الجزائر.. قليل من التاريخ وكثير من العجرفة
الاستعمار الأجنبي الغربي عندما حط رحاله بالفضاء المغاربي، كانت الجزائر أولى محطاته سنة 1830، حيث حل محل الاحتلال التركي، وكانت كذلك آخر دولة تحصل على استقلالها سنة 1962، في حين دخلت فرنسا إلى تونس سنة 1881 وإلى المغرب سنة 1912 وغادرتهما معا في سنة 1956، أما موريتانيا، فاحتلها فرنسا من 1902 إلى 1960، لتبقى ليبيا تشكل الاستثناء، إذ عرفت استعمارا من نوع آخر.. فمن سنة 1911 إلى 1949 – أربعون سنة كاملة – وإيطاليا تستنزف خيرات بلد عمر المختار، عشرون سنة منها تحت حكم بينيتو موسوليني.
فمع طول فترة استعمار الجزائر (130 سنة)، وتأخر استقلالها، جعل المقاومة المسلحة الجزائرية أو ثورة التحرير الجزائرية من سنة 1954 إلى 1962، تعرف ضراوة وحماسا والتفافا للشعب الجزائري الذي لم يعد يستسيغ أن كل البلدان المغاربية طردت الاحتلال الأجنبي باستثناء الجزائر، وهكذا استفادت المقاومة الجزائرية من دعم لوجستيكي من طرف المغرب وتونس، وأيضا تغطية سياسية في المحافل الدولية، وكذلك من دعم شعوب المغرب الكبير الذين وضعوا خبرتهم في المقاومة رهن إشارة المقاومة المسلحة الجزائرية.
هذا الأمر جعل النخبة الجزائرية بمجرد حصولها على الاستقلال، تبلور خطابا سياسويا يقدس الثورة الجزائرية وشهدائها، وتنظر بدونية إلى حركات التحرر الأخرى ونوعية استقلالها، بكل من المغرب وتونس أساسا.
أما إذا أضفنا إلى ذلك أن الرئيس أحمد بنبلة كان يستمد قوته من جمال عبد الناصر ورمزيته في العالم العربي والعالم الثالث مع ما للجزائر من إمكانيات غازية ونفطية، وكذلك من مساحة كأكبر جغرافية بالمنطقة متجاوزة حتى ليبيا ومستفيدة من التوسع الفرنسي في المنطقة لفائدة الجزائر ما دام يعتبرها إقليما فرنسيا، وتم الاقتطاع كثيرا من التراب المغربي وقليلا من التونسي، مع الإشارة أيضا إلى أن فرنسا تركت بإقليمها بنية تحتية لا بأس بها مادام أنها لم تكن تعتقد أنها ستغادر الجزائر يوما ما بخلاف المستعمرات الأخرى، التي كانت فرنسا تدري أن أيامها معدودة بها ولو طالت..
ولعل كل هذه العوامل تفسر بوضوح عجرفة Arrogance القيادة العسكرية الجزائرية منذ ذلك الحين إلى الآن، خاصة وأن أحمد بنبلة اختار منذ اللحظة التحالف مع العسكر على حساب القيادة السياسية والمتمثلة في الحكومة الجزائرية المؤقتة وجبهة التحرير الوطني، حيث عمد إلى تعيين رئيس أركان الجيش، الهواري بومدين، نائبا له.. هذا الهواري نفسه سينقلب على رئيسه يوم 19 يونيو 1965.
عن هذه المرحلة، يقول الكاتب والصحفي التونسي المتميز، مؤسس مجلة “جون أفريك”، المرحوم بشير بن يحمد، الذي عايش هذه المرحلة ويعرف شخصيا رجالها ومنعرجاتها في مذكراته “J’assume”: “إن الرئيس أحمد بنبلة كان يتمتع بشعبية كبيرة في الجزائر، كما أنه على المستوى الخارجي كان يحظى بتقدير دولي، أما على المستوى العربي، فكان يعد رجل الزعيم العربي جمال عبد الناصر بالجزائر، كما كان صلاح بن يوسف، الأمين العام للحزب الدستوري الجديد، رجل عبد الناصر بتونس، وبالتالي، لم يكن يخطر ببال أحد أن تتم الإطاحة بالرئيس بنبلة بهذه السرعة، خاصة وأن الجزائر كانت عشية احتضان مؤتمر دولي ذي أهمية قصوى في ذلك الحين، وهو المؤتمر الأفرو-آسيوي، الذي يجمع عددا من الدول المستقلة حديثا بآسيا وإفريقيا، والتي ترفض الدخول تحت جبة الاتحاد السوفياتي آنذاك، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، في هذه الفترة كذلك أصبحت العجرفة في الجزائر سياسة عمومية، ومنصب ريادة المغرب الكبير وشمال إفريقيا لم يعد حلما، بل واقعا مستحقا في خيالهم”..
لكن، أتعلمون لماذا تمت تنحية الرئيس أحمد بنبلة في هذه اللحظة بالذات وعزله عن العالم لمدة 15 سنة في السجن؟ يقول بشير بن يحمد: “فقط لأن الرئيس صاحب الامتداد الشعبي الوطني والسمعة العربية والإفريقية والدولية، قد فكر في تغيير وزير خارجيته آنذاك عبد العزيز بوتفليقة، رفيق الهواري بومدين وظله، مما اعتبره العسكر الجزائري تجاوزا للخطوط الحمراء المرسومة لرئيس الجمهورية”.
هذه العجرفة أو كما يقول المغاربة “النخوة على الخوا”، ستنتقل من السلوك العام إلى القيم الخاصة، حيث يحكي الصحفي المؤرخ البشير بن يحمد دائما في مذكراته، أنه “في سنة 1974، تم تنظيم احتفالات كبرى بالجزائر تخليدا للذكرى 20 لانطلاق الثورة الجزائرية، فحضر عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات إلى قاعة كبرى لمتابعة فيلم: chronique des années de braise (وقائع سنوات الجمر) حول المقاومة في عرضه الأول لصاحبه محمد لخضر حمينة، حيث تأخرت القيادة الجزائرية لأكثر من ساعة على ضيوفها من مستوى رؤساء الدول، وبدون أي اعتذار أو تأسف، جلس الهواري بومدين وبجانبه عبد العزيز بوتفليقة، فوضعا رجلا على رجل وهما يدخنان السيجار الكوبي الكبير الحجم في مكان مغلق فيه أكثر من 1000 مدعو لا يدخن منهم أحد، ليبقى عدد من كبار الضيوف مذهولين لهذا السلوك الأرعن والمتعجرف.
Vous parlez d’un régime Harki qui n’a rien dans son ventre vraiment et sincèrement on n’a pas besoin d’informations de cet asile psychiatrique