تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | أخنوش يبحث عن “شرعية اصطناعية” وشباب يهاجرون نحو السراب

تجمعات مخدومة لـ"الرقص على الجراح"

إعداد: سعيد الريحاني

    ((كلما عدت إلى هذه الصور، تزيد قناعتي بأن الفرحة والنشاط لا يليقان بحزب البؤس وتجار الدين والمآسي والأزمات ! وكيف ما قالو ناس زمان، لبس قدك يواتيك، وهاذ البؤساء ما غادي يواتيهم غير الفشل والسقوط المستمر، أما الرقص والنشاط ما يواتي غير الحمامة بشبيبتها القوية وبرئيسها العزيز والناجح وبحصيلتها الحكومية الإيجابية والكبيرة.. خلينا ليكم البؤس، أما الفرحة والنشاط جاااااو معانا بحالنا بحال كاع المغاربة اللي ناشطين وفرحانين واللهم كثر حسادنا))..

هذه الكلمات المتفائلة، صدرت مؤخرا عن “ناشطة” في حزب التجمع الوطني للأحرار بمناسبة انعقاد جامعة الشباب الأحرار(..)، والصور المقصودة هي تلك الصور المتداولة لهذا النشاط، بعدما تم “تجييش” المئات من الشباب وحشد عدد كبير من الوزراء في أكادير، للقيام بما يشبه الحملة الانتخابية بشكل سابق لأوانه، بل إن المنظمين اختاروا الترويج لعناوين مثل “شرعية الصناديق”، علما أن الزمن الحالي ليس زمنا انتخابيا، ولكن الهدف هو تكريس استعمال مصطلح الشرعية..

تتمة المقال تحت الإعلان

بكل تفاؤل.. خرجت “ناشطة” من حزب الأحرار لتعلن بداية زمن “النشاط والرقص”، وربما صدقت هي نفسها هذا الشعار الذي يتحدث عن الشرعية(..)، بينما الشرعية كانت دائما محل تساؤل في حزب الأحرار.. فجل وزرائه لا علاقة لهم بالحزب، وكثيرا ما افتقدوا الشرعية الانتخابية، بل إن رئيس حزب الأحرار نفسه سقط بالمظلة في قيادة الحزب، وقد كان عزيز أخنوش عضوا في حزب الحركة الشعبية، وربما كانت ستقوده الأقدار إلى حزب الأصالة والمعاصرة على سبيل المثال، لولا المصلحة السياسية..

وبغض النظر عن كمية التملق للسيد الرئيس(..)، الذي بات يبحث عن “شرعية اصطناعية” للاستمرار في الحكومة، من خلال الترويج الإعلامي لخطابات معدة سلفا، بل وصل الأمر إلى حد استعمال أبواق مدفوعة الأجر، وحتى الناشطة الراغبة في الرقص والغناء، لم تنتبه إلى أن أغلبية الشباب المغاربة يوجدون خارج الأحزاب المغربية، وخارج حزب الأحرار نفسه، وبينما كانت تدعو إلى الرقص والنشاط، كان يفترض بسياسية أن تنتبه إلى الزمن الذي تتحدث فيه وهو زمن “كارثة طبيعية”، يجسدها غرق عدد من المواطنين في الراشيدية وطاطا والنواحي.. بالإضافة إلى “كارثة اجتماعية” جسدها على أرض الواقع “تجييش” عدد كبير من الشباب والقاصرين للهجرة بشكل فوضوي من معبر “باب سبتة” في الشمال.. أليس هذا رقصا على الجراح ؟

جانب من المواجهات بين قوات الأمن وراغبين في الهجرة عبر سبتة

لماذا قرر هؤلاء القاصرين الهجرة، أليس مكانهم الطبيعي هو المدرسة؟ لماذا لم تكن “أزمة الهجرة والشباب” حاضرة في مواضيع جامعة الشباب الأحرار(..)، أليس المكان الطبيعي لهؤلاء القاصرين هو المدرسة؟ لماذا لم يطرح هذا السؤال على رئيس الحكومة، أو على وزير التربية الوطنية والتعليم شكيب بنموسى الذي كان حاضرا، والذي أصبحت له هو أيضا “شرعية اصطناعية” من خلال “ترسيم” عضويته في المكتب السياسي لحزب الأحرار؟ أي نموذج سياسي هذا يتم تقديمه للشباب عندما يكون المكتب السياسي مكونا من شخصيات لم يسبق لها أن مارست العمل السياسي، ولم يسبق أن ترأس لا جمعية ولا فرع حزب ولا فرع شبيبة، أي نموذج هذا لتسيير الشأن العام؟ ومع ذلك، فطريقة حزب الأحرار في استقطاب الأطر بشكل انتهازي تبقى مفهومة.. فربما يتم الاستثمار في الرجل مستقبلا باعتباره رئيسا سابقا للجنة النموذج التنموي، وقد يصبح هو نفسه رئيسا لحزب الأحرار مستقبلا، ولم لا رئيس حكومة.. فكل شيء في حزب الأحرار وارد، وقد يحدث لأخنوش ما حدث لأسلافه، حيث يتم الانقلاب على الرئيس دائما وكأن شيئا لم يكن، دون حاجة للمؤتمر ولا للانتخاب..

تتمة المقال تحت الإعلان

أمام حشد مرتب، وأمام وسائل إعلام منها من تلقت “أجرها” بشكل مسبق، ومثقفين وسياسيين منهم من يتلقى أجره من الحزب أو إحدى المؤسسات التي يسيرها أخنوش أو الحزب، وقف رئيس الحكومة مزهوا بنفسه للحديث أمام حشود شباب تم إعدادهم سلفا، ومعلوم أن شبيبة الأحرار لا تاريخ لها (تأسست سنة 2016).. وقف أخنوش ليوحي بأن المشهد السياسي بخير، مؤكدا استمرار الصراع بين حزبه وبين حزب العدالة والتنمية، فأي شرعية هاته التي يخاف فيها الحزب المتصدر للانتخابات من حزب بالكاد يتكون من مجموعة نيابية لا تتجاوز 13 برلمانيا، ويطغى التفكك على تنظيماته(..) ؟

فقد ((افتتح عزيز أخنوش الجامعة الصيفية لشبيبة حزبه، بالرد على غريمه عبد الإله بن كيران.. وقال أخنوش، الذي كان يتحدث بمسرح الهواء الطلق بأكادير أمام جمع غفير من أعضاء المكتب السياسي ومسؤولي الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية بحضور حوالي 4 آلاف شابة وشاب: “إن السياسة هي أخلاق، وما يمكنش شي حد يدافع على الأخلاق في السياسة إذا كان هو معندوش أخلاق”، مضيفا، أن “السب والقذف فالسياسة مخدامش، وهو كيعبر عن الفشل في السياسة، حيث داروا هاذ الشي فالانتخابات الماضية ومجابو والو”.. وأوضح زعيم حزب “الحمامة” في اللقاء المنظم يوم الجمعة الماضية، قائلا: لن ينجحوا بكل هذا في جرنا إلى حقل الكلام النابي والساقط لأننا حزب كبير نتحلى بالأخلاق السياسية والأسرية في المقام الأول.. وتابع في رد مبطن دون ذكر بن كيران بالاسم قائلا: “إذا أراد الفوز بالانتخابات فليكن متيقنا أنه لن يفلح في ذلك… والدليل نتائج الانتخابات الجزئية الأخيرة بدائرتي المحيط بالرباط والفقيه بن صالح، والتي حسمهما التجمع لصالحه في اقتراع الخميس 12 شتنبر الجاري.. راهم ما كايجيبو والو وتكفي الانتخابات الجزئية.. وهاذ الناس مغاديش يجرونا لهاذ الكلام الساقط، حيث احنا عندنا أخلاق أسرية وسياسية متسمحش لينا نسبوا الناس)) (المصدر: نقلا عن موقع “أكادير 24″/ 13شتنبر 2024).

نموذج الكوارث الاجتماعية التي تؤكد فشل السياسة الحكومية في السنوات الأخيرة

كلام أخنوش لا يعكس فقط اطمئنانه على البقاء في الحكومة، بل يمتد إلى درجة حديثه عن الانتخابات وربما يمني النفس بالاستمرار على رأس الحكومة، وهو ما يؤكده بعض الكلام المتناثر بعين المكان، حول إمكانية إشراف الحكومة الحالية على المشاريع المستقبلية المرتبطة بمونديال 2030، أي بقاء أخنوش ومن معه.. كلام أخنوش يعكس أيضا ثقة في النفس مبالغ فيها بحديثه عن نتائج الانتخابات الجزئية (الرباط نموذجا)، والواقع أن هذه النتائج تشكل في حد ذاتها “كارثة سياسية” تسائل دور الأحزاب جميعها، بعد تسجيل نسبة مشاركة انتخابية جد متدنية، والواقع أنها “أهم وأخطر دائرة انتخابية في البلاد”.

تتمة المقال تحت الإعلان

في هذا السياق، “أثار المحلل السياسي نوفل البعمري، في تدوينة له عبر منصات التواصل الاجتماعي، تساؤلات حول نتائج الانتخابات الجزئية التي جرت بدائرة المحيط بالرباط، والتي شهدت نسبة مشاركة متدنية لم تتجاوز 7 %، مع تسجيل حوالي ألف صوت ملغى.. البعمري في تدوينته على صفحته الشخصية، أكد أن هذه النسب تدق ناقوس الخطر بالنسبة للطبقة السياسية والقيادات الحزبية في المغرب.. وأشار المحلل السياسي إلى أن الأمر لا يتعلق بدائرة هامشية، بل بدائرة سياسية هامة كانت تعرف سابقا بتنافس قادة الأحزاب، وكانت تُلقب بـ”دائرة الموت” نظرا لشدة المنافسة فيها، حيث كانت تعكس قوة الأحزاب وقدرتها على التأثير في المشهد السياسي.. وأكد البعمري أن هذا العزوف الانتخابي ليس ظاهرة عادية، بل يجب النظر إليه بعين القلق، ودعا إلى وعي حقيقي ومسؤول من قبل جميع الأطراف السياسية تجاه مستقبل الحياة السياسية في البلاد)) (المصدر: موقع “بلبريس”/ 13 شتنبر 2024).

إذن، المهم ليس هو الفوز في الانتخابات، بل إنه يجب أخذ عدة أمور بعين الاعتبار في ظل غياب المشاركة المكثفة للمواطنين، فاللقاءات المخدومة، والتنافس الكاذب، لا يخفي الحقيقة، وقد تجد جل الأحزاب نفسها خارج اللعبة السياسية كما حصل في وقت سابق(..).

لنفترض أن الجامعة الشعبية لحزب الأحرار كانت نشاطا موازيا عاديا، بغض النظر عن حشد الوزراء والأطر(..)، فأي تأطير سياسي هذا والجميع طلب منه الدفاع عن الحصيلة الحكومية الحالية، هل تدخل حصيلة الحكومة ضمن التأطير؟ لماذا لم يناقش الشباب قضية إخوانهم الذين تعثرت بهم سبل الدراسة في كليات الطب؟ لماذا لم يتم الحديث عن مشاكل التعليم والمدرسة، ولوبيات الكتب المدرسية، طالما أننا نتحدث بالتزامن مع الدخول المدرسي؟ لماذا لم تتم مناقشة موضوع الهجرة؟ لماذا لم يناقش القانون الجنائي؟ لما لم يتجرأ أخنوش على طرح ولو كلمة واحدة في موضوع تعديل مدونة الأسرة، أليس ذلك من مواضيع الساعة؟ أي سياسة هاته تمارس فيها السياسة بدون سياسة(..) ؟

تتمة المقال تحت الإعلان

لقد كان يفترض في أخنوش رئيس الحكومة، بدل الدفاع عن حصيلة حكومته أمام جامعته، أن يبحث عن السبل الكفيلة لمنع الشباب والقاصرين المغاربة من الجري وراء السراب، وتفادي التغطيات الإعلامية المسيئة للمغرب.. فمهما كان، فهذه الهجرة تسائل سياسة الحكومة، و”لا يوجد قط يهرب من دار العرس” كما يقول المغاربة، فوجود هذه الفئات الراغبة في الهجرة مرتبط بانسداد الأفق، وغياب التكافل الاجتماعي، وبداية انهيار القيم المجتمعية، والبحث عن بدائل للعيش الكريم ولو بأخطر الطرق، رغم أن النتائج في نهاية المطاف غير مضمونة.. وعلى أخنوش أن يعرف أكثر من غيره، أن تزايد نسبة العاجزين عن الاندماج في حياة المجتمع، هو دليل على فشل الحكومات على أرض الواقع، بل إن أخنوش واحد من رموز “الفشل الحكومي المزمن” باعتباره واحدا من أقدم الوزراء في المغرب، وعايش فشل عهدة تجارب حكومية من الداخل، وأكثر من ذلك، عايش عدة كوارث طبيعية، من الزلزال إلى الفيضانات ولا شيء تغير، باستثناء كلام أخنوش الذي يتغير حسب المصلحة والتوقيت(..).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى