بين السطور | أحداث لبنان وحرب الهواتف الموقوتة
خلال سبعينات القرن الماضي، سبق أن علق موشي ديان على أحداث لبنان قائلا: “إن إسرائيل لن تتدخل في أحداث المنطقة ما لم يمس أمنها، وطبعا فأمن إسرائيل في تقاتل العرب فيما بينهم، وسلامتها في سيلان الدماء العربية، وبقاؤها في فناء العرب”..
بين حرب 1973 وحرب 2024، تبقى الفلسفة نفسها، بينما التقنيات تغيرت، فبين عشية وضحاها تحولت الهواتف النقالة إلى قنابل مفترضة يمكن تفجيرها عن بعد في إطار الحرب الجديدة، وما وقع في لبنان من هجوم منسوب لإسرائيل على أعضاء “حزب الله” الذين وجدوا أنفسهم أمام إطلاق نار غير متوقع انطلاقا من جيوبهم ومن تحت ملابسهم في بعض الأحيان، بل إن المئات أصيبوا إصابات خطيرة ومنهم من توفي، بعد أن انفجرت “الأجهزة اللاسلكية” التي تسمى عندهم “البيجر”.
ما حصل في لبنان يمكن أن يقع في أي بلد آخر(…)، كما فشلت التحقيقات حتى الآن في إبعاد “فرضية التفجير عن بعد”، رغم أن البعض ربط ذلك باختراق أمني، وأن الأجهزة تعرضت لتفخيخ مسبق على مستوى البطاريات.. والسؤال الأهم الذي بات مطروحا هو: هل يمكن تفجير الهواتف المحمولة عن بعد، في إطار الحروب الجديدة، خاصة وأنها تشتغل ببطاريات “الليثيوم” التي يعد تفجيرها أمرا ممكنا من الناحية العلمية، كما أثبتت التجربة في وقت سابق انفجار عدد كبير من الهواتف النقالة سنة 2016 قبل أن تعمد الشركة المصنعة إلى سحبها من السوق؟ ماذا لو كان ذلك عملا تجريبيا وقتها(…) ؟
في المغرب، يعد عدد الهواتف المحمولة بعشرات الملايين، وهناك من الشباب والأطفال من يملك 3 هواتف، ما يعني أن هؤلاء المواطنين الذين يجهل كثير منهم قواعد السلامة والاستخدام، باتوا قنابل قابلة للانفجار في أي لحظة لو حصلت “حرب سيبرانية”، أو على الأقل يمكن أن تكون بمثابة الشرارة الأولى لإحراق عدد كبير من البيوت.. ففي حالة انفجار الأجهزة اللاسلكية التي تمت الإشارة إليها، سيكون للضحايا موعد مباشر إما مع المقبرة أو غرف الإنعاش أو أجنحة المستعجلات لمعالجة حروق خطيرة في الوجه واليدين والبطن والصدر..
ما رأي الحكومة المغربية فيما وقع، هل هواتفنا مهددة باختراق خطير؟ هل يمكن أن تنفجر لا قدر الله؟ ماذا لو كانت كل التلفونات مجرد حطب للحرب؟ كل هذه الأسئلة تطرح نفسها، لكن لا أحد من المسؤولين سيكلف نفسه عناء الإجابة طالما أن هاتفه لم ينفجر بعد..
عجز المسؤولين في التفاعل مع هذا النوع من الحوادث الذي سبب حالة استنفار كبرى في بلدان خارجية، وامتدت التحقيقات لتشمل المسؤولين في الشركة المصنعة – وبالمناسبة قد تكون مصنعة حتى بالنسبة لنا(…) – لا يوازيه إلا الجهل الحكومي القديم بالتطورات الرقمية في العالم، حيث يكتفي الوزراء بترديد عبارات عن “المشاريع الطموحة”، فهل يمكن الحديث عن الطموح في المجال الرقمي حيث الحرب على أشدها ؟
لقد وصل الجهل الحكومي المغربي لهذه الأمور إلى درجة عدم الظهور في أكبر مؤتمر للتجارة الإلكترونية العالمية الذي نظم مؤخرا، رغم أن مداخيل هذه التجارة بلغت الملايير، وهي نفس الملايير التي ستستعمل فيما بعد لسحب البساط من تحت أصحاب الاقتصادات التقليدية الهشة، التي ستكون مضطرة للتسوق من العالم الافتراضي، إن استطاعت طبعا الولوج إليه(…).