الرأي | لماذا لم يقطع المغرب “شعرة معاوية” مع الجزائر
منذ سنة 2008، خصص أكثر من خطاب ملكي فقرات تدعو الى المصالحة مع الشقيقة الجزائر مذكرًا بالتاريخ المشترك والروابط العائلية والإنسانية وبحسنات الحوار و التبادل و فتح الحدود..
وتأتي هذه الدعوات الى المصالحة في سياقات سياسية واقتصادية مختلفة، لم يكن فيها المغرب أبدًا طرفا ضعيفا أو مهزومًا، بل كان في دائرة مستقرة وواثقا من امكانياته ومدركًا لكل التحديات، وفخورا بالدينامية الإيجابية بخصوص ملف الوحدة الوطنية و الترابية، الصحراء المغربية سواء من خلال قرارات إيجابية من مجلس الامن الدولي أو من خلال اعترافات مباشرة بمغربية الصحراء و فتح قنصليات بالعيون والداخلة أو دعم مبادرة الحكم الذاتي.
وحتى نكون اكثر دقـة وواقعية، فيكفينا التذكير السريع لبعض سياقات الأحداث قبل وبعد خطابيْ العرش لسنتي 2022 و2023. اذ عرفت هذه الفترة تحركا عدائيا من جانب واحد تمثـل في قطع العلاقات من جانب واحد في صيف 2021 ثم قطع أنبوب “ميدغاز” في شهر أكتوبر من نفس السنة. ثم مختلف محاولات النيل من صورة المغرب بالخارج كتورط الأجهزة الجزائرية في ملف “قطرغيت” وفشل محاولة بثر الصحراء من مغربها في خريطة القمة العربية بالجزائر، و وَعْـد مساعدات للرئيس التونسي بقيمة 300 مليون دولار مقابل استقبال زعيم الانفصاليين، والخروج الإعلامي المُؤدى عنه لرئيس الجزائر في قنوات خليجية ووفرنسية من أجل النفخ في تمثال “القوة الضاربة”، وإقحام “القزم” حفيد مانديلا في نشاط “الشان” الرياضي، وهزيمة الجزائر في تمثيل شمال افريقيا في “الكاف” مقابل فوز كبير لممثل ليبيا الممزقة بالصراعات و العنف و اللاستقرار.
ومقابـل هذه اللائحة المتنوعة من المحاولات الحاقـدة والفاشلة، حقق المغرب في نفس الفترة انتصارات كبيرة تمثلت أساسا في عودة العلاقات المغربية/ الاسبانية واعترافها بقوة وفعالية مبادرة الحكم الذاتي، إعادة تشغيل أنبوب “ميدغاز”، اعترافات دول قوية وكبيرة بالصحراء المغربية كأمريكا و المانيا وهولندا وبلجيكا والبرتغال، آخـرها دولة إسرائيل، فشل اقحام المغرب في “قطرغيت” واستقالة مُـذلـة للقاضي البلجيكي، وانجاز غير مسبوق للفريق الوطني في “مونديال قطر” وفتح المزيد من القنصليات بمدن الصحراء المغربية.
ولأن الخطابات الملكية ليست ذات طبيعة انفعالية، بل هي مؤسِسة لمنظومات سياسية وتشريعية وقانونية وتوجيهية ولمفاهيم وقيم أخلاقية، فقد تميزت ومنذ سنة 2008 بعدم قطع “شعرة معاوية” مع الجزائر شعبًا وقيادة.. ودعت الى طي صفحة الماضي و التركيز على مستقبل الشعبين الشقيقين.
وهي رغبة فسرها بعض قصيري النظر بأنها ضعف الموقف المغربي، في حين أنها تطبيق عميق لروح القول المأثور “العفو عند المقدرة”، أي أن الذي بإمكانه العفو بإمكانه العقاب أيضا.
لكن لا يمكن أن تغيب عن كل قارئ متأني، رغبة أخرى تضمنتها الخطابات الملكية تتعلق بطمأنة الجزائر قيادة وشعبا عن أمنها واستقرارها وعدم الإساءة إلى الأشقاء في الجزائر، وانهم سيجدون المغرب والمغاربة إلى جانبهم في كل الظروف والأحوال، وأن المغرب لن يكون أبـدا مصدر أي شـر أو سـوء.
حتى هذه الرغبة فسًـرها بعض معاول الهدم بأنها حالة وهـن مغربي.. لكن الحقيقة المُغيبة في الاعلام الجزائري، هي أن هذه الرغبة ليست وليدة السياق السياسي الحالي، بل هي عنوان كبير لمسلسل طويل من الاحداث التاريخية التي دفعت فيها المملكة الشريفة ضريبة حسن الجوار و التضامن مع الأشقاء في الجزائر.
نحن لا نقول هذا الكلام من أجل إشباع رغبة شخصية أو الإفـراط في الإنتماء لهذا الوطن المغربي الذي آمن الشعب الجزائري من خوف وأطعمهم من المجاعات والأوبئة التاريخية لسنوات 1865 و1868 ذهب ضحيتها 500 الف جزائري.. حيث عُرفت هذه الفترة ب”عام الشًـر”.
المغرب الذي خاض معركة “إيسلي” سنة 1844 ضد الجيوش الفرنسية بعد احتضانه للأمير عبد القادر ورفضه تسليمه لفرنسا مع تزويد المقاومة بالسلاح والرجال.. المغرب الذي تحمل ضريبة التضامن والجوار بفرض شروط معاهدة “لالة مغنية” القاسية من ضرائب و اقتطاع لأراضيه سنة 1845.
هو نفس المغرب الذي سيقف مع الحركة الوطنية وتزويدها بالسلاح وإيواء الهاربين من الجيوش الفرنسية.. و تشكيل أول حكومة موقتة بمنزل المجاهد “محمد الخضير الحموتي” بمنطقة “بني انصار” بالناظور في الخمسينيات من القرن الماضي.
وهو نفس المغرب الذي قـدم دعما سياسيا في ملف استقلال الجزائر بهيئة الأمم المتحدة مع المغفور لهما السلطان محمد الخامس والملك الحسن الثاني رحمهما الله، الدعم السياسي سيتعزز بإجراء المغرب لمقابلة في كرة القدم سنة 1958 مع المنتخب الجزائري ويتحمل عقوبة “الفيفا” والتوقيف لسنتين، لكن السلطان محمد الخامس سيرد عليهم بقولـه “حتى لو كانت العقوبة أربع سنوات سيخوض منتخبنا هذه المباراة من أجل الجزائر”، هو نفس السلطان محمد الخامس الذي سيرفض التجارب النووية لفرنسا / ديغول في الصحراء الشرقية، التي ضمتها لاحقا للجزائر..!
وهو المغرب نفسه، الذي يـمد يـد المصالحة للأشقاء في عهد الملك محمد السادس، ويؤكد لهم أن المغرب لن يكون أبدًا مصدر للشـر أو السوء.
فلا يمكن إنكـار كل هذه الحقائق التاريخية.. فالمغرب و على مـر تاريخ جِـواره مع الجزائر شكل الامتداد الجغرافي والإنساني للأشقاء الجزائريين. لذلك فلا يمكن تفسير النداءات المغربية للمصالحة والطمأنينة، خارج سياقات تقاليد السلاطين والملوك المغاربة اتجاه جار عانى ويلات الكوارث الطبيعية والمجاعات وفترات استعمار طويلة وتنوع المُستَعمريـن.
إن ما تعيشه الجزائر اليوم من عزلة دولية واضحة وإخفاقات سياسية واقتصادية وديبلوماسية.. تجعلنا نطرح السؤال: هـل يعيد التاريخ نفسه، ليقوم المغرب بدوره التقليدي كطوق نجاة للجزائر؟
فالجزائر لم تنجح في تطوير علاقاتها المتشنجة مع المستعمر السابق فرنسا.. لم تنجح في لَـوْي دراع اسبانيا في ملف اعترافها بقوة الحكم الذاتي.. لم تنجح في علاقاتها مع روسيا بدليل عدم قبولها في مجموعة البريكس.. لم تنجح أن تكون فاعلا عربيا بدليل فشلها في إرجاع سوريا للجامعة العربية.. لم تنجح في ملف توحيد الفصائل الفلسطينية رغم هبـة 30 مليون دولار.. لم تنجح في توظيف العائدات المالية الكبيرة في تنمية البلاد بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.. كما فعلت دول أخرى منتجة للغاز الطبيعي كالنرويج مثلا. ولم تنجح في تشويه صورة المغرب بالخارج رغم سيل أنبوب الدولارات من حنفيات سونطراك..
كما لم تنجح في خلق علاقات جادة مع كل جيرانها، فلا هي أوفت بوعودها المالية تجاه تونس/ قيس السعييد، و لا هي نجحت في مصالحات ليبيا، ولا هي نجحت في ان تكون فاعلا افريقيا، اذ لم تشارك في وفد المصالحة الافريقية في الحرب الأوكرانية/ الروسية..
لكن يبقى ملف النيجر من أكبر تحديات القيادة الجزائرية.. ليس لأنها تشترك معها في 1000 كيلومتر حدودية فحسب، مما يجعل من كل صراع مسلح أو تدخل عسكري هو تهديد حقيقي للجزائر من هجرات جماعية ومساحة جديدة لتحرك الجماعات الإرهابيين بالمنطقة، بل هناك مصالح اقتصادية مشتركة خاصة مشروع أنبوب الغاز النيجيري مرورا بالنيجر وفي ظل هذه الأجواء المتوثرة، فإن ذات المشروع سيعرف التأجيل الى أجل غير مسمى. كما كانت غائبة في ملف انقلاب النيجر الأخير.. كما تربطها بالنيجر إتفاقية ثنائية في مجال الهجرة تسمح للجزائر طرد المهاجرين بالقوة.. إذ وصلت الأرقام منذ بداية السنة إلى 20 الف حالة طرد.. ولا يمكن القفز على ملف “قبائل الطوارق” التي تستقر في كل من ليبيا والنيجر والجزائر ومالي.. وهي القبائل التي طالبت أكثر من مرة بالحكم الذاتي. لذلك سارع “تبون” يوم 5 غشت الى التصريح بأنه لا يمكن الحديث عن حلول بالنيجر بدون الجزائر. لانه يعرف مسبقا أن الجزائر ستحترق بنار النيجر على المستوى الأمني و السياسي.
ولنقف على حقيقة واحدة، وهي أن الجزائر الآن معزولة عن كل جيرانها الحدوديين.. تونس وليبيا والنيجر، ومهددة في استقرارها السياسي في أفق الرئاسيات لسنة 2024، من جهة ومن “القنبلة الموقوتة الطوارق” من جهة ثانية.. فهل سيكون المغرب طوق نجاة الجزائر..؟ التاريخ يقول نعم، وسيجدون المغرب والمغاربة بجانبهم في كل الظروف والأحوال. فماذا تقول القيادة الجزائرية، وماذا يقـول الشعب الجزائري؟.
يجب على المغرب محاصرة ما يسمى زازاير حتى اسقاط نظام الكبرانات العجزة الفيرنسين وتفكيكه.
لان المغرب يواجه مؤامرات فرنسا عن طريق الكبرانات
رغم هذا المقال الطويل العريض للاستاذ المحترم ، الذي تكلم فيه عن الماضي و الحاضر و التضحية التي يقدمها المغرب ملكا و شعبا للجزائر ، هذا الكلام الفناه و صرنا نحفظه عن ظهر قلب ، رغم ذلك لم يعطينا جوابا مقنعاً و كافياً ، لماذا المغرب لم يقطع شعره معاويه مع الجزائر ، مقابل ماذا ؟؟؟؟
أراء وقضايامغاربة العالم
د، بوصوف يكتب: المغرب..طوق نجاة الجزائر منذ معاهدة ” دو بورمون “
قرأت المقال الذي عبر فيه صاحبه عن خياله الواسع.
وسأذكِره برد مسؤولين مغربيين على واقعتين وردتا في خياله:
1- “اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء”:
أمريكا أدارة ظهرها لتغريدة ترامب بدليل مقال محمد الصالح التامك الذي عبر فيه عن خيبته وخيبة المغرب من الموقف الأمريكي، واختار له العنوان التالي:
” أمريكا تراجعت عن موقفها الإيجابي بشأن الصحراء واعتبرت “البوليساريو” حركة تحرير”.
2- “طمأنة الملك للجزائر، قيادة وشعبا، على أمنها واستقرارها”:
– جوان 2021، قبل خطاب الملك بأسبوعين سمح لقوات الحلف الأطلسي بإجراء مناورات تحاكي الهجوم على الجزائر.
– يوم: 15/07/2021، بعد طمأنة الجزائر بأسبوعين، وخلال المناقشة الوزارية العامة في اجتماع حركة عدم الانحياز، وزع عمر هلال ممثل الملك لدى الأمم المتحدة مذكرة جاء فيها ما نصه:
” شعب القبائل، أحد أقدم الشعوب في إفريقيا، والذي يعاني من أطول احتلال أجنبي…ولهذا السبب يستحق شعب القبائل الشجاع، أكثر من أي شعب آخر، التمتع الكامل بحق تقرير المصير”.انتهى الاقتباس.
– يوم: 12/08/2021، أتى بوزير خارجية الكيان ليهدد الجزائر من المغرب على مرمى حجر من حدودها.
ختم بوصوف مقاله بالسؤالين التاليين:
1- فماذا تقول القيادة الجزائرية؟
القيادة الجزائرية قالت: “العلاقة مع المغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة”.
2- وماذا يقـول الشعب الجزائري؟
والشعب الجزائري قال : “أعطولو البنان……”.
أظن أن طوق النجاة هو فتح الحدود الذي يتسوله المغرب، الذي أصبح عاجز عن التستر عن الاختناق السياسي والاجتماعي الذي أصبح يعيشهما.