تحليل إخباري | المغرب يطوي صفحة البوليساريو وآل الرشيد يكتسحون المرحلة
مفاجأة نصف الطريق
كثير من الناس يرددون مقولة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، عندما قال: ((كن ابن من شئت واكتسب أدبا.. يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ.. إن الفتى من يقول ها أنا ذا.. ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي))، لكن الأمر ليس كذلك عندما يكون أبوك هو حمدي ولد الرشيد، القيادي في حزب الاستقلال، فبالإضافة إلى نجاحه في فرض “إملاءاته” داخل اللجنة التنفيذية الجديدة لحزب الاستقلال، فقد نجح أيضا في تنصيب ابنه رئيسا لمجلس المستشارين خلفا لـ”صهره” النعم ميارة، الذي يجري الحديث عن اسمه كمرشح للانتقال إلى منصب آخر في إحدى المؤسسات الدستورية(..)، وربما تكون هذه أول إشارة عائلية إلى بداية انسحاب حمدي ولد الرشيد، فترشيح ابنه في هذا التوقيت بالذات لرئاسة مجلس المستشارين هو بمثابة “تنازل” عن السلطة لابنه الوحيد كي يقود المرحلة المقبلة بدل “الحاج”.
إعداد: سعيد الريحاني
رغم أن البعض قد لا يعرف محمد ولد الرشيد.. إلا أن هذا الأخير معروف بمعاركه التنظيمية داخل حزب الاستقلال، وهو رجل تنظيم(..)، و”الداهية” الحاج حمدي ولد الرشيد لم يكن ليتنازل لابنه بسهولة حتى يجعل التنظيم الحزبي في متناوله، فرغم وجود نزار البركة الذي يجر معه ما تبقى من إرث آل الفاسي، والعائلات البرجوازية المدنية، داخل اللجنة التنفيذية، على رأس الأمانة العامة، إلا أن معركتهم القديمة مع شباط(..) انتهت بهم حلفاء رغم أنفهم لآل الرشيد(..).
ورغم الادعاءات.. فلا شيء يتحرك داخل حزب الاستقلال في نسخة “البركة” دون إذن حمدي ولد الرشيد، علما أن دكتاتورية نزار البركة، والتي يؤكدها حضوره في اجتماعات الأغلبية بمفرده، خلافا لباقي أحزاب الأغلبية الأخرى، حيث يحضر المهدي بنسعيد إلى جانب فاطمة الزهراء المنصوري، والطالبي العلمي إلى جانب أخنوش.. ديكتاتورية البركة تجعله في متناول آل الرشيد، بل يمكن القول إنهم هم الذين نصبوه بدل حميد شباط، وهم الذين يمكنهم إنزاله من القيادة، ولعل المهمة اليوم أسهل مما مضى، خاصة بعد أن تم إبعاد كافة صقور الحزب من اللجنة التنفيذية(..).
حمدي ولد الرشيد أحكم سيطرته على حزب الاستقلال، وفتح المجال على مصراعيه لمستقبل سياسي كبير لابنه محمد، من خلال تنصيبه رئيسا لما تبقى من عمر مجلس المستشارين، ما يعني أنه سيدخل الانتخابات المقبلة باعتباره رئيسا، وباعتباره صاحب المنصب الرابع في هرم الدولة، مع كل ذلك الإرث الذي تشكله عائلة ولد الرشيد في الصحراء، لذلك لا غرابة أن نسمع أن أول تصريح لمحمد ولد الرشيد عقب انتخابه رئيسا للغرفة الثانية، هو قوله ((إننا سنجعل قضية الصحراء على رأس الأولويات)).
وكان محمد ولد الرشيد قد تفاعل بشكل ذكي مع الخطاب الملكي الذي طبع به الملك محمد السادس افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحالية، وهو الخطاب الذي سبق انتخاب ولد الرشيد بيوم واحد، وكان خطابا حاسما فيما يتعلق بقضية الصحراء، حيث قال محمد ولد الرشيد: ((إن الخطاب الملكي جاء ليؤسس لمرحلة الحسم النهائي للنزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية للمملكة.. وذكر أن جلالة الملك أكد بالمناسبة على أهمية الدبلوماسية البرلمانية والدور الفاعل الذي ينبغي أن تنهض به في كسب المزيد من الدعم لمغربية الصحراء، وتوسيع التأييد لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد لهذا النزاع الإقليمي، وتابع أن الدبلوماسية البرلمانية هي الوجه الآخر لدورنا الوطني، لأنها وسيلتنا لتعزيز مكانة المغرب على الصعيد الإقليمي والدولي، والتعريف بقضاياه والدفاع عن مصالحه، داعيا إلى جعل القضية الوطنية في صدارة الأولويات، في برنامج عمل مجلس المستشارين للسنوات الثلاث المقبلة، من أجل تعزيز المكتسبات التي حققها المغرب بفضل الانخراط الشخصي والمتابعة الدائمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده)) (المصدر: رسمي).
طبيعي أن يتفاعل ابن الصحراء مع الخطاب الملكي بهذه الطريقة، لكن ما يعطي لهذا الكلام قيمة أكثر، هو توقيته.. فقد كان الملك محمد السادس حاسما وصارما إزاء قضية الصحراء المغربية، وتزامن حديثه مع محاولة محكمة العدل الأوروبية التشويش على القضية الوطنية، ما يجعل انتخاب محمد ولد الرشيد على رأس المجلس بمثابة ترتيب جديد، له ما بعده(..).
قال الملك محمد السادس، وهو يستعمل مصطلح الصحراء المغربية، لأول مرة في بداية خطابه أمام البرلمان: ((يسعدني أن أخاطبكم اليوم، في افتتاح هذه السنة التشريعية، ومن خلالكم مختلف الهيئات والمؤسسات والمواطنين، بخصوص التطورات الأخيرة لملف الصحراء المغربية، باعتبارها القضية الأولى لجميع المغاربة.. لقد قلت، منذ اعتلائي العرش، أننا سنمر في قضية وحدتنا الترابية، من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير، داخليا وخارجيا، وفي كل أبعاد هذا الملف، ودعوت كذلك إلى الانتقال من مقاربة رد الفعل إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية.. واليوم ظهر الحق، والحمد لله، والحق يعلو ولا يعلى عليه، والقضايا العادلة تنتصر دائما.. قال الله تعالى: “وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا” صدق الله العظيم.. وها هي الجمهورية الفرنسية تعترف بسيادة المملكة على كامل تراب الصحراء، وتدعم مبادرة الحكم الذاتي في إطار الوحدة الترابية المغربية، كأساس وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل، وبهذه المناسبة، أتقدم باسمي شخصيا، وباسم الشعب المغربي، بأصدق عبارات الشكر والامتنان، لفرنسا ولفخامة الرئيس إيمانويل ماكرون، على هذا الدعم الصريح لمغربية الصحراء)) (المصدر: خطاب الملك محمد السادس).
تأكيد الملك محمد السادس على أهمية الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء في هذا التوقيت، وهي العارفة بخبايا الملف.. هو بمثابة طي لمشكل البوليساريو من أساسه، بل إنه رد قوي من طرف الملك محمد السادس على محكمة العدل الأوروبية التي اختارت التشويش على القضية الوطنية، بينما الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، باتت تعترف بمغربية الصحراء، لذلك يقول الملك محمد السادس: ((إن هذا التطور الإيجابي ينتصر للحق والشرعية، ويعترف بالحقوق التاريخية للمغرب، لاسيما وأنه صدر عن دولة كبرى عضو دائم بمجلس الأمن، وفاعل مؤثر في الساحة الدولية.. وذلك بالإضافة إلى أن فرنسا تعرف جيدا حقيقة وخلفيات هذا النزاع الإقليمي، كما أنه يأتي لدعم الجهود المبذولة في إطار الأمم المتحدة لإرساء أسس مسار سياسي يفضي إلى حل نهائي لهذه القضية في إطار السيادة المغربية.. وهكذا، فقد تمكنا، والحمد لله، من كسب اعتراف دول وازنة، ودائمة العضوية في مجلس الأمن، كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.. كما نعتز أيضا بمواقف الدول العربية والإفريقية الشقيقة، التي تساند بكل وضوح والتزام الوحدة الترابية للمملكة، لاسيما تلك التي فتحت قنصليات لها في العيون والداخلة)).
لا مكان للبوليساريو في هذه المرحلة، لذلك قال الملك محمد السادس: ((بموازاة ذلك، تحظى مبادرة الحكم الذاتي كأساس وحيد للتوصل إلى حل نهائي لهذا النزاع، في إطار سيادة المغرب، بدعم واسع من طرف عدد متزايد من الدول من مختلف جهات العالم… ونذكر من بينها إسبانيا الصديقة، التي تعرف خبايا هذا الملف، بما يحمله موقفها من دلالات سياسية وتاريخية عميقة، إضافة إلى أغلبية دول الاتحاد الأوروبي.. ويطيب لنا أن نعبر لكل هؤلاء الأصدقاء والشركاء، عن بالغ تقديرنا لمواقفهم المناصرة لقضية المغرب الأولى، كما نشكر أيضا كل الدول التي تتعامل اقتصاديا واستثماريا مع الأقاليم الجنوبية للمملكة كجزء لا يتجزأ من التراب الوطني)).
صعود محمد ولد الرشيد لرئاسة مجلس المستشارين في هذا التوقيت، وهو ما يعني أن الابن مطالب بإكمال مسيرة أبيه، هو بمثابة مرحلة انتقالية، وتسليم للمشعل، فحمدي ولد الرشيد، الذي يقف وراء انتخاب ابنه محمد رئيسا للغرفة الثانية، في انتظار ما سيأتي(..)، هو الذي تصفه الصحافة بأنه أحد الأوراق المغربية الرابحة في ملف الصحراء، وتقول عنه في إشارة إلى قوة آل الرشيد: ((الصحراوي ولد الرشيد لاعب كبير داخل حزب الاستقلال الذي وصل من خلاله إلى البرلمان ويرأس بلدية العيون (ينوب عنه ابنه محمد)، وهو عم
حمدي ولد الرشيد عضو الوفد المفاوض في المائدة المستديرة بجنيف، والتي دعت إليها الأمم المتحدة بين البوليساريو والجزائر وموريتانيا والمغرب، بعد أن بات يعد من بين أبرز شيوخ القبائل الذين ساهموا في عملية تحديد هوية الهيئة الناخبة التي أشرفت عليها الأمم المتحدة، والمدافعين عن وحدة التراب المغربي.. بدراعيته الصحراوية وقسمات وجهه الصارمة، يلعب أوراقه بحذر، سواء داخل حزبه أو بين شيوخ الصحراء الأقوياء، وقد استطاع أن يحشد حضورا جماهيريا كبيرا بالعيون قدر بحوالي 57 ألف شخص، ليؤكد من خلاله لخصوم الوحدة الترابية للمملكة أنه جدير بتمثيل أهل الصحراء سياسيا واجتماعيا وتنمويا واقتصاديا.. وبالطبع لم يستسغ قادة البوليساريو هذا المسلك لما يمثله من تهديد لأطروحتهم الانفصالية التي يؤسسونها على مشروعية مجتمعية ومظلومية سياسية وجغرافية متوهمة، وباعتبار قادة وقواعد البوليساريو ينحدرون من الأقاليم الصحراوية، فلا بأس أن يصفهم ولد الرشيد بالعائلة وأبناء العم الذين لا يتفقون سياسيا وإيديولوجيا، فهم يريدون اقتطاع الأرض فيما نحن نتمسك بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية…)).
هذا من حيث البعد السياسي لموضوع انتخاب محمد ولد الرشيد رئيسا لمجلس المستشارين، أما بالنسبة لهواة المعلومات الرسمية، فقد ((ازداد محمد ولد الرشيد في 29 أكتوبر 1978 بالعيون، وتابع دراسته العليا بجامعة محمد الخامس التي حصل بها على الإجازة في القانون العام، ويتقلد حاليا منصب الرئيس المدير العام لهولدينغ اقتصادي متخصص في قطاع الصناعة والخدمات.. انخرط في العمل السياسي ضمن صفوف حزب الاستقلال في سن مبكرة، حيث تم انتخابه سنة 2008 عضوا باللجنة المركزية للحزب.. هذا وحظي محمد ولد الرشيد بثقة منتخبي جهة العيون الساقية الحمراء بانتخابه مستشارا برلمانيا لثلاث ولايات برلمانية متتالية منذ العام 2009، وتولى كذلك في الفترة ذاتها رئاسة لجنة التنمية الاقتصادية بمجلس جهة العيون الساقية الحمراء، كما انتخب عضوا بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة العيون الساقية الحمراء لولايتين انتدابيتين ما بين سنة 2009 و2021 عن صنف الصناعة، وخلال أشغال المؤتمر العام الوطني 16 لحزب الاستقلال سنة 2012، انتخب عضوا باللجنة التنفيذية للحزب لثلاث ولايات متتالية بالمؤتمرات العامة الثلاث، والتي تحمل من خلالها مهمة المسؤول الوطني عن تنظيمات وهيئات وروابط حزب الاستقلال إلى غاية اليوم.. وفي سنة 2015، جرى انتخابه نائبا أول لرئيس مجلس جماعة العيون، وهي المهمة التي لازال يشغلها حاليا، كما يشغل عضوية المجلس الإداري لمجموعة العمران الجنوب، فهو كذلك عضو مؤسس ومسير لعدد من المقاولات المواطنة.. ومحمد ولد الرشيد متزوج وأب لثلاثة أبناء..)) (المصدر: رسمي)، وأخيرا هنيئا لآل ولد الرشيد، في انتظار التطورات(..).