الرأي

الرأي | الواقعية في الخطاب

بقلم: د. عبد الله بوصوف

    يمكننا القول وبكل ثقة، أن المغرب تتوفر لديه الآن كل مقومات النجاح، سواء على مستوى النضج الديمقراطي وعمق الممارسة السياسية والتداول الطبيعي على تدبير الشأن العام، أو على مستوى التشخيص وتخطيط البرامج والأهداف الاستراتيجية، ونعني بها النموذج التنموي الجديد، والميثاق الوطني للتنمية، أو على مستوى التقدم الكبير في ملف وحدتنا الترابية والوطنية وفي مقدمتها الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وافتتاح قنصليات للعديد من الدول بكل من مدينتي العيون والداخلة بالصحراء المغربية، وآخرها المشاركة الواسعة والقوية للأقاليم الجنوبية في استحقاقات الثامن شتنبر 2021..

والأكيد أننا لم نصل بعد لنهاية الطريق، لكننا في مرحلة فاصلة وواعدة في تقدم المغرب وازدهاره، وهذا لا يعني أن الطريق كانت مفروشة بالورود، إذ تطلبت ظروف المرحلة العديد من التضحيات والعمل الدؤوب والتخطيط الطموح.. لمواصلة مسيرة التنمية ومواجهة التحديات الخارجية.

كما يمكننا القول بأن الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، حسب الفصل 65 من الدستور، حمل مقاربة واقعية للمرحلة الجديدة، وحدد الأبعاد أو المرتكزات الثلاث للعمل التشريعي والحكومي المقبل.

وقد تجلت المقاربة الواقعية للخطاب، في طرحه ثنائية التشخيص/الحلول مع الاعتماد على لغة الأرقام والإحصائيات، انطلاقا من كيفية تدبير المغرب لمرحلة جائحة “كورونا” من خلال تقديم الدعم المعنوي للفئات الهشة وتوفير اللقاح بالمجان رغم كلفته المالية الباهظة، مرورا إلى توفير احتياجات السوق من المواد الأساسية، ليصل إلى ضرورة إحداث منظومة وطنية تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية والصحية والطاقية تعزيزا للأمن الاستراتيجي للبلاد.

ولأن الأرقام ليست تعبيرا عن وجهة نظر، بل هي تعبير عن الواقع.. فإن ذات الخطاب حمل معه أرقاما تتعلق بنسبة النمو فاقت 5.5 % في سنة 2021، وتسجيل القطاع الفلاحي لنسبة نمو فاقت 17 %، وارتفاع الاستثمارات الخارجية بنسبة 16%، وزيادة تحويلات مغاربة العالم بحوالي 46 % عند شهر غشت، والتحكم في نسبة التضخم في حدود 1 %.

وهي أرقام دالة على روح المبادرة وثقة الفاعل الاقتصادي والمستثمرين من جهة أولى، وتساهم في رفع منسوب الأمل والتفاؤل لدى المواطن المغربي من جهة ثانية، بعيدا عن خطابات التشاؤم والتأييس..

فخطاب الجمعة الثانية من شهر أكتوبر لم يحمل معه جرعة الأمل والتفاؤل فقط، وإنما حمل معه أيضا تعريفا واضحا للنموذج التنموي الجديد.. بأنه ليس مخططا للتنمية بالمفهوم الكلاسيكي الجامد، بل هو إطار عام مفتوح للعمل وبضوابط جديدة، ويفتح آفاقا واسعة للجميع، وأن الميثاق الوطني للتنمية هو آلية لتنزيل النموذج التنموي الجديد.

كما أن واقعية الخطاب ستفتح من جهة أولى، مساحات كبيرة للعمل الحكومي والبرلماني، سواء أغلبية أو معارضة، ومن جهة ثانية، ذكّر الحكومة الجديدة بمسؤوليتها، سواء في وضع الأولويات الاستراتيجية والمشاريع مع تعبئة وسائل التمويل في إطار تنزيل برنامج النموذج التنموي، أو باستكمالها للمشاريع الكبرى التي تم إطلاقها، كالحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى تأهيل حقيقي لمنظومة الصحة وتنفيذ إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية والإصلاح الضريبي، وتعزيز كل ذلك بميثاق جديد محفز للاستثمار.

وسعيا للمزيد من الفعالية واليقظة، وحرصا على المزيد من التناسق والتكامل، فإن ذات الخطاب طرح الحاجة إلى إصلاح عميق للمندوبية السامية للتخطيط يمكنها من لعب دور آلية المساعدة ومواكبة تنفيذ النموذج التنموي، بالاعتماد على معايير مضبوطة ووسائل حديثة التتبع والتقويم وليس التقييم، وهذا يحمل في حد ذاته نقلة نوعية مهمة في عمل المندوبية السامية للتخطيط.

نحن بالفعل في مرحلة جديدة، وببرلمان وحكومة جديدتين.. وقد حملنا الخطاب الملكي جميعا، حكومة وبرلمانا ومؤسسات وقوى حية، مسؤولية إنجاح هذه المرحلة بكل ما يلزم ذلك من التحلي بروح المبادرة والمواطنة والالتزام المسؤول، تجاه هذا المسار الإرادي الطموح الذي يجسد الذكاء الجماعي للمغاربة ورغبتهم القوية في تعزيز مكانة المغرب والدفاع عن مصالحه بالخارج، وأيضا مواصلة مسيرة البناء والتنمية بالداخل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى