ملف الأسبوع | هل يتجه حزب العمال البريطاني إلى إحياء علاقته مع البوليساريو ؟
ما هي الأسباب الخفية لعدم دعم البوليساريو ؟
فاز حزب العمال بالانتخابات التشريعية البريطانية خلال شهر يوليوز الماضي، وتم تعيين زعيمه كير ستارمر لرئاسة الوزراء وقيادة البلاد في المرحلة والتحديات الداخلية والخارجية المقبلة، وقد جاء هذا التحول في مرحلة كان فيها المغرب ينتظر موقفا بريطانيا مؤيدا له في قضية الصحراء، ربما أكثر مما كان ينتظر من فرنسا، على اعتبار أن بريطانيا وأمريكا حليفين تقليديين في السياسة الخارجية للبلدين، لكن المثير في الأمر، أنه كان من ضمن المهنئين لحزب العمال، الفائز في الانتخابات الأخيرة، زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، الذي بعث رسالة تهنئة لرئيس الحزب مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، حيث أشار غالي من خلالها إلى أن “جبهة البوليساريو منظمة شقيقة لحزب العمال”، معربا عن “تطلعه إلى مواصلة وتعميق العلاقات القائمة بين المنظمتين”.
أعد الملف: سعد الحمري
بعد ترؤس حزب العمال للحكومة البريطانية، خرجت بعض وسائل الإعلام الدولية لتطرح أكثر من علامة استفهام حول موقف الحكومة البريطانية الجديدة من قضية الصحراء، ومن ضمنها قناة “إسرائيل 24” الناطقة بالعربية، التي نشرت على موقعها الإلكتروني تقريرا بعنوان: “بعد وصول حزب العمال إلى السلطة في بريطانيا: المغرب أمام تحد جديد في ملف الصحراء”، وأضافت عنوانا فرعيا “هل ستحافظ بريطانيا على نفس الموقف في ملف الصحراء، أم أن اليسار له رأي آخر بعيدا عن المغرب قريبا من البوليساريو والجزائر؟”، فما يجهله الكثير، أن العلاقة بين حزب العمال البريطاني وجبهة البوليساريو جد قوية تاريخيا، ويحاول هذا الملف إبراز أهم المحطات التاريخية التي دافع خلالها حزب العمال البريطاني عن جبهة البوليساريو.. فهل تكسر الدبلوماسية المغربية هذه العلاقة التاريخية ؟
جيريمي كوربين.. عراب الدفاع عن جبهة البوليساريو في بريطانيا
لم تكد تمر إلا سنوات قليلة على المسيرة الخضراء سنة 1975، حتى توالت الاعترافات الدولية بجبهة البوليساريو، ولم تتأخر بعض الأحزاب القوية في الدول الكبرى في دعم الأطروحة التي كانت تتبناها الجزائر وجبهة البوليساريو وهو استفتاء تقرير المصير، حيث كان من بين أوائل الأحزاب الكبرى في أوروبا التي أعلنت صراحة عن دعمها للبوليساريو هو الحزب الاشتراكي الفرنسي سنة 1981، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية والتشريعية بزعامة فرانسوا ميتران لأول مرة في تاريخه، وعلى غرار ذلك، توجه حزب العمال البريطاني اليساري سنة 1983 إلى دعم جبهة البوليساريو التي كانت في عنفوان شبابها، حيث تم تأسيس منظمة برلمانية لدعم الحركة الانفصالية بهدف المطالبة باستقلال الصحراء عن المغرب، وكان المؤسس هو جيريمي كوربين، أحد أقطاب حزب العمال، ومنذ تلك اللحظة نشأت علاقة وطيدة بين البوليساريو وبين هذا الحزب الذي كان في المعارضة البريطانية، حيث كانت رئيسة الوزراء خلال تلك المرحلة هي المرأة الحديدية مارغريت تاتشر، التي تولت المنصب من سنة 1979 إلى سنة 1990.
وبعد ذلك، قام جيريمي كوربين بعدة زيارات إلى مخيمات تندوف وأعلن دعمه الصريح للجبهة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد.. فقد سبق له أن تقدم بمقترح للبرلمان البريطاني سنة 2002، عندما كان حزب العمال هو الحزب الحاكم، يطالب من خلاله بتنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء.
غير أن أهم مرحلة شهدت دعم حزب العمال البريطاني لجبهة البوليساريو، هي بعد خروجه للمعارضة في 15 سنة الأخيرة، أي انطلاقا من سنة 2010، حيث قام وفد برلماني بريطاني بزعامة جيريمي كوربين، الذي أصبح ينظر له كمعادي لمصالح المغرب، بزيارة إلى مدينة العيون عاصمة الصحراء، في نهاية فبراير 2014، وذلك من أجل إعداد تقرير حول قضية الصحراء قصد عرضه على المناقشة في البرلمان البريطاني، في سابقة من نوعها منذ اندلاع نزاع الصحراء المفتعل، وخلال تلك الزيارة، اتهمت وزارة الداخلية المغربية الوفد البرلماني البريطاني باستغلال سياسة الانفتاح التي ينهجها المغرب من خلال السعي إلى التحريض على إثارة الشغب والفوضى، على خلفية تجوال أحد أعضاء الوفد بسيارة لناشط صحراوي مؤيد لجبهة البوليساريو في أحد الأحياء التي يتواجد فيها بكثافة مؤيدو الجبهة، وجاء في بلاغ أصدرته وزارة الداخلية ونشرته وكالة المغرب العربي للأنباء، أنه تم توقيف سيارة كان على متنها برلماني بريطاني حاول رفقة اثنين من مساعديه إثارة الشغب بالشارع العام في مدينة العيون، حيث كان يحرض المارة على التظاهر، وأشار البلاغ إلى ((أنه تم توقيف هذه السيارة، وهي لأحد انفصاليي الداخل، الذي كان يرافق البرلماني المذكور على متنها، حيث تبين أنها لا تتوفر على الوثائق القانونية، مما فرض حجزها طبقا لما ينص عليه القانون)).
وأعربت السلطات المغربية عن استغرابها ((لهذا التصرف من برلماني يمثل دولة أجنبية، تعرب في نفس الوقت عن أسفها لاستغلاله لسياسة الانفتاح التي ينهجها المغرب تجاه كل من يريد الاطلاع على حقيقة الوضع في أقاليمنا الجنوبية بالسعي إلى التحريض على إثارة الشغب والفوضى)).
ولم يمض إلا أسبوع على هذه الواقعة.. حتى خرجت منظمة “وور أون وونت” البريطانية (War On Want)، التي يرأسها جون هيلاري عضو حزب العمال وأحد أعضاء الوفد البريطاني الذي زار العيون، بتقرير أولي يتحدث بلهجة لا تختلف كثيرا عن تلك التي يوظفها مسؤولو البوليساريو، وهذه المنظمة الناشطة في المجال الخيري، استندت فيما دبجته على إفادات الوفد البرلماني البريطاني، واختارت عنوانا منحازا يتلخص في “الحياة تحت الاحتلال في الصحراء الغربية”، موردة أنها وقفت على الوضع الحقوقي في المنطقة بعد لقاءات عدة عقدتها مع ناشطين انفصاليين، و”جمعيات مدنية”، حاورتهم حول مدى التمتع بالحرية في التعبير عن الرأي والعمل في الوسط المدني، كما لم يتوان التقرير عن وصف الانفصاليين، الذين أدانتهم المحكمة العسكرية في الرباط بعقوبات تتراوح بين عشرين عاما والسجن المؤبد في أحداث مخيم “إكديم إزيك”، للتورط في قتل أفراد من الأمن المغربي، بـ”السجناء السياسيين”.
كما اتهمت المنظمة المغرب بحرمان بعض الجمعيات من الوصل وعدم السماح لها بالاشتغال بشكل عادي، وهو ما اعتبرته باعثا على توسيع صلاحيات بعثة “المينورسو” لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، ورغم أن الوفد المذكور كان قد التقى بمسؤولين مغاربة في العيون، كالوالي ورئيس البلدية واللجنة الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.. إلا أن المنظمة آثرت أن تخصص فقرة صغيرة لوجهة النظر “الوحدوية”.
وبالموازاة مع ذلك، نظم جيريمي كوربين أسبوعا بعد ذلك، في البرلمان البريطاني، ندوة حول الصحراء، وكان من الأسباب الرئيسية التي جعلت وزارة الخارجية تستقبل في مارس من السنة نفسها، وفدا للبوليساريو، للتباحث حول جوانب هذا النزاع مما أسموه “حقوق الإنسان وتقرير المصير وإشكالية استغلال الثروات الطبيعية”.
جيريمي كوربين على رأس حزب العمال البريطاني ومشاكل جديدة
زاد الوضع تعقيدا بالنسبة لعلاقة المغرب مع حزب العمال البريطاني، عندما تم انتخاب جيريمي كوربين زعيما للحزب العمالي البريطاني سنة 2015، وهو أكبر قوة معارضة في البلاد، وذلك في مؤتمر استثنائي، وكما سبق وقدمنا في هذا الملف، فإن جيريمي كوربين هو عراب الدفاع عن جبهة البوليساريو في البرلمان البريطاني، بل ومؤسس ما تمت تسميته: “المجموعة البرلمانية للصداقة مع الشعب الصحراوي”، وفور فوزه بزعامة الحزب، اعتبرت جبهة البوليساريو أن اختيار كوربين دعم لما سمته “نضال الشعب الصحراوي”.
يومها سارع زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، محمد عبد العزيز، إلى تهنئة جيريمي كوربين بمناسبة فوزه برئاسة حزب العمال البريطاني، كما هنأ أيضا كافة أعضاء حزبه وقيادته الجديدة المنتخبة، وكذا الشعب البريطاني بمناسبة انتخابهم زعيما جديدا، معلقا بأن ((اختيار كوربين في هذا التوقيت اعتراف بروح النزاهة والتضامن والقيم الإنسانية العالية))، وأضاف زعيم الانفصاليين أن ((دعم كوربين لكفاح الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، ظل ثابتا لا يتزعزع، بدليل الأسئلة المكتوبة التي أرسلتموها من خلال المجموعة البرلمانية من أجل الصحراء الغربية داخل البرلمان البريطاني، وكذا تنظيمكم لزيارة أول وفد برلماني بريطاني إلى المناطق المحتلة))، وعبر عبد العزيز – في رسالته – عن ((ثقة الصحراويين الكبيرة قيادة وشعبا في أن يساهم تولي صديق الشعب الصحراوي لزعامة حزب العمال البريطاني في حل عادل ودائم للصراع الذي طال أمده في الصحراء، مضيفا أن عزم البوليساريو ثابت على تطوير روابط الصداقة والتعاون بين الحزبين والشعبين)).
كان أول اختبار لعلاقة جيريمي كوربين على رأس الحزب البريطاني العريق، بعد أشهر قليلة، عندما نشبت أزمة بين المغرب والسويد، على خلفية تقديم أحزاب وهيئات سياسية سويدية مقترح قانون أمام البرلمان السويدي للاعتراف بجبهة البوليساريو، قبل أن يعلن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في استوكهولم عن عزمه تمريره في البرلمان، والدفاع عنه في مجلس الأمن الدولي، وقد جاء في مقال لجريدة “الأسبوع” عدد 27 أكتوبر 2015، أن ((زعيم حزب العمال البريطاني راسل البوليساريو سرا ويدعمها في المنفى، وجاءت هذه المبادرة بعد ما وقع بين السويد والمغرب، حيث عبر زعيم حزب العمال البريطاني عن دعمه للحكومة السويدية التي واصلت إعادة تقييم موقفها بخصوص ملف الصحراء)).
وجاء في المقال الذي نشرته “الأسبوع” بناء على مصادرها الخاصة من داخل مكتب زعيم حزب العمال البريطاني، أن ((اليسار الأوروبي يعمل على تقدم حثيث لهذه القضية في الأجندة القارية، وتكمن الفكرة في دعم اليساريين الصحراويين المؤسسين لجبهة البوليساريو لمواجهة المد الأصولي الإسلامي لكل من “داعش” و”القاعدة” في المنطقة وفي شمال إفريقيا.
وتذهب ورقة سرية لإحدى الأجهزة الغربية إلى القول: إن اليسار الأوروبي يساعد إدارة أوباما وهولاند في التوصل إلى حل حقيقي للمشكل، ولا يمكن إعادة تعبئة البوليساريو بالإسلاميين، أو انزلاقها إلى الإرهاب السائد في المنطقة المغاربية)).
وقد استمر بعد ذلك حزب العمال البريطاني في دعم الجبهة، حيث أرسل في دجنبر 2019 رسالة إلى زعيم البوليساريو يهنئه من خلالها على نجاح المؤتمر 15 للجبهة الذي انعقد ما بين 19 و23 دجنبر 2019، ومما جاء في الرسالة التي بعثها: ((لقد كنت منذ زمن طويل من مؤيدي حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، ونحن فخورون بأن نعتبر جبهة البوليساريو كشقيقة لحزبنا))، وأكد أن دعم حزبه للجبهة كان حاضرا خلال حملته في الانتخابات العامة الأخيرة، معربا عن سعادته باستضافة متحدث من الجبهة على المنصة في أحد مؤتمرات الحزب الأخيرة في مدينة برايتون، وفي ذات السياق، عارض جيريمي كوربين بشدة الاتفاقية التجارية بين المغرب وبريطانيا، عندما صرح سنة 2019 بما يلي: ((لقد طرحت سؤالا على رئيس وزراء حكومتنا حول الاتفاقية التجارية بين المملكة المتحدة والمغرب، وأكدت أن إقليم الصحراء الغربية هو إقليم لا يزال محل نزاع، ويجب عدم إدراجه في إطار هذه الاتفاقات)).
2020.. نهاية جيريمي كوربين وبداية عهد كير ستارمر
تنفس المغرب الصعداء بعد خسارة حزب العمال المدوية في الانتخابات التشريعية البريطانية التي جرت سنة 2019، حيث لحقت بالحزب هزيمة قاسية بعد اكتساح حزب المحافظين للانتخابات، وكان ذلك إيذانا بالمطالبة برأس جيريمي كروبين الذي كان المسؤول الأول عن هذه الهزيمة النكراء.. يومها جرت انتخابات داخل الحزب من أجل اختيار زعيم جديد في أبريل 2020، حيث فاز كير ستارمر بزعامة الحزب، بعد أن قدم وعودا بأخذ الحزب نحو الوسط، بعدما قاده جيريمي كوربين لأقصى اليسار، ورفع ستارمر شعار: “البلاد أولا ثم الحزب ثانيا”.
انتهت حقبة جيريمي كوربين بهذا التحول، وبعد فوز ستارمر بزعامة الحزب، أبرق له زعيم جبهة البوليساريو الجديد إبراهيم غالي، يهنئه على منصبه الجديد، وجاء في الرسالة ما يلي: ((إن جبهة البوليساريو فخورة حقا بعلاقتها الأخوية مع حزب العمال طوال العقود الماضية، وشاكرة له تضامنه القوي والمستمر ودعمه غير المشروط للشعب الصحراوي في تقرير المصير والحرية))، وأضاف: ((أؤكد استعدادانا لمواصلة تطوير وتعزيز علاقة التعاون والأخوة والصادقة الممتازة القائمة بالفعل بيننا كطرفين شريكين)).
واليوم، فاز حزب العمال بالانتخابات التشريعية البريطانية وأعلن القصر الملكي عن تعيين كير ستارمر رئيسا للوزراء.. والسؤال العريض المطروح: إلى أي طرف سينحاز، هل سيمضي في الطريق التي بدأ حزب المحافظين الذي خطى خطوات مهمة في طريق الإعلان عن اعتراف بريطانيا بمغربية الصحراء، علما أنه تعهد بأن يحول الحزب إلى حزب وسط وليس يسار، أم أنه سيحافظ على علاقة حزبه التاريخية مع جبهة البوليساريو، أم سيأخذ طريقا ثالثا وهو غموض الموقف ؟