ملف الأسبوع | هل تستعمل الجزائر اتحاد المغرب العربي ضد فرنسا والصحراء ؟
قامت الجارة الشرقية خلال نهاية الشهر الماضي بخطوة غير مفهومة، وجعلت من الصعب قراءة دلالتها، وهي عندما استقبل وزير خارجيتها الأمين العام الجديد لاتحاد المغرب العربي بالعاصمة الغانية أكرا على هامش انعقاد أشغال الدورة 45 للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي، وأكد دعم الجزائر له ومد يدها من أجل إنجاح هذا التكتل القاري، وهو ما طرح أكثر من علامة استفهام حول مغزى هذه الخطوة، ومآل التنسيق الثلاثي الذي قادته الجارة الشرقية خلال الأشهر الأخيرة، يحاول هذا الملف قراءة هذه الخطوة على ضوء تجارب سابقة.
أعد الملف: سعد الحمري
ضربات دبلوماسية مغربية ورد جزائري بمحاولة بعث الاتحاد المغاربي
كانت نهاية الشهر الماضي التي صادفت ذكرى مرور ربع قرن على جلوس الملك محمد السادس على عرش أسلافه بالمملكة المغربية الشريفة، حافلة بمستجدات مهمة جددت بالملموس سير المغرب في الطريق الصحيح لغلق ملف الصحراء المغربية بصفة نهائية.. فخلال انعقاد أشغال الدورة الـ 45 للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي بالعاصمة الغانية أكرا، اتخذ الاتحاد الإفريقي قرارا استثنائيا ينسف مشاركة جبهة البوليساريو الانفصالية في المحافل الدولية الكبرى التي تجمع المنظمة القارية بكبريات الدول في العالم، مثل الصين وأمريكا وروسيا واليابان، وغيرها من اللقاءات والمحادثات ذات الصبغة الدولية، وهو القرار الذي تمت قراءته على أنه يأتي بعد عقود من نشاط البوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي، ويعكس تحولا مهما في السياسة الإفريقية تجاه التنظيم المدعوم من طرف النظام الجزائري، الذي تؤكد التطورات الأخيرة لقضية الصحراء المغربية استمرار تفككه وانتهاء صلاحية أطروحاته البائدة.
وما إن كاد المحللون والمراقبون يأخذون وقتهم في مناقشة هذا القرار وحيثياته وتداعياته ونتائجه، حتى حصل مستجد آخر، وهو إصدار وزارة الخارجية الجزائرية، بشكل منفرد ودون سابق إنذار ولا مقدمات، وفي خطوة غير مسبوقة في الأعراف الدبلوماسية الدولية، نبأ الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، والدعم الصريح واللامشروط لخطة الحكم الذاتي، وهو ما طرح أكثر من علامة استفهام حول المغزى من تورط الخارجية الجزائرية في إعلان قرار سيادي يخص فرنسا قبل استصداره رسميا من طرف هذه الأخيرة، كما طرح بيان وزارة الخارجية الجزائرية سؤالا حول لماذا حصلت ردة الفعل الجزائرية قبل قيادة البوليساريو ؟
كما يمكن ملاحظة أن بيان الخارجية الجزائرية غابت عنه لغة التهديد والوعيد كما حصل مع إسبانيا، وإلى جانب ذلك لم تعلن الجزائر عن أي إجراءات كالتي اتخذتها في حق إسبانيا السنة الفارطة، عندما أعلنت الخارجية الجزائرية عن سحب سفيرها من مدريد وإلغاء معاهدة حسن الجوار الموقعة بين البلدين، ثم تجميد العلاقات الدبلوماسية بينهما، ثم حصلت المفاجأة عندما اختفى البيان بصفة نهائية من موقع وزارة الخارجية الجزائرية، دون أي تعليق، كما اكتفت الخارجية الفرنسية بالصمت وعدم التعليق على القرار الجزائري.
وبين هذه التطورات التي اعتبرت انتصارا دبلوماسيا جديدا ومحسوبا للمغرب على حساب غريمته الجزائر، ظهرت بعض نقط الضوء التي أبقت الأمل في وجود خط للرجعة وإمكانية المصالحة بين البلدين، ويتعلق الأمر بحدثين: الأول هو تعزية الرئيس الجزائري للملك محمد السادس في وفاة والدته نهاية يونيو الماضي، حيث حملت الرسالة عبارات وصفت من طرف وسائل الإعلام بأنها تحمل الكثير من التقدير والاحترام للملكية المغربية.
أما الحدث الثاني، فهو إجراء وزير الشؤون الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، يوم 21 يوليوز 2024 بالعاصمة الغانية أكرا، لقاء ثنائيا مع الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، طارق بن سالم، في نفس يوم تصويت الاتحاد الإفريقي على قرار نسف مشاركة جبهة البوليساريو الانفصالية في المحافل الدولية الكبرى التي تجمع المنظمة القارية بكبريات الدول في العالم، وخلال اللقاء جدد المسؤول الجزائري تهانيه لطارق بن سالم على إثر تعيينه أمينا عاما لاتحاد المغرب العربي، منوها في ذات السياق بالخيار الصائب للجمهورية التونسية التي اقترحت لهذا المنصب دبلوماسيا محنكا يشهد له تمسكه والتزامه تجاه القضايا التي تعني المنطقة المغاربية، كما أكد له عطاف أن الجزائر ستمد له يد العون في أداء مهامه خدمة لتطلعات ومصالح الشعوب المغاربية، مع العلم أن اللقاء جاء بعد استقبال الأمين العام لاتحاد المغرب العربي من طرف ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي، الذي أكد بالمناسبة على أهمية تعزيز عمل اتحاد المغرب العربي من أجل تحقيق تطلعات شعوب المنطقة لمزيد من التقدم والازدهار.
وبهذا الاستقبال تكون الجزائر قد أسدلت الستار عن قطيعة دبلوماسية مع الأمانة العامة للاتحاد المغاربي، بعدما عاشت أزمة سياسية مع الأمين العام السابق للاتحاد المغاربي، الطيب البكوش، بعد إقدام هذا الأخير على تعيين المغربية أمينة سلمان ممثلة دائمة للاتحاد المغاربي بالاتحاد الإفريقي، وإثر هذا التعيين، هاجمت الجزائر كلا من الرباط والمفوضية الإفريقية – في بيان صحافي رسمي – لكن دون يحدث هذا التحرك الجزائري أي تأثير في الاتحاد الإفريقي أو الاتحاد المغاربي، حيث ظلت المسؤولة الجديدة في منصبها.
يبدو أن الخطوة الجزائرية فتحت الباب أمام بعث اتحاد المغرب العربي من جديد، وحكمت على التنسيق الثلاثي، الذي كانت قد بدأت فيه منذ مدة والذي ضم كلا من تونس وليبيا، بالفشل، ويبدو ذلك واضحا من خلال الخطوة الموازية التي أقدمت عليها تونس.. فقد أرسلت رسالة واضحة بعد استقبال وزير الخارجية الجزائري للأمين العام لاتحاد المغربي العربي بأيام، حيث أجرى نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، حوارا مع إحدى الصحف التونسية تفاعلا مع الجدل الدائر بشأن مصير الاتحاد المغاربي، وقال: ((إن هذه اللقاءات الثلاثية هي اجتماعات ذات طابع تشاوري هدفها الارتقاء بالعلاقات وتفعيل التعاون المشترك وفق خطط عمل جديدة وذات بعد يعزز التنمية والشراكة الاستراتيجية))، وسجل وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج في حكومة أحمد الحشاني، أن ((هذه الآلية التشاورية لا تشكل بديلا عن اتحاد المغرب العربي، الذي يظل خيارا استراتيجيا ومكسبا حضاريا تعمل تونس وبقية الدول الأعضاء الشقيقة على تجسيده وتجاوز الصعوبات التي تعيق سير تفعيل أدائه)).
هل حاولت الجزائر التملص من وساطة فرنسية بينها وبين المغرب ؟
لكن لماذا تقدم الجزائر على هذه الخطوة المتمثلة في الدفع من أجل إحياء مشروع المغرب العربي الآن وفي هذه الظرفية التي تلقت فيها ضربتين دبلوماسيتين من المغرب؟ فبربط هذه التطورات مع ما كانت تشير إليه بعض وسائل الإعلام سابقا، يمكن أن تتضح الصورة.. فمنذ شهر مارس الماضي ذكرت وسائل إعلام عدة أن فرنسا ستعلن دعمها الصريح لمغربية الصحراء إسوة بالولايات المتحدة الأمريكية، مقابل تقديم الضمانات اللازمة للحكومة الجزائرية بمنع نشاط حركة “الماك” فوق الأراضي الفرنسية، ومنع إعلان قيام جمهورية القبايل فوق التراب الفرنسي، وهو ما اتضح فعلا، حيث تم إعلان قيام جمهورية القبايل من طرف فرحات مهني فوق الأراضي الأمريكية خلال شهر أبريل المنصرم، وإلى جانب ذلك، تمت الإشارة إلى أن فرنسا ستسعى إلى الوساطة بين المغرب والجزائر من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
وإذا كان ما ذكرت وسائل الإعلام صحيحا، فالصورة التالية بدأت تتضح، وهو أن الجزائر من خلال محاولة بعث اتحاد المغرب العربي تسعى إلى الهروب إلى الأمام والتملص من الدخول مع المغرب في حوارات مباشرة وجادة بوساطة فرنسية محتملة، لأن المغرب سيطرح أول ملف على طاولة النقاش وهو قضية الصحراء المغربية، الملف الذي تنفي الجزائر مسؤوليتها فيه، في مقابل أن أي نقاش داخل فضاء اتحاد المغرب العربي سيعفي الجزائر من طرح هذه الملف، لأن هذا التكتل يعتبر أن قضية الصحراء ملفا في يد الأمم المتحدة.
وبالعودة إلى التاريخ، نقف على عدة محطات تجنبت فيها الجزائر الدخول مع المغرب في حوارات ثنائية، وفضلت أن تتم المشاورات في إطار اتحاد المغرب العربي، على اعتبار أن هذا الفضاء لا تتم فيه مناقشة قضية الصحراء المغربية لأنها في يد الأمم المتحدة، ومن هذه المحطات ما حدث خلال سنة 2018 بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء المظفرة، عندما أعلن الملك محمد السادس من خلال خطابه، عن دعوته للجزائر إلى إعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ العام 1994، واقترح الملك إنشاء آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، وأكد انفتاح بلاده على المقترحات والمبادرات التي تتقدم بها الجزائر بهدف تجاوز الجمود في العلاقات بينهما، وأضاف الملك أن الآلية التي يقترحها على الجزائر تتناول قضايا الاستثمار وتعزيز التشاور الثنائي تجاه التحديات الإقليمية والدولية، وأهمها مكافحة الإرهاب وإشكالية الهجرة، بما يضمن إرساء علاقات ثنائية متينة، وقال: ((إن مهمة هذه الآلية تتمثل في الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات))، واعتبر أن ((هذه الآلية يمكن أن تشكل إطارا عمليا للتعاون بخصوص مختلف القضايا الثنائية، وخاصة في ما يتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنموية التي تزخر بها المنطقة المغاربية، كما ستساهم في تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية، لاسيما في ما يخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة)).
ووصف الملك محمد السادس وضع العلاقات بين البلدين بأنه “غير طبيعي وغير مقبول”، وقال: ((إن هذا الواقع لا يتماشى مع الطموح الذي كان يحفز جيل التحرير والاستقلال إلى تحقيق الوحدة المغاربية))، وأكد أن ((المغرب مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة، من أجل تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية، التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين، وأن مصالح الشعبين الجزائري والمغربي هي في الوحدة والتكامل والاندماج دون الحاجة لطرف ثالث للتدخل أو الوساطة)).
انتظر المغرب مدة ما يقارب الأسبوعين ولم يتوصل بأي رد جزائري، ثم جاءت محطة عيد استقلال المغرب يوم 18 نونبر، وبعث الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى الملك محمد السادس برسالة التهنئة المعتادة بعيد الاستقلال من دون أن يرد على مقترح إجراء “حوار مباشر وصريح” بين البلدين، واكتفى الرئيس الجزائري في رسالة التهنئة بالتأكيد على ((العزم الراسخ على توطيد وشائج الأخوة وعلاقات التضامن التي تربط شعبينا الشقيقين بما يمكننا من إرساء علاقات ثنائية أساسها الاحترام المتبادل))، وهي عبارات معتادة في رسائل التهنئة التي يوجهها الرئيس الجزائري للملك المغربي في المناسبات الوطنية والدينية.
ويوم 22 نونبر من نفس السنة، وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر من النظام الجزائري التفاعل مع مبادرة الملك محمد السادس الداعية إلى إنشاء آلية مشتركة للحوار المباشر والصريح مع هذا البلد الجار، وجهت الجزائر دعوة مفاجئة إلى اتحاد المغرب العربي من أجل تنظيم قمة مغاربية في أقرب الآجال على مستوى وزراء الخارجية، وقالت الخارجية الجزائرية، في بيان لها: ((إن هذه المبادرة تندرج ضمن القناعة الراسخة للجزائر التي أعربت في عديد المرات عن ضرورة الدفع بمسار الصرح المغاربي وبعث مؤسساته، كما أنها تأتي امتدادا لتوصيات القمة الاستثنائية الأخيرة للاتحاد الإفريقي بإثيوبيا حول الإصلاح المؤسساتي ودور المجموعات الاقتصادية الإقليمية في مسار اندماج الدول الإفريقية)).
وربطت الصحافة الجزائرية بين هذه الدعوة الجديدة وبين مبادرة الملك محمد السادس، التي دعا فيها الجزائر إلى إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، على أن تقدم الجارة مقترحات ومبادرات.. يومها رأى ملاحظون أنه لا توجد أي علاقة بين الدعوة رفيعة المستوى التي وجهها العاهل المغربي ومقترح الخارجية الجزائرية، لأنهما موضوعان مختلفان ومنفصلان، خصوصا وأن المقترح المغربي يهم العلاقة الثنائية مع الجزائر التي يوجد فيها مشكل، بينما الدعوة إلى عقد اجتماع وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي يهم جميع الدول المنضوية تحت لواء هذا التنظيم، وسبق لمجلس وزراء خارجية اتحاد المغربي العربي أن عقد منذ سنتين في تونس، إلا أن العلاقات بين المغرب والجزائر ظلت جامدة وغير متحركة، بل عقدت أكثر من 30 دورة لنفس المجلس ولم ينعكس ذلك على الحدود المغلقة والتعاون الاقتصادي والتجاري والسياسي بين البلدين.
وبعد أربعة أيام من الرد الجزائري، أي يوم 26 نونبر، طالبت الخارجية المغربية السلطات الجزائرية بالرد الرسمي على دعوة مغربية إلى “خلق آلية حوار بين البلدين”، وذكر بيان الخارجية المغربية أن ((الرباط تشعر بالأسف لبقاء دعوتها الجزائر لتجاوز الخلافات دون رد))، وأردف البيان أن ((وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة تحادث بهذا الشأن مع السفير الجزائري لدى المملكة، وذلك بعد عدة مبادرات، رسمية وغير رسمية، تم القيام بها، دون جدوى، على مدى عشرة أيام، قصد ربط الاتصال مع السلطات الجزائرية على مستوى وزاري))، وأضاف أن ((المملكة المغربية تظل متمسكة باستئناف البناء المغاربي على أسس سليمة وصلبة، وتجدد طلبها للسلطات الجزائرية لتعلن رسميا عن ردها على المبادرة الملكية لإحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور))، وقالت الرباط أنها ((أخذت علما برسالة الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي، بتاريخ 23 نونبر، التي تتضمن إخبارا بالطلبين التونسي والجزائري، الداعيين إلى عقد اجتماع لمجلس وزراء الشؤون الخارجية لاتحاد المغرب العربي، وإن المغرب ليس لديه أي اعتراض من حيث المبدأ بخصوص عقد اجتماع لمجلس وزراء الشؤون الخارجية لاتحاد المغرب العربي، لكن الطلب الجزائري لا علاقة له بالمبادرة الملكية، ذلك أن هذه الأخيرة هي ثنائية صرفة، بينما تندرج الخطوة الجزائرية في إطار استئناف البناء الإقليمي))، بحسب البيان المغربي، وبذلك نسفت الجزائر المبادرة الملكية بخطة المطالبة بعقد اجتماع لاتحاد المغرب العربي.. فهل هذا ما تسعى إليه اليوم من خلال هذه الخطوة المفاجئة ؟