أرقام الانتخابات الجزائرية تكشف فقدان شرعية النظام
اعتقد النظام العسكري الجزائري أنه بتسويق لغة أرقام نتائج رئاسيات مبكرة أقيمت يوم 7 شتنبر 2024، وبإطلاقه رقما يقترب من 94 % على الهواء كنسبة نجاح الرئيس عبد المجيد تبون.. سيكون قد قدم إجابات قوية تكذب كل تقارير وتحاليل الخبراء والملاحظين الدوليين حول أجواء انتخابات مشكوك في موضوعيتها وصفتها بـ”الشكلية” فقط.
وهي بالمناسبة، نسبة تذكرنا بنتائج الأنظمة الشمولية، لكنها فقط الشجرة التي تخفي الغابة، إذ أن المنافس الحقيقي للنظام العسكري في هذه الرئاسيات كان هو الفوز على نسبة العزوف والرفع من نسبة المشاركة تفوق تلك التي كانت سنة 2019 (38 %)، يعني أن النظام الجزائري كان يبحث عن شرعية الشارع يضفيها على ابنه المدلل الذي كان شريكا في كل حكومات الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
ولأن لغة الأرقام ليست تعبيرا عن موقف قابل للنقاش.. فقد كان الأجدر بأبواق النظام العسكري أن ترتب الأرقام بطريقة تحترم العقول والمنطق، لأن نسبة النجاح 94 % من نسبة مشاركة 48 %، وأن تبون حصل على 5.32 ملايين صوت، بمعنى آخر، إنه لا أحد من تلك الأبواق تكلم عن 52 % نسبة العزوف، لكن هذه الأرقام لا تستقيم مع عدد الناخبين الجزائريين المسجلين، أي 24 مليون ناخب من ساكنة تفوق 45 مليون نسمة.
وبلغة الأرقام، فإن تبون لم يحصل على الشرعية الشعبية الموعودة، وأن النظام العسكري فشل في تدجين الشعب الجزائري، ورغم كل هذه الأصوات الصاخبة التي تحاول التمويه عن صوت الحقيقة، فإنه لحدود الساعة الخامسة زوالا (يوم الاقتراع/ السبت 7 شتنبر) وصلت نسبة المشاركة 26 % فقط، مما جعل النظام العسكري يمدد توقيت التصويت إلى الساعة الثامنة عوض السابعة مساء.. ويا له من درس ديمقراطي !؟
لقد حاول النظام العسكري تسويق وصف عبد المجيد تبون بأنه “المنقذ” من ثورة الشارع الجزائري، ومن تداعيات الحراك الذي وصفه تبون أولا بـ”الحراك المقدس”.. ليقوم بمساعدة العسكر بوأد ذات الحراك حيا.. بالقوة والحديد، في مرحلة ثانية.
كما كان واضحا أن النظام العسكري كان مشغولا بالأرقام أكثر من انشغاله بالبرنامج الانتخابي، وأن همه هو تحقيق نتائج تفوق نتائج رئاسيات 2019، ونتائج الاستفتاء الدستوري لسنة 2020، والانتخابات المحلية والتشريعية التي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 23 %.
ولتحقيق ذلك، كان لا بد من التضييق على المرشحين واشتراط الحصول على توقيعات 600 من المنتخبين و50 ألف توقيع للمواطنين، وهو ما جعل التنافس ينزلق من 16 مرشحا إلى 3 فقط، ولولا حاجة النظام للمرشحين الاثنين (إسلامي ويساري) كدليل على التنافس الانتخابي وتنوع المشارب السياسية.. لما سمح لهم العسكر.
وقبل ذلك فقد عمل العسكر على “التطهير السياسي والثقافي” للساحة بدء من تقوية موقع الرئيس والجيش بتعديل دستوري سنة 2020، وأيضا تعديلات في القانون الجنائي تجعل سهلا اتهام كل معارض بـ”الإرهاب”، والحد من حرية الإعلام بإصدار قانون جديد للصحافة وسجن 225 من سجناء الرأي وعلى رأسهم الحقوقي الإعلامي إحسان القاضي، مدير راديو M وموقع Maghreb Émergent، بالإضافة إلى حل رابطة حقوق الإنسان بالجزائر.
أوضاع اجتماعية كارثية حيث ارتفعت البطالة وسط الشباب إلى 40 %، وهروب نشطاء حقوقيين وسياسيين نحو أوروبا واستنزاف ثروات البلاد في تنشيط صراعات إقليمية، سواء على الحدود الليبية أو شمال مالي، حيث جرى تبادل إطلاق النار والصواريخ في مناطق الطوارق، وتمويل الانفصاليين بمخيمات تندوف الذين ردوا على التحية بأحسن منها وساهموا بأصواتهم في نفخ نسبة مرشح العسكر يوم السابع من شتنبر…
هذا في الوقت الذي يمكننا القول بانتصار الحراك الشعبي وأحزاب المعارضة التي نادت بمقاطعة رئاسيات العسكر الشكلية، التي ذبحت الديمقراطية وأجلت حلم الجزائريين بـ”جزائر جديدة” حيث التنمية وحقوق الإنسان والديمقراطية والاستقرار.