الرأي

الرأي | محاولة للفهم.. انتخابات 8 شتنبر

بقلم: عبد الرحيم العلام

    من الأفضل عدم التسرع في إطلاق بعض التوصيفات التي تخص السلوك الانتخابي الذي تسبب في هزيمة حزب العدالة والتنمية، لا سيما ما يتصل بمسألة “التصويت العقابي”، لأن هذا التفسير لا يمكنه أن يصمد أمام قراءة التفاصيل، بحيث لا يوجد تفسير لكون الناخب “عاقب” حزب “المصباح”، بينما كافأ حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو الذي شارك معه في الحكومة نفسها وسير أهم الوزارات (المالية، الفلاحة، الصناعة…)، كما كافأ حزب الحركة الشعبية الذي سير وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي التي عرفت أكبر نسبة احتجاجات خلال السنوات السابقة، وكافأ حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي سير وزارة العدل التي جلبت عليه احتجاجات عارمة بسبب مشروع “قانون تكميم الأفواه”، وكافأ حزب الاتحاد الدستوري الذي سير وزارة السياحة… إلخ.

لو كان التصويت العقابي يصلح كتفسير لرأينا التصويت يذهب لصالح الحزب الاشتراكي الموحد وتحالف فيدرالية اليسار وحزب التقدم والاشتراكية، وقد كان لها مرشحون في أغلب المناطق، أما في صفوف الأحزاب القريبة من السلطة، لكان التصويت لصالح الأصالة والمعاصرة الذي كان في المعارضة وليس حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يعتبر المساهم البارز في كل سياسات الحكومة، وخاصة من خلال وزارة المالية التي هي أهم وزارة بعد الداخلية، لذلك، لا أظن أن السلوك الانتخابي في المغرب قد ارتقى لكي نعول عليه في توظيف تفسير التصويت العقابي، لأن هناك أسبابا متعددة لتفسير التصويت وليس سببا واحدا، من دون استبعاد أن بعض التصويت قد يكون فعلا عقابيا، لكنه ليس هو الغالب، علما أن حزب التجمع الوطني للأحرار فاز بما يعادل نسبة 98 في المائة، لأنه حصل على 92 مقعدا (مجموع الدوائر)، إضافة إلى 10 مقاعد من خلال اللوائح الجهوية للنساء، ولو لم يكن القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين لحصد أكثر من 150 مقعدا، (سبق أن انتقدنا هذا القاسم الانتخابي من منطلق مبدئي يروم الدفاع عن الديمقراطية، واعتبرنا أنه سيكون في خدمة حزب العدالة والتنمية وليس العكس كما اعتقدت الأحزاب المتحالفة ضده ودوائر السلطة، وحزب المصباح نفسه، لأنه كان في علمية إنكار للواقع).

كان هناك اعتقاد يفيد بأن لحزب “المصباح” قاعدة ثابتة تصوت عليه في جميع الأحوال، دون تأثر بالإنجازات والإخفاقات، وقد كتبت شخصيا أكثر من مقال، أبين فيه أن هذا الاعتقاد خاطئ تماما وغير مؤسس على معطيات، لأن قاعدة الحزب ليست بتلك القوة التي يظنها البعض، وإنما الذي كان يعطي للحزب قوته هو ضعف الأحزاب المنافسة له.

هل اختلف الوضع اليوم؟ هل الأحزاب التي نافسته أصبحت قوية؟ بالقطع والمطلق (لا مجال للنسبية في هذا المجال بالنسبة لي)، ليست الأحزاب التي فازت عليه اليوم قوية، بل إنها أضعف منه بكثير، ولديها من الضعف ما سيكشف حقيقتها في أول امتحان، لكن الذي ساهم في سقوط حزب “المصباح”، هو أنه أصبح ضعيفا أكثر مما كان عليه، وأن الناس “انتقمت منه” بسبب الخذلان الذي شعرت به إزاءه، وبسبب الإحباطات التي شعرت بها بعد الكم الكبير من الانتظارات (نشرنا كتابا جماعيا بعنوان: تشريعات 2016، بين إنعاش الآمال وتكريس الإحباطات، وقد تبين أنها كرست الإحباط ولم تنعش الآمال).

ولا يدخل في دائرة هذا المقال التطرق لقضايا أخرى يمكن أن تكون قد أدت إلى فشل العدالة والتنمية (حياد السلطة، المال، خلق الأجواء المناسبة…)، لأن تلك القضايا كانت حاضرة في جميع الانتخابات (لعبت لصالح حزب المصباح سنة 2011)، ومع ذلك كان الحزب يتغلب عليها.

ما المتوقع مستقبلا؟

وارد جدا أن المواطن المغربي سيندهش فعلا يوم الجمعة الثانية من أكتوبر (افتتاح البرلمان) عندما سيُمعن النظر في هوية الذين سيجلسون في الأماكن التي كان يحتلها حزب العدالة والتنمية، وذلك عندما سيفاجأ بأن جزء كبيرا منهم هم من معمري السياسة، ومنهم من صدرت في حقهم أحكام قضائية، ومنهم من كان ضمن الشخصيات التي منعتها وزارة الداخلية عبر تعليمات سنة 2011 من الترشح تفاعلا مع رياح الربيع الديمقراطي، وتمهيدا لفوز حزب عبد الإله بن كيران، الذي كان قد وقف آنذاك في وجه الحراك العشريني، بعد أن انسحبت كل الأحزاب الإدارية من المشهد واختفت كل قياداتها، ومنها من غادر خارج المغرب، توجسا مما لا تحمد عقباه.

كما أنه وارد جدا، أن المواطن سيشعر باندهاش أكبر بعد تشكيل المجالس الجماعية، عندما سيتعرف على بروفايلات الذين سيشكلون المجالس الجماعية المقبلة (لا يعني ذلك أن الانتخابات لم تُسفر عن وجوه جديدة تتميز بالكفاءة، لكن ما الذي تستطيعه القلة ضمن الكثرة؟).

باختصار، لا ضوء يبدو في آخر النفق، فقط يمكن أن نطرح السؤال: هل سيساهم الانسجام الذي ستعرفه مؤسسات الحكم في المغرب (القصر، الحكومة، البرلمان، المجالس الترابية) في خلق الأجواء التي ستمهد لتحقيق وضع اقتصادي جيد؟ وهل يؤدي هذا الانسجام إلى تحقيق الوعود التي رفعتها الأحزاب خلال الحملة الانتخابية: وعود الحزب الفائز، ووعود الأحزاب التي ستشكل معه الحكومة، أم سيفرز هذا الانسجام أمورا أخرى؟

في جميع الأحوال، الشهور المقبلة هي التي ستكون حاسمة، أما من كان يعارض حزب العدالة التنمية، فإنه قد رحل، وأما من كان يعارض الفساد، فإنه ما زال حيا، وأما من كان يعارض سياسات التفقير التي كانت في ظل الحزب الراحل، فإن الفقر ما زال متفشيا، ومن كان يدافع عن الحريات (عشرات المعتقلين السياسيين، عشرات اللاجئين السياسيين، قمع متواصل للتظاهرات والوقفات…) التي تم هضمها في ظل وجود الحزب المنهزم على رأس الحكومة، فإن تلك الحريات لا تزال مهضومة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى