للجبهة.

ثم ظهر مستجد آخر، يزكي هذا الطرح، مفاده أن الجزائر وجبهة البوليساريو يعدون العدة للدخول في حرب مع المغرب، وهو تصريح ناصر بوريطة وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بعد يومين فقط من ذكرى المسيرة الخضراء، أمام مجلس النواب، عن وجود معطيات تفيد برغبة الجزائر في جر المنطقة المغاربية إلى الصراع المسلح، وذلك في خضم المكتسبات الدبلوماسية التي حققها المغرب في قضية الصحراء، وخلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارته أمام لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج، تحدث بوريطة عن أن ((هناك من يريد جر المنطقة إلى الحرب))، مشيرا إلى وجود مؤشرات على رغبة الجزائر في أن تتطور الأمور إلى نزاع عسكري، وأبرز وزير الخارجية أن الجزائر تسعى حاليا إلى “التصعيد”، والدخول في مرحلة “المواجهة”، في الوقت الذي يعاني فيه العالم من 39 نزاعا مسلحا، وانتشار أنشطة 200 جماعة مسلحة، وهو ما أنتج فاتورة بقيمة 17 تريليون دولار.

وبعد يوم واحد، شنت جبهة البوليساريو هجوما على بلدة المحبس الحدودية مع تندوف، استهدف تجمعا للاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء، ومعنى هذا أن المغرب كان على أقصى درجات التأهب، وأن توقعات وزير الخارجية المغربي كانت صحيحة بنسبة مائة في المائة.

تتمة المقال تحت الإعلان
إبراهيم غالي زعيم “جماعة البوليساريو” يستقبل الجنرال خواكين كينتاس سولا، نائب وزير القوات المسلحة الثورية الكوبية

الضغط العسكري أكسب جبهة البوليساريو “شرعيتها”

    لا بد من العودة إلى بداية الصراع لفهم أسباب إصرار الجزائر وجبهة البوليساريو على العودة إلى المواجهة المسلحة مع المغرب.. فبعد نجاح المسيرة الخضراء، نجح المغرب في القيام بمجهود دبلوماسي كبير، جعل الجارة الشرقية في موقف محرج.. فقد جاء في وثيقة أمريكية مؤرخة بـ 3 نونبر 1977، أن السفير الأمريكي في الرباط أخبر وزير خارجية بلاده بعد مرور سنتين على بداية أزمة الصحراء، أنه لاحظ أن النجاح المغربي على الجبهة الدبلوماسية كان بلا شك سببا في إحباط الجزائر وجبهة البوليساريو، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة النشاط العسكري، وأضاف المسؤول الأمريكي أن لجوء المغرب إلى زيادة القوة، مثل أي مواجهة مباشرة مع الجزائر، من شأنه أن ينتقص من جهوده الدبلوماسية في منظمة الوحدة الإفريقية وجامعة الدول العربية، أو يعكسها.

وجاء في نفس الوثيقة، أن السفير الأمريكي أخبر وزير الخارجية المغربي امحمد بوستة، بهذه الحقيقة، وهذا الأخير وافقه الرأي، لكنه كان يعتقد أنه لابد من القيام بشيء ما..

تتمة المقال تحت الإعلان

تشبه الخلاصة التي خرج بها السفير الأمريكي منذ 47 سنة، ما يحدث اليوم، أي نجاح المغرب دبلوماسيا قابله ضغط عسكري من جانب الجزائر والبوليساريو.

فبعد بداية الضغط العسكري الجزائري، بدأت الوثائق الأمريكية تتحدث عن هذا الأمر، حيث أرسل السفير الأمريكي بالجزائر رسالة إلى وزير خارجية بلاده يوم 23 نونبر 1977، جاء فيها: ((رغم أن المغرب وموريتانيا يسيطران على معظم الصحراء عسكريا ويتمتعان بمكانة دبلوماسية قوية إلى حد معقول، فإن القضية لم تنته بعد.. فقد طورت جبهة البوليساريو قاعدة تنظيمية وحتى شعبية، وحكومة في المنفى، وجهودا دولية فعالة للعلاقات العامة، فضلا عن قوة قتالية فعالة على ما يبدو، وفي هذه المرحلة، تعاني موريتانيا عسكريا، وشعر المغرب بضغوط كافية لتصعيد حدة الصراع))، وجاء في نفس الرسالة، أن ((البوليساريو على قيد الحياة وبصحة جيدة، حيث شهدت السنتان اللتان مرتا منذ المسيرة الخضراء، تحول الجزائر وجبهة البوليساريو من عصابة صغيرة مسلحة بشكل سيء تضم عدة مئات من الأعضاء، إلى منظمة تمتلك “حكومة في المنفى”، وهيكل سياسي له ممثلون في جميع أنحاء العالم، و”قاعدة شعبية” منظمة بشكل جيد في مخيمات اللاجئين في تندوف، وجهد علاقات عامة دولي فعال، وقوة قتالية فعالة على ما يبدو تتألف من عدة آلاف من الرجال.

وفي ظل الجمود العسكري القائم على الأرض، وسعت جبهة البوليساريو من تعقيد أسلحتها، وبالتالي حجم ونطاق عملياتها إلى الحد الذي أصبحت معه الحكومة الموريتانية تعاني عسكريا واقتصاديا، وأصبح المغاربة تحت ضغط كاف لاستفزاز الملك الحسن الثاني في خطابه “المطاردة الساخنة” في السادس من نونبر بمناسبة الذكرى الثانية للمسيرة الخضراء.

تتمة المقال تحت الإعلان

وعلى الصعيد الدبلوماسي، ورغم فشل جبهة البوليساريو في الحصول على دعم عالمي، فقد بدأت على الأقل في طرح قضيتها بشكل أكثر فعالية في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في الولايات المتحدة والأمم المتحدة))، وأضافت الرسالة: ((باختصار، يبدو أن جبهة البوليساريو منظمة سوف تبقى معنا لفترة من الوقت، وأن مصلحتها في هذا الصراع تختلف عن مصلحة الجزائريين فقط في أنها لن تبدو مقيدة بالخوف من حرب جزائرية مغربية.. فمثل هذا الصراع لن يخدم سوى إضفاء طابع درامي على قضيتها، وقد ينتج وضعا جديدا قد تستفيد منه)).

ثم بعد ذلك بشهر، وأمام تكثيف الضغط العسكري من جانب جبهة البوليساريو، صدر تقرير لوكالة الاستخبارات الخارجية الأمريكية، حمل عنوان: “جبهة البوليساريو القوة الرابعة في معادلة الصحراء”، وكان التقرير كله عبارة عن إحصاء “المنجزات” التي حققتها الجبهة بفعل ضغطها العسكري، ما جعل التقرير يعتبر أنه في المستقبل وعند اقتراح أي حل للصحراء، فإنه لا يجوز إبعاد الجبهة من المعادلة ويجب اعتبارها كطرف رابع في أي مفاوضات، وذلك عندما كان المغرب ما يزال ينادي بأن المشكلة بينه وبين الجزائر، وأنه لن يتفاوض مع معدوم، وبفعل الضغط العسكري للجبهة، تم الاعتراف بها من طرف عدة دول على مدار الوقت.

ناصر بوريطة الذي لمح إلى المحاولة الجزائرية لجر المنطقة إلى صراع مسلح

هل تتوفر أمام البوليساريو اليوم شروط الأمس ؟

تتمة المقال تحت الإعلان

    إن العبرة التي يمكن الخروج بها من استعراض ما جاء في هذه الوثائق الأمريكية، هو أن الجزائر فرضت جبهة البوليساريو على الساحة الدولية عن طريق الضغط العسكري، وبعد التخلي عن العقيدة العسكرية، فقدت الجبهة بريقها تدريجيا حتى فقدت كل أوراقها التي كانت تلعب بها، ويمكن القول أن هناك مسعى لتكرار تجربة سبعينيات القرن الماضي من طرف الجزائر وجبهة البوليساريو.. فهل ينجح ذلك ؟

إن السياق الدولي اليوم يختلف عن الأمس.. فقد دعم الاتحاد السوفياتي ومن يدور في فلكه الجزائر وجبهة البوليساريو بالعتاد والرجال، كما تلقت الجبهة الدعم من طرف ليبيا وبعض الدول الإفريقية، أما الآن، فالسياق الدولي مختلف تماما، فحتى روسيا الآن تدخل في أزمة مع الجزائر، ومن أبرز تجليات ذلك، رفضت موسكو قبل أيام حضور ممثلي الجبهة لمنتدى الأعمال الروسي-الإفريقي، كما أن ليبيا تخلت عن عقيدة دعم الحركات الانفصالية بعد نهاية حكم معمر القذافي.. فهل تقدر الجزائر على الدخول في حرب استنزاف مع المغرب؟ وهل المغرب مستعد لها؟

لا نريد الحرب.. ولكن نريد أن نكون على استعداد لها.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى