بين محاولات إعادة بناء الثقة وتحفظ باريس من قضية الصحراء المغربية
الرباط – الأسبوع
بدأت مؤشرات وتحركات تفيد برغبة الإليزيه في تذويب الجمود الدبلوماسي مع الرباط، عقب الزيارة التي قام بها وزير الخارجية ستيفان سيجورني، والتي تحدث خلالها عن دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية خلال الندوة التي جمعته بوزير الخارجية ناصر بوريطة، وهو موقف صدر منذ سنة 2007، مما طرح العديد من التساؤلات والفرضيات حول احتمال تغير الموقف الدبلوماسي الفرنسي تجاه المغرب من الدعم إلى الاعتراف بالسيادة الوطنية، بعد المناورات العدائية التي قامت بها فرنسا في العام الماضي.
ورحب المغرب بزيارة سيجورني، لكي يفتح باب التواصل الدبلوماسي بين البلدين من جديد لاستعادة العلاقات المغربية-الفرنسية التي لها جذور تاريخية قوامها الوضوح والاحترام المتبادل واحترام السيادة والوحدة الترابية للمملكة، وعلاقات متينة تراعي مصالح الدولتين على جميع المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ومن أبرز المؤشرات الإيجابية التي صدرت عن قصر الإليزيه، مراسيم الضيافة التي قامت بها عقيلة الرئيس الفرنسي بريجيت ماكرون، ودعوتها للأميرات للا مريم وللا أسماء وللا حسناء لمأدبة غذاء، وهي المناسبة التي حضرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاستقبال الأميرات، حيث قالت الرئاسة الفرنسية في بيان لها: “بهذه المناسبة، جاء الرئيس إيمانويل ماكرون لتحيتهن”، مشيرة إلى أن هذه المأدبة تندرج في إطار استمرارية علاقات الصداقة التاريخية القائمة بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية.
واعتبرت وسائل الإعلام الفرنسية أن استقبال أميرات المغرب من طرف زوجة الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه، إشارة جديدة إلى عودة الدفء للعلاقات الثنائية بعد فترة طويلة من الجمود، لاسيما بعدما استقبل ماكرون سفيرة المملكة بباريس سميرة سيطايل، التي قدمت أوراق اعتمادها رسميا، مما يعد منعطفا إيجابيا في العلاقات بين باريس والرباط، بعد فتور في العلاقات دام لثلاث سنوات.
ولم تأت التحركات الفرنسية بالصدفة أو بسبب تغيير في الحكومة الفرنسية، بل جاءت بهدف المصالح بعدما أطلق الملك محمد السادس مبادرات جديدة تتعلق بالمشروع الأطلسي الإفريقي مع بلدان غرب القارة، والانفتاح على دول الساحل والصحراء، وفقدان فرنسا للعديد من مصالحها وشركائها في المنطقة، الأمر الذي أكده بوريطة عندما كشف أنه تطرق مع الوزير الفرنسي إلى التنسيق المشترك في إفريقيا ومنطقة الساحل، باعتبار البلدين شريكين لهما مصالح مشتركة، وأن زيارة سيجورني تأتي في إطار هذه الرغبة الفرنسية.
الملاحظ أن فرنسا فشلت في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية بعد محاولاتها التقارب مع الجزائر المعزولة دوليا وقاريا على حساب المغرب، الذي بات يلعب دورا محوريا على الصعيد الإفريقي والدولي، وهذا ما أوضحه بوريطة للوزير الفرنسي كون “الرباط أصبحت قطبا أساسيا في المنطقة، وفاعلا أساسيا في المنتظم الدولي، وبفضل إصلاحات الملك محمد السادس فهي تقدم مصالح كبيرة لشركائها، وهي الآن مطلوبة من العديد من القوى”، مؤكدا استعداد المغرب لتطوير العلاقات بناء على التحولات الحاصلة، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، وتأخذ في نفس الوقت بعين الاعتبار تلك التوازنات التي يتبعها المغرب على أسس من الشراكات المتنوعة مع مختلف القوى من شرقها إلى غربها.
لهذا نهج المغرب سياسة جديدة في بناء علاقاته مع الخارج، كما قال الملك في خطابه بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب: ((إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات))، حيث أن المغرب لم يعد بإمكانه أن يقبل من يريد أن يكون له شريكا اللعب على أكثر من حبل أو ابتزازه من خلال مساومته بطرف آخر، الأمر الذي جعل إسبانيا تغير سياستها الخارجية 380 درجة بعدما تأكدت أن مصالحها ومستقبلها الإقليمي والاقتصادي والأمني مرتبط بشكل كبير مع المغرب، وأن سياستها السابقة لن تفيد في شيء، خاصة بعدما نالت المملكة اعترافا رسميا من بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، بمغربية الصحراء.