ملف الأسبوع | هل يحتاج المغرب ومصر إلى تأسيس “نادي سفاري” جديد ؟
على هامش التقارب مع إثيوبيا
أعد الملف: سعد الحمري
شهدت العلاقات المغربية المصرية روابط قوية خلال مرحلة الرئيس المصري أنور السادات واستمرت على عهد الرئيس حسني مبارك، وظلت على حالها خلال مرحلة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، رغم وجود بعض الفلتات المصرية على عهد هذا الأخير، حيث لوحظ منذ صعوده لسدة الحكم في مصر العلاقة الملتبسة بجبهة البوليساريو، وذلك منذ أيامه الأولى في الرئاسة، وصولا إلى الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث دأبت جمهورية مصر العربية على مخالفة شبه الإجماع العربي الداعم للوحدة الترابية للمملكة، والرافض للجلوس على طاولة واحدة مع الجبهة الانفصالية في أي مناسبة، وأصبحت أرض الفراعنة لا تجد حرجا أو مشكلا حتى في الجلوس جنبا إلى جنب مع صعاليك تندوف والمشاركة مع الجبهة الانفصالية في تدريبات عسكرية كما حصل خلال السنة الماضية، بل وحتى قبول حضور ممثلين عنها لمراقبة الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة في مصر أواخر السنة الماضية، التي توجت الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر لولاية ثالثة.
وفي المقابل، لم يسبق للمغرب أن حاول تعكير صفو علاقاته مع مصر، حتى خلال مرحلة حكم الرئيس المصري جمال عبد الناصر، التي كانت خلالها العلاقات بين البلدين متشنجة أكثر، وعندما استقبل المغرب رئيس هيئة الأركان الإثيوبي، الذي بحث مع نظيره المغربي تطوير التعاون بين البلدين في المجالات الأمنية والعسكرية، حاول الإعلام غير الرسمي المصري الهجوم على المغرب، على اعتبار أن التقارب المغربي الإثيوبي يعتبر تقاربا على حساب المصالح القومية للقاهرة التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توترات كبيرة على خلفية أزمة سد النهضة، الذي أتمت السلطات الإثيوبية بناءه على النيل الأزرق، وسط خلافات عميقة حول القيود المتعلقة بتشغيله وتأثيره على الحصة المصرية من مياه النيل.
لا يريد هذا الملف الخوض في مدى تأثر العلاقات المغربية-المصرية بهذه التطورات بقدر ما يهدف إلى فتح صفحة من تاريخ العلاقات بين البلدين خلال مرحلة تاريخية حاسمة عندما تحالف البلدان في إطار تحالف استخباراتي سنة 1976 بهدف حماية إفريقيا من المد الشيوعي.
دوافع تأسيس “نادي السفاري”
عرفت العلاقات المغربية-المصرية تحولا هاما انطلاقا من يوم 17 أكتوبر 1970، عندما صعد إلى حكم مصر قائد جديد هو محمد أنور السادات، الذي غير من سياسته الخارجية بخصوص بعض دول الجوار ومن بينها المغرب، الذي شهدت العلاقات معه انتعاشا ملحوظا وتحولت إلى تحالف استراتيجي، بعدما كانت العلاقات بين البلدين في الحضيض خلال مرحلة جمال عبد الناصر، الذي كان معروفا بعدائه المطلق للأنظمة الملكية أينما وجدت، كما لا يذخر جهدا للإطاحة بها، وبالموازاة مع ذلك، شهدت الساحة الدولية عدة أحداث وتحولات قوية لعل أبرزها انتصار العرب في الحرب العربية-الإسرائيلية خلال شهر أكتوبر 1973، إلى جانب هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية في حرب فيتنام خلال نفس السنة، وإلى جانب ذلك، كانت أمريكا ساحة لفضيحة أخلاقية عرفت بأزمة “ووترغيت”، وهي أزمة ضربت أمريكا رمز العالم الحر آنذاك، بعدما اتضح أن الحزب الجمهوري الحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية كان يتجسس على الحزب الديمقراطي المعارض من أجل معرفة مخططاته وإبعاده عن السلطة وهزيمته في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إلا أن انكشاف فضيحة التجسس سنة 1974 عصفت بالحزب الجمهوري وعجلت باستقالة الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون.
وقد كان من نتائج هذه التطورات، وضع الكونغريس الأمريكي القيود ورقابة صارمة على المخابرات المركزية الأمريكية، والتي كان يرأسها آنذاك جورج بوش الأب، كما حاولت الإدارة الأمريكية أن تتدخل مباشرة لوقف المد الشيوعي في أنغولا عام 1975، إلا أن الكونغريس الأمريكي منعها من القيام بأي خطوة خارجية، وبالتالي أصبح المجال مفتوحا أكبر للمد السوفياتي للتوسع في إفريقيا، حيث وقعت عدة انقلابات صعدت على إثرها عدة أنظمة شيوعية إلى الحكم وأصبحت القارة السمراء يومها مهددة بسقوط كل الأنظمة وصعود أنظمة موالية للاتحاد السوفياتي، وهو ما خلق حالة من القلق، خصوصا في مصر والمغرب.
وأمام التراجع الأمريكي على الصعيد الدولي خلال تلك المرحلة، كان على عدة دول، التي أصبحت ترى نفسها مهددة، أن تتجمع في حركة أو هيئة موحدة من أجل حماية أمنها القومي، وعليه تم تأسيس “نادي السفاري” (Safari club) عام 1976، وذلك من أجل الوقوف في وجه المد الشيوعي في القارة الإفريقية، وهو عبارة عن تحالف أجهزة استخبارات، كان أعضاؤه الرسميون يتكونون من الدول الآتية: إيران ومصر والمملكة العربية السعودية، ثم المغرب إلى جانب الجمهورية الفرنسية، وقد ضم هذا التحالف الاستخبارات العامة السعودية والمخابرات العامة المصرية ثم منظمة الاستخبارات والأمن الوطنية الإيرانية، إضافة إلى مديرية مراقبة التراب الوطني المغربية، وأخيرا مصلحة المخابرات الخارجية الفرنسية.
وبخصوص تسمية التحالف بـ”نادي السفاري”، يقول الصحفي المصري البارز محمد حسنين هيكل في كتابه “مدافع آية الله” ما يلي: ((إنه بعد الاجتماع الأول الذي تم في المملكة العربية السعودية، ظهر إلى الوجود ما أطلق عليه “نادي السفاري”، وقد اختير هذا الاسم لأنه بدا للمشاركين في الاجتماع أن له نكهة خاصة تتلاءم مع روح إفريقيا وعالم المغامرات، ويعتقد أن التسمية هي فكرة ألكسندر دي مارنش، رئيس جهاز المخابرات الفرنسية)).
أهم أعمال “نادي السفاري”
فور تأسيسه، قام “نادي السفاري” بعدة أعمال مهمة في إفريقيا خلال مرحلة السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي، ومنها دعم الصومال في حرب “الأوجادين” (1977-1978) ضد إثيوبيا بعد أن انضمت كل من كوبا والاتحاد السوفياتي إلى جانب إثيوبيا، وقد نشب النزاع حين حاولت الصومال استعادة إقليم أوجادين ذي الأغلبية من العرق الصومالي من إثيوبيا.. يومها أعلنت مصر وإيران بشكل علني عن الوقوف إلى جانب الصومال وأمدتاها بالمال والعتاد والجنود، في حين لا يتم ذكر أي دور للمغرب والسعودية ولا لفرنسا في حرب “الأوجادين”.
وعلى عكس ذلك، قاد المغرب جبهة الدفاع عن دولة الزايير (الكونغو الديمقراطية حاليا)، خلال نفس مرحلة حرب “الأوجادين”، حيث دافع الملك الحسن الثاني علنا وبشراسة عن حكومة الجنرال موبوتو سيسي سيكو، عندما حاولت حركة مسلحة الإطاحة به في بداية سنة 1977، وكانت مدعومة من طرف أنغولا الشيوعية، وقد تدخل المغرب يومها وأرسل 1200 جندي إلى الكونغو الديمقراطية، إلى جانب مصر، التي أرسلت خبراء عسكريين، فيما ساهمت فرنسا بعمليات نقل عسكرية نفذتها القوات الفرنسية، وبذلك تم سحق التمرد.. يومها حل الرئيس الكونغولي بالمغرب وصرح بأن ((تدخل المغرب الفعال للمحافظة على وحدتنا الترابية يستحق تنويها خاصا، وإن الزايير تعرف اليوم أن المغرب يعتبر حليفا أكيدا، ويمكن أن يعتمد عليه في الأوقات الحرجة، كما أن تدخل المغرب في الزايير قد نسج بالدم روابط الصداقة التي تجمع بين الشعبين المغربي والزاييري، وبالنسبة لإفريقيا، فإن هذا التيار الجديد من التضامن يشكل نموذجا للتعاون الفعال داخل قارتنا من أجل أمن واستقرار دولنا، ولقد جسد المغرب بهذا تعلقه بالمبادئ التي كانت أساس إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية، كما أبرز إرادته في الدفاع بكل قوة عن استقلال وأصالة إفريقيا، وإن تاريخ إفريقيا لن يتردد في تسجيل هذا العمل الشجاع من جانب جلالتكم بحروف ذهبية)).
وفي خطاب العرش لسنة 1980، أكد الملك الحسن الثاني أن استهداف الكونغو الديمقراطية ما هو إلا خطة كبيرة أعدتها الدول الشيوعية هدفها أيضا استهداف الصحراء المغربية، حيث قال في خطابه: ((كنا نشعر ونحن نأمل أن تفيء الأحلام إلى الصواب، بأن المكابرة والعناد وليدا خطة مبيتة تستهدف اضطراب حبل الأمن في قارتنا، وزلزلة الأوضاع هنا وهناك تمهيدا لبسط النفوذ وممارسة الهيمنة، وتحقيق الاستيلاء والاغتصاب، وحدثت أحداث بعد ذلك أكدت صحة الشعور، ونفاذ الحدس، فوقع الانقضاض على الزايير مرتين، وتطاول العدوان إلى بيت الله الحرام، وسرى جيش هام فانتشر غازيا في رحاب أفغانستان، ثم اتجهت الخطة المبيتة تكشف شيئا فشيئا عن مقاصدها ومراميها، واتضح أن الهجوم المتكرر على أراضينا في الصحراء ما هو إلا جزء من مؤامرة ترمي من وراء الهجوم والاعتداء، إلى استبدال وضع بوضع)).
الوضع الحالي في إفريقيا والحاجة إلى “نادي سفاري” جديد
لا تتوفر معلومات دقيقة تشير إلى استمرار “نادي السفاري” من عدمه، حيث تشير بعض المواقع الإلكترونية إلى أنه تم حله سنة 1983، بعد اغتيال الرئيس المصري أنور السادات وإسقاط نظام الشاه في إيران، إلى جانب ضعف الاتحاد السوفياتي الذي انتهى به المطاف إلى التفكك.. لكن ألا يجب تأسيس “نادي سفاري” جديد يضم كلا من مصر والمغرب إلى جانب بعض الدول مثل تركيا والإمارات؟ حيث تشهد العلاقات بين هذه الدول انتعاشة حقيقية، خصوصا العلاقات المصرية التركية، بعد أن قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة رسمية هي الأولى له إلى تركيا الأسبوع الماضي، وهي الزيارة التي قال عنها المراقبون بأنها نجحت قبل أن تبدأ، في ظل عدة ملفات أصبحت توحد رؤية البلدين.. لعل أبرزها الملف الليبي، حيث يدعم البلدان الجنرال خليفة حفتر، في مقابل الجزائر التي تدعم عبد الحميد الدبيبة، وهو ما يجعل الفرصة سانحة لتوحيد الجهود مع بعض الدول مثل المغرب، حيث بدأت تركيا تلعب دورا كبيرا في إفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل، إضافة إلى ملفات أخرى…
رغم الزوبعة التي أثيرت من قبل الإعلام المصري غير الرسمي على خلفية اتفاقية التعاون العسكري المغربي-الإثيوبي.. إلا أن خبراء في العلاقات الدولية أكدوا أن التعاون العسكري بين البلدين هو تعاون ذو طبيعية براغماتية يهدف إلى تقوية مناعة البنية الأمنية الإفريقية ضد التهديدات التي يشهدها الفضاء القاري ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يكون على حساب علاقات الرباط والقاهرة، كما أن مصر لم تصدر أي بيان رسمي أو غير رسمي في الموضوع، حيث قام الرئيس السيسي بزيارة إلى تركيا دون إعطاء الموضوع كبير أهمية، ليظهر أن هناك تنسيقا مغربيا مصريا قبل هذه الخطوة.
أم أن البلدين مصر والمغرب يشهدان فعلا تنافسا قاريا ولا يمكنهما التنسيق في عدة ملفات إفريقية حيث تتضارب مصالحهم، ومن ذلك ما حصل سنة 2016، عندما تم رفع رسالة إلى الاتحاد الإفريقي تطالب بطرد جبهة البوليساريو من هياكل الاتحاد، غير أن الملاحظة التي سجلت، هي عدم وجود مصر ضمن لائحة الموقعين على الطلب، كما أنها تأخرت عن إعلان دعم العملية التي قام المغرب بتنفيذها في معبر “الكركرات” سنة 2020، ربما تكون التغيرات الواقعة حاليا ممهدة لتغيرات جديدة، لعل أبرزها ما حدث يوم الثلاثاء 10 شتنبر، عندما استقبل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، وزير الخارجية ناصر بوريطة بالقاهرة، والملاحظ أن هذا اللقاء جاء بالتزامن مع زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتركيا.. فهل تكون هذه التحركات ممهدة لدور مغربي مصري تركي يلوح في الأفق ؟