تحت الأضواء | تفاقم أزمة المغاربة المفقودين بليبيا في غياب الحكومة
الرباط. الأسبوع
لازالت العديد من الأسر المغربية تطرق أبواب الحكومة والقضاء، ومصالح وزارة الخارجية، من أجل معرفة مصير أبنائها المفقودين منذ أزيد من 5 أشهر، والذين تم استغلالهم من قبل مافيا الهجرة السرية بالجنوب ومن قبل شبكة منظمة لها فروع في مدن قلعة السراغنة، والفقيه بن صالح، والعطاوية، وسلا، وبني ملال.
وحسب عائلات المفقودين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 17 سنة و40 سنة، فقد قرروا ركوب الزوارق المطاطية للهجرة إلى الديار الإسبانية بحثا عن مستقبل أفضل وهروبا من شبح البطالة والفقر، انطلاقا من مدينة أكادير، عن طريق وسطاء متعددين، يشتغلون مع شخص مجهول يتزعم مافيا الهجرة السرية في مدينة أكادير والمناطق الجنوبية، ويتوفر على شبكة كبيرة في جميع المدن تقوم باستقطاب الشباب الراغبين في الهجرة مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 10 آلاف إلى 40 ألف درهم.
وحسب سمير لزرق، والد قاصر من ضحايا الهجرة السرية، فإنه فوجئ في شهر يونيو الماضي برحيل ابنه عن المنزل والذهاب رفقة مجموعة من الشباب إلى سوق الدراجات بحي المحيط بالرباط، قصد الهجرة السرية، وكان في انتظارهم وسيط مختص في التهجير مقابل مبالغ مالية تصل لـ 15 ألف درهم، وأن رحيل ابنه خلف مأساة وصدمة كبيرة لأسرته، خاصة وأنه لازال قاصرا لم يصل لسن 18 سنة، وكان بصدد الدراسة في معهد التكنولوجيا التطبيقية بسلا، ويقول والصدمة بادية عليه: راسلنا الصليب الأحمر، ووزارة الخارجية، وسفارة المملكة بالجزيرة الخضراء، والحرس المدني الإسباني، ومنظمات دولية، ولم نصل إلى أي نتيجة أو خبر يقين حول مصير أبنائنا، لدينا أكثر من 18 مفقودا في حي القرية بسلا فقط، وهناك العشرات من الشباب في أحياء أخرى مصيرهم غير معروف رغم طرق أبواب وزارة الخارجية عدة مرات والمصالح التابعة لها من أجل مساعدتنا في البحث عنهم، لكن دون جدوى، وأضاف: “منذ رحيل ابني لم تعد حياتنا طبيعية.. كل يوم نفكر فيه”، موضحا أن ابنه القاصر هاجر دون مال رفقة أصحابه لأنه كان برفقتهم خلال ذهابهم إلى “الحراك” الذي ضرب معهم موعدا بسوق الدراجات بالرباط قصد نقلهم إلى مالقا الإسبانية على بعد 300 كلم وسط البحر في رحلة تستغرق ثلاثة أيام مقابل مبالغ مالية بين مليون سنتيم ومليون ونصف، مشيرا إلى أن هناك عمليات تهجير من نقاط مختلفة بسلا والرباط، تنطلق من نهر أبي رقراق ومن سيدي موسى بسلا ومن حي المحيط بالرباط، بعد نجاح بعض الشباب في الوصول إلى إسبانيا في السنوات الماضية، مما شجع شبابا آخرين يقطنون بالقرب منهم على المغامرة وركوب قوارب الموت.
ولهذا السبب، قرر والد أولياء المفقودين تأسيس جمعية لعائلات وأسر الشباب المفقودين، من أجل التواصل مع السلطات المختصة وتنظيم حملات توعوية وتحسيسية لفائدة الأطفال القاصرين والشباب في المؤسسات التعليمية وداخل الجمعيات ودور الشباب، إلا أنهم وجدوا صعوبات وعراقيل في الحصول على وصل للجمعية من قبل السلطات الإقليمية بعمالة سلا بالرغم من استكمال البحث وإنجاز جميع الوثائق المطلوبة في الملف، رغم أن هدفهم هو نشر التوعية ومراسلة المنظمات الأجنبية والإسبانية بالخصوص، لمساعدتهم في البحث عن أبنائهم المفقودين منذ عدة أشهر، مما يطرح تساؤلات غامضة حول هذا الملف، رغم أن الدولة سبق أن دعمت وساعدت جمعيات مدنية وحقوقية للبحث عن مفقودين آخرين خلال السنوات السابقة.
كما خلفت الهجرة السرية مآسي لعائلات وأسر أخرى في مدينة العطاوية نواحي قلعة السراغنة، بعد فقدان 51 شابا وانقطاع أخبارهم منذ أزيد من خمسة أشهر، بعد نقلهم من قبل سماسرة وزعيم شبكة للهجرة السرية من مدينة أكادير، دون معرفة مصيرهم هل هم أحياء أم أموات، حيث ظل أقرباء وأسر هؤلاء الشباب ينظمون وقفات احتجاجية بالرباط أمام ملحقة الشؤون الخارجية والمصالح القنصلية، دون جواب أو مساعدة، كما أجروا اتصالات بمنظمة الصليب الأحمر الدولي ومؤسسات إسبانية قصد الحصول على الخبر اليقين حول مصير أبنائهم.
تقول أسماء أغروض، شقيقة شاب مفقود وعضو في “تنسيقية أسر وعائلات الشباب المفقودين”: “أبناء العطاوية ذهبوا عن طريق ثلاثة سماسرة معروفين بالمدينة وقلعة السراغنة وبني ملال، يشتغلون مع حراك كبير يتزعم شبكة للتهجير السري، حيث تم نقل 51 شخصا عبر قارب من أنزا بأكادير يوم 10 يونيو الماضي دون أن يعرف مصيرهم، بعدما أخبرنا السماسرة أنهم سوف يصلون بعد ثلاثة أيام إلى السواحل الإسبانية”، مشيرة إلى أن “الوسطاء قاموا بقطع الاتصال بالعائلات بعد انتهاء المدة وتم القبض عليهم رفقة زوجاتهم من قبل المصالح الأمنية”، وأضافت: “منذ اختفاء هؤلاء الشبان أصبحت أسرهم تنظم وقفات احتجاجية وتطرق أبواب الصحافة للتعريف بالقضية، ونظمنا العديد من الوقفات أمام مصالح الخارجية وأمام عمالة قلعة السراغنة والسلطات المحلية، دون أن نتلقى أي مساعدة أو جواب لمعرفة مصير أبنائنا، حيث تم نقل الملف من العطاوية إلى ولاية أمن مراكش، وقد تكلفت الشرطة القضائية بالتحقيق فيه والقبض على السماسرة وشخص يلقب بخيسوس يقال أنه زعيم الشبكة (مول الشكارة)، لكننا لا نعلم أي شيء عن مآل القضية وتصريحات المعتقلين والسماسرة بخصوص مصير أبنائنا والإجراءات التي اتخذت في حقهم، حتى المحامين الذين تقوم العائلات بتوكيلهم لا يستمرون في الملف ولا يواكبون القضية رغم أنها قضية رأي عام”، لهذا نتساءل: لماذا يخاف المحامون من هذا الملف؟ هل يتعرضون لضغوطات من جهة ما؟ كما سبق أن تقدمنا بشكاية إلى رئاسة النيابة العامة بالرباط منذ شهرين لمعرفة مآل القضية ولم نتلق أي جواب، تؤكد نفس المصادر.
حكايات الشباب المفقودين كثيرة منها قضية الشباب المغاربة في ليبيا، الذين يصل عددهم حوالي 40 شخصا، هاجروا إلى ليبيا بشكل قانوني من أجل العمل، ومنهم من سافر من أجل البحث عن فرصة للهجرة إلى إيطاليا، لكن بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة في العاصمة طرابلس ومدن أخرى، انقطعت أخبارهم، تحكي رشيدة والدة محمد، أحد المفقودين في ليبيا، عن معاناتها منذ أربع سنوات بحثا عن ابنها الذي كان يسافر إلى ليبيا بشكل عادي ويقضي مدة 6 أشهر للعمل فيها ثم يعود، وتقول: “منذ 4 سنوات انقطعت أخبار محمد، كان يسافر بشكل عادي خلال السنوات السابقة للعمل في ليبيا رفقة أحد أبناء الجيران، لكن في المرة الأخيرة قبل كورونا، لم يظهر له أثر، حاولنا الاتصال ببعض المعارف هناك، لكن لا أحد يعلم عنه شيئا، وتقدمنا بشكاية وطلبات إلى مصالح الخارجية في الرباط ولم نتوصل بأي معلومات حول الشباب المفقودين في ليبيا، لهذا نطلب من وزارة الخارجية أن تساعدنا في الوصول إلى أبنائنا، ومعرفة مصيرهم عن طريق الاتصال بحكومة ليبيا”.
كثيرة هي حالات الشباب المفقودين المغاربة سواء ضحايا شبكات الهجرة السرية والاتجار بالبشر، أو المفقودين في ليبيا وفي الجزائر وتركيا وتونس، لكن الملاحظ أن هناك تجاهلا تاما للحكومة لهذا الملف رغم أنها تتوفر على الوسائل والطرق للتواصل مع الدول الأخرى والمنظمات المختصة للوصول إلى الحقيقة، والتجاوب مع شكايات الأسر والعائلات التي تنتظر خبرا جديدا عن مصير أبنائها.