قانون | أهمية الإثبات في المرحلة القضائية من النزاع الضريبي
تكمن غاية الإثبات في المادة الضريبية بالنسبة للإدارة، في إعطائها صلاحيات وإمكانية إثبات توفر شروط إعمال النص الجبائي، خاصة ما يتعلق بإثبات الواقعة المنشئة للضريبة، أو إثبات المادة الضريبية بصفة عامة، والإجراءات المرتبطة بفرضها أو تصحيحها، وأيضا إثبات المخالفة للنظام الجبائي، وذلك بهدف تطبيق النصوص القانونية الضريبية وخلق نوع من المساواة في تحمل الأعباء العامة، أما بالنسبة للملزم، فالهدف من الإثبات هو تمكينه من إثبات دخله أو رقم أعماله الحقيقي، أو عدم توفر الواقعة المنشئة للضريبة، أو تحقيق دخل أو ربح أقل، أو استفادته من ربح ضريبي.
يخضع الإثبات في الدعوى الضريبية إلى القواعد العامة، فحسب المادة 399 من قانون الالتزامات والعقود، فإن عبء الإثبات يقع على مدعيه، وهو ما يصعب تطبيقه في المادة الجبائية، بسبب عدم تكافؤ الإدارة مع الملزم، خصوصا وأن القانون الضريبي جد معقد وتقني، والواقع أن أغلب الدعاوى الجبائية يرفعها الفرد في مواجهة الإدارة الضريبية.. فما هي أهمية الإثبات في المرحلة القضائية من النزاع الضريبي؟
أولا: وسائل الإثبات في النزاع الضريبي
يمكن إجمال وسائل الإثبات في:
- التصريح بالضريبة؛
- الإثبات بواسطة الوثائق المحاسبية؛
- الحجة الكتابية؛
- الإقرار والاعتراف؛
- القرائن.
1) فيما يتعلق بالتصريح بالضريبة: فالتصريح أو الإقرار هو مبادرة إجبارية وضرورية من قبل الملزم في العملية الضريبية، تستهدف الإخبار بواقعة معينة لها أثار جبائية، وعليه، فالمكلف بالضريبة ملزم بالبيانات والمعلومات التي يتضمنها تصريحه طبقا للفصول: 148 المتعلق بالتصريح بالتأسيس، والفصل 149 المتعلق بتحويل المقر الاجتماعي، والفصل 150 المتعلق بتوقف المنشأة عن مزاولة نشاطها، والفصول 152، 153 و154، المتعلقة بالإقرار بالحصيلة الخاضعة للضريبة من المدونة العامة للضرائب، كما أن التصريح يفترض فيه أنه صادق إذا قدم مستوفيا للبيانات القانونية وداخل الأجل القانوني، وبالتالي على الإدارة إثبات العكس.
2) فيما يخص الوثائق المحاسبية: تعتبر الوثائق المحاسبية أيضا من الإثبات الجاهز إذا كانت ممسوكة بانتظام، أي وفق القانون المحاسبي، وهكذا ورد في قانون الضريبة على الشركات بأن الإدارة الضريبية لا يمكن أن تشك في محاسبة المقاولة الممسوكة بانتظام، والتي لا تشوبها إخلالات جسيمة إذا أثبتت نقصان الأرقام المصرح بها، بمعنى أن المحاسبة الممسوكة من طرف الملزم بصورة منتظمة وفقا للقانون المحاسبي، تعتبر وسيلة إثبات لفائدة الملزم، وإذا قامت الإدارة برفضها، يقع عليها عبء إثبات عدم صحتها أو قيمتها الثبوتية.
3) فيما يخص الحجة الكتابية: ونقصد بها الإثبات بالمحاضر والشواهد الإدارية، فالمحاضر المحررة بمناسبة المخالفات المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب، تعتبر وسيلة إثبات متى استجمعت الشروط القانونية، وهي أن تكون مكتوبة، محررة من طرف مفتش على الأقل، متضمنة للواقعة محل المعاينة، وأن يكون مؤرخا من طرف المحرر، أما الشواهد الإدارية، فالمحكمة الإدارية بالبيضاء اعتبرت الشواهد المسلمة من طرف السلطة المحلية مرجحة على باقي الوثائق الأخرى، وخاصة محضر التحري المنجز من طرف المفتشين.
4) فيما يتعلق بالإقرار: ونقصد به الإقرار القضائي والقبول الضمني، فالإقرار القضائي نصت عليه المادة 406 من قانون الالتزامات والعقود، والذي بموجبه تقرر بعض الأحكام أن عدم جواب الإدارة على مقال أو مذكرة الملزم، هو إقرار من قبل الإدارة بما ورد فيها، في حين أن القبول الضمني المتمثل في عدم جواب أحد الطرفين على ملاحظات الطرف الآخر داخل الأجل الذي يحدده المشرع، يعد قبولا ضمنيا بهذه الملاحظات، وأكثر الحالات إثارة في هذا الصدد تتعلق بعدم جواب الملزم على جميع ملاحظات الإدارة في إطار المسطرة التواجهية.
5) وفيما يخص القرائن: فهناك عدة أنواع من القرائن في المادة الضريبية:
♦ القرينة القانونية القاطعة: هي التي تعفي من تقررت لمصلحته من كل إثبات، ولا يقبل أي إثبات يخالفها، وتمتاز بكون المشرع جعل حجيتها قاطعة في الإثبات ومنع عنها قبول أي دليل لنقضها، ومن أمثلتها ما استخلصه المشرع بنص قانوني فيما يخص آجال تقادم الدين الضريبي، ومن أن تركه في هذه المدة يعتبر قرينة قانونية قاطعة على انقضاء الدين إذا تم الإنكار، فالمشرع هنا استخلص أن مرور مدة التقادم هذه قرينة على انقضاء الدين.
♦ القرينة القانونية البسيطة: تعفي الإدارة من عبء الإثبات، لكن في إمكان الملزم أن يثبت العكس مثل: أن التقييد في السجل التجاري وفي قوائم الضريبة المهنية، قرينة على بداية مزاولة النشاط المهني، وبالتالي بداية الخضوع للضريبة.
♦ القرينة القضائية: وهي القرينة التي يستمدها القاضي من واقع الحال أو من واقعة معلومة ليصل إلى واقعة غير معروفة، وقد أقر الاجتهاد القضائي بعض القرائن مثل:
- دخول الملزم في حوار مع إدارة الضرائب ومباشرته لإجراءات لاحقة قرينة على علمه اليقيني بالإجراءات السابقة؛
- قرينة وجود إخفاء الأسس الضريبية ناجم عن التصرف غير العادي في التسيير مثل: التخلي عن قروض أو عن فوائد؛ منح قرض بدون فائدة؛ وجود مصاريف مبالغ فيها؛ منح تعويضات تفوق قيمة العمل المنجز.
- وفي هذه الحالات من حق الملزم إثبات عكس القرينة، سواء على مستوى المبدأ أو المبلغ.
ثانيا: مسؤولية الإثبات في النزاع الضريبي
علميا، إذا ما طبقنا الفصل 399 من قانون الالتزامات والعقود، فإن الإثبات على مدعيه، وهو ما لا يتماشى مع طبيعة النزاع الضريبي، حيث أن طرفي الدعوى، الملزم والإدارة، تقع عليهم مسؤولية الإثبات في حالة الضرائب التي يتم تحديد أسسها عن طريقة تشاورية بين الملزم والإدارة، أما بالنسبة للضرائب التي تفرض بصفة انفرادية، باستثناء التي لها طابع جزائي، فالإدارة الجبائية هي التي تتحمل عبء الإثبات، ويثار بصدد الإثبات مبدأ حرية الإثبات بجميع الوسائل، وهو ما يعتبر قائما، ولكن ليس بصفة مطلقة، حيث يستثنى اليمين وشهادة الشهود، ويعتد فقط بالوسائل المحاسبية والوسائل غير المحاسبية، ولعل أهمية الإثبات عن طريق المحاسبة هو ما يفسر إلزام المشرع بضرورة الاحتفاظ بالوثائق المحاسبية مدة عشر سنوات.
أمام هذا التعميم في القانون المغربي، نجد القضاء الفرنسي قد حدد عند الإثبات:
بالنسبة للملزم:
♦ حالة التقدير الجزافي للضريبة يتحمل الملزم عبء إثبات غلو التقدير؛
♦ حالات تحديد الأساس الضريبي على إثر مسطرة التصحيح؛
♦ حالات خروقات تشوب المحاسب.
بالنسبة للإدارة:
♦ حالة الخروقات المسطرية التي ارتكبتها أثناء الإجراءات أمام اللجن الضريبية؛
♦ إثبات سوء نية الملزم والأعمال الاحتيالية؛
♦ وقوع التبليغ الصحيح؛
♦ إثبات عدم انتظام محاسبة الملزم.
فيما نص المشرع المصري في المادة 129 من قانون الضريبة على الدخل من أن عبء الإثبات يقع على عاتق الإدارة الضريبية في الحالات التالية:
- تصحيح الإقرار أو تعديله أو عدم الاعتداد به إذا كان مقدما طبقا للشروط والأوضاع المنصوص عليها في المادتين 73 و74 من هذا القانون، ومستندا إلى دفاتر منتظمة من حيث الشكل وفقا لمعايير المحاسبة المصرية أو مبادئ محاسبية مبسطة منبثقة منها، وبمراعاة القوانين والقواعد المقررة في هذا الشأن؛
- تعديل الربط وفقا للمادة 91 من هذا القانون؛
- عدم الاعتداد بالإقرار إذا كان معتمدا من أحد المحاسبين ومستندا إلى دفاتر وفقا لأحكام المادة 78 من هذا القانون.
- كما أن المادة 130 من نفس القانون نصت على أنه يقع عبء الإثبات على الممول في الحالات التالية:
- قيام المصلحة بإجراء ربط تقديري للضريبة وفقا للمادة 90 من هذا القانون؛
- قيام الممول بتصحيح خطأ في إقراره الضريبي؛
- اعتراض الممول على محتوى محضر محرر بمعرفة مأمور المصلحة ممن لهم صفة الضبطية القضائية.
في الأخير، تبقى الوثائق المحاسبية أهم وسائل الإثبات، وإن كان للأطراف حرية الإثبات مادامت وسائل الإثبات كتابية، وقد عمل القضاء المغربي على قبول الإثبات بواسطة القرائن، وبواسطة الاعتراف، وعموما، تبقى حرية الإثبات هي الأصل في ظل القواعد العامة، وفي ظل عدم التخصيص في القانون الضريبي على وسيلة معينة للإثبات، وكما هو الشأن في المغرب، فإن الوثائق المحاسبية تبقى هي أهم وسائل الإثبات، أما الوسائل الخارجة عن المحاسبة، فلا يتم اعتمادها إلا استثناء، وهو ما ذهب إليه قرار صادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 1973.12.19، وحكم صادر عنه بتاريخ 2012.12.28.