تحليلات أسبوعية

بين السطور | الإحصاء والسخرية السوداء

بقلم: الطيب العلوي

    جاءتنا الأسبوع الماضي المندوبية السامية للتخطيط بأرقامها(…)، وأوضحت أن عدد السكان القانونيين قد بلغ 36 مليون نسمة ونيف، ما كشف أن النمو السكاني السنوي خلال العقد الأخير شهد تراجعا بلغ 0.85 % في الفترة ما بين سنتي 2014 و2024، ما أثار نقاشا في المغرب حول المستقبل الديموغرافي للبلاد في ظل الانخفاض المسجل في معدل النمو، وما يجر معه من تداعيات اقتصادية واجتماعية.

هذا فيما يخص الحديث الرسمي والقانوني(…)، أما الواقعي، فهو ذلك الذي يجر معه تساؤلات واقعية ومعقولة: إذا كان المغاربة لم يستطيعوا أن يبلغوا على مدى 10 سنوات الأخيرة معدل تكاثر طبيعي يصل إلى 3 ملايين، فمن أين جاء هذا الازدحام في المدن والأسواق والطرقات؟ وكيف ارتفع عدد مستهلكي الخدمات بعشرات الملايين؟.. أسئلة جرت المواطنين إلى ميدان السخرية: “كاينة 36 مليون أخرى كاتسمع الدقان في الباب وماكاتحلش”، “36 مليون كاينة غا فكازا بوحدها”، “واقيلا حصاو غي مراكش”، “من نهار عقلت على راسي واحنا 36 مليون”، “كيفاش 36 مليون وكاينة 80 مليون خط هاتفي، واش النماري تيبقاو خدامين بهم الورثة؟”…

إذن، لم يصدق عدد كبير من المغاربة الأرقام المعلن عنها بخصوص الإحصاء الأخير الذي نظمته المندوبية السامية للتخطيط، رغم أنها كلفت نفسها بتكوين ما يزيد عن 200 ألف مرشح لإنجاز العملية، أغلبهم يتساءلون كيف يمكن أن يتعدى عدد التلفونات عدد سكان المغرب؟ وكيف يمكن للمكتب الوطني للسكك الحديدية أن يصرح بأن أزيد من 35 مليون شخص يركبون القطار في ظرف سنة واحدة، بينما نعرف أن القطار لا يركبه إلا من رحم ربك؟ (انظر ركن “بين السطور” عدد 18 مارس 2022).

تتمة المقال تحت الإعلان

من مفارقات الإحصاء، أن المندوبية صرفت الملايير على حواسيب محمولة، في إطار رقمنة الحسابات، ولكن النتيجة كانت أقل من الحساب باليد، ولا شك أن كثيرا من المحصيين في المناطق البعيدة استغربوا لمنظر هؤلاء المكلفين، الذين طرقوا أبوابهم وهم يحملون آلة حاسبة، ويتلون على مسامعهم أسئلة غريبة لا علاقة لها بالحسابات التي يعرفونها، بل إن بعض المستهدفين شرعوا في إملاء مطالبهم الاجتماعية المستعجلة على المكلفين بالإحصاء، ومنهم من كان يحاول إخفاء بعض المعطيات بسبب هاجس “المؤشر” الذي فرضته حكومة أخنوش مقابل دعم كاذب لا يغني ولا يسمن من جوع..

من المستحسن الاكتفاء بجانب السخرية(…)، لأنه لو دخلنا في المعقول(…) وافترضنا أن عددنا اليوم فعلا حوالي 37 مليونا، فسوف نبقى هلعين قلقين من أن ينقطع الماء، ونعرف صعوبات جمة في الحصول على موارد الطاقة والمواد الأولية وعددنا نسبيا قليل(…) (انظر ركن “بين السطور” عدد 15 مارس 2024)، فكيف المعمول عندنا لما كل شبر من هذا الوطن سيكون مكسوا بالبشر؟.. فالواقع للأسف، أننا فقط نختبئ وراء الأرقام، من قسوة الأبناك التي تقرضنا، ومن جبروت المؤشرات..

أرقام الإحصاء في خدمة أرقام البنوك.. هذه إحدى الحقائق المخفية وراء الإحصاء، والمؤشرات الدولية لا ترحم، فلو كانت نتائج الإحصاء أكبر من ذلك لكنا أمام كارثة اجتماعية حقيقية: كم عدد الأطباء لكل مليون مواطن؟ كم عدد المدارس لكل مليون نسمة؟ وكم عدد الخدمات الإدارية المطلوبة؟ ماذا عن جودة العيش؟ وماذا عن شروط الحياة الكريمة؟.. فالأكيد أن رقما أكبر كان سيفرض خلاصات مغايرة.. حتى إذا سلمنا بالخلاصة الحالية، ومعناها أن المغاربة شرعوا في التناقص، مع استمرار مسلسل تفكك الأسر، وارتفاع نسب الطلاق، وتدني نسب الزواج.. وها هو عدد القاطنين الأجانب يرتفع في المغرب مقارنة مع السنوات الماضية، لكن المسكوت عنه في هذا المعطى، هو أن الأجانب المعنيين هم أشقائنا الأفارقة في الغالب، وقد يتحولون إلى جزء من النسيج الوطني مستقبلا، وهذا حقهم في المواثيق الدولية، لكن استمرار التكاسل المغربي، ومحاولة إخفاء الحقيقة بغربال الإحصاء، لن يكون سوى مقدمة لتفكك النسيج الاجتماعي كما هو معروف قديما، وربما يتغير حتى شكل المواطن المغربي مستقبلا، هذا إذا لم يصل إلى حد الانقراض كما بدأت تتوقع بعض الدراسات المتشائمة..

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى