قانون | قراءة في مساطر “العفو” على ضوء التشريع المغربي
على إثر صدور قرار من محكمة النقض يقضي برفض الطلب، وكان الأمر يتعلق بطلب نقض قرار صدر عن الغرفة الجنحية لدى محكمة استئنافية يقضي في الدعوى العمومية بعقوبة زجرية سالبة للحرية، وأصبح الحكم انتهائيا وحاز قوة الشيء المقضي به، وواجب التطبيق والتنفيذ، ثار نقاش بعد استطلاع بعض الآراء حول إمكانية طلب العفو وسلوك مسطرة طلبه، فكانت نتيجة الاستطلاع آراء وشروح مختلفة ربما لعدم اطلاعها على القانون المنظم لطلب العفو، وكيف يقدم الطلب، وما هي مرفقات حججه ليكون الطلب مقبولا شكلا وموضوعا ؟
أول ما يمكن ذكره، أن العفو والصفح والمغفرة والتوبة، مما حثت عليه الشريعة الإسلامية في الكتاب الكريم والسنة، وأن العفو عند المقدرة من شيم الرجال، ومن ثاب وأصلح فأجره على الله.
وإذا رجعنا إلى كتاب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وضعه محمد فؤاد عبد الباقي/ دار الفكر العربي ابتداء من الصفحة 466، نجد عددا من آيات القرآن الكريم تذكر العفو، أما بالنسبة للسنة الشريفة، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدر عفوه الشريف على الأسرى المعتقلين، وقال لهم: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)).
وعدد من المراجع أشارت إلى الأخلاق السامية المثالية في الإسلام، وجاء فيها، العفو: ((وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)). الصفح: ((وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم)). الغفران: ((ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور)).
ولما كان الإسلام في المغرب دين الدولة الرسمي، فإنه حرص كل الحرص على أن يتقيد بأحكام الشريعة الإسلامية في قوانينه الوضعية، لذلك ينص على العفو كمؤسسة قانونية لها مكانة اجتماعية مرموقة، فنصت عليه في جميع الدساتير ومنها دستور 2011، إذ جاء في الفصل 58: ((يمارس الملك حق العفو))، والعفو الملكي جاء في الدستور غير مقيد بزمن معين أو مناسبة معينة، فهو خاضع لتقدير الظروف من طرف الملك ولسداد رأيه وبعد نظره، وما يتوفر لديه من معطيات تكون في صالح البلاد والعباد وبما يرضي الله ورسوله، ويعود ذلك العفو بالمنفعة على الوضع الاجتماعي وضمان وحدته واستقراره، أما بالنسبة للقانون الوضعي، فقد صدر ظهير شريف رقم 1.57.387 بشأن العفو، ودخلت عليه ثلاث تعديلات، وأصبح النص النهائي يحتوي على 14 فصلا، وقانون العفو صدر مباشرة بعد الاستقلال ونشر في الجريدة الرسمية عدد 2365 بتاريخ 2 شعبان 1377 موافق لـ 21 فبراير 1958/الصفحة 422.
إن الفصل الأول كان ينص على أن العفو الذي يرجع النظر فيه للملك، يمكن إصداره، سواء قبل تحريك الدعوى العمومية أو خلال ممارستها على إثر حكم بعقوبة أصبح نهائيا، لكن هذا الفصل دخل عليه تعديل وحل محله الفصل 58 من الدستور الذي جاءت صيغته كما يلي: ((يمارس الملك حق العفو))، والفصل الثاني تم إلغاؤه أيضا وتم تعويضه بموجب الفصل الأول من ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.77226، ومن التعديلات أن عبارة “محكمة النقض” حلت محل “المجلس الأعلى”، أما الفصل الثاني، فقد لحقه تعديل جوهري، وأشار هامش الشرح، أنه يجب مقارنة ذلك الفصل مع الفقرة الأخيرة من المادة 688 من قانون المسطرة الجنائية، وجاءت الصيغة كما يلي: ((يعادل الإسقاط الكلي أو الجزئي للعقوبة بطريق العفو، تنفيذ هذه العقوبة كليا أو جزئيا))، وهذه الفقرة وردت في باب رد الاعتبار، الأحكام العامة، ورد الاعتبار القانوني.
والفصل الثالث تم إلغاؤه أيضا بموجب الفصل الأول من ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.77.226، كما أن الشرح أشار إلى مقارنة مع الفقرتين 2 و3 من المادة 623 من قانون المسطرة الجنائية، وورد فيهما ما يلي: ((إذا وجب قضاء عدة عقوبات بالتتابع، تعين ضمهما واستخلاص مدة الاعتقال المفروضة من مجموعها؛ إذا كان تخفيض العقوبة ناتجا عن عفو، فيجري الحساب باعتبار العقوبة المخفضة؛ تؤخذ بعين الاعتبار مدة العقوبة التي تم قضاؤها مسبقا عند استبدال عقوبة بأخرى حتى ولو كان تاريخ بدء سريان العقوبة الجديدة هو تاريخ صدور الظهير الشريف المتعلق بالعفو))، والفصل الرابع والفصل الخامس تم إلغاؤهما بموجب الفصل الأول من ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.77226، ودخل تعديل طفيف على الفصل السادس، إذ كان المقصود من التعديل توضيح عبارة “في حالة الإجبار بالسجن”، إذ يقصد بها “الإكراه البدني”.
لقد كان الفصل السابع واضحا وينص على أن العفو لا يلحق بأي حال من الأحوال ضررا بحقوق الغير، أي أن ما حكم به من تعويض عن الضرر للمطالب بالحق المدني، يجب تنفيذه ولا يشمله العفو، ويتم التنفيذ بجميع الوسائل القانونية بما فيها التنفيذ الجبري والإكراه البدني عند الامتناع عن التنفيذ، كما ينص على ذلك الباب المتعلق بتنفيذ الأحكام المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية.
أما الفصل الثامن، فقد ورد فيه أن طلب العفو يمكن أن يكون صادرا عن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وكان هذا الفصل واضحا في أن العفو قد يشمل الفرد وقد يشمل الجماعة، وأن العفو الجماعي يصدر بمناسبة عيد الفطر وعيد الأضحى والمولد النبوي وعيد العرش، وأضيف لتلك المناسبات ذكرى 11 يناير وذكرى ثورة الملك والشعب وذكرى عيد الشباب، والفصل التاسع متعلق بـ”لجنة العفو”، يناط بها دراسة المطالب الملتمس فيها العفو من قضاء العقوبات، وكذا الاقتراحات التي تقدم تلقائيا لهذه الغاية، وكانت هذه اللجنة مشكلة ومركبة من مسؤولين كانوا حينما صدر قانون العفو سنة 1958، يحملون صفات إدارية، وبعد التعديل، أصبحت تلك اللجنة تتركب من: وزير العدل أو مفوضه بصفته رئيس، المدير العام للديوان الملكي، الرئيس الأول لمحكمة النقض، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، مدير الشؤون الجنائية والعفو، المندوب العام لإدارة السجون، السلطة الحكومية المكلفة بالدفاع الوطني.
والفصل الحادي عشر لم يلحقه أي تعديل وبقي على صيغته القديمة وهي أن لجنة العفو تجتمع في التواريخ التي يحددها وزير العدل وبمناسبة عيد الفطر وعيد الأضحى والمولد النبوي وعيد العرش.
والفصل الثاني عشر لحقته تعديلات جوهرية، وإحالات على قانون المسطرة الجنائية، والتوصية المتعلقة بالنظر للصلاحيات المنوطة إلى قاضي تنفيذ العقوبات ولجنة المراقبة المشار إليها في قانون المسطرة الجنائية، ومن الإحالات، الإحالة على الفقرة 7 من المادة 596 من قانون المسطرة الجنائية،
والفقرة 2 من المادة 621 من قانون المسطرة الجنائية، والفقرة 2 من المادة 606 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بتنفيذ عقوبة الإعدام، والمادة 606 من القانون الجنائي، تشير إلى محضر ورد في المادة 605، ثم جاء في المادة 606 ما يلي: ((لا يمكن أن ينشر عن طريق الصحافة أي بيان أو مستند يتعلق بالتنفيذ ما عدا المحضر المذكور في المادة 605 وإلا تعرض المخالف لغرامة تتراوح بين 10000 و60000 درهم، ويمنع تحت طائلة العقوبة أن ينشر أو يذاع بأي وسيلة من الوسائل ـ قبل التنفيذ أو قبل تبليغ ظهير العفو لعلم المحكوم عليه ـ أي خبر أو أي رأي أبدته لجنة العفو، أو الأمر الصادر عن جلالة الملك، ويقوم وزير العدل بتنفيذ ما أمر به جلالة الملك))، والفصل الأخير ينص على إلغاء جميع المقتضيات المخالفة لهذا القانون، وبالأخص الظهير الشريف رقم 1.56.0981 الصادر في 7 رمضان 1375 موافق أبريل 1956 بإحداث لجنة لمراجعة الأحكام الجنائية والعفو، والظهير الشريف المتعلق بالعفو قبل تعديله حرر بالرباط في 16 رجب 1377 موافق 6 فبراير 1956، وسجل في رئاسة الوزارة بتاريخه وكان يحمل إمضاء البكاي. هذا القانون بما يحمله من نصوص وتعديلات، كان محل استطلاع الآراء، وأغلب الآراء والأجوبة كانت سطحية، مما يتعين معه وجوب استطلاع آراء المختصين، وأساتذة الجامعات، وشراح القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية والنصوص القانونية المرتبطة بها.
بعد هذا العرض، ننتقل إلى موضوع طلب العفو والحجج التي يجب أن ترفق بالطلب، ولمن يقدم ذلك الطلب. قلنا سابقا أن العفو يكون إما فرديا، يتعلق بفرد محكوم عليه ويطلب العفو ليتجنب الاعتقال، وقد يكون جماعيا، يهم مجموعة من المعتقلين، وغالبا ما يصدر في المناسبات التي ورد ذكرها في قانون العفو.
نشرت بعض مواقع التواصل الاجتماعي، دراسة حول الإجراءات الإدارية والوثائق المطلوبة لطلب العفو في المغرب، ويؤاخذ على هذه الدارسة أنها اعتمدت على نصوص قانون العفو الواردة في القانون الأصلي الصادر سنة 1958، ولم تلتفت للتعديلات الهامة التي دخلت على ذلك القانون، ومهدت لدراستها.
جميع الدول تعتمد نظام العفو، وتعتبره شأنا دستوريا يمنح لحاكم البلاد، والعفو نظام قديم يوجد في أغلب التشريعات المقارنة مع وجود اختلاف في المساطر المتبعة والإجراءات المطلوبة من دولة لأخرى، غير أن ما ذكرته في الفقرة المتعلقة ببيان المقصود بالعفو، هو تعريف قديم طرأ عليه تعديل واقتصر مثلا في المغرب على أن “للملك ممارسة حق العفو” دون الإشارة إلى المرحلة التي وصلت إليها الدعوى العمومية، كما أنها لم تلتفت إلى التعديل الذي طرأ على ما سمته بتركيبة أعضاء لجنة العفو، لكن أوضحت الوثائق المطلوبة في العفو من العقوبة الحبسية وهي: طلب العفو؛ نسخة من الحكم الابتدائي؛ نسخة من القرار الاستئنافي؛ نسخة من قرار محكمة النقض أو شهادة بعدم الطعن بالنقض؛ نسخة من بطاقة التعريف الوطنية؛ ووثائق اختيارية يبقى لصاحب الطلب أنه يرى ضرورة تقديمها لتعزيز طلبه، أما بالنسبة للوثائق الواجب الإدلاء بها في العفو من الغرامة فهي: طلب العفو؛ نسخة من الحكم الابتدائي؛ نسخة من القرار الاستئنافي؛ نسخة من قرار محكمة النقض أو شهادة بعدم الطعن بالنقض؛
شهادة بعدم أداء الضريبة؛ ثم الوثائق الاختيارية.
ولتبسيط مسطرة طلب العفو، فتح المشرع الباب في وجه طالب العفو، والمعتقل شخصيا أو بواسطة دفاعه أو عائلته، أو باقتراح من مندوبية السجون، أو باقتراح من النيابة العامة، وإذ كانت طلبات العفو تقدم للجنة الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، فإن هذه اللجنة كما جاء في تلك الدراسة، تضع معايير داخلية لتقديم اقتراحاتها، تراعي بالإضافة إلى الحالة الاجتماعية والصحية للمحكوم عليه، مدى انخراطه في برامج التأهيل للاندماج في المجتمع إذا كان معتقلا، ونوع الجريمة ومدى خطورتها على النظام العام الاجتماعي والاقتصادي إضافة للمعطيات الخاصة المستمدة من الملف الجنائي للمرشح طالب العفو، وتقع على عاتق تلك اللجنة مسؤولية تحديد لوائح من لهم الأحقية في الاستفادة من العفو الملكي، ومن اختصاص اللجنة زيارة السجون والبحث في سوابق السجناء وتصرفاتهم حتى تستنج على إثرها مجموعة من الخلاصات والاعتبارات على أساسها تقدم لائحة العفو إلى الملك في الأعياد والمناسبات، ونأمل أن يجد كل مهتم بموضوع العفو ومسطرة طلبه وفيما ذكر ونشرته بعض مواقع التواصل الاجتماعي، ما يشفي الغليل وينير السبيل للوصول إلى عفو يعود به من ضل الطريق إلى الطريق المستقيم.