بين السطور | الدخول السياسي وسط الركود القياسي
في شهر شتنبر من كل سنة، يكون المغاربة على موعد مع الدخول السياسي، حيث تطرح عدة قضايا وملفات كبرى، إذ يكون مناسبة جيدة للتغيير، كما هو شهر الجد والمعقول عند الدول التي تحترم نفسها(…)، والتي وصل صداها للمغاربة هذا الصيف وهم مستلقون على ظهورهم في الشواطئ يتفرجون من خلال هواتفهم كيف حصدت الدول الميداليات الأولمبية بـ”الجملة” تماما كما كانت ترد عليهم نفس الأخبار قبل عشرين أو ثلاثين سنة عبر البارابولات المنتشرة على أسطح “البراريك” القصديرية.
تاريخيا.. الدخول السياسي هو تجسيد لقاعدة متأصلة الجذور في أرضية الممارسة الديمقراطية، إذ من المفترض أن تكون عند كل دخول حركة، ما دامت في كل حركة بركة، لذلك فإن المرادف الحقيقي للدخول هو التحرك إلى الأمام، وضده الخروج(…)، وكل حياة لا دخول فيها ولا خروج فهي حياة ضد الطبيعة، وكل ما هو ضد الطبيعة فهو وخيم العواقب ومشوه النتائج، حتى الصلاة لا تجوز للمتوضئ بالماء الراكد، إذ يشترط في الماء أن يكون جاريا متحركا، لأن الجراثيم والأمراض والأوبئة تتوالد في البيئة الراكدة مثلما يتوالد الفساد والانحلال والتفكيك في كل وسط سياسي راكد..
كم من مرة سمعنا بأصداء حول تعديل حكومي قد يطل برأسه على المشهد السياسي المغربي منذ تعيين حكومة أخنوش عام 2021، دون أن نرى أي تغيير في الجلد منذ ذلك الوقت، رغم أن بعض المصادر تؤكد هذه المرة أن التعديل الحكومي محسوم وموعده مباشرة بعد الدخول البرلماني المقبل.
إننا في المغرب، ونحن جزء لا يتجزأ من الكون الكبير، خصوصا بعد أن أصبحنا مع تقنيات الاتصالات نعرف ما يجري ويدور(…) بدقة متناهية، وزاد الفاهم من فهمه حول كيف يتم استغلال كل ركود(…)، وكيف يتم تسليط المتسلط على البيت المهجور(…) لينتهك حرمته ويستولي على محتوياته ليدعي فيما بعد ملكيته، والقانون في بعض الحالات يعطيه الحق في ذلك إذا طال زمن الإغلاق ولم يكن هناك لا دخول ولا خروج، لكن ينسى هذا المتسلط كيفما كان نوعه(…)، أنه لما يعود إلى البيت بعد أن طال الغياب، يجده فائحا بنجاسة صدرت عن جثة قط ميت(…)، أطلقت روائح كريهة دمرت حتى حياة الجيران، وأصبح البيت الراكد مسكنا للفئران التي تتوالد فيه.. فقط للعِبْرَة بأن الإطالة في الركود مدعاة للانهيار المحقق.
لا شك أن الدخول السياسي سيبقى، رغم كل شيء، يفرض نفسه عندنا بحتمية بديهية، ليس فقط لأن بعض “ميكروبات المستنقع” أصبحت حيتانا كبرى(…)، مثقلة بشحم الصدأ وقيح الفساد، وإنما أيضا لأن شهر شتنبر يبقى قبل كل شيء شهر الدخول بشكل عام، حتى الزفاف يسميه المغاربة “الدخول”، لأنه خروج من مرحلة ودخول إلى مرحلة أخرى، نفس الدخول الذي يعطي للمجتمع أجيالا جديدة، التي نتمنى لها بالمناسبة، هي على الأقل(…)، ميلادا حركيا صحيحا، لا راكدا معكرا..