الرأي

الرأي | مجلس الأمن المقبل والصحراء

بقلم: نوفل البعمري

    بعد أيام قليلة، سيتم إصدار قرار جديد لمجلس الأمن حول الصحراء، وذلك بعد مناقشة مسودته التي ستعرضها الإدارة الأمريكية على المجلس للنقاش والتصويت، وهو القرار الذي يأتي في إطار عدة متغيرات، نذكر البعض منها:

1) مسودة القرار التي ستُعدها الولايات المتحدة الأمريكية، ستكون الأولى التي تقوم بإعدادها الإدارة الأمريكية الجديدة في ظل الموقف الأمريكي المعترف بمغربية الصحراء، بحيث سيكون مناسبة للتعبير بشكل جلي وواضح أن هذا الموقف الداعم للمغرب الذي جاء في إطار الإعلان الثلاثي الذي وقعه المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، إعلان أفضى إلى اعتراف أمريكي بمغربية الأقاليم الصحراوية الجنوبية، وعليه، فالمسودة التي ستقوم إدارة بايدن بتوقيعها، ستكون تعبيرا عن هذا الإعلان، وعن حجم الشراكة السياسية التي تجمع المغرب والولايات المتحدة، وستكون أيضا مناسبة للحسم النهائي في كل الجدل الذي رافق الإعلان الرئاسي الأمريكي، ومناسبة للتأكيد على وجهة نظر الإدارة الأمريكية للمخرج من هذا النزاع الذي لن يكون سوى من خلال الحكم الذاتي.

2) القرار يأتي في ظل أوضاع تعيشها المنطقة، ويجب أن يدفع المغرب أعضاء المجلس للانتباه إليها، لأخذها بعين الاعتبار والمجلس يناقش مشروع القرار والتصويت عليه، خاصة وأنه سيتم في الجلسة ذاتها، الإعلان عن دعم تعيين ستيفان دي ميستورا مبعوثا خاصا في الصحراء، والعمل الذي سيقوم به لمحاولة إحياء العملية السياسية، رغم الصعوبات الجدية التي فرضها الواقع الجديد المرتبط بالمواقف العدائية والمستفزة التي أعلنتها الدولة الجزائرية تجاه المغرب، وهو واقع سيجعل مهمة دي ميستورا صعبة جدا، لأن الطرف الذي يُنتظر منه أن ينخرط بإيجابية لحلحلة الملف، يتخذ مواقف دبلوماسية لا تجد أي سند لها غير الرغبة في التصعيد لعرقلة الوصول لحل سياسي متوافق بشأنه على قاعدة مبادرة الحكم الذاتي.

3) مناقشة مشروع القرار الذي ستعرضه الولايات المتحدة الأمريكية بمجلس الأمن، سيكون مناسبة لإعادة التذكير بالدعم الأممي للعمل الذي يقوم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من خلال لجانه الجهوية في الأقاليم الصحراوية الجنوبية بالنهوض وحماية حقوق الإنسان بالمنطقة، وهو عمل يحتاج لدعم مجلس الأمن لإغلاق أي نقاش محتمل قد يكون تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الأخير قد حاول فتحه في هذا الباب، خاصة وأنه لا يمكن الاستناد لحالة فردية تتعلق بسلطانة خيا وتقديمها كحالة عامة، وهي التي رفض البرلمان الأوروبي قبول ترشيحها لجائزة “ساخاروف” لحرية الفكر، وهو الرفض الناتج عن وعي البرلمان الأوروبي بكون ما تقوم به هذه السيدة لا يدخل في مجال النضال الحقوقي، ولا السياسي، بالمقابل، مجلس الأمن مطالب بطرح الوضع الحقوقي في مخيمات تندوف خاصة منه استغلال الأطفال في أعمال مسلحة وتجنيدهم قسرا، وهي كلها ممارسات ترفضها الأمم المتحدة وتتعارض مع الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

4) مجلس الأمن وهو يتجه لمناقشة تطورات الوضع الميداني، سيكون مطالبا بطرح ارتباطات البوليساريو بالتنظيمات الإرهابية، خاصة في شمال مالي، وما الأحداث الأخيرة التي تعرض لها السائقون المغاربة بمالي، لواحدة من هذه التجليات الواضحة لهذا الترابط العضوي بين ميليشيات الجبهة والحركات الإرهابية، مع ما أصبحت تشكله مخيمات تندوف في ظل تزايد حجم اليأس والإحباط من أرض خصبة لهذه التنظيمات لاستقطاب شباب المخيمات، هذا الترابط أصبح اليوم يهدد المنطقة ككل ويطرح على مجلس الأمن مسؤولية ضمان الأمن والسلم في المنطقة وعدم الاستخفاف بمثل هذه الوقائع والأحداث التي راح ضحيتها مدنيون وأبرياء من سائقي الشاحنات، وهي نفس الخطة التي كان يريد تنظيم البوليساريو وميليشياته تنفيذها بالكركرات، لكن بفضل سرعة دقة التحرك الأمني المغربي تم تأمين المنطقة ومعها تأمين تحرك المركبات، العربات والسائقين، لتنتقل هذه العناصر الميليشياتية بتنسيق مع التنظيمات الإرهابية، إلى القيام بأعمال قرصنة في شمال مالي لاعتراض السائقين.

5) مجلس الأمن وهو يتجه لاستصدار قراره، فهو ينطلق من التراكم السياسي الذي أقرته قراراته السابقة الصادرة منذ سنة 2007، وصولا للقرار رقم 2548 الصادر في أكتوبر الماضي، وهي قرارات شهدت تطورا نوعيا في التعاطي مع الحل السياسي الذي قد يُفضي لحل هذا النزاع، بحيث تم إقبار طرح استفتاء تقرير المصير وتم تعويضه بالحكم الذاتي كواحد من التعبيرات السياسية الديمقراطية لفكرة تقرير المصير، وارتباط الحل ككل بتطور الوضع الميداني، خاصة منه داخل الأقاليم الصحراوية الجنوبية التي تشهد قفزة وثورة نوعية في مختلف المجالات المرتبطة بالتنمية وبالديمقراطية المحليتين في انتخابات كانت محط أنظار المراقبين الدوليين، الذين أكدوا على نزاهتها وعلى حرية اختيار الناخبين لممثليهم ليس في المؤسسات المنتخبة، بل هم ممثلوهم اليوم في المسار السياسي باعتبارهم معبرين عن مصالحهم المحلية، وممثليهم الشرعيين، لذلك، فمجلس الأمن وهو يتجه للإعلان عن دعم سياسي لستيفان دي ميستورا، فإنه سيكون داعما لعملية سياسية تجعل من الحكم الذاتي المخرج الوحيد لإنهاء هذا النزاع المفتعل حول الصحراء.

في الختام، المغرب أكيد أن دبلوماسيته تتحرك من أجل تحصين مختلف المكاسب التي حققها، وهو تحرك يجب أن يتم تفاديا لأي مفاجأة، وضمانا للاستمرار في نفس المسار الأممي الداعم للحكم الذاتي، وامتحان للإدارة الأمريكية التي ستكون مطالبة بترجمة موقفها الداعم لمغربية الصحراء في مسودة قرارها الذي ستعرضه على مجلس الأمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى