ملف الأسبوع | ملفات الرئاسة الفرنسية.. من جيسكار ديستان إلى ماكرون
تاريخ تبادل الزيارات مع المغرب
قام الرئيس الفرنسي القديم الجديد إيمانويل ماكرون، بزيارة رسمية إلى المغرب الأسبوع الماضي، بعد أزمة صامتة بين البلدين استمرت وقتا طويلا، وتأتي زيارته في أجواء استثنائية، وذلك في أعقاب اعتراف فرنسا بشكل واضح بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ما أعاد فتح أبواب العلاقات بين البلدين لتعود كما كانت على عهد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، أو ربما تكون هذه هي الفترة الذهبية للعلاقات بين البلدين منذ استقلال المغرب، حيث تنظر فرنسا إلى المغرب على أنه الشريك المحتمل لإعادة مكانتها في إفريقيا بعدما تضررت صورتها مؤخرا، ويقترح هذا الملف السفر بقرائنا عبر أهم الزيارات الرسمية للرؤساء الفرنسيين إلى المغرب منذ الاستقلال.
أعد الملف: سعد الحمري
الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان وقصة أول زيارة لرئيس فرنسي للمغرب يوم 3 ماي 1975
لم يقم أي رئيس فرنسي منذ استقلال المغرب بزيارة إلى المملكة، بل دخلت العلاقات بين البلدين في قطيعة كاملة بدأت منذ سنة 1965 بسبب اغتيال الزعيم الاتحادي المهدي بنبركة فوق التراب الفرنسي، واستمر الجمود إلى سنة 1972، ثم بعد ذلك بدأ النسق التصاعدي يعود للعلاقات بين المغرب وفرنسا، وبلغت ذروتها عندما تم انتخاب رئيس جديد، هو فاليري جيسكار ديستان سنة 1974، والذي خلال مرحلة حكمه اكتسبت العلاقات بين البلدين زخما كبيرا.. فبعد سنة من توليه الحكم، عقد العزم على القيام بزيارة رسمية إلى المغرب، ومن ثم بدأت وسائل الإعلام الفرنسية تبدي اهتماما كبيرا بالعلاقات المغربية الفرنسية، ونظمت الصحافة الفرنسية سلسلة من اللقاءات مع الملك الحسن الثاني، ومن ذلك التصريح الذي خص به الحسن الثاني محطة “فرانس الدولية” يوم 28 أبريل 1975، وكان من أهم الأسئلة التي طرحت على الملك الراحل: “هل للمغرب مشاكل مختلفة مع فرنسا؟”، فأجاب بالنفي، وأكد أنه خلال محادثاته مع السفير الفرنسي حول تطور العلاقات بين البلدين، تمهيدا للزيارة التي كان مقررا أن يقوم بها الرئيس فاليري جيسكار ديستان، تبين أنه لا توجد أدنى مشكلة معلقة بين فرنسا والمغرب تكون في مستوى أن تطرح على رئيسي الدولتين، أما المشاكل الموجودة، فهي بسيطة تحل على مستوى المستشارين.
وخلال حوار ملكي مع التلفزة الفرنسية يوم 2 ماي 1975، اعتبر الحسن الثاني أن زيارة رئيس الجمهورية الفرنسية للمغرب تدخل في إطار تاريخي وتقليدي يتلاءم مع العلاقات العريقة التي تربط البلدين، وأوضح أنه من المؤكد أنه لم يكن مفاجئا في الماضي لو سمحت بذلك وسائل المواصلات بأن يأتي لويس الرابع عشر إلى مكناس أو أن يذهب المولى إسماعيل إلى فرساي.
وبخصوص النتائج التي كان ينتظرها الملك من زيارة الرئيس الفرنسي، أكد الحسن الثاني أنه يتوقع أن يفتح مع جيسكار ديستان سجلا جديدا من العلاقات بين فرنسا والمغرب، وأن الأمر لا يعني كتابة صفحة جديدة، لأن ذلك غير كاف، ولا يعني الأمر كذلك إعطاء منطلق جديد للعلاقات المغربية الفرنسية، لأن هذا المنطلق شرع فيه منذ مدة طويلة، ولكن الأمر يعني بكل بساطة، أن يعطى للحياة المشتركة طابع يتناسب مع عبقرية الشعبين، ومع الرغبة التي عبر عنها واستشعرها بإخلاص وعمق كل من فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية والملك الحسن الثاني شخصيا.
وهكذا قام الرئيس الفرنسي بأول زيارة للمغرب، واعتبرت أول زيارة لرئيس فرنسي منذ استقلال المغرب، حيث حل جيسكار ديستان يوم 3 ماي 1975 بالرباط، وصدر على إثرها بيان مشترك نوه من خلاله بالعلاقات المغربية الفرنسية على جميع الأصعدة، كما تضمن تعهد الشركات الفرنسية المستثمرة في المغرب بأن تساهم في مخطط التنمية بالمملكة، الذي كان يراهن عليه المغرب من أجل تنمية البلاد، ومباشرة بعد هذه الزيارة، قام الحسن الثاني، رفقة ولي العهد حينها، محمد السادس، والأمير مولاي رشيد، بزيارة رسمية سنة 1976 إلى باريس، كرد لزيارة الرئيس جيسكار ديستان، عبر خلالها الملك الراحل عن قوة العلاقة التي تربط بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، وإعجابه بالنموذج الفرنسي.. وهكذا استمرت العلاقات بين البلدين في حالة ممتازة.
فرانسوا ميتران أول رئيس فرنسي زار الجزائر كأول وجهة بدل المغرب
يبقى شهر ماي من سنة 1981 محطة تاريخية في العلاقات بين البلدين، حيث شهد هذا اليوم ولأول مرة في تاريخ فرنسا صعود اليسار إلى الحكم متمثلا في الرئيس الجديد فرانسوا ميتران عن الحزب الاشتراكي الفرنسي، بعدما فاز على صديق المغرب فاليري جيسكار ديستان، وقد كان يعني ذلك انحياز فرنسا إلى الجزائر على حساب المغرب.. فقد كان الرئيس الجديد خلال حملته الانتخابية يؤكد أنه سيزور الجزائر في حالة فوزه، وسيربط معها علاقات قوية جدا، وهو ما تأتى له بالفعل، حيث كان أول ما قام به هو زيارة الجزائر، وخلال مرحلة إعداده للزيارة، كانت الأنظار كلها موجهة صوب المغرب تنتظر موقفه من الرئيس الجديد، وعلى هذا الأساس، وعندما قرر الرئيس الفرنسي الجديد زيارة الجزائر كأول وجهة إفريقية، طرحت العديد من التساؤلات حول تفضيله الجزائر على المغرب، وقد كان ذلك موضوع سؤال وجه للملك خلال ندوة صحفية عقدت يوم 27 نونبر 1981، ليجيب الملك الراحل الحسن الثاني: ((لماذا سأغار من ذلك؟ فالرئيس الفرنسي لا يعيش بين خليلاته؟ إنه يزور من يشاء، بل إنني تمنيت أن يبدأ بالجزائر، وسواء بدأ بزيارة المغرب أو الجزائر، فلا يمكنه أن يتحدث لهذا الجانب أو ذاك إلا عن السلام والتفاهم والتعاون، وخلال حملة الرئيس الفرنسي الانتخابية، تحدث عن زيارة الجزائر، فمن الطبيعي – كما قال ذلك بنفسه – أن يلتزم الرئيس ميتران بالوعود التي قدمها المرشح ميتران، وبعد هذا، يمكنني القول إننا نتحادث إما هاتفيا أو بواسطة مبعوثين شخصيين، حيث تجمعني والرئيس الفرنسي علاقات متقاربة وعلاقات خاصة من الوجهة السياسية إذا أمكن التعبير بهذه الطريقة)).
ورغم زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران للجزائر، فإنه لم يجعل المغرب الوجهة الثانية، وعلى هذا الأساس، قرر الملك الحسن الثاني أخذ المبادرة والقيام بزيارة رسمية لفرنسا بعد شهرين فقط من زيارة هذا الأخير للجزائر، حيث كانت الزيارة في أواخر شهر يناير 1982، وأثناء الزيارة سأله الصحفي الفرنسي جان مورياك من وكالة “فرانس بريس” السؤال التالي: “صاحب الجلالة، كنت أود أن أسألكم هل شعرتم ببعض الخيبة في موضوع العلاقات الفرنسية الجزائرية؟ وأود من ذلك أن أقول بأن الرئيس ميتران قام برحلة صادفت نجاحا كبيرا في الجزائر، وبأن السيد شيسون صرح إذ ذاك أن فرنسا تشعر بأن قلبها ميال للجزائر، فما هو شعوركم في هذا الموضوع؟”، فكان جواب الملك كالتالي: ((لا شعور لدي في هذا الموضوع، وأظن أن الرئيس ميتران من حقه أن يميل قلبه حيال الدولة التي يختارها، فموضوعيا لم تضايقني هذه الرحلة، وأظن أنه سبق لي أن قلت في ندوة صحفية: إننا نحن معشر الدول الإفريقية لا نحسب أنفسنا وكأننا خليلات لرئيس الجمهورية الفرنسية، لذلك فنحن لا نشعر بالغيرة، فالأهم هو أن تسير الأمور على أحسن ما يرام، إنني أفضل أن لا يزورنا الرئيس ميتران الآن، لأن الأمور تسير على ما يرام، على أن يزورنا وتتدهور الأمور، لكن، ولله الحمد، سيقوم بزيارتنا وستسير الأمور إلى أحسن، بل إنها تتطور فعلا من حسن إلى أحسن، إنني أتمنى استقبال الرئيس بعد سنة من تحمله المسؤولية عوض ثلاثة أشهر، لأنه في سنة يكون مطلعا أكثر على ملفاته)).
لم يشهد المغرب قطيعة تامة مع فرنسا خلال مرحلة حكم فرانسوا ميتران، بل تبادل الطرفان عدة زيارات، غير أن زيارات فرانسوا ميتران إلى المغرب كانت تتم في ظرفية جد صعبة، أبرز سماتها اعتقال عدد كبير من قيادات ومناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي، مرة بسبب الإضراب العام الذي دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وأخرى بسبب قرار الحسن الثاني إجراء استفتاء في الصحراء، ما جعل حالة من الترقب تسود في الرباط، فأحد رفاق ميتران معتقل وهو الزعيم عبد الرحيم بوعبيد، ما جعل الرئيس الفرنسي يوجه للملك عتابا شديدا، أعقبته أزمة قوية، أججت الخلافات بين فرانسوا ميتران والملك الحسن الثاني خلال عقد الثمانينيات، على خلفية ما وصفه ميتران مرة بأنه اضطهاد للمعارضة اليسارية، إذ وصلت الأمور إلى حد سحب السفير الفرنسي من المغرب، وازدادت حدة هذه الأزمة استفحالا عقب نشر كتاب “صديقنا الملك”، للصحافي جيل بيرو، ما جعل الأجواء تتوتر أكثر بين الرباط وباريس.
جاك شيراك أول رئيس فرنسي يلقي خطابا في البرلمان المغربي
في سنة 1995، أجريت انتخابات فرنسية جديدة كان من نتائجها فوز المرشح جاك شيراك، الذي كان يعتبر صديق المغرب، والذي قام بعد انتخابه بفترة قصيرة، بزيارة رسمية للمغرب يوم التاسع عشر من يوليوز 1995، التقى خلالها الملك الحسن الثاني، وخلال الزيارة جدد الملك طلبه من الرئيس الفرنسي انضمام المغرب إلى الاتحاد الأوروبي، وكان جواب الرئيس الفرنسي كما يلي: ((يمكن أن تعتمدوا علي يا صاحب الجلالة في أن أكون ناطقا باسمكم لدى الاتحاد ورئاسته الحالية، وإعطاء التعاون الأوروبي المغربي المكانة المرموقة اللائقة به، وإن هذا التعاون يجب أن يواكب ويسهل التقدم الكبير الذي حققته المملكة في ميدان التقدم والانفتاح الاقتصادي)).
كما كانت أول مناسبة يلقي فيها رئيس فرنسي خطابا أمام الجالية الفرنسية بالمغرب، ومن تم بدأ الحديث عن “شهر عسل” بين المغرب وفرنسا.. فقد أجرى الملك الحسن الثاني حوارا مع جريدة “لوفيغارو” الفرنسية، يوم 29 أبريل 1996، وكان أول سؤال أثار الملك هو عندما سأله الصحفي بأن شهر عسل قد بدأ بين المغرب وفرنسا، في إشارة إلى العلاقة الجيدة بينه وبين الرئيس الجديد جاك شيراك، فأجاب الحسن الثاني بكلمة واحدة وهي “ولم ذلك؟”، فعاد الصحفي وذكر بأن العلاقات بين البلدين كان يطبعها بعض الخلاف، ليجيب الملك بأنه ((كان هناك بعض سوء التفاهم مع فرنسا شبه الرسمية، لكن فرنسا الرسمية لم يكن للمغرب معها أدنى مشكل))، ولاحظ المحاور أن الملك يتفاهم مع الرئيس الجديد، وأكد الحسن الثاني أن ذلك صحيح، على اعتبار علاقة الصداقة التي تربط بينهما منذ عشرين سنة، وقد نشأ تفاهم بينهما، وعن سبب صداقتهما، أوضح الملك بأنها مسألة تربية، على اعتبار أن جاك شيراك رجل حريص جدا على اللباقة والتربية الحسنة، وهو ما يوجد عند ملك المغرب، وأضاف أنه عندما يحافظ المرء على مدى أكثر من أربعين سنة على العادات الحسنة التي تلقاها من مربيته أو من الذين سهروا على تربيته، فهذا يعني أن له ذاكرة حية، وعندما تكون للمرء ذاكرة حية، فإنه يتميز بالاحترام والاعتراف بالجميل والوفاء، وعليه، ألح الملك على أن الصداقة التي تجمعه بالرئيس الفرنسي هي مسألة تربية، وأضاف أن القاسم المشترك بينه وبين الرئيس الفرنسي، هو أنهما ترعرعا في ظل رفيقين للتحرير، وهما الجنرال دوغول والملك المغفور له محمد الخامس.
نيكولا ساركوزي.. تكريس بروتوكول زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب كأول وجهة خارج الاتحاد الأوروبي
استمرت العلاقات الممتازة بين المغرب وفرنسا، بعد أن خلف نيكولا ساركوزي جاك شيراك في قصر الإليزيه، حيث كان المغرب هو أول محطة يتوجه إليها خارج دول الاتحاد الأوروبي، وكانت الزيارة بتاريخ 23 أكتوبر 2007، وقد وقع البلدان على اتفاقيات بلغت قيمتها حوالي أربعة ملايير أورو في عدة مجالات، أهمها القطار المكوكي بين طنجة والرباط، وشراء فرقاطة، وتحديث طائرات مروحية، وتجهيزات عسكرية، كما اتفق الرئيس الفرنسي والملك المغربي على تعاون في مجال الطاقة النووية السلمية تشيد فرنسا بموجبها للمغرب محطة أو محطتين نوويتين لأغراض سلمية.
وأقر الرئيس الفرنسي بفشل بلاده في إقناع المغرب شراء طائرات “رافال” الفرنسية، مؤكدا أن المغرب بلد حر في اتخاذ قراراته.. هذا الفشل عبر عنه رجل أعمال فرنسي بالقول ((كنا نريد أن نبيع الطائرات الحربية الفرنسية للمغرب، لكننا سننتهي ببيعه فرقاطة ونصفق لذلك))، وفي تعليقه عن الموضوع قال الصحفي لوران زينكيني: ((إن قصة فشل بيع الطائرات الفرنسية لسوق كان بالأمس في متناول الفرنسيين، يشير إلى سوء إدارة الدولة لهذا القطاع))، ومكنت زيارة ساركوزي للمغرب من تكريس الهيمنة الثقافية الفرنسية على المغرب.. ففي الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي بالبرلمان المغربي في اليوم الثاني من زيارته، أشار إلى ظاهرة تلقي النخبة المغربية دراستها في فرنسا، واصفا ذلك بجسر للتعاون بين البلدين، وقال إنه فخور بعقد لقاءات مع عدد من الوزراء الذين تلقوا تعليمهم في المعاهد الفرنسية.
فرانسوا هولاند.. الرئيس الذي فضل زيارة الجزائر على المغرب
شكل فوز فرانسوا هولاند على نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية التي جرت سنة 2012 بداية مرحلة جديدة، فرغم أن الرئيس الفرنسي استقبل الملك محمد السادس في قصر الإليزيه في 24 ماي 2012 كأول رئيس دولة استقبله فرانسوا هولاند، إلا أنه فضل زيارة الجزائر كأول وجهة خارجية له، ولم يقم بزيارة للمغرب إلا بعد ما يقارب مرور عام كامل أي يوم 3 أبريل 2013، يومها نفت باريس أن تكون هناك خلافات بينها وبين الرباط، حيث أكدت عاصمة الأنوار أن العلاقات الفرنسية المغربية تبقى “كثيفة وسلسة”، مشددة على أن الملك محمد السادس كان أول رئيس دولة استقبله فرانسوا هولاند في قصر الإليزيه. ورغم أن زيارات رؤساء فرنسا السابقين كان يتم خلالها التوقيع على اتفاقيات اقتصادية كبرى، إلا أنه لم يتم التوقيع على عقود اقتصادية كبرى.