الرأي

نافذة للرأي | بين الطوارئ الصحية وحقوق الإنسان

بقلم: عبد الرحيم العلام

    فضلا عن المشكلات التي قد تصاحب تطبيق إجبارية جواز التلقيح، فإن مضمون البلاغ وشكله يثير العديد من الأسئلة، ومن شأنه انتهاك مجموعة من الحقوق المكفولة دستوريا للمواطن، وهذه بعض الملاحظات التي أمكن تسجيلها إلى حدود اللحظة:

1- من حيث الشكل :

إذا علمنا أنه من شروط سريان قانون ما أو إجراء ما، أن يتم نشره بشكليات محددة، وأن يكون في متناول العموم، لا سيما في ما يتعلق بالنشر في الجريدة الرسمية، وهو الأمر الذي غاب عن بلاغ جواز التلقيح، الذي لم ينشر في الجريدة الرسمية، ولا يوجد على موقع رئاسة الحكومة، ولا في أي موقع رسمي آخر، ما عدا نشر قصاصة إخبارية عنه في موقع وكالة المغرب العربي للأنباء، التي هي وسيلة إعلامية لا تتيح الولوج لجميع أخبارها إلا للمشتركين (شخصيا لم أتوفق في الوصول إلى البلاغ إلا من خلال الاتصال بأحد الصحفيين، أما ما هو منشور في الوكالة، فهو عبارة عن قراءة في البلاغ وليس البلاغ في حد ذاته)، كما أن البلاغ (على الأقل الذي حصلت عليه من أحد الصحفيين الذي توصل به عبر رسالة واتساب)، لا يحمل أي توقيع لرئيس الحكومة، ولا يتضمن أي إشارة إلى شعار الحكومة، ولم ينشر ـ إلى حدود كتابة هذه الأسطرـ بأي موقع لمؤسسة دستورية (الحكومة، البرلمان، الأمانة العامة للحكومة…) ولم ينشر في موقع “mapanticorona” الذي اعتاد نشر البلاغات الرسمية، لكنه هذه المرة اكتفى بنشر نفس القصاصة.. فهل يمكن معاقبة الناس ومنعهم من خلال بلاغات غير موقعة هي الأقرب إلى قصاصات إخبارية منها إلى بلاغ قانوني؟ أين هو النص الحامل لشروط القانون لكي تستند إليه السلطة العمومية والمحاكم والأفراد والباحثين في مجال القانون؟

2- من حيث المضمون :

استند “البلاغ” (القصاصة الإخبارية)، إلى قانون الطوارئ الصحية الذي يجيز للحكومة اتخاذ تدابير عبر بلاغات، لكن البلاغ وقع في تناقض مع الفقرة الثانية من المادة الثالثة التي جاء فيها: ((… لا تحول التدابير المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين))، والحال أن البلاغ قد نص على ((ضرورة إدلاء الموظفين والمستخدمين ومرتفقي الإدارات بجواز التلقيح لولوج الإدارات العمومية والشبه عمومية والخاصة…))، بمعنى أنه يمكن منع مواطن من ولوج مرفق صحي هو في حاجة ماسة إليه، وقد تترتب عن هذا المنع أضرار صحية، ومن ثم سيَحُول البلاغ دون استفادة المرتفق من حق دستوري لا يمكن أن يسقط حتى بموجب قانون الطوارئ الصحية (حق برلماني في ولوج مؤسسة البرلمان، حق مواطن في ولوج مستشفى للاستشفاء أو لإجراء فحص قدم من أجله من مدينة بعيدة…).

فضلا عن ذلك، فإن مسألة التأكد من هوية المواطنين، وفحص جوازات تلقيحهم، والتأكد من صحتها، وفرض العقوبات على المخالفين، هي من صميم عمل السلطة العمومية بشكل حصري، ولا يمكن أن تُفوض هذه المهمة للأغيار، وهذا ما استندت إليه، مثلا، المحاكم المغربية لما أصدرت أحكامها ضد شركات “الصابو”، فصدور القانون الذي يمنع التدخين مثلا في الأماكن العمومية، لم يلق أي نفاذ ما دام القانون لم يأخذ في عين الاعتبار الجهة التي توكل إليها مهمة السهر على تنفيذه، كما تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن “بلاغ/قصاصة فرض جواز التلقيح” قد يكون في تعارض مع المادة 3 من قانون إعلان حالة الطوارئ الصحية، التي جاء فيها: ((عملا بأحكام المادة الثانية أعلاه، يتخذ ولاة وعمال العمالات… جميع التدابير…. أو فرض قيود مؤقتة على إقامة الأشخاص… أو إغلاق المحلات المفتوحة للعموم، أو إقرار أي تدبير آخر من تدابير الشرطة الإدارية))، بمعنى أن جميع التدابير التي تعلن عنها السلطات، يجب أن توكل مهمة تنفيذها للشرطة الإدارية وليس لمواطنين مدنيين سمح لهم البلاغ بمنع المرتفقين من ولوج الأماكن العمومية والمتاجر والمحلات الخاصة.

عموما، فإن عدم إصدار الحكومة لبلاغ رسمي تتوفر فيه شكليات البلاغات التي يجب أن تصدر بالصيغة الصحيحة، وتُنشر في المواقع الرسمية، يبقى أمرا غير مفهوم، فهل فعلا أصدرت الحكومة بلاغا قانونيا يفرض حمل جواز التلقيح، أم أن الأمر يتعلق بمجرد توصيات تحفيزية للمسؤولين فقط؟

والأهم في هذا الإطار، أننا أمام هضم الحكومة لرزمة من الحقوق الدستورية المكفولة للمواطن، وأهمها حق الارتفاق، وحق ألا يمنع من أي تصرف إلا من قبل جهاز تتوفر فيه صفة “سلطة عمومية”… إلخ.

تعليق واحد

  1. كل التبريرات التي أدلى بها السيد وزير الصحة في شأن فرض جواز التلقيح على المواطن هي سليمة و منطقية و لا جدال فيها. لكن الطريقه لم تكن سليمة فبمجرد تعيينه وزيرا للصحة أصدر قراره الشهير و ايام العيد لم يترك و لو فرصة يسيرة للملقح لإنجاز جوازه ، لماذا إذن صدور هذا القرار بهذه السرعة الغريبة ؟ هل فعلا قرار جد سريع لصالح المواطن ؟ ربما نعم و ربما لا ! عند تعيين الحكومة الجديدة لم يكن السيد الوزير ضمن اعضائها و بناء عليه # مشات # الوزارة و # prestige # و امتيازات المنصب و فجأة نودي عليه للوزارة و لم يجلس بعد على كرسي الوزارة و بسرعة اخف من البرق أصدر قراره الشهير فما هو الدافع لذلك ؟ إنها الحالة النفسية للسيد الوزير… # مشات # الوزارة # رجعات # الوزارة… إنها صاعقة جد قوية مست عقل و نفسية الرجل لم تترك له الوقت الكافي لاتخاذ القرار في الوقت المناسب.. ربما # بغا يبان # والله أعلم بعباده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى