الرباط. الأسبوع
مع حلول فصل الصيف، يكثر الحديث بين المواطنين والأسر المغربية عن الأسعار والأثمنة في المدن السياحية ومدن الشمال خصوصا، التي يكثر عليها الإقبال خلال الفترة الحالية، بسبب توفرها على شواطئ نظيفة ومناطق طبيعية متنوعة، ويشتكي العديد من الناس من غلاء الأسعار خاصة لدى الفنادق والمطاعم ومراكز الاصطياف والشقق السكنية، وغير ذلك، مما يطرح تساؤلات لدى المواطنين حول سبب غياب السياحة الداخلية ضمن برامج الوزارة الوصية.
وتعرف هذه الفترة من السنة زيادات كبيرة في المدن الساحلية والجبلية، تفوق القدرة الشرائية للأسر، خاصة ما يتعلق بكراء المنازل أو الشقق أو غرف الفنادق، إلى جانب أثمنة الوجبات الغذائية والخدمات السياحية، خاصة في المناطق الشمالية، مما جعل العديد من الأسر والعائلات تعزف عن السفر خلال العطلة الحالية بسبب الأوضاع المادية وارتفاع الأسعار، واقتراب موعد الدخول المدرسي.
فقد أصبحت السياحة الداخلية غائبة لدى مخططات وبرامج الوزارة الوصية، بعدما لجأت إليها كوسيلة خلال زمن “كورونا” لكي تخرج الفنادق والمناطق السياحية من الكساد والإفلاس الذي ضربها بسبب الحجر الصحي، إلا أن السياحة الداخلية اليوم تعرف إشكالات متعددة بسبب الفوضى والعشوائية التي تسود القطاع، خاصة في ظل عدم اهتمام الفاعلين بالسائح المغربي، وتفضيل السياح الأجانب، وعدم وجود أسعار تحفيزية في متناول الأسر المغربية، ليظل السؤال: أي سياحة محلية في ظل الفوضى والاحتكار؟
في هذا السياق، يرى بوعزة الخراطي، رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المستهلك، أن السياحة الداخلية تعرف اختلالات ونواقص بسبب قلة المنتزهات والمنتجعات السياحية على الشريط الساحلي للمحيط الأطلسي، مما يجعل جميع المغاربة يتوجهون نحو مدن الشمال قصد قضاء الإجازة الصيفية، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الطلب، وبالتالي، تتزايد الأسعار لأن العرض يكون محدودا، مضيفا أن هناك أشخاصا يستفيدون من الاكتظاظ وتوافد الزوار لتحقيق أرباح إضافية بالزيادة في الأسعار أكثر من المعتاد، وخاصة الوسطاء وسماسرة كراء المنازل والشقق، وأصحاب المطاعم والمقاهي، رغم أن “الأسعار تحدد بقانون العرض والطلب، وعندما يكثر الطلب ويكون العرض قليلا ترتفع الأسعار خاصة في مناطق الشمال والمدن السياحية، ولكن لو كان هناك توزيع للسياحة الداخلية في جميع المناطق الساحلية، وبما أنه لدينا 3500 كيلومتر من السواحل الشاطئية، سيجد المغاربة منافذ أخرى ومنتجعات متنوعة على المحيط الأطلسي، وإحداث مناطق مجهزة ومنظمة حتى لا يكون الضغط على منطقة واحدة، بحيث لا يمكن قبول أن نصف ساكنة المغرب تذهب لمدن الشمال”، يقول الخراطي.
وتعرف السياحة الداخلية فوضى وعشوائية بسبب غياب وكالات متخصصة وسياسة حكومية تهتم بالسفر الداخلي، حيث أن الوزارة الوصية لا تهتم بالسياحة الداخلية وتترك المجال تسوده الفوضى على مستوى النقل والفنادق وغيرها من القطاعات المرتبطة بالسياحة، فصاحب الفندق يفضل الشخص الأجنبي على السائح المغربي لأنه بالنسبة لهم السياحة هي مع الأجنبي وليس مع المواطن المغربي، وهذا غير معقول، لذلك يجب تغيير هذه العقلية لدى الفاعل الاقتصادي، وأيضا لا بد من اهتمام الوزارة الوصية بالسياحة الداخلية لوضع حد للفوضى التي يعيشها القطاع.
وأكد الخراطي أن هناك تحولات في المجتمع المغربي، حيث كانت الأسر في السنين الماضية تذهب لقضاء العطلة لدى العائلات، وتتبادل الزيارات فيما بينها، لكن الآن أصبحت للعديد للأسر ثقافة السفر والسياحة الداخلية، تفضل التخييم وكراء المنازل في المدن الساحلية أو الجبلية، وقضاء العطلة بشكل مستقل عن العائلة، معتبرا أن المشكل يكمن في المؤسسات الحكومية والخاصة، التي لم تستوعب بعد أن هناك ارتفاعا للطلب على السياحة الداخلية، مما يؤكد وجود خلل ولامبالاة لدى المسؤولين عن القطاع.
وبخصوص ارتفاع الأثمنة والغلاء الذي تعرفه العديد من المدن السياحية، قال الخراطي: “في المغرب لدينا العديد من المناسبات التي تعيشها دائما الأسر المغربية، رمضان وعيد الأضحى والدخول المدرسي وهذه هي فترات الذروة، والمستهلك يعرف أن السوق هو الذي يحكم، يعني أنه هو من يتحكم في السوق وليس التاجر، لأن إقبال الجميع على شراء مواد بعينها بطبيعة الحال سوف يرتفع سعرها، ولكن عندما نرفض شراء المواد مرتفعة الأثمنة سوف ينخفض سعرها، لهذا فمفتاح الغلاء بيد المستهلك وعليه ألا يشتري المواد المرتفع ثمنها حتى ينخفض”.
من جانبه، أكد محمد بامنصور، الكاتب العام لفيدرالية النقل السياحي، أنه عندما يكون هناك مشكل نعود للحديث عن السياحة الداخلية ونجمع الهيئات والمسؤولين والإدارات والقطاعات الوزارية للنهوض بها، بينما من المفروض التصالح مع السائح المغربي على طول السنة وتوفير عروض مناسبة له ولأسرته وليس الرجوع إليه فقط عندما يكون لدينا مشكل في القطاع، مضيفا أن السياحة الداخلية في حاجة إلى رؤية جديدة لتطويرها وتشجيع الأسر المغربية على ثقافة السفر، عبر إحداث وكالات متخصصة تضع برامج وعروضا سياحية طوال السنة ورحلات خلال فصل الصيف لفائدة الأسر، تكون الدولة منخرطة فيها من خلال دعم هذا المنتوج الذي يمكن شراءه خلال السنة أو بالأقساط، وذلك لتشجيع الناس على هذه البرامج السياحية، وقال “الدولة اليوم ملزمة بدعم السياحة الداخلية، لأن المبادرات والوصلات الإشهارية تبقى محتشمة، لكن في الواقع، يجب دعم السائح المغربي في بلاده، فهناك عروض وضعت للجالية حول تخفيضات في الفنادق، لكنهم وجدوا في الواقع شيئا آخر، حيث أن الغرف محجوزة أو مملوءة عن آخرها”، مضيفا أن الكونفدرالية الوطنية للسياحة تتحمل جزء كبيرا فيما يقع، فرغم المجهودات التي يقوم بها المكتب الوطني للسياحة في الترويج للقطاع بالخارج، إلا أن هناك فرقا كبيرا بين السياحة الخارجية والداخلية، لهذا لابد من توفير عروض لفائدة المغاربة مدعمة من قبل الدولة، ووكالات متخصصة، لوضع حد للعشوائية والفوضى التي يعاني منها المواطنون.
وأشار نفس المصدر إلى أن العديد من الأسر التي دأبت على السفر في العطل الماضية، لم يعد باستطاعتها السفر بسبب ارتفاع تكاليف السفر، خاصة وأنها عانت خلال هذه السنة من الغلاء وارتفاع الأسعار وعيد الأضحى واقتراب الدخول المدرسي، مما يتطلب دعم قطاع السياحة الداخلية وتقنينه وإشراك فنادق ووكالات تهتم بالزبون المغربي.
وقد سبق أن طرحت المعارضة في مجلس النواب إشكالية ارتفاع أسعار الخدمات بالنسبة للسياحة الداخلية، مبرزة أن هذه الأخيرة تعرف عدة إكراهات واختلالات تعيق استفادة الأسر المغربية من فرص متنوعة لقضاء عطلتها في ظروف مناسبة وبأثمنة تساير قدرتها الشرائية، حيث أكد رشيد حموني، أن أسعار المطاعم والفنادق وغيرها، تعرف ارتفاعا مهولا خلال العطلة الصيفية، علما أن الأسر المغربية تكتوي بلهيب غلاء أسعار معظم المواد الاستهلاكية، مشددا على ضرورة تدخل الوزارة الوصية للحد من هذه الاختلالات، وإيجاد حلول مناسبة لتشجيع السياحة الداخلية.