الرأي

نافذة للرأي | المناورات القضائية الأوروبية ضد المغرب

بقلم: حسن مزوزي

من هيئة المحامين بالقنيطرة

    إن المتتبع للشأن المغربي سيلاحظ، لا محالة، أن المغرب وهو بصدد استكمال وحدته الترابية، واجه التحولات العالمية من معارك طاحنة إبان الحرب الباردة إلى مناوشات محدودة غداة انهيار جدار برلين.. فما هي نوعية المناوشات التي يتعرض لها المغرب في الآونة الأخيرة؟

تتمة المقال بعد الإعلان

من أهم المناوشات التي تستهدف المغرب، الحرب القانونية والقضائية الممنهجة من قبل خصوم الوحدة الترابية، والتي تستهدف بالأساس التشكيك في مصداقية المغرب أمام المنتظم الدولي من جهة، ومن جهة أخرى، إحراج شركائه الأوروبيين، باستصدار أحكام تتعارض والمصالح الحيوية لشركائه الاستراتيجيين، رغم أن هذه الأحكام لا تأثير لها على الجانب الاقتصادي قياسا بتأثيرها على الجانب السياسي، ونقل ضغط مؤسسات وحكومات الاتحاد الأوروبي على الشركات الأوروبية التي تمارس أنشطتها بالأقاليم الصحراوية من قبل الحكومة المغربية، وتوجيه إشارات إليها بكونها تعمل خارج الشرعية الدولية كما هو الشأن بالنسبة للحكم الأخير الصادر عن محكمة الاتحاد الأوروبي باللوكسمبورغ، يوم الأربعاء 29 شتنبر المنصرم، والقاضي بإلغاء الاتفاقيتين التجاريتين الموقعتين بين الرباط وبروكسيل والمتعلقتين بالتجارة والصيد البحري، حيث استندت المحكمة الأوروبية في حكمها إلى أن موافقة “الشعب الصحراوي” بصفته طرفا ثالثا متضررا، لم تؤخذ بعين الاعتبار عند التوقيع.

فالقرار المذكور، هو امتداد لمنحى المحكمة الأوروبية التي سبق لها في العاشر من دجنبر 2015، أن أصدرت غرفتها الثامنة حكما بإلغاء القرار المؤرخ في 8 مارس 2012 والمتعلق بإقرار الاتفاق على شكل تبادل الرسائل بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية، موضوع التحرير المتبادل في ميدان المواد الفلاحية التحويلية، والأسماك، ومواد الصيد، واستبدال البروتوكولات 1 و2 و3 وملحقاتها، وتعديل الاتفاق الأورو – متوسطي، الذي أسس لشراكة بين المجموعة الأوروبية وأعضائها من جهة، والمغرب من جهة أخرى.

هذا القرار الذي وإن تم رفض طعن البوليساريو فيه، فإنه اعتبر أن الاتفاقية السياسية واتفاقية التبادل التجاري الزراعي والبحري بين المغرب وبين الاتحاد الأوروبي، لا تنطبقان على الصحراء، أي أن العدالة الأوروبية استبعدت الصحراء المغربية من الاتفاق وأهدت للمرتزقة إطارا قانونيا يمكنهم من التشويش على علاقات المغرب بشركائه الاستراتيجيين، وفي مقدمتهم الدول الأوروبية، بل أكثر من ذلك، فإن المنحى المذكور للمحكمة الأوروبية اعتبره الحكام الجزائريون، على لسان وزير خارجيتهم، رمطان لعمامرة، مرحلة جديدة من الصراع الذي سينتقل لا محالة إلى ردهات هيئة الأمم المتحدة، وهو تصريح يكشف بوضوح انخراط الحكام الجزائريين في هذه الحرب القضائية المعلنة على المغرب.

تتمة المقال بعد الإعلان

فالقرار الأخير، وإن لم يكن المغرب طرفا فيه، فقد منح المرتزقة هدية غير متوقعة للطعن في كل اتفاقية مستقبلية قد تشمل الأقاليم الجنوبية، وهو أمر من شأنه الإضرار بالمصالح السياسية المغربية، ويدفع إلى التساؤل: لماذا لم يتدخل المغرب في الدعاوى الرائجة أمام المحكمة الأوروبية والحال أن القرارات الصادرة تمس بسيادته، علما أن مقتضيات الفصل 42 من قانون محكمة العدل الأوروبية، تسمح لكل شخص طبيعي أو معنوي وفي إطار الشروط المحددة في قانون المسطرة، بالتدخل كطرف ثالث في النزاع المعروض أمام المحكمة رغم عدم استدعائه، متى تعرضت مصالحه للضرر؟

قد تكون للحكومة المغربية حساباتها في عدم التدخل في الدعاوى المثارة أمام المحاكم الأوروبية المتعلقة بالاتفاقيات التي أبرمتها مع الجانب الأوروبي وتعتبر بالتالي، أن أمر الطعن هو شأن أوروبي، وأن ما يمكن أن يثيره المغرب أمام المحكمة يمكن أن يثيره الجانب الأوروبي، إلا أن وقع القرارات على المغرب من الناحية السياسية، لا يوحي بذلك، بل إنه يحتم إعادة النظر في هذا المنحى في ظل وجود الفصل 42 المذكور، وكذا الفصل 263 من ميثاق عمل الاتحاد الأوروبي الذي يمنح المحكمة الأوروبية مراقبة العديد من الأعمال والتصرفات، من قبيل الأعمال البرلمانية وشرعية أعمال الهيئات ومنظمات الاتحاد التي من شأنها إنتاج أثر قانوني تجاه الغير، وكذا النظر في الطعون المتعلقة بعدم الاختصاص وخرق القواعد الموضوعية والمعاهدات وإساءة استعمال السلطة التي يقوم بها أشخاص طبيعيون أو معنويون ضد تصرفات هذه الهيئات أو المنظمات، والتي من شأنها أن تنتج أثرا قانونيا تجاههم.

ومجمل القول: إن هناك من النصوص ما يسمح بعدم ترك المجال لخصوم الوحدة الترابية يصولون ويجولون وحدهم في الساحة وليس بالضرورة أن تقوم الحكومة المغربية بنفسها بذلك، بل يمكن لكل شخص طبيعي أو معنوي أن يتصدى لبعض التصرفات التي من شأنها أن تنتج أثرا قانونيا تجاهه، فكيف لا وقد عللت المحكمة قضاءها بكون الاتحاد الأوروبي لا يمكنه التفاوض مع المغرب في أمور من شأنها أن تعرض موارد المنطقة للخطر دون موافقة “الشعب الصحراوي”؟ أي أن العدالة الأوروبية تطلب موافقة البوليساريو بصفتها طرفا ثالثا متضررا عند توقيع الاتفاقيات بشأن الأقاليم الصحراوية!

تتمة المقال بعد الإعلان

بعد أن اتضحت معالم المعركة القضائية الممنهجة ضد المغرب، فإن ما يستدعي تدخل الجانب المغربي في الدعاوى الرائجة أمام المحكمة الأوروبية بشأن اتفاقياته مع أوروبا، سبق قبوله شرط إثبات صرف نسبة من العائد المادي -بالرغم من هزالته – والذي يدفعه الاتحاد الأوروبي على تنمية الأقاليم الصحراوية لصالح ساكنتها، وقد كان حريا بالجانب المغربي ألا يقبل بالشرط المذكور المقترح من الجانب الأوروبي الذي جعل ضمنيا حيازته للأقاليم الصحراوية حيازة على سبيل الإدارة ليس إلا، وهو مساس بشرعية سيادته، بل كان بإمكانه التضحية بالاتفاقية ككل والتي كانت من بين الأسباب التي مكنت المرتزقة ومن يسير في فلكهم، من فتح جبهة قضائية مضمونة النتائج بالنسبة لخصوم الوحدة الترابية لا تحتاج لحنكة قانونية لإدراكها.

إذن، على المغرب ألا يعول كثيرا على الشريك الأوروبي في فرض سيادته على أقاليمه المسترجعة، فقد أثبتت التجربة أن الاتحاد الأوروبي يكيل بمكيالين.

تتمة المقال بعد الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى