ربورتاج | بهيجة سيمو ترجع إلى زمن دلائل الخيرات والخرجات السلطانية ورسوخ التصوف ومحبة آل البيت
"دار المعرفة".. عنوان لرؤية ملكية على قمة الجبل
الرباط – الأسبوع
يقول الأجداد “ليس الخبر كالمعاينة”(..)، ففي عمق الأطلس المتوسط وتحت خرير مصاب الشلالات، كان الضيوف القادمون من كل حدب وصوب، وفيهم مسؤولون كبار، ينتظرون إشارة الإعلان عن تدشين معلمة ثقافية كبرى، تحت اسم “دار المعرفة”، من طرف رئيسة مؤسسة “صوت الجبل”، الأستاذة الباحثة بهيجة سيمو، وبحضور عدة مسؤولين منهم وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف الميراوي، وعامل إقليم أزيلال محمد عطفاوي، ورئيس جهة بني ملال خنيفرة عادل البركات.
بهيجة سيمو التي تعد من أقطاب الصفوف الأولى في الدفاع عن الوطن، والملمة بتفاصيل التاريخ والقضايا الوطنية الكبرى، قالت إن تدشين “دار المعرفة” والانخراط في دمقرطة المعرفة يعد ((استجابة للرغبة الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي يعتبر الثقافة الدعامة الأساسية في تحديد الهوية الوطنية، وأساسا من أهم أسس التنمية المستدامة، حيث لم يأل جلالته جهدا للدعوة إلى خلق فضاءات مشتركة يسود فيها الحوار والتبادل واحترام الآخر والإخاء والتعايش والتسامح))، قبل أن تضيف بكلمات دالة: ((في زمن بتنا نعيش فيه أحداثا مؤلمة تهز المجتمع الدولي بأسره من حين لآخر، زمن أصبحنا فيه تحت تهديد حقيقي للتراث العالمي والذاكرة الإنسانية، وجعلها عرضة للتدمير والتخريب.. أمام هذه الأحداث، لن يجد المرء عزاءه ومواساته سوى بالعودة إلى الماضي، وربط الوصل مع أصوله وتاريخه، ومعتقداته وثقافته، لإبراز أوجه الاختلاف التي تمكن من التعريف على الذات ورسم صورتها، واحترام الآخر.. إن وجود المتاحف والمكتبات ببلد، يعد مؤشرا على مدى تقدم وحضارة الشعوب والأمم، باعتبار المتحف فضاء ملموسا يجعلنا من خلال زيارة معروضاته نستشعر العمق التاريخي للشعوب وامتدادها واستمراريتها الحضارية وتنوع روافدها الثقافية”.
المعلمة المذكورة جاءت ضمن منظومة ثقافية تتكون من مكتبة ومتحف ومهرجان سينمائي، حسب ما أكدته بهيجة سيمو، التي تعرف أيضا بعملها الجاد والرصين كمديرة لمديرية الوثائق الملكية بالرباط، كما حكت للحاضرين قصة هذه المنشأة، وجاء على لسانها: ((لقد وفقني الله شخصيا باقتناء بيوت قديمة لتوفير العقار الذي أنجز عليه المتحف والمكتبة، وكنا بذلك قد ساهمنا في توفير السكن اللائق للساكنة، وإهداء الأرض التي بني عليها المتحف والمكتبة من جهة أخرى، كما توفقنا كمؤسسة “صوت الجبل” في تحضير تصاميم البناية وتجميع التحف واقتنائها وكتابة التصورات، لنصل إلى مرحلة السينوغرافيا والكتابة الضوئية، حيث أحضرنا من باريس السينوغرافي الشهير جون جيليان سيمونو، وهو من أبرز مصممي المتاحف بمتحف اللوفر، كما أحضرنا بعض المتخصصين العالميين في فن الإنارة السيد Philipe Collet، وهو أحد القامات التي تعمل الآن في المدينة الذكية “نيوم” بالمشرق، ناهيك عن الشركة التي اهتمت بصناعة آليات العرض TLS والشركة المهتمة بتثبيت التحف)).
تضم “دار المعرفة” مكتبة ومتحفا إثنوغرافيا، يهدف إلى:
- إبراز المكونات الجيولوجية للمنطقة؛
- المحافظة على التراث المادي واللامادي القروي؛
- التعريف بالمنطقة وإبراز أدوارها الطلائعية من حيث ارتباطها بنُظم الدولة من جهة، ومشاركتها في القضايا الوطنية الكبرى من جهة أخرى؛
- حفظ الموروث التراثي لهذه المنطقة ونقله للأجيال الصاعدة.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، يقوم المتحف على محاور أساسية حسب وثائق مؤسسة “صوت الجبل”:
– أولها: المكونات الجيولوجية للمنطقة ونمط العيش بها، حيث يبرز من خلال هذا المحور التاريخ الجيولوجي للمنطقة وإفرازات التفاعلات الجيولوجية وما ترتب عنها من مواقع أثرية، كمغارة “إيمي نفري” و”كويستا أيت عتاب”، التي تعتبر وثيقة جيولوجية، والكتدرائية وشلالات أوزود، ناهيك عن أثر الديناصورات، كما يبرز هذا المحور نمط العيش بهذه المنطقة، كالزراعة والطقوس المرتبطة بها وكيفية عصر الزيتون وتخزين المحصول الزراعي والنسيج والبناء بالطابية.
– ثانيا: يعالج المعرض الحياة اليومية بهذه المنطقة، حيث يستحضر اللباس الرسمي والغير رسمي، النسائي والرجالي، وكيفية حفظه في صناديق أعدت لذلك، كما يقف عند حلي المرأة بجميع أشكالها، ويفك رموز الوشم كأداة لتزيينها، ويستعرض بعض أدوات التزيين كالمرآة والمشط وحفاظات الكحل، ومن جهة أخرى، يعالج هذا الفضاء تعامل المرأة مع الماء والعلاقة القائمة بين هذين المكونين المرتبطين بالحياة: المرأة كمنبع للحياة والماء كشرط للحياة، تيمنا بقوله تعالى: ((وجعلنا من الماء كل شيء حي))، حيث لا تكتفي المرأة بجلب الماء من منابعه الطبيعية، بل تسهر على تنظيف الملابس والاستحمام، كما يقف هذا المحور عند المرأة والنار، وكيف تساهم في تدفئة الأسرة بجلبها للحطب وطهي الطعام وتحضير الخبز، ويبين أدوات الطبخ ودقة وظائفها.
– ثالثا: يبرز هذا المعرض نظم الدولة القائمة على إمارة المؤمنين والمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني الجنيدي، ويؤكد ارتباط ساكنة هذه المنطقة بهذه النظم مبينا ارتباطهم الوطيد بمفهوم البيعة ورسوخ التصوف في المنطقة الجبلية ومحبة آل البيت حيث يعرض وثائق لنصوص البيعات السلطانية وكتب كـ”دلائل الخيرات” و”ذخيرة المحتاج” للشيخ المعطي بن الصالح، وصور أهم الزوايا التي رسخت سلوك المحبة في قنن الجبال، مثل زاوية تانغملت وزاوية أحنصال والزاوية البصيرية والزاوية الصومعية والزاوية الشرقاوية.
المعرض يبرز أيضا أدوار هذا الإقليم في الحربين العالميتين ترسيخا لما لعبه المغرب بشكل عام في حرب التحرير دفاعا عن الديمقراطية واستهجانا للنازية، وذلك استجابة للنداءين الشريفين، نداء السلطان مولاي يوسف ونداء السلطان سيدي محمد بن يوسف، مع تخليد بعض الأسماء البارزة من المحاربين المنحدرين من منطقة أزيلال، كما أبرز المتحف دور المنطقة في المقاومة وفي الحركة الوطنية ومشاركتها في ثورة الملك والشعب، حيث ذكر المعرض بالأدوار التي لعبتها هذه المنطقة في مقاومة الاستعمار وبمشاركتها في ثورة الملك والشعب، وفي المسيرة الخضراء المظفرة.
ووقف المعرض عند أساليب الفرجة، كالتبوريدة وما توحي به من رموز وتجليات تاريخية ترتبط بتكتيكية حربية موروثة، وهي “الكر والفر”، مبينا أن لعبة البارود استعراض لصناعة تقليدية عريقة تمثلت في سبك معدات الفرس، من دير وقبرس وسروج وألجمة وأركاب.
وسلط المعرض الضوء على أحيدوس ورموزها من حيث الإيقاع ومناجاة الطبيعة والتلاحم، وبين كيف يجمع الفولكلور بالمنطقة الجبلية بين الجانبين الروحي والفرجوي من خلال فرقة “بوغانيم”.
كما بين المعرض كيفية الاستقبال، من أفراك وسواني وأطباق نحاسية، ثم تطرق لبعض الأفراح، كالزواج والولادة والألعاب والتكوين في المدارس القرآنية وختم القرآن الكريم.
وختم المعرض بأسماء أعلام بارزة فاعلة في التاريخ، وأخرى لازالت في خدمة الوطن وفية للشعار الخالد: الله الوطن الملك.