الرأي

الرأي | كيف انهار حزب العدالة والتنمية ؟

بقلم: د. إدريس الفينة

    أخبرنا سعد الدين العثماني، زعيم التنظيم الإسلامي في المغرب، خلال كلمته بالمجلس الوطني المنعقد الأسبوع الماضي، أن “النتائج التي تحصل عليها التنظيم في استحقاقات الأربعاء 08 شتنبر، هي نتائج غير منطقية وغير مفهومة وغير معقولة، ولا تعكس الخريطة السياسية، كما لا تعكس موقع التنظيم وحصيلته في تدبير الشأن المحلي والحكومي”، كما قال: “إنه لا يمكن للمغاربة أن يعاقبوا هذا التنظيم دون معاقبة الحلفاء الحزبيين الذين كانوا معه”.

في الحقيقة، كان على هذا التنظيم أن يتساءل أولا كيف خرج من عدم وكيف حصل في الانتخابات السابقة والتي قبلها على العدد الذي حصل عليه؟ وكيف أوهم المواطن بأنه قادر على تغيير أوضاعه، وكان عليه أن يبحث في كيف لأحزاب كبيرة كانت في الساحة سابقا بنضالاتها المشهود لها بها تصبح اليوم قزمية؟

كل الأحزاب عبر العالم تتآكل نتيجة للحكم وما يتبعه من غنائم.. اليوم وفي إطار الفردانية السائدة كمبدأ عام، فإن الجميع يريد أن يستفيد من غنائم الحكم داخل الأحزاب، وهو ما يخلق صراعات داخلية على كل المستويات تضعف هذه التنظيمات وتضعف تلاحمها الذي كان سببا في تطورها وازدهارها، وهو الأمر الذي ينطبق على هذا التنظيم الإسلامي، كما أن المواطن البسيط الذي سبق وأن عاقب أحزابا أخرى، لاحظ التغييرات الواضحة التي حصلت على المستوى الاجتماعي لمسؤولي هذا الحزب، وهو تغير شمل المساكن والسيارات التي يتملكونها، بل حتى تعدد الزوجات كمظهر من مظاهر البذخ الجديد، الأمر الذي أبعد القيادات عن القواعد التي ساهمت في صعودها السابق.. كل هذا ساهم في فقدان الثقة في هذا التنظيم ذي المرجعية الإسلامية، والذي حمل شعارات فضفاضة غير قابلة للتنزيل، وتحول تدريجيا لحزب عادي يلهث وراء الغنائم الفردية، ومن جهة أخرى، تنظيم “البيجيدي” لا يتوفر على مشروع ورؤية تنموية واضحة للبلاد، كما لا يتوفر على قاعدة واسعة من المفكرين والمثقفين القادرين على تزويد التنظيم باستمرار بأفكار متجددة..

لقد اشتغل هذا التنظيم طيلة العشر سنوات الأخيرة، بما كانت تمليه عليه الإدارة، حتى برنامجه الذي صوت عليه المواطن قد وضعه جانبا، وقد كان وزراء هذا الحزب يشتغلون كموظفين عند الإدارة كما فعلت الأحزاب التي سبقتهم ولم يتمكنوا من خلق أدنى تغيير ملموس يمكن أن يحسب لهم، بل بالعكس، عدد من الإجراءات التي اتخذوها كانت لاشعبية.

الخطة الوحيدة التي كانوا يحاولون تنزيلها وفشلوا، هي الخطة التي يتقاسمها مع باقي الحركات الإسلامية في المشرق، والتي تهدف إلى اختراق هياكل الدولة من خلال الموارد البشرية المؤهلة ومن خلال مناصب المسؤولية، فإذا لاحظنا أنه طول الفترة السابقة وفي كل يوم خميس، كان يوم حفلة توزيع مناصب المسؤولية على أتباعهم وكأن الحكومة لا شغل لها إلا هذا الملف، كما أن سيطرة هذا التنظيم الإسلامي على وزارة التعليم العالي لم تكن عبثا، إذ حاول الاستحواذ على أكبر عدد من الجامعات والكليات والمدارس العليا بما فيها المدرسة العليا للإدارة العمومية، بهدف تكوين كوادرهم ودمجهم داخل مختلف الإدارات كمسؤولين كبار ومن تم السيطرة على القرار داخل الإدارة واختراقها على كل المستويات .

لا أعتقد أن بن كيران كزعيم سابق، باستطاعته ترميم هذا الحزب، لأسباب متعددة: أولا، هذا الشخص أصبح منبوذا داخل التنظيم وخارجه، بل إنه أصبح ورقة محروقة، نتيجة خرجاته الغير موفقة وطمعه في الغنائم المادية عكس من سبقوه من رؤساء الحكومات. ثانيا، الحزب أصبحت له زعامات جديدة شابة متكونة وطموحة قادرة على منافسة الزعامات التاريخية ضعيفة التكوين، كما أن التنظيم بحاجة للقيام بمراجعات متعددة لتوضيح أهدافه، فتحليل خطابات هذا التنظيم يظهر بوضوح أنه كان ولازال في صراع مع الدولة وليس مع مشاكل تنمية البلاد وإيجاد الحلول لها، ذلك أن استغلاله للخطاب الديني واستغلاله للفئات الفقيرة الهشة يحتاج إلى المراجعة، إضافة إلى أن التنظيم له تنظيمات موازية تشتغل في الظل على خطط محددة مخصصة لإضعاف الدولة ومختلف الخصوم السياسيين، من خلال إطلاق الإشاعات عبر الشبكات الاجتماعية، ونتذكر هنا حملة المقاطعة لمنتجات بعض الشركات، ولاحظنا كذلك أن هذا التنظيم خلق قاموسا جديدا من المفردات السياسية بهدف الابتزاز وردع الخصوم، باعتماد براهين واهية من قبيل “الدولة العميقة” و”التماسيح” و”البليكي”، ومؤخرا مصطلح “النكافة”، وهو أمر يحط كثيرا من مكانة التنظيم الإسلامي داخل المجتمع، كما حاول هذا التنظيم اختراق الأحزاب الأخرى وإضعافها من خلال الاتصال المباشر بكوادرها ومحاولة استمالتهم كما حصل مع الوزير الراحل الوفا من حزب الاستقلال وكوادر اتحادية وحول أحزاب أخرى بكاملها لملحقات كما هو حال حزب التقدم والاشتراكية الذي تحول زعيمه إلى ناطق رسمي ومحامي لـ”البيجيدي”، دون أن ننسى أن الحزب كان يتبنى باستمرار مواقف سياسية مبهمة، لا هو في المعارضة ولا هو في الحكومة، تجعله غير جدي ولا يمكن تحميله المسؤولية..

كل هذا جعل حزب العدالة والتنمية ينزلق نحو الأسفل بعد التصويت العقابي الأخير، لأن المواطن المغربي ذكي ويميز بين الوعود والإنجازات وأثارها الحقيقية عليه.                 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى