تقرير | هل تتحول استثمارات المونديال إلى شبح يهدد الاقتصاد الوطني ؟
خبراء يؤكدون فشل التدبير الرياضي
يضع المغرب كامل اهتمامه خلال السنوات المقبلة على إنجاز مشاريع كبرى لتنظيم كأس إفريقيا للأمم شهر يونيو 2025 واحتضان مباريات مونديال 2030، والتي تتطلب تكلفة مالية كبيرة أكثر بكثير من الميزانية المخصصة للقطاعات الأخرى التي تتخبط في المشاكل، لاسيما وأن بناء وتأهيل ملاعب كبرى بمواصفات عالمية يجب أن يستجيب لشروط “الفيفا”، حيث يضع المغرب عينه على تنظيم المباراة النهائية لكأس العالم في رهان صعب أمام إسبانيا التي تتوفر على ملعب ريال مدريد الأفضل في أوروبا والعالم.
إعداد: خالد الغازي
قرر المغرب تأهيل 6 ملاعب لكرة القدم وتشييد ملعب جديد بسعة تتجاوز 100 ألف مشجع، بكلفة إجمالية تناهز 20.5 مليار درهم (2 مليار دولار)، استعدادا لاحتضان كأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم 2030، إذ أن التكلفة الإجمالية لبناء الملاعب ومراكز التدريب يجب أن تتحملها الدولة بالكامل في ميزانيتها للفترة 2024-2030، بمبلغ 25 مليار درهم.
ويطرح تنظيم المغرب للمونديال عدة تساؤلات وسط الرأي العام ولدى المختصين، حول الأرباح التي ستحققها الدولة بعد تنظيم هذا الحدث العالمي، وتأثير هذه الاستثمارات على الميزانية العامة والمديونية، خاصة في ظل العجز الذي تعرفه الميزانية ولجوء الحكومة إلى القروض الخارجية لأجل تحمل تكلفة التغطية الصحية والمشاريع الاجتماعية الأخرى، ولجوئها إلى التمويلات المبتكرة عبر رهن مؤسسات عمومية من أجل سد الخصاص، ليظل تخوف المواطنين المهتمين من قيام الحكومة بزيادة سنوية في الضرائب على الطبقة المتوسطة من أجل تمويل مشاريع المونديال ؟
وحسب دراسة أجرتها شركة “سوجي كابتال جيستيون” سينفق المغرب حوالي 17 مليار درهم لبناء وتجديد الملاعب، و8 مليارات درهم لتجهيز مراكز التدريب و17 مليار درهم للنقل والبنية التحتية و10 ملايير درهم للتكاليف التنظيمية العامة، كالأمن والتسويق والترويج، أي 42 مليارا من أصل 52 مليار درهم، وهي القيمة الإجمالية للمصاريف، فحسب دفتر التحملات، سيكلف بناء ملعب الدار البيضاء الكبير (112 ألف مقعدا) حوالي نصف مليار دولار، وهو ما يفوق أو يعادل صفقة بيع ملعب حديقة الأمراء بباريس، بينما مركب مولاي عبد الله بالرباط، الذي يخضع حاليا إلى البناء من جديد، سيكلف 6 ملايير درهم، بينما سيتم إعادة إصلاح ملاعب أخرى في أكادير ومراكش وطنجة وفاس.
ويرى بعض الخبراء والمراقبين، أن هناك تفاوتا كبيرا في استثمارات الدولة، من خلال إعطاء الأولوية للمشاريع الكبرى مثل: ملاعب المونديال، القطار فائق السرعة، المسارح الجديدة، المراكز التجارية الكبرى (المولات)، المجموعات الفندقية، والمصحات الراقية، وبين الاستثمارات الاجتماعية والاقتصادية الموجهة إلى للمواطنين والطبقة المتوسطة، والتي تعرف تراجعا كبيرا في ظل النهج الرأسمالي وتحرير القطاعات ورفع الدولة يدها عن تمويل بعض القطاعات الهامة، مثل القطاع الصحي الذي يعرف تراجعا كبيرا على المستوى العمومي وتطورا سريعا على مستوى القطاع الخاص، بالإضافة إلى تركيز الاستثمارات فقط على جهات الدار البيضاء والرباط وطنجة أيضا، بينما جهات أخرى لا تحظى بأي اهتمام من الاستثمارات الكبرى التي تعرفها البلاد.
في هذا السياق، يرى المحلل الاقتصادي عمر الكتاني، أن للدولة التزامات كبيرة في إعادة بناء منطقة الحوز، ثم الالتزام بكأس إفريقيا والتحضير لكأس العالم 2030، لكن الإشكالية تكمن في التدابير التمويلية التي ستغطي هذه الالتزامات، خاصة إذا كانت مبنية أساسا على القروض، حيث ستشكل مغامرة لأن الاعتماد على القروض معناه الزيادة في الضرائب لتسديدها، وذلك من خلال الممولين الأجانب أو من الداخل لتغطية هذه المشاريع، متسائلا: هل يمكن للدولة في الظرفية الحالية أن تتحمل هذه الالتزامات بدون اللجوء إلى الضرائب، ودون اللجوء إلى القروض، لأن من يتحدث عن القروض يربطها بالضرائب التي تمس القدرة الشرائية؟ وأيضا هل هذه الاستثمارات مربحة على المدى المتوسط والقصير؟
وأضاف الكتاني أن المشكلة بعد بناء ملعب كبير في بن سليمان يتسع لأزيد من 100 ألف مقعد لاحتضان اللقاء النهائي، تتعلق بتكلفة صيانة الملعب لكي لا يحصل له ما حصل لملاعب دول أخرى عربية تعرضت للضياع، أو كما حدث لملعب فاس الكبير الذي ظل مغلقا لعدة سنوات بسبب غياب الصيانة، لهذا يجب وضع التوقع المستقبلي من الناحية الاقتصادية لهذه الملاعب، لضمان تنشيطه كل أسبوع بمعدل 40 ألف متفرج، وما هي المداخيل التي ستحقق لتغطية تكلفة الصيانة، سواء بعد كأس إفريقيا أو كأس العالم، الذي سيكلف تنظيمه حسب الإحصائيات ما بين 4.5 و5 ملايير دولار، ومداخيله ستكون حوالي مليار ونصف، إذن، هناك 3 ملايير ستكون قيمة عجز.
وأوضح ذات المحلل الاقتصادي، أن هذه المشاريع التي نقوم بها على مستوى البنية التحتية فيها المظاهر والدعاية الخارجية، ولكن من ناحية القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، تظهر أنها مشاريع أكثر استهلاكية منها إنتاجية، حيث أن اللقاء النهائي غير مضمون في ظل تمسك إسبانيا بتنظيمه، ولاحتضانه يجب توفير وسائل النقل للملعب الكبير الذي يبعد عن الدار البيضاء بـ 40 كلم، والسؤال ماذا بعد أخذ المغرب الشهرة ؟ مذكرا ببناء المسارح اثنين كبيرين في الرباط والدار البيضاء مغلقان، تم بناءهما بتكلفة 140 مليار سنتيم للمسرح الواحد، وإذا لم يتم تشغيلها لمدة طويلة تنضاف تكلفة الصيانة، حيث يتم بناء أشياء لا تنتج ولا تحقق مداخيل مالية، وسيقع للملاعب مثل المسارح ستظل مغلقة لأنها تحتاج للمباريات الكبيرة لكي يدخل إليها الناس.
واعتبر الكتاني، أن السياسة العامة ليست سياسة للتشجيع، بل هي سياسة رأسمالية موجهة للنخبة في المغرب، التي لا تتسع ولا تكبر لأن فرص الانطلاق الاقتصادي محدودة في بعض المناطق، وهناك سياسة نخبوية رأسمالية ريعية والقواعد الاجتماعية، في حين أن الشباب الذي يريد دخول سوق العمل لا يجد التشجيعات الحقيقية لكي يتقدم، مضيفا أن الاستثمارات في الملاعب مدخولها ظرفي وليس مضمونا، ولكن تمويلها جزئي من القروض التي تتحول ضرائب على الطبقة المتوسطة، وتتحول إلى ضغوط اجتماعية ستتحول إلى عدم الاستقرار، والتفكير كون كأس العالم سوف يفتح الجنة ويعم التشغيل في المغرب ونستقبل السياح بالملايين، يطرح سؤال هل هذه التوقعات مدروسة من الناحية العلمية، لاسيما وأن مجموعة من الفنادق تم بناؤها وهي فارغة الآن تنتظر كأس إفريقيا وكأس العالم ؟
وحسب الدراسة التي أنجزها مكتب “سوجي كابتال”، فإن خزينة الدولة تتكلف بالجزء الأكبر من المصاريف التي تفوق حوالي 2.5 مليون دولار (26 مليار درهم) وستمول المقاولات العمومية المغربية المشاريع المتعلقة بالبنيات التحتية وشبكة النقل والمواصلات، وستصل نفقاتها إلى 1.7 مليار دولار (18 مليار درهم) عن طريق القروض البنكية أو اللجوء إلى سوق السندات الداخلي (وسيلة للمستثمرين المحليين لشراء وبيع السندات، مما يساعد على توفير التمويل للمؤسسات والحكومات).. ويتعلق الأمر بـ: المكتب الشريف للفوسفاط، الخطوط الملكية المغربية، الشركة الوطنية للطرق السيارة، المكتب الوطني المغربي للسياحة، المكتب الوطني للسكك الحديدية، المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، وغيرها من المؤسسات الكبرى.
في هذا الصدد، أوضح المحلل الاقتصادي محمد جدري، أن الاستثمارات المتعلقة بالمونديال وغيره، سيكون لها تأثير على الميزانية العمومية، لأنها سترفع من ميزانية الاستثمارات، وبالتالي يمكن ارتفاع عجز الميزانية، غير أن هذه الاستثمارات العمومية ستزيد من فرص تشغيل الشباب والضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الدخل، وضرائب الشركات، حيث سترتفع كلها خلال السنوات القادمة إلى غاية 2030، لكن الأثر الإيجابي لهذه الاستثمارات هو أكبر بكثير من أثرها السلبي.
وقال جدري، أن النموذج الاقتصادي الحالي اليوم الذي تدبر به الملاعب، هو نموذج فاشل لأنه لا يمكن بناء منشأة رياضية تكلف ملايير الدراهم وتبقى فارغة وغير منتجة طيلة أيام الأسبوع، لهذا لا بد من إعادة النظر في نموذجها الاقتصادي لكي تكون نشيطة ومستغلة طيلة الأسبوع، من خلال إحداث مقاهي ومطاعم ومحلات تجارية متنوعة ومرافق ترفيهية ومجموعة من الفضاءات لكي تشتغل بشكل يومي ويزورها الناس كل وقت وليس فقط خلال المباريات والتظاهرات، حتى تتحمل مصاريف وتكاليف الصيانة للحفاظ على تجهيزاتها، معتبرا أن المديونية ليست مشكلا، لكن الأهم أن تخصص هذه الموارد المالية في الاستثمارات التي لها مردودية كبيرة، وتعود بالنفع على المغرب، مثل قطاع البناء الذي يزيد من اليد العاملة، وتنشيط المقاولات التي تشتغل في هذا القطاع، وأضاف أن تنظيم كأس العالم سيعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، ولكن هناك مجموعة من الأمور يجب أن نقوم بها، فمن الجيد أن نستمر في هذه المنشئات الكبرى والبنيات التحتية، والملاعب والطرق والقطار فائق السرعة، وكل ما يتعلق بوسائل النقل، والتطبيقات الذكية والأداء الإلكتروني، وهي أمور مهمة سوف يستفيد منها المغاربة قبل المونديال وبعده، لكن الأهم هو الاستمرار في هذا العمل بعد المونديال، وليس فقط في سنة 2030، ومن بعد نعود كما كنا من قبل، لهذا لا بد أن نحافظ على التنظيم والنظام ونظل في نفس المستوى.
من جهته، يرى المهدي فقير، أن الاستثمارات في البنى التحتية الرياضية ستبقى للبلاد وستنفع المغرب في الرفع من مستوى المسابقات الرياضية، لاسيما وأن مركب محمد الخامس بالدار البيضاء أصبح متجاوزا ويخلق مشاكل كبيرة فيما يتعلق بالأمن والطاقة الاستيعابية، كمثال لملعب سان دوني بباريس تم بناؤه خارج المدينة، وبالتالي، فإن هذه البنى التحتية استثمار مستقبلي بالنسبة للرياضة وللعاصمة الاقتصادية لكي تحتضن جميع الألعاب والتظاهرات الرياضية، مثل الدول المتقدمة (إسبانيا وفرنسا والبرتغال…) التي لديها بنية تحتية كبيرة، وبطولات كبيرة لها قيمة من الناحية الرياضية، خصوصا وأن الغالبية من البنى التحتية خضعت لدراسة وتقييم قبل إنشائها، ولا يمكن أن نكون مثل دولتي البرازيل أو اليونان التي وجدت مشاكل في تدبير هذه الملاعب والتجهيزات.
وأكد فقير أن البنى التحتية مثل الطرق والنقل هي العصب الرئيسي لتقدم الاقتصاد في المجتمعات، وتعزز السياحة والاقتصاد والانسيابية، خاصة فيما يتعلق بتنقل الأشخاص والبضائع، فهذه مسألة مطلوبة للتقدم الاجتماعي والاقتصادي، وهي في مصلحة البلاد وستبقى إرثا للأجيال المقبلة، سواء للسياحة الداخلية أو لمجالات أخرى، لهذا يجب التفريق بين الاستثمارات الدائمة والاستثمارات الوقتية، تتكفل بها الدولة، مضيفا أن اعتمادات التمويل سيتم توفيرها وأداء الديون سيتم عن طريق عائدات الإشهار والنقل التلفزي، والمداخيل السياحية، والمؤسسات التي تقدم القروض لا تقدمها بدون ضمانات، وميزانية الدولة سيكون فيها هامش، أكيد هناك معطيات مادية تم إشعار “الفيفا” بها، كالجدولة المالية والكلفة ومصادر التمويل.
عموما، تختلف الآراء بين من يرى أهمية استثمارات المونديال، سواء الملاعب أو الفنادق وغيرها، على مستقبل البلاد، خاصة في الجانب الاقتصادي والسياحي، من خلال زيادة العائدات المالية والمداخيل التي يمكن أن تغطي القروض والديون المتعلقة باحتضان المونديال، ثم تطوير البنى التحتية (شبكة الطرق والسكك الحديدية…)، بينما هناك من يرى أن الاستثمارات يجب أن تكون حسب القدرة وأن تكون متوازنة وتعطي الأولوية للاستثمار في العنصر البشري وتكوين الشباب، وتوفير فرص الشغل وتحديث وتطوير المؤسسات العمومية.
مجرد تساؤل
أين تعاليقي !!!؟؟؟
كنت أظن أن مكانها هنا في هذا الفضاء وليس في سلة المهملات.
كنت أظن أن الجريدة تحترم أراء قرائها وحرية التعبير وحق الرد.
يبدو أنني كنت أحلم.