للنقاش | نقاط الخلاف العالقة بين المغرب وإسبانيا
إدارة المجال الجوي للصحراء ومشكل الهجرة وملف سبتة ومليلية
لا زال موضوع إدارة المجال الجوي للصحراء من طرف المغرب نقطة عالقة بين المغرب وإسبانيا باعتبارها المستعمرة السابقة لإقليم الصحراء المغربية، رغم اعتراف المملكة الإسبانية، شهر مارس 2022، بمقترح الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب منذ سنة 2007 كحل واقعي وجدي وذو مصداقية للنزاع المفتعل في الصحراء، ولم يجد هذا الملف بعد طريقه إلى التسوية النهائية في ظل وجود مجموعة من العراقيل، منها التأخر الحاصل في فتح معبري سبتة ومليلية المحتلتين في وجه تنقل الأشخاص والبضائع، وكذا موضوع الهجرة غير الشرعية الذي لا زال يؤرق البلدين، خصوصا بعد ما وقع وما يقع من تعبئة ملغومة من أجل الهجرة من طرف الآلاف من الشباب والقاصرين إلى سبتة.. فمن له المصلحة في عرقلة هذا الملف، خصوصا وأن الاجتماعات لا زالت متواصلة من طرف اللجنة الوزارية للمغرب وإسبانيا بشأن التسريع في إنهاء هذا الموضوع ؟
كان اعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء نقطة تحول تاريخي في العلاقات بين المغرب وإسبانيا، والتي لطالما طبعها الشد والجذب، وعرفت فترات عصيبة كادت أن تعصف بعلاقة الرباط ومدريد أو تدخل البلدين في حرب ليست من مصلحة أي طرف اعتبارا لموقعهما الجغرافي بين إفريقيا وأوروبا، لولا ضبط النفس.. فبفضل الدبلوماسية الناجحة استطاع المغرب أن يفرض على إسبانيا، كما على عدد من الدول التي اعترفت وتعترف بمغربية الصحراء تباعا، أن تتعامل معه وفق مصالحه السياسية والتجارية، حيث سبق للملك محمد السادس أن أكد في خطاب 20 غشت 2022، أن ((ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات، وأضاف: ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل.. لقد تمكنا خلال السنوات الأخيرة من تحقيق إنجازات كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي، لصالح الموقف العادل والشرعي للمملكة بخصوص مغربية الصحراء، وثمن الملك “الموقف الواضح والمسؤول لجارتنا إسبانيا، التي تعرف جيدا أصل هذا النزاع وحقيقته”، مؤكدا أن هذا الموقف الإيجابي قد أسس لمرحلة جديدة من الشراكة المغربية الإسبانية، لا تتأثر بالظروف الإقليمية، ولا بالتطورات السياسية الداخلية)).. إلا أن هذه الشراكة التي تكلم عنها الملك بقيت منقوصة من تسليم إدارة المجال الجوي للصحراء إلى السلطات المغربية، ولا زالت مدريد تتلكأ في هذا الملف الحساس والمهم في نفس الآن بالنسبة للمغرب، في ظل إطلاق الملك لمبادرة الأطلسي، التي ستمكن عددا من البلدان الإفريقية من الاستفادة من المحيط الأطلسي، ولهذا الغرض، عرفت الأقاليم الجنوبية ثورة تنموية كبرى في جميع المجالات لتواكب هذا التقدم المحرز سياسيا واقتصاديا ليس في منطقة الصحراء وحدها، وإنما في باقي ربوع المغرب..
ورغم أن رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، سبق أن بعث رسالة إلى الملك محمد السادس، أكد له فيها أنه ((يعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، وأن إسبانيا تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف المتعلق بالصحراء، وأن ازدهار المغرب مرتبط بازدهار إسبانيا والعكس صحيح، وأن إسبانيا ستعمل بكل الشفافية المطلقة الواجبة مع صديق كبير وحليف، قائلا: أود أن أؤكد لكم أن إسبانيا ستحترم على الدوام التزاماتها وكلمتها، وأنه سيتم اتخاذ هذه الخطوات من أجل ضمان الاستقرار والوحدة الترابية للبلدين)).. إلا أن ملف إدارة المجال الجوي للصحراء الذي يحظى بأهمية كبيرة من لدن المغرب، لم يعرف بعد طريقه إلى التسوية، ولا زالت إسبانيا محتفظة به ربما لاستعماله كورقة سياسية مقابل قضايا أخرى لا زالت عالقة بين البلدين، أبرزها عدم فتح المعبرين الحدوديين لسبتة ومليلية المحتلتين في وجه البضائع والأشخاص، وهذه ورقة أخرى تتشبث بها إسبانيا في مواجهة الهجرة غير الشرعية، حيث لم يتمكن البلدان من التوصل إلى موعد محدد لإعادة فتح معبري “باب سبتة” “وبني انصار”، وهو آخر النقاط العالقة في الاتفاق الموقع بين مسؤولي البلدين في شهر أبريل الماضي، في ظل تحدث وسائل إعلام إسبانية عن “إمكانية توصل البلدين لاتفاق ينقل تدبير المجال الجوي للصحراء إلى المغرب مقابل فتح المغرب لجمارك سبتة ومليلية”، وبالمقابل، وحسب محللين سياسيين واقتصاديين مغاربة، فإنهم لا يستبعدون
إمكانية “التوقيع على اتفاقية بهذا الخصوص في إطار تبادل المصالح” كما أكد ذلك أستاذ العلاقات الدولية، تاج الدين الحسيني، في تصريحه لموقع “صوت المغرب”، بأنه ((ربما من تبادل المصالح قد يتم الإفراج عن الجمارك التجارية بين المنطقتين دون أن يعني ذلك تنازل المغرب عن مطالبته باستعادتهما (يقصد استرجاع سبتة ومليلية المحتلتين)، ومقترح مطالبة إسبانيا بإنشاء خلية مشتركة للتفكير في وسائل لإيجاد حل سلمي، على اعتبار أن العلاقة بين الطرفين لا تؤهلهما للدخول في نزاع عسكري أو على مستوى المحاكم الدولية)).
ووسط تزايد الضغط داخليا على الحكومة الإسبانية لإيجاد حل لجمارك سبتة ومليلية المحتلتين، يقول المغرب أن ((كل الالتزامات في خارطة الطريق المعلن عنها في أبريل الماضي سيتم تنفيذها، بما فيها عبور البضائع والأشخاص))، غير أن هذا الطريق يبدو أنه لا زال طويلا، وتداخلت معه عوامل أخرى، أبرزها التنظيم المشترك لمونديال 2030 بما يشمله هذا الملف من مشاريع كبرى من ضمنها نفق الربط القاري بين إسبانيا والمغرب، والذي لا زالت الدراسات والاجتماعات الوزارية جارية بشأنه.
كما أن هناك نقطة خلاف أخرى لا زالت عالقة بين البلدين، ويتعلق الأمر بجبل تروبيك، الواقع بين المجال الترابي للمغرب وجزر الكناري، والذي يطالب المغرب بضمه في إطار ترسيم حدوده البحرية ليستفيد من خيراته(…)، بينما تستعمل إسبانيا العصى في العجلة بهذا الخصوص، وتطالب هي أيضا به، مع العلم أن هذا الجبل يقع بالقرب من المغرب في الواجهة البحرية المقابلة للداخلة، ومن جهة ثانية، أبدت حكومة جزر الكناري، التابعة لإسبانيا، “قلقها وتخوفها” من المناورات العسكرية المشتركة بين الجيشين المغربي والأمريكي الجارية حاليا في المياه المقابلة لأكادير التي تمتد إلى العيون والداخلة، والتي كانت قد سبقتها مناورات أخرى شهر ماي المنصرم.. فهل هذه المناورات هي من تعيق تسليم إسبانيا إدارة المجال الجوي للصحراء إلى المغرب ؟
فرغم أن الحكومة الإسبانية قررت في وقت سابق إخراج ملف نقل إدارة المجال الجوي في الصحراء للمغرب من “الضبابية” التي تكتنفه، وسط حديث عن اقتران حل هذا الملف بشرط مغربي يرتبط بفتح جمارك الثغرين المحتلين سبتة ومليلية، إلا أن المواقف الإسبانية لا زالت “رمادية” في جزئيات تتعلق بهذا الموضوع في ظل وجود أطراف من داخل إسبانيا رافضة لاعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء وما يترتب عن ذلك، خاصة وأن المجال الجوي للصحراء المغربية يدار حاليا من جزر الكناري، والكل يعرف موقف حكومة الكناري من التقارب المغربي الإسباني كما سبق ذكره، لذلك تبدو المسألة معقدة رغم أن هذا الأمر ليس بعزيز على الدبلوماسية المغربية التي استطاعت حلحلة ملفات كبرى كانت مستبعدة وفق محللين سياسيين ومختصين، وهذا التعقيد يكمن في لغز العلاقات المغربية الإسبانية، وأعني به ملف سبتة ومليلية، هذه القضية التي تطرح في كل مشكل يعترض سبيل العلاقات المغربية الإسبانية، في ظل الحديث عن إمكانية إدارة مشتركة لمدينتي سبتة ومليلية بين المغرب وإسبانيا، ولو أن هذا الأمر مستبعد بالنظر إلى اختلاف سياسات البلدين، وأيضا ما قامت به متاجر “كارفور” بمدينة سبتة من شروعها في السماح بالأداء بالدرهم المغربي، حسب ما نقله موقع “آخر ساعة” نقلا عن صحيفة “إل ديباطي”، حيث تحاول “كارفور” من خلال هذا الإجراء جذب المغاربة إليها.. ربما تمهيدا لمعاملات أكبر أو لتمهيد الطريق بين الإدارة المركزية في مدريد وبين الرباط، غير أن مشكل الهجرة لا زال يهدد العلاقة بين البلدين في كل مرة، آخرها ما حدث من هجرة جماعية سباحة نحو سبتة نهاية شهر غشت المنصرم، إضافة إلى التطورات التي عرفها الموضوع الأسبوع المنصرم، استجابة لدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى هجرة جماعية نحو الثغر المحتل يوم 15 شتنبر، وهو ما قابلته السلطات المغربية بتعزيزات مكثفة لمحيط معبر “باب سبتة” وشواطئ الفنيدق وبليونش، من مختلف الأجهزة (الأمن والدرك والجيش)، وبهذا تبقى كل المواضيع والملفات المتفق بشأنها بين الرباط ومدريد رهينة بحل ملف سبتة ومليلية.. في انتظار استكمال دراسات وإجراءات مشروع نفق الربط القاري بين البلدين، وهو ليس وليد اليوم، وإنما جاءت فكرة إنشائه عقب لقاء جمع الملك الراحل الحسن الثاني والملك الإسباني السابق خوان كارلوس، سنة 1979، ومن أجل إنجاز هذا النفق الذي ستستفيد منه إفريقيا وأوروبا وليس المغرب وإسبانيا فقط، تم إحداث لجنة مغربية-إسبانية مختلطة، وتم إنشاء شركتين مخصصتين حصريا للدراسات اللازمة للمشروع في أفق إنجازه، وفي سنة 1980، تم التوقيع على اتفاقيتين بهذا الخصوص، وإحداث لجنة حكومية مختلطة تتألف من أعضاء من إسبانيا والمغرب بالتساوي تجتمع بصفة دورية لتشرف على برنامج عمل شركتي الدراسات المغربية والإسبانية، وها هو هذا الربط لم يكتمل ونحن في سنة 2024، فهل يتبع اعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء تسريع وتيرة إنجاز نفق “جبل طارق”، أم أن التنظيم المشترك لمونديال 2030 يكون له دور فعال في الحسم في القضايا السياسية المتعثرة بين الرباط ومدريد، خاصة في ظل حكومة بيدرو سانشيز قبل نهاية ولايته ؟