الرأي | لماذا نجحت الصين وكوريا الجنوبية وفشلنا نحن ؟
بقلم: عبد العزيز كوكاس
كان المغرب عام 1980 أغنى خمس مرات من الصين، وقد وصل متوسط الدخل السنوي للفرد المغربي إلى 1075 دولار، فيما لم يكن دخل الفرد الصيني يتجاوز سنويا 195 دولار، وكان المغرب متقدما على كوريا الجنوبية بأشواط بعيدة ولم تلحق به إلا عام 1970، وتجاوزته بكثير.. لتصبح أحد التنانين الآسيوية الكبرى في العالم اليوم.. كيف حصل هذا في النصف الثاني من القرن العشرين فقط؟ كيف أهدرنا فرص التقدم؟ وهل لا زال بإمكاننا تدارك الأمر؟
ظل سؤال: “لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون؟” سؤالا محوريا منذ بداية النهضة العربية في نهاية القرن 19، بل إن جل اجتهادات المفكرين العرب والمسلمين منذ هذا الزمن حتى اليوم، تمحورت حول هذا السؤال الإشكالي الذي صاغه شكيب أرسلان بصيغة استنكارية في كتاب له يحمل نفس العنوان، وظل مختلف النهضويين يقدمون إجابات متباينة يوجد في خلفيتها هذا السؤال الذي اعتبر إشكاليا.. لنحول السؤال في اتجاه سياق موضوعنا اليوم: لماذا تقدمت الصين وكوريا الجنوبية على سبيل المثال لا الحصر، وهي التي كانت حتى الستينيات دون ما كان عليه المغرب اقتصاديا واجتماعيا؟
لقد حققت كوريا الجنوبية نقلة اقتصادية لم يعرف تاريخ الأمم مثلها، يطلق عليها معجزة نهر “الهان”.. ففي سنة 2018، بلغ معدل دخل الفرد السنوي أكثر من 33 ألف دولار، نحو 90 دولارا في اليوم، أي أن دخل الفرد تضاعف 450 مرة، وأعلن البنك المركزي في كوريا الجنوبية في نهاية عام 2019، أن متوسط الدخل الفردي في كوريا الجنوبية تجاوز 31.000 دولار أمريكي.. وهكذا أصبحت كوريا الجنوبية واحدة من أغنى دول العالم، وأكثرها تقدما وأحد أكبر عمالقة التكنولوجيا اليوم، فيما لا يتجاوز متوسط الدخل الفردي السنوي للمغربي إجمالا حوالي 21.5 ألف درهم (ما يقارب 2400 دولار)، وفق آخر تقرير للمندوبية السامية للتخطيط، أي أن متوسط الدخل الشهري حسب الفرد على الصعيد الوطني، لا يتعدى 1793 درهما، ومراتب تقدمه جد متدنية في سلم التنمية والتقدم.
فيما أصبحت الصين تتصدر اليوم العالم كقوة منافسة لأعظم دولة، ومرشحة مع تداعيات جائحة “كوفيد 19” على الجغرافية السياسية، أن تنزع عن الولايات المتحدة الأمريكية مشعل قيادة العالم أو تتقاسمها معها على الأقل.. فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي الصيني لعام 2019، حوالي 99086.5 مليار يوان، أي ما يعادل تقريبا 100 تريليون يوان، ليحتل بذلك المرتبة الثانية عالميا، بزيادة سنوية تبلغ 6.1 %، ويصل الناتج المحلي الإجمالي للفرد 10276 دولار أمريكي، حيث تجاوز 10 آلاف دولار أمريكي للمرة الأولى.
وحسب التقارير الدولية المختصة، فابتداء من عام 2005، بلغ متوسط معدل مساهمة الصين السنوية في النمو الاقتصادي العالمي 31.9 %، وبداية من عام 2011، حافظت الصين على نسبة مساهمة تتجاوز 30 %، وأصبحت أكبر مساهم في النمو الاقتصادي العالمي لمدة 14 سنة متتالية، وبين عامي 2007 و2019، زاد حجم الناتج القومي للصين من 3.5 ترليون دولار إلى أكثر من 14 ترليون دولار، أي نحو أربعة أضعاف، وتزامن مع هذه الزيادة في حجم الاقتصاد الصيني، تطور تقني ملحوظ نتج عنه تضاعف الصادرات عالية التقنية من 343 إلى 715 مليار دولار.. كيف حدث هذا؟ كيف تجاوزت الصين وكوريا الجنوبية، المغرب الذي كان أحسن حالا منهما حتى السبعينيات بالنسبة لكوريا الجنوبية والثمانينيات بالنسبة للمغرب؟
تقدم دول شرق آسيا نموذجا لنا اليوم، لأن الغرب لم يعد له ما يقدمه للعالم من دروس، بعد أن اعتمد في جزء كبير من تطوره على استعمار دول الجنوب واستنزاف خيراتها وربط عجلة اقتصادها بما يخدم مصالحه حتى بعد الاستقلال، في حين يشكل النموذج الشرق آسيوي، نموذجا ناجحا لتطور مماثل لنا اعتمد في جزء كبير منه على الإرادة وعلى إمكانيات المجتمع وعقول أبناء الدولة في المقام الأول قبل التمدد والانتشار في العالم.
فمن أسباب تقدم الصين، تسارع مستويات التعليم الجيد بشكل هائل، حيث يتوقع بنك “ستاندارد تشارترد”، أن تكون 27 في المائة من القوة العاملة في الصين تحظى بتعليم جامعي بحلول عام 2030، وهو معدل يتجاوز ما يوجد لدى جل الدول الأوروبية ويساوي وضع ألمانيا اليوم، ثم بعد ذلك، رفع الدعم المخصص للبحث العلمي الذي وصل إلى رقم خيالي، لذلك قفزت مرتبة الصين في “جدول الابتكارات العالمي”، والذي يضم 126 دولة، من المرتبة 29 سنة 2015 إلى المرتبة 17 في سنة 2018، وهي اليوم مرشحة لأن تختزل أكثر من عشر رتب في نهاية هذا العام.. لقد حقق الصينيون فوق ما كان الزعيم الصيني دينج شياو بينج، يحلم به في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حين دعا إلى أن يصبح للصين ألف باحث موهوب، لقد أتت سياسته بإرسال مئات البعثات للدراسة في أكبر الجامعات الأمريكية والأوروبية أكلها، وها هم الباحثون الصينيون قادة الابتكارات العالمية، لم تعق شيوعية الحزب الصيني من بناء اقتصاد منفتح، رغم مركزية الدولة فيه، فهو يمتح من أقوى ما تمنحه الليبرالية المصحوبة بثقافة شرقية عريقة من إمكانات لبناء الإنسان والاقتصاد..
هنا تتمثل أكبر أعطاب المغرب، برغم وجود الإرادة السياسية في تحقيق إقلاع اقتصادي ووجود كفاءات مغربية جيدة التكوين، لكن أغلبية المجتمع مفصولة عن مسارات التنمية وغير مساهمة فيها وكأنها تعني بلدا آخر، كما أن هناك خللا في عدم انعكاس كل برامج التنمية على تغيير الوضع الاجتماعي للمواطنين، ما عدا تخلف التعليم وانهيار منظومته التي تبدو كما لو أنها مصابة بالدوخة الكبرى..
وإذا استقرأنا تجربة كوريا الجنوبية التي كانت دولة فقيرة، فقد اعتمدت في نهضتها على بعدين: بالإضافة إلى خفض النمو الديمغرافي وبرامج التوعية، انصبت اهتماماتها على ترقية التعليم وتحفيز الجودة والكفاءة والبحث العلمي، وانطلقت في البداية بتشجيع المصانع والورشات الصغرى في المرحلة الانتقالية، فكانت الخطة الاقتصادية الكورية ذات مردودية كبرى، مكنت المصانع الصغرى من رفع صادراتها من الصناعة الخفيفة التي اكتسحت العالم، وبعدها بدأت تتجه نحو الصناعات الثقيلة التي حازت فيها الريادة في مجال السيارات والتكنولوجيا الدقيقة، وهنا يبرز عطب آخر لدينا، يكمن في بعض المشاريع الإمبراطورية المؤجلة المردودية.. ألم يكن من اللازم التوجه نحو مشاريع أقل فرعونية وسريعة الانعكاس على توسيع الثروة واستفادة الناس منها لتحسين وضعهم الاجتماعي، وتشجيعهم على الانخراط بحماس في مختلف المشاريع المفتوحة؟
وفي مقال بعنوان “الغد سيصبح افتراضيا”، أوضح المفكر الفرنسي ألكسندر لوران، أن “المغرب لديه ملك مستنير تحيط به نخب كفؤة من التكنوقراط، ولكن ذلك لا يكفي لمواكبة وتيرة آسيا التي تستثمر بكثافة في الأبحاث والابتكار والتعليم، والذكاء الاصطناعي”، وهذا أكبر عطب لتخلفنا.
“لماذا نجحت الصين وكوريا الجنوبية وفشلنا نحن ؟”
بعيدا عن الحديث عن مدى ديموقراطية البلدين خصوصا في الصين حيث الحزب الواحد والوحيد، سيبقى الجواب هو كون البلدين يُعيران إهتماما كبيرا للتعليم والبحث العلمي عكس بلادنا،ثم ربما يمكن الإشارة إلى ثقافتنا التي تُشجع الخمول والكسل(وهنا أتذكر ترديد المغاربة لقول لا يشتغل إلا الحمار:فحلل وناقش) وقد تجد في الأحياء الشعبية أسرا مكونة من 6 أفراد راشدين أو أكثر لايشتغل منهم إلا واحد أو إثنين والباقون يقضون يومهم في التسكع.وهذا مشكل ثقافة، ثقافتنا.