تحت الأضواء | تحويل الكتاب المدرسي إلى مدخل للانقلاب على القيم المغربية
خبراء تربويون يدقون ناقوس الخطر
الرباط – الأسبوع
كثر الجدل حول بعض المقررات الدراسية المعتمدة من قبل وزارة التربية الوطنية، بسبب ما تحمله من رموز أو إشارات مخالفة للقيم المغربية الأصيلة، أو ما ينص عليه الدستور من ضرورة احترام التوجه الديني للمغاربة وصيانة الأسر والناشئة من المظاهر المنافية للأخلاق وقيم المجتمع، وليست هذه المرة الأولى التي يثار فيها موضوع يمس بأخلاق المغاربة خلال الدخول المدرسي، إذ سبق أن عرفت السنوات الماضية انتقادات واتهامات للوزارة الوصية بغض الطرف عن بعض المقررات والكتب المستوردة من الخارج، والتي تضرب في الصميم قيم المغاربة وتقاليدهم.
فقد أثارت بعض الكتب المدرسية المخصصة للتعليم الأولي، الجدل بسبب حملها رموزا أو صورا لقوس قزح على صدر صفحاتها الأولى، الشيء الذي فسره البعض بإشارات خطيرة للترويج والتسويق لـ”المثلية”، التي تتنافى مع قيم المغاربة، حيث اعتبر النائب البرلماني مصطفى إبراهيمي، تداول هذا المقرر الدراسي سابقة خطيرة، خاصة وأنه مرخص من طرف وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي، واصفا الأمر بـ”الفعل الشنيع” المنافي لقيم المغاربة المستمدة من دين الإسلام الحنيف، وقد ينطوي على نية ومخطط مبيت لزعزعة النسيج الاجتماعي المغربي، من خلال التشجيع على الرذيلة، والتطبيع مع الفساد الأخلاقي، باستهداف فئة الأطفال في سن مبكرة ابتداء من سن الرابعة، وفق ما جاء في مداخلة له بمجلس النواب.
وليست المرة الأولى التي يثار فيها موضوع المقررات والكتب المدرسية التي تخالف القيم المغربية، حيث سبق لبعض المؤسسات الأجنبية الخاصة أن قامت بتسويق كتب دراسية تتضمن نصوصا تقدم تعريفا منحرفا لمفهوم الأسرة الطبيعية المكونة من الأب والأم، إلى “الأسرة المكونة من رجلين أو امرأتين”، في غياب المراقبة من قبل الوزارة الوصية على هذه المقررات التي تفرضها المدارس الأجنبية على الأسر بشكل يخالف الدستور والخطاب الملكي، الذي يؤكد على أن الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، حسب الدستور، لذا نحرص على توفير أسباب تماسكها، مضيفا أن المجتمع لن يكون صالحا إلا بصلاحها وتوازنها، وإذا تفككت الأسرة يفقد المجتمع البوصلة.
فهناك من يرى أن تلقين الأطفال في المؤسسات التعليمية يجب أن يخضع للمراقبة من قبل الوزارة والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والمؤسسات الموازية، قصد الحفاظ على الهوية والثقافة المغربية والدينية، تفاديا لأي غزو ثقافي أجنبي يتلاعب بأفكار الناشئة ويشكل خطرا على الفطرة السليمة ويحافظ على القيم الأخلاقية والدينية، بينما يعتبر آخرون أن تدريس الثقافة الغربية يمكن أن تكون وفق ضوابط وقواعد مغربية، من خلال التحسيس والتوعية فقط وإبراز خطورة بعض الظواهر المنحرفة مثل “المثلية” و”الثقافة الجنسية”، وحماية الناشئة من خلال الاعتماد على دور الأستاذ في القسم ومتابعة الأسرة في البيت.
في هذا السياق، يرى محمد حبيب، خبير في مجال الأسرة، أن هذه الأمور تثار في مجموعة من الدول وتختلف فيها الآراء والمواقف بناء على السياق الديني والثقافي والسياسي لكل بلد، وهذا الموضوع يتناول مجموعة من الجوانب المتعددة منها أولا كيفية التعامل مع “المثلية” في المناهج التعليمية وكيفية تقديم الموضوع للتلاميذ في مختلف مراحل الدراسة، وكيف يمكن للتلاميذ في بداية التمدرس التعرف على هذا التنوع الجنسي الموجود، من خلال التوجه الأمثل والتحسيس والتوعية وكيفية مكافحة التمييز داخل المجتمع، مضيفا أن لدينا توجيهات دينية واضحة وقوانين تشريعية يجب أن يعرفها التلاميذ حول تجريم الممارسة الجنسية من نفس الجنس، كذلك احترام العادات وتقاليد البلد، لكن هذا لا يمنع أن تكون لدينا داخل المقررات تربية جنسية خاصة بالأطفال والتلاميذ، لضبط الهوية والتوجه الجنسي كجزء من مناهج الدراسية، وأضاف: “أنا مع أن تكون تربية جنسية ولكن يجب أن تخضع لضوابط دينية وقانونية وتشريعية للبلد، ولا يمكن التسامح معها، وهو سيف ذو حدين، لأنه لا يمكن حذف هذه الثقافة، لأن التلاميذ سوف يعرفونها من وسائل أخرى، لأن المقررات الدراسية ليست وحدها من تتحكم في تكوين التلميذ، فهناك وسائل التواصل الاجتماعي ذات النطاق المفتوح، والتي تتيح له التعرف على الكثير من الأمور، لكن على الأقل داخل المقررات يكون التحسيس والتوعية بهذا المجال، وأيضا الحصانة الجنسية للأطفال من هذه السلوكات أو الاضطرابات أو الانحرافات الجنسية المعارضة للتوجه الديني وللعادات والتقاليد والتي تخالف القانون المغربي”.
بدوره، يؤكد الخبير التربوي محمد ولد دادة، أن استغلال الكتاب المدرسي المستورد موكول للأستاذ، الذي يحافظ على القيم ويمررها للتلاميذ كيفما كان نوع الكتاب المدرسي، حيث كانت الأطر تشتغل على الكتب المستوردة من فرنسا طيلة عقود، منها ما يلائم ثقافتنا ومنها ما يخالفها، لذا لا يمكن الآن مع العولمة منعها، فهي منتشرة على نطاق واسع، معتبرا أن المدرسة أصبحت متجاوزة أمام اكتساح وسائل التواصل الاجتماعي، التي تقرب التلميذ من أي شيء، لهذا فالأمر موكول للأستاذ وليس للكتاب، الذي يبقى أداة فقط للتدريس يمكن استغلاله كيفما يريد الأستاذ، وقال: “المشكل يكمن في الدولة التي لا تشجع الخبراء المغاربة من أجل إنتاج الكتب، لابد أن نطرح هذه المسألة، ثم إن الكتب التي تستورد من فرنسا ولا تأخذ بعين الاعتبار القيم المغربية، لا يجب محاربتها وإنما يجب وضع حد لاستيرادها عن طريق تشجيع الإنتاج المحلي للكتب المدرسية، وهذا يبرز غياب سياسة مغربية تروم تشجيع التأليف المحلي، رغم أنه لدينا خبراء قادرين على إنتاج كتب باللغة الفرنسية والإنجليزية تحترم القيم المغربية، إلا أنه لا توجد استراتيجية واضحة في هذا المجال على المدى القريب أو البعيد”، مشيرا إلى أن المشكل يكمن في عدم إرساء قواعد بيداغوجية مغربية محضة يوكل أمر توطيدها وصياغتها وإنتاج الكتب المطابقة لها للخبراء المغاربة، لازلنا نستورد وللأسف نشكو من عقدة الكتاب المدرسي المستورد من الخارج، فالتعليم – يضيف ولد دادة – يربي على التفتح وليس الانغلاق، ورغم أن ثقافة وقيم الآخر تتعارض مع ثقافتنا، لا بد من الإشارة إليها، ولا بد للتلميذ أن يطلع على كل ما يجري من حوله في العالم وعلى ثقافة الآخرين، مع انتقاد هذه القيم عوض إخفائها ومحاربتها.
وقد دعا النائب البرلماني مصطفى إبراهيمي في رسالته إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة حول المقرر المدرسي المثير للجدل “متعتي في بداية التعليم”، إلى فتح تحقيق وترتيب الجزاءات المناسبة في حق كل من ثبت في حقه القيام بهذا العمل الشنيع، وتوضيح الإجراءات القانونية والمسطرية والتنظيمية التي ستتخذها الوزارة، لقطع الطريق على كل محاولة لتكرار ذلك، احتراما للدستور الذي يعتبر الدين الإسلامي أحد الثوابت الجامعة للأمة المغربية، مشيرا إلى أن تداول هذا المقرر الدراسي يعد هدما لكل القيم النبيلة، وتكتيكا مفضوحا لبرمجة لأطفال وأجيال المستقبل على التفسخ والانحلال والفساد، وأنه ليس عملا منفردا ومعزولا، بل سبق لبرامج محو الأمية أن تضمنت عبارات لها إيحاءات ومعاني لنفس الأهداف، تم سحبها بعد ذلك.