الرأي

الرأي | استعمال القانون لمأسسة الإفلات من العقاب في الجزائر

بقلم: هشام الشرقاوي

    لم يعلن إلى اليوم عن حقيقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة في الجزائر خلال السنوات الفارطة، والتي ارتكبتها القوات الأمنية والميليشيات التي دججتها الدولة بالسلاح والعتاد وفرق أخرى على رأسها الجماعات المسلحة، والعديد من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، اشتكت في عدة مناسبات من عناصر القوات الأمنية والميليشيات المسلحة التي لم تتم محاسبتها عن الأفعال التي ارتكبتها واستفادت بشكل واسع من الحماية والإفلات من العقاب..

ورغم كشف هويات مرتكبي الجرائم في حالات عديدة من الانتهاكات الجسيمة والاختفاءات القسرية، فإن الحكومات المتعاقبة ترفض أي إجراء ضروري من أجل تقص عميق مستقل ونزيه، فالصحافة مكممة والمنظمات الدولية قلما يسمح لها بزيارة الجزائر لمتابعة تحقيقاتها واستكمالها، أضف إلى ذلك، رفض الدولة الجزائرية الامتثال لآليات الأمم المتحدة، فحالة الإفلات من العقاب لا تشمل فقط عدم تقديم المسؤولين إلى العدالة ومحاسبتهم، بل الأدهى من ذلك، تبوأهم اليوم مناصب عليا ومهمة في البلاد، وذلك بالاعتماد على قوانين شرعنت الإفلات من العقاب، منها:

1) الوئام المدني، الذي شكل فرصة سانحة لتأمين الإفلات من العقاب، تندرج خطوطه العريضة في تأمين مريح لحالة الإفلات من العقاب، فهو يبدو لأول وهلة كأنه يد ممدودة لعناصر الجماعات المسلحة، لكنه في الحقيقة، آلية ابتكرها النظام لترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب في المجتمع، فقد دخل قانون الوئام المدني رقم 99-08 إلى حيز التطبيق يوم 13 يوليوز 1999، بعد أن صادقت عليه الحكومة وتم التصويت عليه في مجلس الشعب ومجلس الأمة، وأخيرا أيده استفتاء في شتنبر من نفس السنة.

هذا القانون يستهدف أساسا الأشخاص المتورطين في الإرهاب والتخريب كما هو منصوص عليه في البند 87 مكرر في القانون الجزائي، ومن الجلي، أن الوفاق المدني والعفو العام، نظير قانون عفو سنة 1995، مجرد آليات تمنع كشف الحقيقة، وتبرئ عناصر الجماعات المسلحة، تليها إجراءات إدارية بعيدا عن أي عدالة ومحاسبة والكشف عما جرى، بل مداولات داخلية لا أحد يعلم القرارات التي اتخذت داخلها، فالضحايا وأسرهم ليس لهم الحق في الاستماع، ولا يمكنهم بالتالي رفع دعوى قضائية ضد الأشخاص المتورطين بعد نيلهم العفو وتبرئة ساحتهم، ما داموا تحت حماية الدوائر العسكرية.

هذا الرفض الممنهج للدولة لدعم مسار الحقيقة، يكشف عن منطق تسييد حالة الإفلات من العقاب على مختلف المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، الذين هم بالدرجة الأولى، دولتيون.

وأمام هذا الوضع، وفي ظل غياب سلطة قضائية نزيهة ومستقلة، وكذا غياب إرادة سياسية للدولة لكشف حقيقة ماضي الانتهاكات، تبقى المصالحة الوطنية الحقيقية بعيدة المنال.

2) قانون الوئام والمصالحة:

تم إقرار ميثاق من أجل السلم والمصالحة في الجزائر عبر استفتاء شعبي يوم 29 شتنبر 2005 والذي عزز بذلك حالة الإفلات من العقاب وعدم معرفة ما جرى (الجريدة الرسمية الجزائرية غشت 2005، النشرة رقم 06/01 لـ 27 فبراير 2006).

– المادة 6: تنقضي الدعوى العمومية في حق كل شخص محل بحث في داخل التراب الوطني أو خارجه، بسبب ارتكابه أو اشتراكه في ارتكاب فعل أو أكثر من الأفعال المنصوص عليها بموجب الأحكام المذكورة في المادة 2 منه، ويمثل طوعا أمام السلطات المختصة في أجل أقصاه 6 أشهر ابتداء من تاريخ نشر هذا الأمر في الجريدة الرسمية، ويصرح بوضع حد لنشاطاته.

– المادة 16: يستفيد الأشخاص المحكوم عليهم بسبب ارتكابهم أو مشاركتهم في ارتكاب فعل أو أكثر من الأفعال المنصوص عليها في الأحكام المذكورة في المادة 2، من العفو طبقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور.

– المادة 45: لا يجوز الشروع في أي متابعة بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن للجمهورية بجميع أسلاكها، بسبب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية الجزائرية، يجب على الجهة القضائية المختصة التصريح بعدم قبول كل إبلاغ أو شكوى.

– المادة 46: يعاقب بالحبس من 3 سنوات إلى 5 سنوات وبغرامة من 250.000 دينار جزائري إلى 500.000 د.ج، كل من يستعمل من خلال تصريحاته أو كتاباته، أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية، أو يعتد بها للمساس بمؤسسات الجمهورية الجزائرية أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف، أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية .

إن فكرة إصدار ميثاق للسلم والمصالحة، عرضت للنقاش شيئا فشيئا، عندما بدأ الوهن يتسرب إلى الجماعات “الإسلامية”، وبدأ مشروع بناء دولتها “الإسلامية” يتراجع، لكن الملاحظ هو أن كل الأحزاب السياسية المعارضة، لم تشترك أو تتعاون في كتابة الميثاق وتدعيمه، وأثناء التصويت الاستفتائي، لم يسمح لأي صوت معارض للميثاق، بالتعبير سواء في التلفزة أو الراديو، الكل تمت مراقبته ومحاصرته، فعائلات المفقودين وجمعياتهم وغيرها من المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان، مرارا ما تم طردهم من الشارع ومنعهم من التعبير عن آرائهم المعارضة، فالنظام السياسي الجزائري لم يسمح أبدا لمعارضيه أن يعبروا عن آرائهم عبر وسائل الإعلام خلال الاستفتاءات.

ومحتوى الميثاق، يكشف جيدا أن القادة العسكريين، تحكموا في إملائه، طبعا، فالميثاق يستهل بمدح السياسة الأمنية ويثني على عمل الجيش خلال النزاع الداخلي الجزائري..

كما نستنتج أن انتهاكات حقوق الإنسان التي تنسب المنظمات الدولية مسؤوليتها للجيش، قد تم السكوت عنها، لكن الجرائم التي اقترفتها الجماعات “الإسلامية”، تم العفو عن الكثير منها.

ومجمل القول، من أجل تحقيق مصالحة وطنية دائمة، لا بد من توفر إرادة سياسية للدولة، للقبول بإفادة بعثة لتقصي الحقائق تمثلها منظمات دولية كبرى، للكشف عن الدور المحوري لأجهزة الأمن، وخاصة الأجهزة العسكرية في الجرائم ضد الإنسانية والتعذيب والاختفاء القسري والإعدامات خارج نطاق القانون، إلا أن هذا الهدف سيصطدم بطبيعة النظام السياسي الجزائري، الذي تتم صياغته من قبل الجيش وتحت سيطرته، فالرئيس الجزائري يتم تعيينه من قبل القادة العسكريين قبل اختياره من الشعب عبر انتخابات مزيفة يتلاعب بها الأمن العسكري الذي يؤدي هنا دور الشرطة السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى